طلب إحاطة بشأن معاناة المواطنين من انقطاع الكهرباء مع ارتفاع درجات الحرارة    سعر طن الحديد اليوم 19-4-2024 اتهبد تاني.. وانتكاسة قوية قادمة    رئيس الوزراء البريطاني: التصعيد الكبير ليس في مصلحة أحد    مصر تصدر بيانا بعد ضرب مواقع إيرانية وسورية    مدافع أتالانتا: ركلة جزاء صلاح «لحظة مؤسفة»    "الشخصية والعقلية" تشاكا يكشف سر فوز باير ليفركوزن على وست هام يونايتد    كاسيميرو: أنشيلوتي بكى بعد قرار رحيلي عن ريال مدريد    بالأسماء.. إصابة 23 شخصا في حادثين منفصلين بالمنيا    الداخلية: سحب 1467 رخصة لعدم وجود الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    عاجل عن حقيقة منح الموظفين إجازة 3 أيام أسبوعيا من أغسطس القادم    100 سنة غنا.. تجارب سابقة وإضافات جديدة: كواليس حفل علي الحجار فى الليلة الثانية    وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عاما    طلب إحاطة لاستمرار نقص أدوية الأمراض المزمنة ولبن الأطفال    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الجمعة في الأسواق (موقع رسمي)    بسبب سرعة الرياح.. وقف رحلات البالون الطائر في الأقصر    "الزمالك مش أول مرة يكسب الأهلي".. إبراهيم سعيد يهاجم عمرو الجنايني    الإسكان: 900 حملة لمنظومة الضبطية القضائية للتأكد من المستفيدين لوحداتهم السكنية    ميرنا نور الدين تخطف الأنظار بفستان قصير.. والجمهور يغازلها (صورة)    في 5 بنوك.. سعر الريال السعودي مقابل الجنيه بأول أسبوع بعد إجازة العيد    أزمة نفسية.. تفاصيل إنهاء فتاة حياتها بحبة الغلة في أوسيم    إصابة جنديين إسرائيليين بجروح جراء اشتباكات مع فلسطينيين في طولكرم بالضفة الغربية    مساجد شمال سيناء تتحدث عن منزلة التاجر الصدوق    تعديلات على قانون المالية من نواب الحزب الديمقراطي    مخرج «العتاولة» عن مصطفي أبوسريع :«كوميديان مهم والناس بتغني المال الحلال من أول رمضان»    "التعليم": "مشروع رأس المال" بمدارس التعليم الفني يستهدف إكساب الطلاب الجدارات المطلوبة بسوق العمل    جدول مباريات اليوم.. ظهور مرموش.. افتتاح دوري "BAL" السلة.. ولقاء في الدوري المصري    وزير المالية يعرض بيان الموازنة العامة الجديدة لعام 2024 /2025 أمام «النواب» الإثنين المقبل    «النواب» يبدأ أولى جلساته العامة بالعاصمة الإدارية الأحد بمناقشة «التأمين الموحد»    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 19 أبريل 2024.. «الدلو» يشعر بصحة جيدة وخسائر مادية تنتظر «السرطان»    «التوعوية بأهمية تقنيات الذكاء الاصطناعي لذوي الهمم».. أبرز توصيات مؤتمر "تربية قناة السويس"    مجلس الناتو-أوكرانيا يعقد اجتماع أزمة حول الدفاع الجوي في كييف    الدولار على موعد مع التراجع    بسبب ال«VAR»| الأهلي يخاطب «كاف» قبل مواجهة مازيمبي    «العشرية الإصلاحية» وثوابت الدولة المصرية    أمريكا تعرب مجددا عن قلقها إزاء هجوم إسرائيلي محتمل على رفح    أخبار الأهلي : موقف مفاجئ من كولر مع موديست قبل مباراة الأهلي ومازيمبي    أحمد كريمة: مفيش حاجة اسمها دار إسلام وكفر.. البشرية جمعاء تأمن بأمن الله    مخرج «العتاولة»: الجزء الثاني من المسلسل سيكون أقوى بكتير    شريحة منع الحمل: الوسيلة الفعالة للتنظيم الأسري وصحة المرأة    فاروق جويدة يحذر من «فوضى الفتاوى» وينتقد توزيع الجنة والنار: ليست اختصاص البشر    مسؤول أمريكي: إسرائيل شنت ضربات جوية داخل إيران | فيديو    منهم شم النسيم وعيد العمال.. 13 يوم إجازة مدفوعة الأجر في مايو 2024 للموظفين (تفاصيل)    تعديل ترتيب الأب.. محامية بالنقض تكشف مقترحات تعديلات قانون الرؤية الجديد    محمود عاشور يفتح النار على رئيس لجنة الحكام.. ويكشف كواليس إيقافه    #شاطئ_غزة يتصدر على (اكس) .. ومغردون: فرحة فلسطينية بدير البلح وحسرة صهيونية في "زيكيم"    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    الإفتاء تحسم الجدل بشأن الاحتفال ب شم النسيم    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    سكرتير المنيا يشارك في مراسم تجليس الأنبا توماس أسقفا لدير البهنسا ببني مزار    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء للمريض في ساعة استجابة يوم الجمعة.. من أفضل الأوقات    وزير الخارجية الأسبق يكشف عن نقاط مهمة لحل القضية الفلسطينية    بسبب معاكسة شقيقته.. المشدد 10 سنوات لمتهم شرع في قتل آخر بالمرج    جريمة ثاني أيام العيد.. حكاية مقتل بائع كبدة بسبب 10 جنيهات في السلام    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    شعبة الخضر والفاكهة: إتاحة المنتجات بالأسواق ساهمت في تخفيض الأسعار    أخبار 24 ساعة.. مساعد وزير التموين: الفترة القادمة ستشهد استقرارا فى الأسعار    فحص 1332 مواطنا في قافلة طبية بقرية أبو سعادة الكبرى بدمياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لعل الذكرى تنفع المنبطحين!!
