إمام المسجد عليه عبء ثقيل، ومسؤولية كبيرة أمام الله تعالى، وأمام المسلمين، فهو القدوة والمعلم، وهو الأمين على أسرار كثير من المسلمين، لأن الناس تتعامل معه على انه إنسان يعرف الله حق المعرفة ولن يخون الأمانة. قديماً كان لإمام المسجد شأن عظيم، وقدر كبير عند المسلمين، حينما كان بعيداً عن عبث أجهزة الأمن، وكانت له الكلمة العليا أمام الحاكم، حتى أن بعض الحكام كانوا يعينونه مستشاراً دينياً لهم، ولا يقررون أمراً إلا إذا راجعوه فيه. إلا أنه وبعد تدخل رجال الأمن في تعيين الأئمة في بعض الدول العربية، اهتزت صورته، وأصبح الناس يخافونه ويبتعدون عنه أو يتعاملون معه بحذر شديد، لأنه أصبح يحاول أن يرضي أجهزة الأمن حتى لو كان ذلك على حساب الدين. كثير من رجال الدين بعيدون كل البعد عن كتاب الله وسنة رسوله، وكل همهم إرضاء النظام الحاكم، حتى لو وصل الأمر إلى مخالفة الشريعة، لأنهم أصبحوا يخافون من رجال الأمن الذين يتدخلون بشكل سافر في تعيينهم أو إقصائهم، دون وعي لمخاطر تدخلهم، غير الأخلاقي، بحجة أنهم يحافظون على أمن الوطن واستقراره، وهم في حقيقة الأمر يحافظون على أمن النظام الحاكم، ولا يهمهم أمن الوطن، لأن النظام الحاكم أصبح يحارب الإسلاميين، لأنه يعلم أنهم على حق، وأن الله ناصرهم، ويرى تعاطف الجماهير الغفيرة معهم. تدخل رجال الأمن في شؤون المساجد أضر بأمن الوطن والمواطنين، وقلل من رسالة المساجد، لأنه يقصي الإمام المتخصص الذي لا يخاف في الله لومة لائم، ويقرب الإمام المنافق الذي يجامل النظام الحاكم على حساب الدين. بسبب تدخل الأمن في شؤون المساجد، أصبحنا نرى الإمام الذي يقرأ القرآن خطأ، ويستدل بالأحاديث الضعيفة، أو الذي يقول معنى الحديث على أنه حديث.. أصبحنا نرى الإمام الذي يستعرض بصوته أثناء الصلاة، ونسي أنه واقف بين يدي الله.. أصبحنا نرى الإمام الذي يتكلم على الناس ويفشي أسرارهم.. أصبحنا نرى الإمام غير المؤهل للخطابة ولا للإمامة، وإذا أخطأ وصحح له أحد المصلين أخبر عنه أمن الدولة متهماً إياه بالتدخل في عمله. لا أنكر أن هناك أئمة مازالوا لم يلوثوا ويقعوا في براثن الأمن، ولا يخافون في الله لومة لائم، وأحمل لهم كل حب وتقدير، وثقة تامة، ولكني أتكلم عن الصنف، غير المؤهل، الذي حاد عن جادة الصواب، وجعل من نفسه مرشداً لأمن الدولة، وأصبح يجامل النظام، ظناً منه بأنه رازقه، وإذا عصاه، فسيموت هو وعائلته جوعاً، ونسي أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين. دخلت ذات مرة دورة مياه إحدى المساجد لاستعد للوضوء، فإذا مكتوب على بابها «احذر «.....» إمام المسجد، فإنه عميل لأمن الدولة»، فغضبت جداً، ولمت في نفسي على من كتب هذا الكلام، على الرغم من أنه ليس مستبعداً، لأن أمن الدولة أصبح يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا. ذات يوم، وبعد انتهاء صلاة العصر، خرجت من المسجد، وكان برفقتي أبنائي وأحد أصدقائي، وكان يقف بجوار الباب إمام المسجد، فسلمت عليه، وكعادتي، دون سابق معرفة، ولكني مثل كثير من المسلمين، تعودت على احترام رجال الدين. وبعد مغادرتنا للمسجد، سألني صديقي عن مدى معرفتي بالإمام؟ فأخبرته بأنه لا يوجد بيني وبينه سابق معرفة، إلا أنه رجل دين ويجب عليَّ احترامه، فقال لي: حاول أن تبتعد عنه، فهو يعمل مرشداً لأمن الدولة. فقلت له: يا أخي اتق الله، ولا تتهمه بهذا الاتهام الخطير، فهذا رجل دين، ولا يجب عليك أن تغتابه.. فقال: أنا أنصحك لأنك دائماً خارج مصر ولا تعرفه جيداً. فقلت له: جزاك الله خيراً، وهداه الله... انتهى. هذا كان قبل ثورة ال25 من يناير، عندما كان رجال الأمن يتجسسون ويتلصصون على كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، حتى قتلوا فينا الثقة في من حولنا. أما الآن، فليس لرجال الدين أي مبرر، ويجب أن تتحرر المساجد من قبضة رجال الأمن، لكي يعود لرجل الدين كرامته وهيبته، ويصبح متفرغاً للقراءة والاطلاع، لكي يصلح ما أفسده الأمن، ولتعود ثقة الناس فيه، ولتعود للمسجد رسالته السامية، التي هي الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. محمد أحمد عزوز كاتب مصري