إن ما يحدث الآن في مصر على الساحة السياسية من صراع وتناحرالقوى الإسلامية على كرسي الرئاسة - دون أن توحد مواقفها - هو أخطر من الثورة المضادة بل هو الذي سيدفع وبقوة بالوجوه القديمة إلى سدة الحكم مما قد يترتب عليه إعادة إنتاج النظام القديم في شكل جديد ولا خروج لنا من هذا المأزق إلا بتوحد القوى الإسلامية خلف مرشح واحد ونبذ الفرقة والخلاف وإن بدا هذا صعب المنال على الأقل في المنظور القريب . ولعل جماعة الإخوان أسهمت في هذا الأمر بشكل أو بآخر من خلال هرولتها لعقد الصفقات مع المجلس العسكري تاركةً وراءها القوى الثورية الأخرى مما أعطى الفرصة للمجلس العسكري للإنفراد بالجماعة واللعب بها في لحظة "غباء سياسي" ممزوجة برغبتها في الحكم وتطلعها إليه وخوفها من ضياع الفرصة وقد ساعد على إضعاف موقف الجماعة سعيها لإحراز كل السلطات لصالحها أو قل أكبر قدر من السلطات ولو عملت الجماعة على استيعاب الآخرين قدر الإمكان لكانت النتائج أفضل وأنا لا ألقي بالمسئولية كلها على عاتق الجماعة في الوقت الذي كان ولا يزال التيار السلفي يمر فيه بمرحلة مراهقة سياسية اتضحت من خلال " غطرسة " أبو إسماعيل وتصريحاته النارية وتهديداته في كل صغيرة وكبيرة دون روية أو تأني ظناً منه أنه بذلك يكسب الجماهير إلى صفه من خلال اللعب على مشاعرهم وإن كان ذلك قد جذب إليه قطاع كبير من الشباب المتحمس إلا أن هذا النمط لا يصلح لإدارة دولة كبيرة أو حتى صغيرة خاصة في تلك المرحلة التي تعج بالتحديات داخلياً وخارجياً والتي تحاك فيها المؤامرات ضد مصر المؤامرة تلو الأخرى لإفشال الثورة . كما أن العلمانيين أو ما يسمون القوى الليبرالية وما يتبعهم من آلة إعلامية توفر لهم كل دعم ومحاولتهم بالمقابل من خلال ما يمتلكون من أدوات حاكمة إقصاء التيار الديني _ وهو الذي أحرز الأغلبية - عن الساحة تماماً يتحملون نفس القدر من المسئولية فيما آلت إليه الأحداث الآن من ضبابية تصب في صالح رموز النظام القديم وتضيف إليهم رصيداً ليس هيناً وتلقي ظلالاً من الشك والريبة على التيار الإسلامي وإمكانية تحقيقه آمال وطموحات الجماهير العريضة من الشعب والتي أملت فيه الكثير وباتت الآن تبحث عن الأمن والأمان وتلهث خلف لقمة العيش بأي ثمن - حتى لو جاء الفلول - هذه الجماهير التي لا يعنيها من يصبح رئيساً بقدر ما يعنيها من ذا الذي يستطيع أن يوفر لها متطلباتها الآنية والملحة ولا يعنيها الدستور والتأسيسية فهم لا دخل لهم بمثل تلك المصطلحات ولا يعرفونها إلا من خلال وسائل الإعلام وبات همهم الأهم وشغلهم الشاغل هو الاستقرار بكل ما تحمله الكلمة من معاني فهل سنرى تغييراً في سلوك التيار الديني في المرحلة القادمة يعيد الأمل ويحيه في مشروع إسلامي نهضوي قادر على أن يسوس البلاد والعباد محققاً أهداف الثورة ومصلحة الوطن والمواطن ...؟؟ تظل إجابة هذا السؤال مرهونة بمدى قدرة ذلك التيار على امتصاص الصدمات دونما الدخول في صدامات مع القوى الأخرى والاستفادة من تلك الصدمات والقدرة على تطوير نفسه ليكتسب المصداقية لدى الجماهير .