نشر في شباب مصر يوم 04 - 06 - 2018


نَتذكَّر ونُذكِّر، فلعل الذكرى تنفع المنبطحين!!
(عدوان 5 حزيران/يونيو 1967)
*بقلم: محمود كعوش
بكثير من الحزن والأسى، نستقبل في 5 حزيران/يونيو من كل عام ذكرى "هزيمة" عربية اختيرت لها تسمية "نكسة" للتخفيف من وطأتها وأثرها على مسامع الجماهير العربية التي لم تزل تحتفظ بقدر من الانتماء الوطني والقومي. وهي بعد عام 1982، بدأت تتوافق مع ذكرى قيام الكيان الصهيوني الإرهابي باجتياح لبنان وصولاً إلى عاصمته بيروت، تحت سمع وبصر النظامين الرسميين العربي والإسلامي، والعالم أجمع. وبعد عام 2017، بدأت تتوافق مع ذكرى "أزمة الخليج" التي تفجرت بين إمارة قطر الخليجية من جهة وثلاثة من دول الخليج الأخرى هي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، إضافة إلى مصر من جهة ثانية. ولا يعلم إلا الله بما ستتوافق معه في قادم الأعوام!!
تلك "الهزيمة - النكسة" حدثت في ظروف عربية سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية صعبة ومعقدة لم تزل قائمة حتى أيامنا هذه، بل ربما أنها هذه الأيام أسوأ مئات المرات مما كانت عليه آنذاك، أكان ذلك على الصعيد العربي بشكل عام أو الصعيد الفلسطيني بشكل خاص.
فعلى الصعيد العربي، تتواصل العواصف العاتية التي هبت على بعض البلدان العربية في عام 2011 تحت مسمى "الربيع العربي" الكاذب لتضرب هذه البلدان بشكل بات يهدد كياناتها ووحدة أراضيها وشعوبها ومستقبلها. ومن المؤسف والمحزن بل من المخجل والمبكي أن بلداناً عربية أخرى، باتت معروفة ومفضوحة ولا داعي لذكر أسمائها، تواصل تآمرها عليها من خلال احتضانها وتأييدها وتمويلها ودعمها لمنظمات إرهابية محلية ومستوردة ومشاركتها في هجماتها البربرية والتدميرية التي تستهدفها بشكل متواصل ومتصاعد، بهدف الإجهاز على القضية الفلسطينية خدمة للمشروع الأمريكي - الصهيوني الاستعماري - الاستيطاني وهيمنة الكيان الصهيوني على الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط برمتها. وهذا الحال عكس نفسه بالطبع على النظام الرسمي، فأبقاه على ما كان عليه من تردٍ وترهل وعجز ووهن وهوان وفقدان إرادة وامتهان كرامة واستسلام وانبطاح، بحيث أصبح من المتعذر التكهن بقرب التئام الجرح العربي النازف منذ عام 1948.
