مستشار/أحمد عبده ماهر يذكر الطبري شيخ المفسرين في تفسيره من الخرافات ما يعجز القلم عن وصفه لكننه وجد لنفسه مرتبة أنه شيخ المفسرين، كما ذكر القرطبي من الخرافات ما ذكر. وإليكم تفسير الطبري عن الآية الشهيرة التي يتعلل بها سدنة عذاب القبر القول في تأويل قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) }. يقول تعالى ذكره مبيِّنا عن سوء العذاب الذي حلّ بهؤلاء الأشقياء من قوم فرعون ذلك الذي حاق بهم من سوء عذاب الله (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا) إنهم لما هلكوا وغرقهم الله، جعلت أرواحهم في أجواف طير سود، فهي تعرض على النار كلّ يوم مرتين (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) إلى أن تقوم الساعة. سمعت الأوزاعيّ وسأله رجل فقال: رحمك الله، رأينا طيورا تخرج من البحر تأخذ ناحية الغرب بيضا، فوجا فوحا، لا يعلم عددها إلا الله، فإذا كان العشيّ رجع مثلُها سُودا، قال: وفطنتم إلى ذلك؟ قالوا: نعم، قال: إن تلك الطيور في حواصلها أرواح آل فرعون يُعرضون على النار غدوّا وعشيًّا، فترجع إلى وكورها وقد احترقت رياشها، وصارت سوداء، فتنبت عليها من الليل رياض بيض، وتتناثر السود، ثم تغدو، ويُعرضون على النار غدوّا وعشيا، ثم ترجع إلى وكورها، فذلك دَأبُها في الدنيا; فإذا كان يوم القيامة، قال الله (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) قالوا: وكانوا يقولون: إنهم ستّ مئة ألف مقاتل. وقيل: عنى بذلك: أنهم يعرضون على منازلهم في النار تعذيبا لهم غدوّا وعشيّا. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) قال: يعرضون عليها صباحا ومساء، يقال لهم: يا آل فرعون هذه منازلكم، توبيخا ونقمة وصغارا لهم. عن مجاهد، قوله: (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) قال: ما كانت الدنيا. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أن آل فرعون يعرضون على النار غدوّا وعشيّا. وجائز أن يكون ذلك العرض على النار على نحو ما ذكرناه عن الهذيل ومن قال مثل قوله، وأن يكون كما قال قتادة، ولا خبر يوجب الحجة بأن ذلك المعني به، فلا في ذلك إلا ما دل عليه ظاهر القرآن، وهم أنهم يعرضون على النار غدوا وعشيا، وأصل الغدو والعشي مصادر جعلت أوقاتا. وقوله: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك فقرأته عامة قرّاء أهل الحجاز والعراق سوى عاصم وأبي عمرو (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ) بفتح الألف من أدخلوا في الوصل والقطع بمعنى: الأمر بإدخالهم النار. وإذا قُرئ ذلك كذلك، كان الآل نصبا بوقوع أدخلوا عليه، وقرأ ذلك عاصم وأبو عمرو:"وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أُدْخِلُوا" بوصل الألف وسقوطها في الوصل من اللفظ، وبضمها إذا ابتدئ بعد الوقف على الساعة، ... لأن معنى الكلام على قراءته: ادخلوا يا آل فرعون أشدّ العذاب. وذكر القرطبي بتفسيره كَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ كُلُّهُمْ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الدُّنْيَا، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ عَنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ:" وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ". وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ أَرْوَاحَ آلِ فِرْعَوْنَ وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ تُعْرَضُ عَلَى النَّارِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ فَيُقَالُ هَذِهِ دَارُكُمْ. وَعَنْهُ أَيْضًا: إِنَّ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ سُودٍ تَغْدُو عَلَى جَهَنَّمَ وَتَرُوحُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فَذَلِكَ عَرْضُهَا. وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ «1» يَقُولُ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا أَصْبَحَ يُنَادِي: أَصْبَحْنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَعُرِضَ آلُ فِرْعَوْنَ عَلَى النَّارِ. فَإِذَا أَمْسَى نَادَى: أَمْسَيْنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَعُرِضَ آلُ فِرْعَوْنَ عَلَى النَّارِ، فَلَا يَسْمَعُ أَبَا هُرَيْرَةَ أَحَدٌ إِلَّا تَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ. قَالَ رَجُلٌ لِلْأَوْزَاعِيِّ رَأَيْنَا طُيُورًا تَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ تَأْخُذُ نَاحِيَةَ الْغَرْبِ، بِيضًا صِغَارًا فَوْجًا فَوْجًا لَا يَعْلَمُ عَدَدَهَا إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا كَانَ الْعِشَاءَ رَجَعَتْ مِثْلَهَا سُودًا. قَالَ: تِلْكَ الطُّيُورُ فِي حَوَاصِلِهَا أَرْوَاحُ آلِ فِرْعَوْنَ، يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ غُدُوًّا وَعَشِيًّا، فَتَرْجِعُ إِلَى أَوْكَارِهَا وَقَدِ احْتَرَقَتْ رِيَاشُهَا وَصَارَتْ سُودًا، فَيَنْبُتُ عَلَيْهَا مِنَ اللَّيْلِ رِيَاشُهَا بِيضًا وَتَتَنَاثَرُ السُّودُ، ثُمَّ تَغْدُو فَتُعْرَضُ عَلَى النَّارِ غُدُوًّ.. رأينا الفقهي وبعد فتلك كانت أقاويل أكابر المفسرين عن آية آل فرعون.....فهل أعجبتم التخاريف وطربتم لها؟. أما قولنا نحن فمختلف ...فقد كان من الواجب على السادة المفسرين ألا يتناولوا القرءان بالقطعة، وكان عليهم أن يعلموا كل ما قيل عن الموت والآخرة ليقوموا بواجب التدبر الذي لم يحسنوا العمل به. فنقول وبالله التوفيق أنه ليس بهذه الآية أي ذكر عن عذاب القبر لكنها أوهام القائلين فالنار التي يعرضون عليها هذا حال حياة آل فرعون وهي الضفادع والدم والقمل والجراد والطوفان فتلك هي العذابات الخمسة التي كانت تعرض عليهم غدوا وعشيا فكانت لا تأتيهم إلا بتلك الأوقات [..غدوا وعشيا.. لكن ليس بالقبر غدو وعشي...وتدبر قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ }الأعراف133...ويوم القيامة سيدخلون أشد العذاب. يعني تظن إنهم يصعدون إلى النار عند ربنا وينزلوا مرتين في اليوم فهم يعرضون بضم حرف الياء ولا تعرض النار عليهم يا أخي الكريم هذه تخاريف أليس من الأولى أن نثبت أولا بأن بالقبر غدو وعشي يعني فيه شمس وقمر أولا ....ثم بعدها نرى عما إذا كان يتم عرضهم على النار أم أن النار هي التي تنزل إليهم في قبورهم.....أو أنه لا هذا ولا ذاك؟. إن النار لقد سماها الله في القرءان بالعذاب وهو الرجز بكسر حرف الراء، وهو غير الرجز بضم حرف الر اء وأيضا ليس الرجس بحرف السين فقال سبخانه: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ }الأعراف134 فالرجز يا أخي هو [العذاب وهي النار التي كانت تعرض عليهم مرتين باليوم بالغداة والعشي]. والنار التي يعرضون عليها هي ذلك الرجز... أما نار جهنم فهي غير موجودة...فالجحيم لها وقت تسعر فيه [{وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ }التكوير12.... وهي ليست موجودة الآن {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى }الفجر23....فالنار لن تأت إلا يوم القيامة لكن يبدو ان هؤلاء المفسرين ومن تبعهم من الفقهاء لم يقرأوا القرءان بعناية. وكيف تتصورون بأنه سيلحقكم عذاب بالقبور بينما قام الله بتأجيل عذاب إبليس إلى يوم القيامة فقالتعالى بسورة ص : { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{79} قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ{80} إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ{81} قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ{82}. كما أن الله لن يعذب الظالمين بالقبور حيث قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ }إبراهيم42. فهل يؤخر الله إبليس والظالمين وأبو لهب وفرعون بينما يعجل العذاب للمسلمين بالقبور لأجل خاطر من لم يفهموا القرءان من فقهاء السلف والهلف؟. إن هؤلائ الفقهاء يريدون أن يثبتوا لنا بأنه لا يوجد بالمسلمين من ستقول له الملائكة حين قبض روحه[يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية...]...فهم مولعون بفقرة عذاب القبور بالذات ولا يكادون يفهمون القرءان أبدا. فقط أردت أن أثبت لكم جانبا من جوانب فقه إبليس الذي انتشر في رءوس المسلمين والذي يجب علينا طرده والعودة لفقه القرءان وتدبر القرءان. === مستشار/أحمد عبده ماهر محام بالنقض وباحث إسلامي