شاهدت الدكتور عصام العريان منذ عدة شهور يقول على أحد القنوات الفضائية أن بعض السياسيين قالوا له قبل الثورة: "لو وقف مائة ألف إخواني في ميدان التحرير لسقط نظام حسني مبارك"، فرد الدكتور عصام بأن ذلك غير صحيح لأن الجيش عندئذ سيبيد الإخوان أو أي فصيل يقف وحده.. فلابد من خروج كل فئات الشعب وعندئذ لن يستطيع الجيش ضرب الشعب". سمعت كلمات الدكتور عصام العريان وذهلت من حكمة الإخوان ودقة تقديرهم للمواقف. لكن يبدوأنهم فقدوا هذه الحكمة فجأة بعد عام من نجاح الثورة، لقد حصلوا على أغلبية مجلس الشعب ومجلس الشورى وهاهم يعملون على تشكيل الحكومة ثم يريدون ترشيح رئيس للبلاد. لا شك أن كل ذلك من حقهم.. فصاحب الشعبية الأكبر من حقه أن يحكم.. فهكذا الديمقراطية. لكن هذا وإن كان حق لهم بلا جدال لكنه ليس من الذكاء السياسي على الإطلاق. نعود مرة أخرى لحكمة الدكتور عصام العريان.. فصيل واحد في ميدان التحرير سيقضى عليه الجيش بسهولة. إنه نفس الأمر تماما.. فصيل واحد في السلطة سيقضي عليه الجيش بمنتهى السهولة.. ما أيسر أن تغري أمريكا ضابطا مجهولا ليقوم بانقلاب عسكري تؤيده كل القوى السياسية في الداخل والخارج، سيؤيدونه في الواقع إن لم يكن باللسان، ولا أعتقد أن أحدا سيقف إلى جوار الإخوان ضد العسكر بعد أن أظهروا استحوازا واستئثارا بكل شيء، لذلك فإن أشد دعاة الليبرالية وأشد أعداء حكم العسكر سيفرحون بالإنقلاب العسكري الذي يخلصهم من الإخوان وقد رأينا شواهد كثيرة على ذلك فلا يغرنكم سبابهم لحكم العكسر فلم يفعلوا ذلك إلا لأنهم يتصورون أن العسكر يمهدون لكم سبيل حكم البلاد. سمعنا كثيرا من الإخوان أنهم ليسوا طلاب سلطة وأن كل ما يهمهم هو مصلحة البلاد، وسمعنا منهم كثيرا أن الحمل ثقيل والمسئولية ضخمة لا يستطيع تحملها فصيل واحد وأعجبني شخصيا دقة تقديرهم للموقف وإدراكهم للمصاعب والفوضى التي تكتنف الوطن وأيضا المؤامرات الداخلية والخارجية.. فأين ذهبت حكمة الإخوان! هل كان كلامهم مجرد مسكنات ومطمئنات حتى تواتيهم الفرصة المناسبة؟ أغلب ظني أنهم كلموا استقروا في مقعد متقدم تطلعوا لمقعد أكثر تقدما.. وقد شجعهم على ذلك استقرار الشارع والميدان وقبول الناس بالبرلمان ، لكن غاب عنهم أن كل ذلك يمكن أن ينقلب إلى بركان ثائر في غمضة عين وغاب عنهم أن جهاز الشرطة تشرب العداء للإخوان والإسلاميين عامة تشربا هائلا، وأن الجيش لا يُؤمَن جانبه بحال من الأحوال.. في خلال عام من الثورة كنت أتعجب من حكمة الإخوان.. حيث كانت كل القوى السياسية تغلي وتفور وتتخبط ذات اليمين وذات الشمال فلا تحصد القليل ولا الكثير، بينما جلس الإخوان القرفصاء لتسقط في حجورهم المكاسب بأدنى جهد..لدرجة أني كتبت مقالا لم أنشره واخترت لعنوانه كلمة السيد المسيح لتلاميذه: "كونوا ودعاء كالحمائم حكماء كالحيات"، فجعلت عنوان المقالة: "الإخوان ودعاء كالحمائم حكماء كالحيات".. فأين ذهبت حكمة الإخوان؟! وكيف يحاولون ترشيح رئيسا منهم بعد أن تعهدوا مرارا وتكرارا ألا يفعلوا؟ وكيف يتحملون مسئولية كل شيء في البلاد وحدهم؟ وكيف يأمنون الجيش وهم فصيل منفرد يسهل جدا شيطنتهم.. لا يغرنكم تأييد الشعب!! الشعب متغير المزاج كما أنه قد يخرج لمظاهرة أو انتخاب لكنه لن يقاتل جيشه أبدا.. كما إن الجيش لن يقاتل شعبه أبدا.. ولكن يمكن أن يقاتل فئة واحدة كالإخوان وقد ذقتم بطش الشرطة العسكرية بكم وتعرفون السجون الحربية.. فعودوا إلى رشدكم يرحمكم الله ولا تنفردوا بحكم البلاد أو لا تتعجلوا ذلك على الأقل. يقول لنا التاريخ أن مَنْ يتعجل السيطرة على كل شيء يفقد كل شيء والتاريخ هو سنن الله التي لا تبديل لها.. صوت الحكمة يقول: بطيئ لكن أكيد.. فإذا كانت لديكم القوة لتحكموا العالم فمن الحكمة ألا تحكموا سوى نصفه، وإذا كانت لديكم القدرة على حكم نصف العالم فمن الحكمة ألا تحكموا سوى ربعه.. فالقليل الذي يمكنكم الدفاع عنه والثبات فيه خير من الكثير الذي يعيكم حمله فتسقطون تحت ثقله.. أما المقامرة والمغامرة.. أفوز بكل شيء الآن أو أخسر كل شيء فليست تلك سياسة الحكماء بل سياسة الزعماء البلهاء المصابين بجنون العظمة والغباء. لأجل هذا أقول لكم مخلصا.. عودوا إلى حكمتكم وأرضوا بالمكاسب التي أحرزتموها وهي ليست قليلة وثبتوا مكاسبكم.. اهضموا أولا الوجبات الثقيلة التي تناولتموها قبل أن تفكروا في تناول وجبة جديدة.. ولا تتعجلوا الوصول فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.. ولو حملتم الناس على الحق جملة لتركوه جملة.. الصبر ليس فقط على البلاء ولكن الصبر أيضا عن المغانم.. فلا تتركوا الجبل فتنهزموا هزيمة أُحد.. اللهم قد بلَّغت.. اللهم فاشهد.