أما على الصعيد الفلسطيني، فيواصل الاحتلال الصهيوني البغيض والمُدان تصعيد عدوانه، ويواصل حربه الشاملة والمدمرة على الفلسطينيين. ويتوج هذا الاحتلال جرائمه بمواصلة بناء المستوطنات وتفكيك أوصال الضفة الغربية وعزل مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني من خلال تهويدها وفرض الوقائع الاحتلالية فيها. ويحدث كل ذلك في ظل تآمر أمريكي وانحياز مفضوح وفج للكيان الصهيوني وتغطية وقحة لممارساته العدوانية ومحاولات مستمرة ومكشوفة للقفز على الحقوق الوطنية الفلسطينية العادلة والمشروعة وتجاوز قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، في محاولة لفرض الحلول السياسية "الاستسلامية" وفقاً للإملاءات الأمريكية - الصهيونية التي يرفضها الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات بإصرار وعناد. ولا شك أن التآمر الأمريكي على الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وانحياز واشنطن المفضوح للكيان الصهيوني، تجليا بأبشع صورهما من خلال قرار اعتبار مدينة القدس "عاصمة لإسرائيل"، الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 6 كانون الأول/ديسمبر 2017، ومن ثم نقل السفارة الأمريكية من مقرها في تل أبيب إلى القدس في شهر أيار/مايو الماضي.
في 5 حزيران/يونيو 1967 شن الكيان الصهيوني حرباً عدوانيةً خاطفة استهدفت ثلاثة من الأقطار العربية هي مصر وسوريا والأردن، كانت الحرب العربية - الصهيونية الثالثة وفق تسلسل الحروب بين العرب والصهاينة، بعد نكبة فلسطين في عام 1948 والعدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، مُني فيها العرب بهزيمة مزلزلة. إلا أنه وبمبادرة جريئة كان القصد من ورائها التخفيف من وطأة نتائج وإرهاصات تلك الحرب العدوانية والآثار السلبية الفادحة والمفجعة التي ترتبت عليها على مستوى الأمة العربية كلها التي كانت تعيش قبل وقوعها أوج مجدها ومدها القومي وذروة آمالها العريضة بقرب أزوف اللحظة الموعودة التي يتم فيها تحرير فلسطين من الاغتصاب الصهيوني، أطلق الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر عليها تسمية "نكسة حزيران". هذا إلى جانب إعلانه تحمل مسؤولية ما جرى، وفقاً لما افترضته شجاعة ورجولة القادة التاريخيين الكبار.
مثلت تلك الحرب بما أفرزته من نتائج سياسية وعسكرية واقتصادية وجيو - استراتيجية، تحولاً خطيراً في مجرى الصراع العربي الصهيوني بشكل عام والصراع الفلسطيني الصهيوني بشكل خاص، لما نجم عنها من خللٍ واضحٍ وخطيرٍ في توازن القوى بين الأقطار العربية مجتمعة من جهة وكيان العدو من جهة أخرى. فبذريعتها أًعيدت القضية الفلسطينية مجدداً وبشكل مفاجئ وغير محسوب إلى ردهات منظمة الأمم المتحدة لتواجه دوامة جديدة ومعقدة من التكتلات والصراعات والمماحكات والمناقشات والاجتهادات الدولية والإقليمية والعربية حول قرارات ومشاريع قرارات متواترة ومتلاحقة، أدت بالنتيجة إلى صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1967 والذي تضمن حسب زعم مجلس الأمن "مبادئ حلٍ سلميٍ" لها. لكن ذلك القرار ما لبث أن أُحبط بعدما فسر الكيان اللقيط بنوده بالكيفية التي أرادها ورفضه رفضاً قاطعاً!!
في ما تعلق بالنتائج السياسية التي ترتبت على تلك الحرب العدوانية السافرة على الصعيد الصهيوني، فقد استطاع الكيان الصهيوني أن يثبت لمعسكر الغرب الإمبريالي تفوقه على العرب، الأمر الذي عزز مكانته عنده ومكنه من إقناعه باعتماده شرطياً "أميناً" للمحافظة على مصالحه في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الوطن العربي. وعلى الصعيد العسكري تمكن هذا الكيان من السيطرة على مساحاتٍ كبيرةٍ من الأراضي العربية بلغت أكثر من أربعة أضعاف ما احتله إبان نكبة عام 1948. كما وفتح مضائق تيران وسيطر على شرم الشيخ وضمن لنفسه الملاحة في خليج العقبة. وعلى الصعيد الاقتصادي، تمكن هذا الكيان من السيطرة على المصادر النفطية في شبه جزيرة سيناء المصرية حتى ربيع 1982، وعلى موارد المياه في مرتفعات الجولان السورية والضفة الغربية وأصبح بمقدوره تطوير عملية الهجرة والاستيطان في الأراضي العربية المحتلة بالشكل الذي رغب فيه. أما على الصعيد الجيو استراتيجي، فقد تقدم الكيان الصهيوني المجرم أكثر فأكثر من عواصم عربية كبيرة وفاعلة مثل القاهرة ودمشق وعمان، ووسع من عمقه الاستراتيجي. هذا وكسب أوراقاً جديدةً للمساومة، وأقام حدوده الجديدة عند موانع أرضية محكمة وحساسة كقناة السويس ونهر الأردن ومرتفعات الجولان. وقد أثر ذلك على الروح المعنوية لجيشه وقادته إلى حد أن وهمهم وغرورهم صورا لهم أنهم تمكنوا من فرض إرادتهم على العرب وباتوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق مطامعهم التوسعية التي رسمتها استراتيجيتهم الهدامة في الوطن العربي!!
