كان القرن التاسع عشر وبخاصة الفترة التي أعقبت مؤتمر برلين 1884-1885 الذي وضع الإطار القانوني لإستعمار أفريقيا نقطة سوداء في التاريخ الأفريقي, ففي غضون عقدين من الزمان تم احتلال أفريقيا بشكل شبه كامل, تمهيداً لنهب ثرواتها وإستغلال سكانها. ولم تكن سيطرة أوروبا علي أفريقيا لتقوم علي قوتها العسكرية وأساطيلها الحربية وقواعدها البحرية وتفوقها في العتاد العسكري فقط, بل أيضاً بتفوقها المادي والتقني. وقد نمى الوعي الأفريقي لحركات التحرر, بعد الحرب العالمية الثانية وذلك لتجدد المجتمع الأفريقي بما طرأ عليه من معرفة بأحوال حركات التحرر الخارجية خاصة في أسيا, وما ناله من التعليم, بالإضافة إلي ما أكتسبه من خبرة قتالية في الحرب العالمية الثانية, فبدأ المجتمع الأفريقي يعبر عن ذاته بمقدار مكوناتة ومستوياته الفكرية القومية كما مثلتها الطليعة الواعية في إتجاة إصلاحي في ظل توافر القوى المناهضة للإستعمار التي ساندته بإمتدادها نحو القارة الأفريقية . وقد نجحت بعض حركات التحرر في العديد من الدول الأفريقية وحصلت علي إستقلالها مبكراً, وكان علي الدول المستقلة حديثاً أن تساعد قرينتها القابعة تحت نير الأستعمار, لتنال حريتها هي الأخري, وكانت ليبيا من بين تلك الدول التي لعب دوراً محورياُ في دعم حركات التحرر الأفريقية, وطرد الاستعمار, ومحاربة العنصرية, وبالرغم من إنها حصلت علي استقلالها مبكراً في 24 ديسمبر 1951 , إلا أن دورها في الشئون الأفريقية حتي ثورة الفاتح في أول سبتمر 1969 ظل مقتصراً علي الحضور العادي والتمثيل الدبلوماسي المحدود مع الدول الأفريقية المستقلة, ولم يكن هناك أي أهتمام يذكر بالحركات الوطنية في أفريقيا ولم تكن هناك سياسة أفريقيه بالمعني الصحيح . وكان التوجه الحقيقي نحو دعم قضايا التحرر الأفريقي؛ بعد أن أعلن مجموعة من الضباط يقودهم معمر القذافي في أول سبتمبر 1969 ثورتهم علي الملكية, بعد أن أصابها الضعف والهوان. وفي البداية لم يكن لدي القذافي تصور مستقل بطبيعة وضع إفريقيا في السياسة الليبية, لذا فقد تبنى بقوة ووضوح النموذج المصري الناصري للتعامل مع إفريقيا في رفع شعارات الحرية والاشتراكية والوحدة ومقاومة المستعمر. هكذا دخلت ليبيا مرحلة جديدة في تاريخها, وعرفت تطورات كان مركزها معمر القذافي علي مدي أثنين وأربعين عاماً. وأصبح المناخ موتياً للقذافي لدعم حركات التحرر الأفريقية. وقد ارتبط الدور الليبي إفريقياً بفعل تأثير عدة عوامل, أبرزها: القيادة القذافية التي دعمتها القدرات المالية التي توافرت لها من عائدات النفط, ووجود مدركات ايديولوجية وشعارات ثورية أكتسبها الليبيون من خلفيتهم الثورية ضد الاحتلال الإيطالي. لذلك تبني القذافي محاربة الأستعمار , حيث ساندت القيادة والسياسة الليبية ماديا ومعنويا حركات التحرر الوطني في إفريقيا على امتدادها ، كما قامت بتقديم المساعدات الاقتصادية والمالية والفنية للعديد من دول القارة عقب استقلالها, وعملت علي محاربة النظم العنصرية في القارة بشتي الطرق . هذا السياسة الجديدة التي رسمها القذافي صرح بها في افتتاح الدورة التاسعة عشرة للجنة التنسيق لتحرير أفريقيا في الثالث