أرجوك ربت على كاهلي؛ فأنا في غاية الاستياء من كم العدائية الغزير الذي تعرضت له عبر مواقع التواصل الاجتماعي: فيسبوك ويوتيوب؛ آلناس في كبت؟ أم هم جبلوا على الشر؟ أم يستشعرون لذة اللارقابة؟ واللاحساب؟ والسباب؟ والاعتداء؟ والإرهاب النفسي؟ دونما طائلة القانون، حسبي فيك الله أيُّ هذا ال زوكنبرج؛ لقد طالتنا المهالك. وآخر المتمة ليلة أمس: انضممت إلى مجموعة من الشباب الإنجليز، وذكرت لهم أني أقطن في انجلترا مقاطعة نيوكاسل في ستافوردشير؛ بدعوى أن الإنجليز لا يحبون الأجانب، ولا المتطفلين الغرباء من المصريين أمثالي.. لم تكن هذه مشكلة، فلغتي المكتوبة أصيلة بامتياز، ولكْنَتي؛ لا سيما في المراسلة التي تعطيك حيزا من الوقت كيما تفكر قبل أن تضرب بالكلمات، فتسمح لك أن تسترجع كلمات من السلانج -أو لغة الشارع البريطاني- وبالتحديد من الشمال -حيث ادعيت مسكني- ولكن المشكلة أنني قد اتضح لي أن الإنجليز لا يحبون حتى أنفسهم، وليس فقط الغرباء: سمجون في ردودهم -إن ردوا أصلا- وباردون في شعورهم -إن شعروا أصلا- ومنهمكٌ واحدهم في ترفيع ذاته على صاحبه -إن كان له صاحب أصلا- وهم شعب جامد لا يقبل التلون، ولا يعرف المناقشة، ولا تقدير الآخر -ما لم يضطر بشكل أو بآخر- ولا يتسم باحترام شعور الغير إطلاقا.. وكيف؟ وهم لا يشعرون؛ يعرفون الاحترام، نعم، ولكن من نوع آخر: احترام الحدود والحدود والحدود.. هذا كل شيء تقريبا، لا ولاء لهم ولا صديق، ليس إلا العمل والجدية المفطِرة. المهم أن أحدا لم يرد، ولم يلق لي بالا إلا واحد حادثني مدة، ثم اختفى، وبعد عدة رسالات نصية لا يتبعها أحد برد -ولم يكن أحد أصلا يرسل سواي- قام الأدمن بحظري؛ الظاهر أني أزعجت نومة الجروب وقد كانوا يقضون فيه بياتهم الشتوي، لقد خرقوه ليقوموا بال |سين| فحسب، والمراقبة الصامتة لا التراسل. كلمت ذلك الأحمر الساكسوني، فسابَّني، وأني لا أطاق، ولا يريدني أحد في هذا الجروب؛ يا للهول؟ هل تحكمون على بعضكم؟ من كلمات وأحرف نزرة قلة، وهل أنت المتحدث الرسمي؟ أيا عبد اليزابيث الجِنْجَريّ، وهل تفتقرون إلى هذا الحد -المذيب للشعور- مشاعر تقدير الغير؟ لدرجة أن تتبجح معه فتؤذيه بكلماتك، أشهد أن أمريكيا عابثا مستهترا لم يصنع معي هكذا صنيعا قط، ولكن من أين آتيك علم بأثر الكلمات الطيبات؟ وأنت في بيئة جرداء متصحرة من ال كل شيء حتى أصبحتم كالآلات ب لندنكم البائسة الكئيبة؟ (وقد كان من ضواحيها في إيسكس.) ولست حديث عهد بقساوة الأوروبيين الغربيين، والشمالين منهم على وجه التعيين؛ فقد كفرتني من قبل متطرفة ألمانية ‹بنت امبارح› في الإسلام، ولا تعرف حتى العربية؛ لأنني خطَّأتها في تفسير آية مترجمة ترجمة لم أر أنها عنت المعنى العربي ذاته -الذي كان لي أبلج المغزى لما يحمله كل حرف من قيمة وكل إعراب من دلالة ومعنى- وبعدما شرحت لها بعضا من أصول الفقه، وبضعا من التفسير، وأوضحت لها أصول اللغة، وأني أهلها وأصلها بصفتي ونسبي.. أصبحتُ مرتدًا! ما شاء الله! وبالمناسبة هذه جريمة تقضي على صحيح الدين، وتولد دواعش كثر، وجرائم باسم القرآن الذي بدد معانيه زيف الترجمة وزُور التفاسير التي تصلهم عن مذاهب متفرقة. أما الأتراك فهم أصل التعنت والخُيَلاء، وأساسٌ للإرهاب والعنف والتشدد والاعتداء، فقد ورثوا عن العرب حميتهم التي أفقدهم الإسلام، وجاهليتهم التي حررهم منها أيضا... أيا أيتها الفتاة الوديعة التي صرفك -أو يصرفك يوما- أن ترغبيني لهفتُك على إخوة مهند، بينما لم تزاحمك على قلبي لاميسُهم، التي سحرت شعراتها نصف شباب المصريين، وعيونُها النصفَ الآخر، واجتمع النصفان على خصرها وما دنى عنه— ألا فلا تغرنك مسلسلاتهم ورواياتهم الخادعة؛ إن رجالهم لهم أشد الرجال ضراوة، وأقساهم قلبا، وما ضراوتهم ولا شدتهم في بأس ولا بطش بالعِدى، وإنما هم ضرب من ذكورية المجتمعات الشرقية، بل أكثرهم ذكورية في الفكر والثقافة.. كيف لا؟ وهم من كانوا ابتدعوا قانون سي السيد في مصر القديمة، وسلطة الرجل المطلقة، وسطوته المفرطة، وإنهم يتعالون فوق الجميع، وحبذا لو كان الجميع هذا امرأة.. قد يوجد الحب وتولد الرومانسية فوق الكوبري، وعند الشاطئ، وفي السينمات، أو أثناء المعايشة الحرة التي صدَّرتها أوروبا، ولكن بعد القِران -وعند توافد العيال- فإن اللطم مباح، وسوف يتحول مهند إلى سي مهند، وإياد إلى سفاح. وأما الإيطاليون فطوبى لهم وحسن مديح وإطراء –الجنوبيون منهم وكفى– فإنك لا تؤانس في ريحهم غربة ولا في طيفهم كبر ولا غطرسة، ولا في قيلهم عنف ولا عداء، عاطفيون ورخيموا السجية والشعور، كما أن نكاتهم تشبهنا كثيرا.. إي، سلام على أرواحهم التي تآلفت وروحي، على أنهم أقل السابقين ثقافة وغنى، وأدناهم تقدما.. وهذا يا سادة ما جنيناه من التطور والحداثة والتحضر والتمدن؛ فأولى بتاء التواصل إذًا تنزل عن نقطة، فنعبر عن تلك المواقع تعبيرا صحيحا، وقد قالت العرب سهم ناصل، أي مبرِزَةٌ نَصْلَها، وهو الحد القاطع منها؛ فتلك الكلمات المؤذيات ما هنّ إلا أسهمَ ضواري حاميةً، وإن تلك إلا مواقع النَوَاصِل.