أما على الصعيد العربي، فإننا إذا ما سلمنا جدلاً بأن ما كسبه الكيان الصهيوني في تلك الحرب جاء على حساب خسارة العرب وإذا ما نحينا جانباً نتائج تلك الحرب على الصعيدين الاقتصادي والجيو استراتيجي، يمكن الجزم بأنها على مستوى نتائجها السياسية أيقظت الوجدان العربي وهزّته هزا عنيفاً، ونبّهت الشعور القومي إلى الخطر الداهم على كل العرب من المحيط إلى الخليج. وانعكس ذلك على التحرك العربي الذي اتخذ اتجاهاتٍ عملية وسريعةً لإزالة آثارها ودعم مواقع الصمود والاعتماد على الأصالة الذاتية للأمة العربية.
كما وأن تلك الحرب وما ترتب عليها من "نكسةٍ" أو "هزيمة" قاسيةٍ على العرب، كشفت للعالم أكذوبة "الكيان الضعيف الذي يهدده العرب من كل الاتجاهات"، مما أكسب العرب عطفاً دولياً وتضامناً مع قضاياهم ساعدهم على عزل هذا الكيان اللقيط عالمياً، لكن وللأسف إلى أمد لم يطل كثيراً!!
وفي ما يتعلق بالنتائج العسكرية، يمكن الإقرار بأن القوات العربية تعرضت لخسائر فادحة، أكان ذلك على المستوى البشري أو مستوى الآلة العسكرية. غير أن هذه القوات تمكنت من التحرك السريع وإعادة تجميع وتنظيم قدراتها وإمكاناتها، واستطاعت في فترةٍ وجيزةٍ أن تتعافى وتعود أقوى مما كانت عليه من قبل، وذلك بفضل الدعم العربي ودعم الدول الصديقة. وعلاوةً على ذلك فقد دفعت مرارة النكسة "الهزيمة" الجماهير العربية والحكومات والقوات المسلحة العربية إلى العمل الدؤوب من أجل رفع مستوى القدرة القتالية والتأهب للثأر الذي طال انتظاره!!
ولربما أن ما فاق كل ذلك أهميةً، حسبما أجمع المراقبون الحياديون في حينه، هو أن تلك "النكسة" أو "الهزيمة" التي آلمت بالعرب قد زادتهم إصراراً وتصميماً على مواجهة التحديات والمخاطر المحدقة، بدلالات قرارات مؤتمر قمة الخرطوم وحرب الاستنزاف ومعركة الكرامة، وبدلالة متابعة الاستعدادات لبلوغ النصر، الأمر الذي لم يمكن الكيان المصطنع من فرض أهدافه السياسية على العرب أو إخضاعهم لإرادته وإرادة المعسكر الغربي الذي اعتمده شرطياً "أميناً" على مصالحه.
وبعودة إلى القرار الدولي رقم 242 الذي أصدره مجلس الأمن بعد خمسة شهور من عدوان الخامس من حزيران/يونيو 1967 يمكن القول أن استخفاف حكومة الكيان به وتهربها من تنفيذه زادا العرب إصراراً فوق إصرار وتصميماً فوق تصميم على مواجهة التحديات والمخاطر المحدقة. وقد اقتضى ذلك بدء مرحلة جديدة تميزت باتساع رقعة نفوذ الثورة الفلسطينية، وتعدد ساحات ومعارك النضال الفلسطيني المسلح، وتزايد تأييد حركات التحرر الوطنية والقومية العربية والتقدمية العالمية.
لكن شيئاً من كل ذلك لم يُثنِ الكيان الصهيوني عن نزعته العدوانية ضد العرب، فظل يوغل في تنفيذ مخططاته الجهنمية الخاصة بقضم وضم الأراضي الفلسطينية شبراً شبراً، وفي رفض أي مبادرة دولية لتسوية الصراع العربي الصهيوني بالوسائل السلمية، وفي تحدي ميثاق منظمة الأمم المتحدة وانتهاك مبادئها. واستمر الوضع على ذاك المنوال إلى أن نشبت الحرب العربية الصهيونية الرابعة في 6 تشرين الأول/أكتوبر 1973.
