أيقظتنى أنوار المولد النبوي الشريف فى ذكراه من الغفلات والتعلات والأماني وانتشلتني من المخاوف والهواجس والقلق بعيدا عن دوامة النسيان وبحيرة الركود والجمود و الإهمال ، فمهما تكاثفت المظالم ، واهدرت الحقوق وأهملت شكوى المظلوم واشتدت قبضة الظالم ، فلن يفارقنى الرجاء فى الله أن تحل العقد و تنفرج الكرب ... وتحرك الماء الساكن ، وامتدت يد الذكرى الحانية تشجعني على المضي بلا توانى نحو الغاية المنشودة فمهما كانت المكابدات والصبر على المقاسات ، لن يحرم العبد من لحظ العناية . و خاطبتني فى سرى وأشارت إلى غاية الطالبين ومقصد السالكين وجنة الواصلين . إن المجاهدين من طالبي المراقى العالية و القطوف الدانية و القوارير المقدرة لا يغيب عنهم ساعة أن دنياهم رسالة ، وأن مواهبهم مصانة ، وليس للإنسان إلا ما سعى ، ولسوف يجزاه الجزاء الأوفى ، ولسوف يرضى . وهنا انقشعت الغمة ، وتبددت الظلمة ، وغمرت أنوار الذكرى الليل والنهار فلم يقم نجم أمامها ولا قمر ، فأمسكت عن كل شئ يشغلني أو يقطعني عن الغاية ومطارحة أسرار الذكرى والتعرض لأنوارها ومهابطها ، لعلى أحظى بنظرة رضا أو إيماءة قبول ! ولا أخفى سعادتي ونحن بين يدي الذكرى العطرة بما كتبت من مؤلفات فى ذكرى مولد النبي المصطفى المختار خاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فذكرى المولد النبوي الشريف من أهم دواعي فرحتي كغيري من المحبين . ويا لها من دواعي جليلة و عظيمة ، وبخاصة فى هذه الآونة الأخيرة ، فقد تجمعت قوى الشر والطغيان ، وعصابة الحقد الأسود ، وتحالفت الصهيونية و الماسونية مع الاستعمار الصليبي على شن حرب سافرة لم نعهدها من قبل لا فى الهجمة الصليبية فى العصور الوسطى المظلمة فى أوربا ، ولا فى الهجمة الجنكيزخانية التترية البربرية ، فهى حرب نفسية وفكرية وثقافية وعقائدية وأخلاقية جنبا إلى جنب مع الهجمة العسكرية الغاشمة على ديار المسلمين ، ناهيك عن غول الحصار الاقتصادي اللاإنساني البشع . لقد حاول اليهود من أنباء القردة والخنازير قتل النبي صلى الله عليه وسلم إبان البعثة المباركة ، فلما فشلوا وعصمه الله من الناس حاولوا قتله فى أمته وهم يحاولون ذلك بلا هوادة ، تارة بالطعن فى عصمته وتارة بالتشكيك فى نبوته ، وأخرى بتمويل المأجورين أدعياء النبوات. لقد استعانوا فى حربهم الظالمة بالموتورين والمغترين والمأجورين والمرتدين سواء فى الداخل أو فى الخارج ، وسواء كانوا من المستشرقين أو المستغربين أو العلمانيين أو ما يسموا بالتنويريين ( أدباء و مفكرين و صحفيين و أساتذة جامعات وسياسيين ورجال أعمال من سراق المال العام وغيرهم من طبقات الشعب المختلفة ). لقد تحالف الحاقدون بخسة متدنية على الكيد للمسلمين فى محاولات دائمة ومستمرة هى قديمة ولكنها تظهر كل يوم بثوب جديد بغرض التشكيك فى ثوابت الأمة والطعن فى منصب النبوة العالي ، محاولة تشكيكهم فى عقيدتهم الصادقة فى خاتم الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وهدفهم النهائي هو إنكار السنة والتشكيك فى القرآن الكريم ولكن بطريق غير مباشر ، فهم تارة يطعنون فى عصمة الأنبياء بعامة و النبي الخاتم بخاصة ، أو يشككون فى عقيدة المسلمين فى ختم النبوة. ومرة آخرى يطعنون فى حقيقة مقام النبي صلى الله عليه وسلم ودرجته العالية بين اخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومرة ثالثة ينكرون شفاعة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم أو يلتفون حول النبي صلى الله عليه وسلم ويطعنون فى علومه الوهبية علوم الوحي والإلهام كما يطعنون فى علماء الأمة وحكمائها من الورثة ويشككون فى عقيدة المسلمين وحبهم وتعظيمهم لنبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم. هذا وغيره كثير مما دفعني إلى تأليف عدة كتب للرد على هؤلاء وهؤلاء من هنا وهناك مثل كتاب ( نشأة العالم وأول خلق الله ) و( الاصطفاء والاجتباء و أنوار لأنبياء ) و( الكون كله خريطة محمدية) و( أبو البشر آدم بين الروح والجسد ) . ومازلت إن شاء الله على ذلك حبا لدينى وعقدتى وحرصا منى على سلامة أمتي ووحدتها ضد غلاة التطرف والفرقة والشقاق والمشككين والدهماء من المفكرين ممن فسدت فطرتهم وانساقوا وراء كل ناعق فى خدمة