فَلو أَنَّ عَيْنَكِ يَومَ اللِّقَاءِ * تَرَى مَوْقِفِي زِدْتِ لِي فِي المَحَبَّهْ وَأَفرَحُ بِالسَّيفِ تَحتَ الغُبَارِ * إِذَا مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَلفَ ضَربَهْ نرى عنترة في هذه الأبيات, يلفت نظر محبوبته, إلى بطولته وفروسيته وقوته, التي لو أدركت مداها, لازدادت له حبا وعشقا, حيث أنها تصير آمنة على نفسها من أي غائلة, ما دامت في كنفه وتحت رعايته, ونرى فيها أن عنترة بعد ما قام بإظهار, مدى تعنت الدهر معه يقول لمحبوبته, أنه لا يعبأ بذلك .وإلا فكيف يكون بطلا صنديدا, في المعارك والحروب, ولا يصمد أمام تفريق الدهر بينه وبين محبوبته, ثم يدلل عنترة على مصداقية ما يقول, عن طريق الإفصاح بما يشعر به, أثناء مشاركته في المعارك والحروب, فالطبيعي لمن يكون في حرب, لا يعلم أيخرج منها ظافراً أم يلقى فيها مصرعه, أن يكون قلقا مضطربا أو مشغول الذهن, بالتخطيط والتدبير والتأهب, لخوض هذه المعركة أو الحرب إلا أن عنترة ليس كذلك . فهو عندما يقوم بارتداء درعه, وتقلد سيفه ورمحه, واعتلاء فرسه, واقتحام ميدان المعركة والقيام بجندلة الفرسان والأبطال, يتملكه شعور قوي بالفرح والرضا عند القيام بذلك, وكيف أن سيفه غطاه الغبار, المثار من خيول الفرسان, وهو يطيح بمن يلقاه أمامه, مصورا ذلك في مشهد بديع مهيب يملأ النفس قوة ويشعلها حماسا . وَتَشهَدُ لِي الخَيلُ يَومَ الطِّعَانِ * بِأَنِّي أُفَرِّقُهَا أَلفَ سِربَهْ وَإِن كَانَ جِلدِي يُرَى أَسوَدَاً * فَلِي فِي المَكَارِمِ عِزٌ وَرُتبَهْ لم يكتفِ عنترة بالإفصاح عن حقيقة مشاعره, في المعارك والنزالات, كدليل على قوة بأسه وقدر فروسيته, فنراه كأنه يقول لحبيبته, إن لم يكن إخباري لكِ عن بلائي وقوتي كافيا, فهناك الخيول التي روَّعتُها وفرقت جمعَهَا, فاسأليها إن كانت تنطق, ولتخبركِ هي عن قوتي وبلائي . فبالرغم من كثرة الخيول الدالة على كثر الأعداء, إلا أنهم أمام قوة عنترة وثباته في المعركة, يتملكهم الخوف والرعب, فنرى هذه الأعداد المهولة التي حشدت لحربه, يتفتت شملها ويتفرق جمعها, خوفا من الوقوف أمام عنترة, وذلك معنى قوله (أفرقها ألف سربه), والسرب: هو اسم لمجموعة من الحيوانات, وتطلق على الطيور أو الحيوانات المجتمعة, والتي يتراوح عددها من ال 20 إلى ال 30 . وبعد أن أثبت لمحبوبته مقدار قوته, متحدثا عن بطولته وعن بلائه, يقول أن الشرف والعزة, لا يكون أبدا لمن جلده أبيض ومن عنده مال كثير, ولكن الشرف الحق, يكون لمن عنده مكارم الأخلاق يتحلى ويتصف بها, فيقول إنني يا ابنة عمي, وإن كان لون جلدي يبدوا أسودا, فإنني رجل كريم الطبع طيب الخلق, لا أتصف بأخلاق الأراذل, وشرفي وعزتي في ذلك, وذلك معنى قوله (في المكارم عزٌ ورتبة) . وَلَو صَلَّت العَرَبُ يَومَ الوَغَى * لِأَبْطَالِهَا كُنتُ لِلعَرَبِ كَعبَهْ وَلَو أَنَّ لِلمَوتِ شَخصَاً يُرَى * لَرَوَّعتُهُ ولَأَكثَرتُ رُعبَهْ يُظهِرُ لنا عنترة جانبا آخر من صفاته البطولية, ومظهرا من مظاهر الفخر والاعتزاز بالنفس, فيقول أنَّهُ في أوقات الحروب, وهي المقصودة بقوله (يوم الوغى), عندما يذهب العرب ويدعون لأبطالهم وفرسانهم, كي ينتصروا على أعدائهم ويعودوا ظافرين, و محملين بالغنائم والأسلاب . وهذه عادة العرب عند كل نائبة, وطارئة من الأمور والاحداث, أكون أنا أملاً من آمالهم, التي يُعَوِّلونَ عليها في النصر على أعدائهم, كما الكعبة أملٌ لهم, يدعون لأبطالهم ويتقربون لآلهتهم عندها, وذلك معنى قوله (كُنتُ لِلعَرَبِ كَعبَهْ) . ثم يتابع وصف قوته وبطولته, فيقول أن الموت, ذلك الشبح الذي يتملكهم الرعب منه عند ذكره, وبسببه يجبن الشجعان ويفر الأبطال, إن كانت له صورة يتمثل بها, وشخص يرى لذهبت إليه, وأدخلت الرعب إلى نفسه, وَلَرَوَّعتُ قلبه ولا أعبأ به, وبالطبع هذا من قبيل المبالغة, الغير محمودة من عنترة .