بعد حوار الأهرام مع المفكر الأمريكي جون أسبوزيتو ننشر اليوم حوارا آخر مع المفكر الفرنسي أوليفييه روي حول رؤيته هو أيضا في كيفية استيعاب العقل الغربي التغيير في مصر والشرق الأوسط وما يمثله صعود التيار السلفي إلي جانب جماعة الإخوان المسلمين والقوي الليبرالية الأخري. أوليفييه روي مفكر وباحث فرنسي رائد في دراسات الإسلام والسياسة في الشرق الأوسط وهو أحد كبار الباحثين في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية. في سنوات الثمانينيات تخصص روي في أفغانستان وإيران حتي أصبح واحدا من المتخصصين الكبار في الإسلام والشرق الأوسط عالميا. وقد إلتقت' الأهرام' بالمفكر الفرنسي الشهير خلال زيارته لإلقاء عدد من المحاضرات في مراكز أبحاث بواشنطن مؤخرا. فإلي نص الحوار: كيف تفسر القصور المتواصل في فهم الدوائر الغربية للحركة الإسلامية في الشرق الأوسط والتي تبلورت في مفاجأة صعود التيار السلفي في الإنتخابات المصرية؟ - بالفعل, لابد أن أعترف بوجود قصور بالغ وأرجع السبب إلي التركيز علي الصراع بين الولاياتالمتحدة وتيار عنيف هو القاعدة علي مدي أكثر من عشر سنوات. كما أن جماعة الإخوان المسلمين بتاريخها في العمل السياسي كانت تستقطب كل الانتباه في السابق. ومن وجهة نظري, التيار السلفي المحافظ بشدة قد نما في ظل ضعف مؤسسات دينية كبري مثل الأزهر الشريف وهو ما سمح بظهور ما أسميه شخصنة للدين من خلال زعامات دينية محافظة مثل رموز التيار السلفي في مصر تنتشر اليوم علي شاشات القنوات الفضائية. في المقابل, نتيجة انتخابات مجلس الشعب في مصر تعبر في مجملها عن خوف الغالبية التقليدية المحافظة في المجتمع المصري من مضي الحركة الثورية في طريقها بما يوجد حالة أكبر من عدم الاستقرار وهو ما رفع من حصة التيار الديني كثيرا في صناديق الانتخاب. ما هي قرأتك الأولية لمشهد القوي إلاسلامية الصاعدة في مصر؟ - أري أن القوي الإسلامية تقبل بالتعددية الحزبية ويقبلون بالانتخابات ويقبلون تصورات الدستور ولكنهم مازالوا يتمسكون بضرورة أن يكون للدين وضع مركزي في الحياة العامة ولا يريدون التخلي عن الفكرة لأنهم لو إقتربوا من الطرح الليبرالي او العلماني فإن ذلك يعني إختفاؤهم من الساحة السياسية. والبديل هو صيغة تضع الإسلام في وضع محوري في ظل مناخ ديمقراطي ومجتمع أكثر إنفتاحا وأكثر واقعية في التعامل مع المشهد السياسي. ومشكلة جماعة الإخوان المسلمين اليوم هي كيفية مواجهة التصورات المبدئية المبسطة للتيار السلفي والدي يهمه تطبيق الشريعة الإسلامية في المقام الأول دون أن ينظر إلي قيادات الجماعة علي أنهم خائنون للحركة الإسلامية ومطالبها ودون أن تتخلي عن تصوراتها عن مركزية الإسلام في المجال السياسي. من وجهة نظر أكاديمية غربية رصينة, كيف تري ثورات الربيع الديمقراطي وما أسفرت عنه بعد قرابة عام من تحولات في المجتمعات العربية؟ - ثورات الربيع العربي غير قابلة للإرتداد العكسي أو النكوص عن التحولات الأخيرة بعد الإطاحة بعدد من الأنظمة القمعية إلا أن هناك قدرا من المفارقة وهو أن الموجودين في السلطة او الساعين إلي السلطة اليوم عبر الانتخابات هي من النخب القديمة في السياسة وحتي الإسلاميين هم موجودون علي الساحة لأكثر من ثمانية عقود وكل قياداتهم الحالية لعبوا أدوارا مختلفة في السابق. وأري أن تلك النخب لا تمثل الجيل الجديد الذي خرج للتظاهر قبل قرابة عام. ولو قلنا إن ما حدث هو ثورة فإن الثوار اليوم ليسوا في مقاعد السلطة بل العكس وهو وصول شخصيات أكثر محافظة وتقليدية إلي السلطة فهم إرث من الماضي. السؤال الدائم في الغرب والشرق اليوم هو قدرة حركات مثل جماعة الإخوان المسلمين وحزبها علي تحقيق المصالحة بين تيار الإسلام السياسي والديمقراطية في العالم العربي. كيف تري الإجابة لديكم؟ - في الدوائر السياسية والأكاديمية الغربية يعتبرون اليوم أن التوافق أمرا ممكنا لأن المجتمعات في الشرق الأوسط تمر بتغييرات مهمة في مناحي الحياة المختلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وهناك شخصيات تقليدية حققت مكاسب في الانتخابات التونسية علي سبيل المثال وتجري اليوم إعادة تشكيلها إتساقا مع المشهد السياسي الجديد, فالقوي الإسلامية لم يكن لها في تشكيل المشهد في البداية إلا أنهم حسموا أمرهم في مرحلة لاحقة. وعلي القوي السياسية الإسلامية الجديدة سواء كانوا الإخوان المسلمين أو السلفيين أن يعيدوا صياغة الدور المركزي للإسلام في الحياة العامة في سياق جديد. ما هو السياق الجديد من وجهة نظرك؟ السياق الجديد هو الإيمان الحقيقي بعدم احتكار التحدث باسم الإسلام وعليهم بناء تحالفات سياسية مع قوي أخري وهو ما بدأته تونس بالفعل بين الإسلاميين واليساريين والتوافق علي رئيس ليبرالي. وفي السياق الجديد, هناك تحد أن تفي القوي الإسلامية بإطروحاتها بشأن التطور الإقتصادي والحكم الجيد وتحقيق الاستقرار, وهم يحظون بمتابعة دقيقة من دولة كبري مثل الولاياتالمتحدة بشأن تلك القضايا. سوف أعطي لك مثالا من الحالة التونسية, فالمظاهرات مازالت مستمرة من نفس القطاعات التي صوتت لحزب النهضة الإسلامي من أجل أن يروا عملا حقيقيا لحل مشكلاتهم وإحراز تقدم علي كل المستويات وبالتالي فالإسلاميون هو الواقعون تحت عملية رصد ومتابعة من الناخبين. التخوف من سيطرة القوي التقليدية التي تحدثت عنها يطرح فرضية حدوث مشهد الثورة الإيرانية. من تجربتك العريضة مع الثورة الإسلامية كيف تقرأ السيناريو الافتراضي؟ هناك اختلاف كبير بين الأمس واليوم. بعد قيام الثورة الإيرانية في عام9791 لم يقم الثوار ببناء تحالفات سياسية وإلتفتت القوي الإسلامية إلي تصدير الثورة بعد سيطرتها علي الحكم وواجهت القوي العظمي التي كانت مسيطرة في وقتها. لا يوجد شيء مما أشرت إليه في العالم العربي اليوم أو حتي في توجهات الناخبين حيث جري التصويت في مصر وتونس علي أجندة داخلية وليس اجندة ثورية. الناخبون لديهم ميول محافظة ولكنها ليست نزعات ثورية. والشباب الثوري الذي يتقدم الصفوف اليوم لا يعنيه ولا يريد الدخول مباشرة إلي عالم السياسة وهم لا يسعون كثيرا وراء بناء أحزاب أو وضع برامج جديدة لحكوماتهم, فهم يريدون البقاء خارج الحكومة ومراقبة أعمالها من الخارج وممارسة الضغوط عليها دون التورط في العمل السياسي المباشر وهي ظاهرة جديدة ايضا. هذا الوضع يفرض علي القوي الإسلامية قيودا في المشهد الجديد, فهم أصبحوا ديمقراطيين ولكنهم ليسوا ليبراليين ومحافظين فكريا ولديهم تصورات عن قيام مجتمع يقوم علي مبدأ حق الأغلبية التي يجب أن تفرض رؤيتها علي المجتمع, وهي أمور سوف تخضع للمراجعة بالتأكيد.كما أن القوي الليبرالية تخضع لعين فاحصة أخري, فهناك ليبراليون لا تروق لهم نتيجة الإنتخابات ويرمونها بالتزوير وجهل الشعب أو تدينه إلي حد يعيق البناء الديمقراطي وهم في تلك الحالة ليسوا ديمقراطيين ويمثلون أختبارا للعلاقة بين الديمقراطية والليبرالية في دول الربيع الديمقراطي. قلت إن الثورات العربية غير قابلة للرجوع إلي الخلف ولن تقبل بإنتكاسات. ما هي مبرراتك؟ لابد أن نفهم جيدا طبيعة الجيل الجديد. فقد تغيرت الطبيعة السكانية في السنوات العشرين الأخيرة وتراجعت مكتسبات الأجيال الشابة فهو لا يحصل علي نصيب عادل من النمو الاقتصادي ويتزوج متأخرا وينجب عدد أطفال أقل مع وجود درجة من المساواة في التعليم وسن الزواج بين الجنسين اليوم. والجيل الجديد أقل تواصلا مع العائلة التقليدية وأكثر تواصلا فيما بينهم وأكثر تواصلا مع العالم الخارجي والكثيرون منهم يتحدث لغات أجنبية ولا يتبعون النظام السلطوي الأبوي خاصة أن البني السلطوية الإجتماعية لم تعد تعمل وسقطت أيضا. بناء علي ما سبق, لم يعد للشخصيات السلطوية ذات الطابع الأبوي صاحبة سلطة علي الجيل الجديد وهو ما يمكن أن يشكل انهيارا للثقافة السياسية العربية التقليدية التي تعتمد علي شخصية الزعيم وبالتالي نهاية أسطورة الأبناء الذي يتوحد الجماهير حوله أيا كانت توجهاته الأيديولوجية من إسلامية إلي قومية إلي ليبرالية وفي ظل التوحد مع الزعيم تكون الديمقراطية مؤامرة غربية لتدمير وحدة الشعب العربي. كل تلك الأشياء إنتهت اليوم, فالجيل الجديد يؤمن بالديمقراطية ولا يكترث بإتباع الأنماط غير التقليدية ولا يؤمنون بوجود مؤامرات غربية لتقويض القومية العربية ولا يهضمون تلك الأيديولوجيات التقليدية سواء كانت إسلامية أو قومية ولديهم أعتقاد راسخ اليوم في الحريات الفردية وهم يريدون الكرامة وليس الفخار الذي استغله الزعماء في السابق.. فالفخر هو مرجعية جمعية للجميع ولكن الكرامة هي حق فردي فهم يريدون مواطنة حقيقية وحكما جيدا يلبي طموحاتهم. الجيل الشاب سيكون له تأثير عظيم في مجتمعاتهم في العقود القادمة لأنه هو جيل المستقبل وأفكاره تغزو كل طبقات شرائح المجتمع.