أول مشهد في حياة البشر من التراجيديا أو ما يُطلق عليها المأساة قد أداه قابيل وهو يدفن أخيه هابيل في المشهد الجنائزي الأول في الحياة .. وفيه أعاد قابيل تمثيل مشهد الغراب وهو يدفن صاحبه .. فقد بعث سبحانه غرابين اقتتلا فقتل أحدهما صاحبه فحفر له ثم دفنه وقد صار أداء المشهد سُنة باقية في الخلق .. قال تعالى: ( فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه ) .. وأصبحت مشاهد قصة قابيل وهابيل مثلا للبشرية في الخير والشر كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلا فخذوا خيرهما و دعوا شرهما ) .. و باتت الأمثلة القرآنية قرينة التمثيل وأصبحت المشاهد التي أداها سيدنا إبراهيم عليه السلام في رمي الجمرات مثلا وسُنة باقية أعادتها الأمة في مشاهدها الثلاث .. وكذا إعادة مشاهد السيدة هاجر مشيا وهرولة سبعا بين الصفا والمروة .. واجتهادا .. لا أرى إلا أن كتاب الله أمثلة يؤديها عباد ممثلين لها خير تمثيل بالقلب والنفس والروح .. فما جاز بالقول في كتاب الله جاز بالفعل للإنسان .. وما كانت أفعال الصحابة إلا إعادة مشاهد مسموعة أو مرئية من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كقوله الشريف: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) فأصبحت الأمة تؤدي الصلاة كما أداها النبي وباتت الصلاة وكل أفعال النبي وأقواله وإقراراته فروضا وسنن نؤديها لنكون خير ممثلين لها بإذن الله تعالى .. ولم يكن الترويح عن النفس بالأداء التمثيلي الذي يضحك الناس وهو المعروف بالكوميديا بعيدا عن صدر الإسلام .. ففي مكة كانت امرأة مزاحة مضحكة تضحك قريش وقد هاجرت من مكة ونزلت على امرأة مضحكة في المدينة وزارتا السيدة عائشة وذكر إمام حديث أهل السنة والجماعة الإمام أحمد قصتها في رواية عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: ( أن امرأة كانت تدخل على قريش فتضحكهم، فقدمت المدينة، فنزلت على امرأة تضحك الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على مَن نزلت فلانة ؟ قالت : على فلانة المضحكة. فقال: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ) .. وقد استمر الأداء التمثيلي حتى أصبح تمثيل الجريمة ضرورة أمام القضاء .. فالتمثيل كما أرى مباح في الخير إلا تمثيل الإله ورسول الإله وأهل بيت رسول الإله .. فسبحانه: ( ليس كمثله شيء ) ومحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم من نور الله في قوله تعالى: ( قد جائكم من الله نور وكتاب مبين ) فالنبي من نور الله لا يجوز تمثيله وأهل بيت النبي من النبي بضعة منه لا يجوز تمثيلهم .. وما عداهم من البشر يجوز تمثيلهم وتمثيل الصحابة رضي الله عنهم .. وذلك له آليات ليس محلها الآن .. فغايتها تجسيد ظاهر المواقف والمشاهد والقصص المقيمة للحضارة بالقيم الأخلاقية .. أما الباطن فمنه مُنتج الخيال الراقي المواكب لذلك .. ففي الخيال أشياء تفصلنا عن الثلج ولا نشعر فيها بالمطر .. ولا يستطيع الخيال أن يأتي بأشياء من العدم .. الخيال يأتي بحقيقة مخلوقة .. من عرف الخيال عرف أنه حقيقة وأدرك أنه عين من أعين حقيقة الوجود .. فالخيال حقيقة .. والواقع حقيقة .. والماضي حقيقة يجب أن نعيد منه التاريخ الإنساني العظيم بعيدا عن العري والإسفاف ودون رؤية المؤلف التى تبدل الأحداث وتغير الحقيقية وتشوه الخيال .. لقد رسمت كلمات كتاب الله في ذهن السامع الوان ومناظر وأحداث ومشاهد متحركة .. لعلنا نعيد التفكر في تجسيد الأحداث والمشاهد المتحركة بما يليق بأمر الثمثيل في كتاب الله .. باحث إسلامي علاء أبوحقه