التمثيل حرام! عبارة طالما سمعتها وتربيت عليها منذ الصغر حتى أنني أخذت موقفا من معظم الفنانين الذين نراهم في لهو ولعب وابتعاد عن ذكر الله خاصة في تلك الفترة التي انتشر فيها الفن الهابط والذي تسلل هبوطه إلى الذوق والكلمة والمضمون وأصبح مألوفا أن نرى العري والابتذال والاستخفاف على خشبة المسرح كأنه مرادفا له. حتى شاهدت ذلك العرض الذي خرج من عباءة المسرح المدرسي والذي شارك فيه طلاب وطالبات مدارسنا باختلاف أعمارهم ومراحلهم الدراسية من الحضانة وحتى الثانوية العامة هذا العرض الذي تناول سيرة الرسول صلوات الله عليه وسلامه تحت عنوان " ومضات محمدية " ويكفيني القول بأن البطولة كانت للفنان الكبير والمحبوب من الجميع الحاج/ وجدي العربي والذي يلقبه الكثير بالفنان المحمدي ذي الوجه الملائكي والذي فاجأنا على المسرح بارتدائه لعمامة وعباءة بيضاء مرسوم عليها نعل رسول الله الكريم . وبدأ العرض وإذا بالمسرح يتحول إلى ملأ عظيم لذكر الله وتلاوة آياته القرآنية وتناول سيرة رسوله العطرة ؛ فإذا بكلمات الحوار تُجلي آذاننا من صدأ ما تعودناه في الفترة الأخيرة وألحان الأغاني تُعيد النبض إلى قلوبنا من جديد واستعراضات الطلاب والطالبات بزيهم الأبيض الرفراف تُحلق بنفوسنا إلى بعيد ووجدتني أذرف الدمع مع كلمات التواشيح والأغاني الدينية عندما يردد الطلاب : " أشرقت أنوار محمد " أو " عذرا رسول الله " ووجدتني أردد معهم ما يشدون بل وحفظت معهم كلمات بعض الأغاني والتي منها أغنية " أنا ذات النطاقين " والتي شدت فيها ابنتنا/ دعاء إبراهيم من كلمات مؤلف المسرحية الفنان القدير/ سراج الدين عبد القادر قائلة : أنا ذات النطاقين .... أبي هو ثاني اثنين ومن بالغار هادينا ... ونور ساطع فينا محمد ... نور هذي العين أنا ذات النطاقين رسول الله علمنا ... فلم نخش سوى الله بنور منه أكرمنا ... حبيبي سيدي طه محمد ... نور هذي العين أنا ذات النطاقين أنا من قدم الولدَ ... وغير الله ما عبدَ أحب إلي من ذاتي ... ومن ماض ومن آت محمد ... نور هذي العين أنا ذات النطاقين نعم وجدتني أحفظ الكلمات والألحان العذبة عن ظهر قلب بل والأعجب أن أطفالي الصغار حفظوا من الحوار أجزاءً كثيرة كانوا يرددونها عقب انتهاء العرض . وخرجت من هذا العمل الفني الرائع وأنا في حالة روحانية عالية ، وأدركت خطأي في التعميم وفيما كونته من نظرة ظالمة للفن والمسرح والممثلين ومن يعملون في هذا المجال الخطير الذي باستطاعته أن يهبط بنا إلى أسفل سافلين أو يحلق بنا في عليين. وشعرت أن جميع الحضور قد امتلأت صحائف أعمالهم بمشيئة الله بالخير الكثير لأنه أتاح لنا أن نعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته والصلاة والسلام عليه وذرف الدمع الذي طهر نفوسنا واستماع الآيات القرآنية الكريمة التي أنعمت علينا بالرحمة في حضورنا حتى أن مُعد هذا العرض ومخرجه الفنان المتألق دائما / هاني كمال أقسم لنا عند تحيته أنه أغمض عينيه لبضع ثوان في الكواليس ليرى رسول الله صلوات الله عليه وسلامه في ومضة خاطفة فما كان منه أن أسرع إلى فضيلة الشيخ/ أحمد سليمان الذي قام بمراجعة النص فقال له : بإذن الله هو رسول الله وختاما أدعو الله عز وجل أن يؤجر كل من ساهم في هذا العرض بعدد كل من شاهده وكل من سيشاهده أجرا عظيما ويضاعفه له إلى ما يشاء.