عشر من يناير 1972: حيث ذكر أن " حرية القارة الأفريقية قضية واحدة لا تتجزأ , وأن استعباد أي جزء منها ينتقص من استقلالية بقية أجزائها" . بل أن القذافي ذهب بعيداً في دعم حركات التحرر الأفريقية حين صرح أن ليبيا مستعدة أن تخوض عمليات عسكرية نظامية, إذا قررت الدول الأفريقية ذلك في سبيل طرد الاستعمار الأبيض, والتسلط العنصري من القارة الأفريقية . وأصبحت ليبيا مصدر التمويل الرئيسي لكل حركات التحرر الأفريقية سلاحاً ومالاً ورجالاً . علي سبيل المثال, قامت بتدريب آلاف الجنود من منتسبي حركتي زانوا وزابو في روديسيا الجنوبية (زيمبابوي الأن) في معسكرات التدريب الليبية, وقامت بتزويدهم بالأسلحة والمعدات القتالية. واستقبلت ليبيا أيضاً ممثلي حركات التحرير في طرابلس وبنغازي , ومن هؤلاء: إمليكار كابرال الأمين العام للحزب الأفريقي لاستقلال غينيا وجزر الرأس الأخضر . وأرسلت ليبيا دعماً عسكرياً كبيراً إلي غينيا كوناكري عندما تعرضت إلي الغزو البرتغالي في نوفمبر 1970, وقفلت أجوائها كاملة في وجه الطيران البرتغالي للأنه يحتل جزء من القارة . وكذلك في وجه الطيران المتجه إلي روديسيا أو جنوب أفريقيا كنظامين عنصريين .ودعمت أيضاً حركة المؤتمر الأفريقي , ومنظمة غرب أفريقيا سوابو, ومقاتلي حركة الوعي السوداء, والمؤتمر الوطني الأفريقي, وغيرهم. وساهمت ليبيا في ميزانية لجنة التنسيق لتحرير أفريقيا حيث قدمت مساعدات مالية إلي حركات التحرير في أنجولا, وموزمبيق, وجزر القمر, وسيشل, والصحراء الغربية. فعلي سبيل المثال تعهدت في مؤتمر القمة العربية الأفريقية بالقاهرة مارس 1977 بتقديم مليوني دولار لدعم حركات التحرر الأفريقية . بالإضافة إلي ذلك لعبت ثورة الفاتح دوراً بارزاً في حل النزاعات الإقليمية لتوحيد الجهود وتوجيهها لدعم حركات التحرر الأفريقية, كالنزاع الذي حصل بين جمهورية غانا وجمهورية السنغال 1973, وبين مالي وبوركينا فاسو 1974. ومن جانب أخر, كانت أول وأكبر دولة مساهمة في تمويل المصرف الأفريقي ليقوم بدوره في دعم مخططات التنمية لشعوب القارة. وطالبت ليبيا في إطار مؤتمرات عدم الانحياز بمساندة حركات التحرر الأفريقية, علي سبيل المثال, طالبت في مؤتمر كولومبو لعدم الانحياز في سنة 1976 بدعم حركات التحرر الأفريقية, بجانب دعم استقلال الدول الأفريقية المستقلة حديثاً عن الأستعمار الفرنسي لاسيما جزر القمر وتمكينها من عضوية تجمع دول عدم الإنحياز. وفي الأممالمتحدة وافقت ليبيا علي 237 قرار يهدف إلي تصفية الأستعمار. وقد توج دور السياسة الليبية الداعم لحركات التحرير الأفريقية, بوصول قيادات هذه الحركات إلي الحكم في دول أفريقية مثل : أسياسي أفوركي في أرتيريا, ونيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا , وسام انجوما في نامبيا, وروبرت موجابي في زيمبابوي. وكان لهذه القيادات السياسية التي تعلمت وتدربت علي الأراضي الليبية دوراً في دعم ليبيا في مختلف القضايا وعلي مختلف الأوجه والأصعدة الدولية. وخلاصة القول أن السياسة الليبية مثلت امتداداً لأهداف وأساليب سياسة مصر الإفريقية خاصة في دعم حركات التحرر الأقريقية خلال الحقبة الناصرية .