كان جحا يدق مسمارا كبيرا في حائط بيته ، وكان وراء الحائط زريبة دواب على ملك جاره... فخرق المسمار الحائط وأحدث به ثقبا ، وعندما نظر حجا من الثقب رأى خيولا وحميرا وبغالا ، فأسرع الى زوجته فرحا وقال لها : تعالي .. وأنظري .. لقد وجدت كنزاً من البهائم... إنها قصّة الحكّام من أحفاد جحا المغوار ، مع الأغنام من بقايا زريبة تركها الأجوار ... فقد ظنّ الحكّام في غفلة من الزمن أنّ الشعب غبيّ وأنّ غباءه كنز بعثت به الأقدار ، وأن الإستثمار في الغباء هو أفضل إستثمار... تصوّر الحكّام الجدد بعد الإنهيار ، وهروب سكّان الدّار ، أنهم أصبحوا مالكين لما حجبته الأحجار عن الأبصار ، وأنهم فازوا بثروة لا تقدّر بثمن ولا تضاهيها ثروة على وجه الأرض وفي باقي الأمصار ... شعب جاهز بعد طول إنتظار ، لقبول الحاكم الجديد حتى ولو كان الحاكم خنفسا أو صرصار ... فالمهمّ أن يذهب الحاكم القديم ويرحل الى حيث شاء ولا يذكر له إسم أو تنقل عنه أخبار ، وليأت بعد ذلك كائن من كان ولا يهمّ أن يكون عجوزا خرفا أو شيخا كذّابا أو حتى مجرّد قطعة من الآثار... بعد إختراق المسمار للجدار وإنكشاف الخرائط ، يرى الحاكم من ثقب الحائط فيعتقد أن سياسة الناس وإدارة شؤونهم تعدّ أمرا سهلا ومن البسائط ، فهم في نهاية المطاف عبارة عن قطيع من الأغنام بعضها يرعى بدون قيود والبعض الآخر مقيّد في المرابط ، ولا خوف منها أو عليها طالما أنها تربّت على أكل الأعشاب الطفيلية والشرب من مياه البالوعات والمساقط ... حاكِمٌ من سلالة جحا الذي كان ، والذي جاد به علينا الزمان ، غريب الأطوار متلعثم اللسان ، لا تعلم أهو أبكم أو أخرس أو به مسّ من الجان ، يتصرّف مع الناس بعقليّة الوسواس الخنّاس فيزيّن لهم دنياهم ويبشّرهم بالرفاه والتنمية والأمان ، معتقدا أنه بذلك يستطيع ببساطة أن يقطف زهور الثروة من البستان ويهديها لمن شاء من المصلّين خلفه والمردّدين معه للآذان... ثمّ يكتشف الحاكم إثر إنهيار الجدار ، وإنبعاث الضوء في النهار ، أنّ الزريبة كانت على ملك الجار ، وأنّ البهائم التي فيها ليسا كنزا ثمينا وإنّما هي علامة موت لكلّ خائن غدّار ، إستهتر بذكاء الشّعب وأستهان بفعل الثوّار ... وحينذاك يردّد الحاكم قصيدة الشاعر بلند الحيدري فيقول : يا صغاري أنا أدري ان شعبي يأكل الحقد عروقه كلما أبصر بي الوحش الذي داس حقوقه كلما أبصر بي الليل الذي سد طريقه أنا أدري أن حكم الموت لن يسمح عاري فأنكروني يا صغاري واتركوني اتركوني لعنة تزحف في التاريخ من نار لنار علّها تغسل عاري