العدو المحتل الغاصب فى فلسطين وغزة والقدس وكل البلاد العربية. لقد تحالف كتاب وصحفيون وإعلاميون وشيوخ زور مع عدو دينهم فحاربوا وشككوا فى ثوابت الأمة سواء كان ذلك منهم بوعي أو بدون وعي وبطريق مباشر أو غير مباشر حتى جاء كتابى ( أصنام فى فكر يوسف زيدان ) وهو أحدثها ؛ جاء للرد على زميلنا القديم وأفكاره السوداء وتخريفاته الشيطانية وهلوساته التى استنسخها من اليهودي المحتل الغاصب فى فلسطين المدعو دكتور / مردخاي كيدار ، فما كان منى إلا أن اتصلت به تليفونيا أطالبه بالعودة إلى الصواب والاعتذار للأمة كلها هن هلوساته التى لا دليل عليها من عقل او نقل فلما لم أسمع منه ولم أستطع أن أثنيه عما هو فيه من تدنى فكري وأخلاقي وكذب بائن وتدليس ناهيك عن إصراره على ركوب نار الفتنة . هذا بالإضافة إلى طعنة فى عصمة نبي الأنبياء وخاتمهم عليهم جميعا الصلاة والسلام ، وتشكيكه فى رحلة الإسراء وإنكاره للمعراج . ومقام النبي صلى الله عليه وسلم ودرجته بين إخوانه من الأنبياء عليهم جميعا الصلاة السلام. هذا ، وقد بلغت به الدرجة أن يطعن فى الأحاديث النبوية الصحيحة ويشكك فيها بل ويكذب ويدلس ويطالب المسلمين بالكف عن تعظيم نبيهم صلى الله عليه وسلم ، ووصفه بأوصاف السيادة والشرف والعظمة ! لقد غفل الجاحدون أو تغافلوا بوعى أو بدون وعى أن الذى شرف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعظمه وكرمه ورفعه فوق الخلائق ليس إلا ربه ومولاه الحق العلى المتعال سبحانه وتعالى. وذاك فى مثل قوله تعالى : " وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ "( القلم : 4 ) وقوله جل ذكره " وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً " ( الإسراء : 79 ) هذا وغيره من خصائص المجد والشرف التى أفردنا لها عدة كتب من قبل فى بيان بعض من أنوارها وتجلياتها التى تدعم أقوال الصوفية من العارفين فى الحقيقة المحمدية وصدق أقوالهم فى النور المحمدي و أول خلق الله صلى الله عليه وسلم. ويبدو لنا بشكل عام أن وقاحة المشككين وتبجح المبطلين الضالين ليس جديداً ، فكلها مزاعم ودعاوى قديمة تتوارى وتكمن ، ثم تظهر مرة أخرى فى ثوب جديد ، ويزداد ظهورها وانتشارها ويتكاثر فى فترات ضعف وانحلال المسلمين وابتعادهم عن منهج نبيهم الكريم وأنواره الهادية إلى الطريق القويم والحياة الأبية الكريمة . وإننا بفضل من الله ونعمة مواظبون على ما بدأناه من أعمال وما نشرناه من رسائل وكتب ومقالات وظيفة ؛ ذلك فى محاولة منا لرد كيد الحاقدين وإزالة الغشاوة عن عيون الغافلين وجذب المريدين ، وطمأنت المحبين عسى أن يرتقوا فى مدارج السالكين ، ويقتربوا من مصدر الأسرار ومهبط الأنوار والنبع الصافي للمعارف والعلوم الوهبية و الكسبية والأخلاق الكريمة العلية جميعا ، فتلك مقامات العبد الرباني و المثل الأعلى النوراني غاية القاصدين ومنتهى مقام الواصلين ، باب الحضرة الإلهية التى انسدت جميع الطرق إليها إلا طريقته ، من تمسك به نجى ومن ابتعد عنه ضل وغوى. لقد كانت أنوار المولد النبوي الشريف فى ذكراه لنا حادي وكان نوره صلى الله عليه وسلم لنا هادى ، فابتعدنا عن الخلاف والاختلاف عسى أن تلتئم شمل الأمة ويعم الخير ربوعها والائتلاف. ونود أن نجلى عن القلب ما عليه قد جثم وعن العين غشاوتها حتى تتفتح العقول وتتقبل كل ما هو معقول فنؤكد لكل ذي عقل ولب أن النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم جاء تصحيحا للعقائد والعلوم والأفكار و الفهوم ، وتجسيدا لمكارم الأخلاق على التمام و العموم ، فقد قام على الاستقامة بأمر ربه فى وزن و قسط واعتدال و خير فاضل ، ظاهرا و باطنا شريعة و حقيقة ، بعيدا عن المسجلات والمهاترات والشعوذات والكهانة والتخليطات والعماية والتجهيلات. جاء بالعلم الكامل التام والمنهج الشامل العام فلا يقبل فى حضرته تحت أية مزاعم للمحبة الفجة أية أفكار أو آراء لا توافق ما جاء به ، وكذلك لا تقبل تحت أية تيارات معادية حاقدة أو كارهة أية افتراءات تعارض ما جاء به. وهذه نقطة حيوية و هامة يجب التأكيد عليها طالما نحن بسبيل البحث و التعريف ببعض تجليات أنوار النبي المصطفى المختار صلى الله عليه وسلم . ( وعلى الله قصد السبيل ) دكتور / عبد العزيز أبو مندور