في تلك الحرب استطاع العرب لأول مرة أن ينتزعوا زمام المبادرة من عدوهم، وأن ينتقلوا بنجاحٍ من الدفاع إلى الهجوم الاستراتيجي، وأن يفاجئوا العالم بأخذهم ذلك العدو على حين غرة، بحيث نجحوا في تحطيم نظرية الأمن الصهيوني وأسطورة التفوق المزعوم، وأثبتوا قدرتهم على التضامن والعمل المشترك لتحقيق هدفٍ واحدٍ موحد. ومن هنا جاء الربط بين الحربين الثالثة والرابعة، إذ أصبح أي ذكر للخامس من حزيران/يونيو 1967 يستدعي ربطه بالسادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، والعكس صحيح.
وإن لم تفضِ حرب 6 تشرين الأول/أكتوبر 1973 إلى نصرٍ عسكريٍ مؤزر وحاسمٍ لأيٍ من طرفي الصراع، بفعل الدعم الأمريكي اللامحدود لكيان العدو الصهيوني الذي تمثل بالجسر الجوي الذي أقامته واشنطن بين تل أبيب وعواصم الحلف الأطلسي "الناتو" في أوروبا وبفعل جنوح الرئيس المصري محمد أنور السادات إلى "السلم" وفق الرؤية الأمريكية الصهيونية المشتركة من خلال تخليه عن المصلحة القومية وتطويعه نتائج تلك الحرب لغايات قُطرية ضيقة، إلا أنها في كل حال رجحت كفة العرب وجاءت في كثير من نتائجها لصالحهم، وبالأخص على المستوى السياسي.
ولربما أن رجحان كفة العرب في تلك الحرب وإثبات قدرتهم على التضامن وشحذ هممهم ورص صفوفهم وتوحيد قواهم وطاقاتهم في مواجهة العدو المشترك كانا من أهم وأبرز النتائج وأكثرها قيمةً وتأثيراً، خاصةً وأنه قُدر لتلك الحرب أن تمحو نسبة كبيرة من الآثار السلبية التي ترتبت على نكسة "هزيمة" 5 حزيران/يونيو 1967.
وعلى وقع صدى رجحان كفة العرب في حرب 6 تشرين الأول/أكتوبر 1973 وإيقاع نقر دفوف انتصاراتهم على الجبهة اللبنانية - الصهيونية عامي 2000 و2006 وعلى الجبهة الفلسطينية الصهيونية بعد ذلك، ومع تعاظم الآمال التي عُلقت على نهج المقاومة والممانعة المتنامي بثبات وصلابة في الوطن العربي باعتباره خيار الأمة الأمثل، نرى ضرورة طرح السؤال التالي:
هل ما زال بمقدور أحرار وشرفاء العرب الرهان ولو بقدر ضئيل على التضامن العربي بعد أن ثبت لهم بالأدلة القاطعة أن بين ظهرانيهم بلداناً عربية تواصل احتضانها وتأييدها وتمويلها ودعمها لمنظمات إرهابية محلية ومستوردة ومشاركتها هجماتها البربرية والتدميرية ضد بلدان عربية أخرى بهدف تهديد كياناتها ووحدة أراضيها وشعوبها ومستقبلها توطئة لضرب نهج المقاومة والممانعة ووصولاً للإجهاز على القضية الفلسطينية وتصفيتها بشكل نهائي وحاسم تلبية لمتطلبات المشروع الأمريكي - الصهيوني الاستعماري - الاستيطاني الساعي إلى فرض هيمنة الكيان الصهيوني على الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط برمتها؟
من المؤكد أننا سنجد أنفسنا عاماً بعد عام "مجبرين" على تأجيل الرهان على التضامن العربي، مثلما أجبرنا سابقاً على تأجيل الرهان على الوحدة العربية والاتحاد العربي، بسبب أفعال ومواقف وخيبات وانحرافات بلدان عربية وجِدَتْ بين ظهرانينا مشابهة لتلك التي تتواجد الآن بين ظهرانينا، أو هي ذاتها، لكننا سنواصل تجديد الرهان بحزم وعزيمة على إرادة نهج المقاومة والممانعة، مع الأمل بقرب قدوم يوم يتعظ فيه المنبطحون العرب ويعودون إلى رشدهم!! ربما يأتي ذلك اليوم، فليس على الله بعسير!!
*كاتب وباحث مقيم بالدنمارك
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.