الشيخ الكبير والقاريء والداعية المصري محمود يوسف مسعود رحمه الله تعالي من كبار الدعاة وتلاوة القرآن الكريم في حيي عين شمس بمحافظة القاهرة بالقرن العشرين الميلادي السابق فقد كان صاحب أداء جميل وطيب وذو موهبة كبيرة في تلاوة القرآن الكريم وأيضا في وعظه وإرشاده للناس في كثير من المساجد والحفلات القرآنية والدعوية في المناسبات الدينية وغير الدينية. فقد كان يتميز بالأداء الجميل كما قلنا والخاشع في تلاوة القرآن الكريم في الحفلات الدينية والمآتم وكذلك كان يتميز بغزارة العلم والوسطية واليسر والحكمة والتنوير في الدعوة إلي الله تعالي وتوصيلها للناس من خلال خطبه ودروسه المتنوعة والطيبة في العلوم الاسلاميه والعلوم الاخري. وفي حوار خاص مع الشيخ محمود يوسف مسعود رحمه الله كنا قد قمنا بالحوار معه قبل وفاته بثلاث سنوات أي في يوم 23 فبراير 1993 حيث توفي الشيخ محمود يوسف مسعود يوم 24/3/1996م ودفن بالقاهرة . وقد تحدث معنا عبر الحوار التالي في مجال تلاوة القرآن الكريم والدعوة وقضايا الساعة حين ذاك رحمه الله تعالي وهذا الحوار ينقسم إلي جزأين ولم ينشر من قبل في أي مكان ونرسله إلي موقع جريدة شباب مصر لمرور ذكري يوم وفاته وإليكم نص الحوار وهو التالي::- ------- 1- السؤال الأول : حدثنا عن نشأتك شيخ محمود يوسف وكيف حفظت كتاب الله ؟ وكيف تعلمت علوم الوعظ والإرشاد والدعوة إلي الله تعالي؟ ج- ولدت في حيي عين شمس بمحافظة القاهرة يوم 28 ديسمبر 1926 وقد التحقت بكتاب الشيخ الكبير محمد عبد العال عزو عام 1937 وتعلمت علي ثلاث أجزاء من القرآن الكريم وهي الجزء الثامن والعشرين والتاسع والعشرين والثلاثين. فالجزء الثامن والعشرين يبدأ من عند سورة المجادلة وينتهي عند سورة التحريم والجزء التاسع والعشرين يبدأ من عند سورة الملك وينتهي عند سورة المرسلات والجزء الثلاثون يبدأ من عند سورة النبأ وينتهي عند سورة الناس وفي عام 1938 أكملت حفظ القرآن الكريم علي يد الشيخ محمود معروف قارئء القران الكريم ومعلمه بحيي المطرية بالقاهرة حين ذاك وبعد ذلك درست القراءات السبع والعشر وغيرها بمعهد القراءات بالعباسية عام 1945 وإجادتها حفظا وتجويدا وكان ترتيبي التاسع بين زملائي في المعهد وكان معي حين ذاك القاري الشيخ محمد صديق المنشاوي والشيخ محمود حسين منصور وغيرهما وكانوا بعد ذلك من قراء الإذاعة المصرية وقد حصلت علي شهادة من جمعية المحافظة علي القرآن الكريم عام 1947 وتعلمت بجانب ذلك بعدها علوم الفقه والسيرة والتاريخ الإسلامي وعلوم الوعظ والإرشاد في معاهد الأزهر وعملت بكثير من مساجد الأزهر والأوقاف والمساجد الاهليه منها مسجد محمد أغا والصحابة والخلفاء الراشدين والنور وغيرهما من مساجد القاهرة والمحافظات الاخري -------------------- 2- السؤال الثاني : ما هي شروط القارئ الممتاز لتلاوة القرآن الكريم شيخ محمود يوسف؟ ج - القارئ الممتاز لتلاوة القرآن الكريم لابد أن يكون ملم بكل قواعد أحكام القرآن الكريم من تنوين بغنة أو بغير غنة واقلاب ومد وقصر وغير ذلك من أحكام أخري وأن يكون القارئ علي دارية بأسماء المقامات الصوتية حتى يتسني له الانتقال من مقام إلي أخر فالمقام الصوتي هو تصوير لمعني الآيات القرآنية حتى تكون واضحة للمستمع لها وأيضا أن تكون القراءة بصوت حسن وخاشع لله تعالي فسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الصحيح [ إن من أحسن الناس صوتا في القرآن الكريم إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشي الله تعالي ] رواه الإمام السيوطي والطبراني وغيرهما. ولقد سمع سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الصحابي الجليل أبا موسي الأشعري يقرأ القرآن في احدي السور ويتغني به ويحبره فقال الرسول له بعد الانتهاء من القراءة يأبا موسي ( لقد أوتيت مزمارا من مزامير أل داود )رواه الترمذي وغيره والمراد بالمزمار في الحديث السابق هو الصوت الحسن والجميل وال داود المذكورين في الحديث أيضا هم سيدنا داود عليه السلام فقد كان حسن الصوت في تلاوته للزبور وهو من الكتب السماوية التي نزلت عليه من الله تعالي أما كلمة التحبير المذكورة في الحديث فمعناها تحسين الصوت والمقصود من الحديث أيضا أن يقرأ القارئ القران الكريم بأسلوب طيب وبصوت حسن وجميل. --- 3- السؤال الثالث : من هم أفضل قراء التلاوة القرآنية في مصر في الزمن الماضي والزمن الحالي ؟ ج- أفضل قراء القرآن الكريم في مصر في الزمن الماضي هم الشيخ محمد رفعت وعلي محمود ومحمد الصيفي وكامل يوسف البهتيمي وعبد الفتاح الشعشاعي وعبد العظيم زاهر ومحمود خليل الحصري وطه الفشني أو العينين شعيشع ومحمود علي البنا ومحمد صديق المنشاوي وعبد الرحمن الدروي ومحمد فريد السنديوني وسيد النقشبندي ومصطفي إسماعيل ومنصور الشامي الدمنهوري وعبد العزيز علي فرج ومحمود عبد الحكم وحمدي محمود الزامل وإبراهيم الطناني ومحمد عبد العال عزو ومحمد سلامة ومحمد الطوخي ومحمود البيجرمي رحمهم الله تعالي وغيرهما كثير. أما في الزمن الحالي وهو المقصود بقراء القرآن في زمن الشيخ محمود يوسف وما بعده رحمه الله وهم الشيخ محمد عبد العزيز حصان ومحمد بدر حسين وعبد العزيز حربي ومصطفي غلوش وفتحي المليجي ومحمد الليثي وسيد متولي وعثمان الشبراوي ومحمد الديب وإسماعيل حجاب ومحمد مهني النجار وعبد الله عمران وعبد العزيز عكاشة وعنتر مسلم وعلي طه أبو حديد وغيرهما الكثير. --------------------- 4- السؤال الرابع : ما هو اللحن الذي يقع فيه كثير من قراء القرآن الكريم أثناء التلاوة ؟ ج- اللحن في التلاوة القرآنية هو الخطأ والابتعاد عن الصواب في القراءة واللحن ينقسم الي قسمين وهم لحن جلي ولحن خفي. واللحن الجَلِيُّ قد يكون في الحروف أو في الكلمات ، أوفي غير ذلك. (((أ1)))اللحن الجلي في الحروف هو ثلاثة أنواع هو الآتي::- -------- 1- إبدالُ حرفٍ مكان حرف ::- ------------------ ومثال علي ذلك :::- ----- أ- إبدال الثاء من [ ثَيِّبات ٍ] بالسين ب- إبدال الضاد من [ فمن اضطُرّ َ] بالطاء 2- زيادةُ حرفٍ على الكلمة::- --------------- مثال علي ذلك تقرأ كلمة [ ولا تسألن ] والصواب هو [ ولتُسْألُن ّ] وتقرأ كلمات [ فترميهم بحجارة ] سورة الفيل والصواب هو [ ترميهم بحجارة] 3- إنقاصُ حرفٍ من الكلمة ::- ----------------- ومثال ذلك تقرأ كلمات [ ولتموتن إلا وأنتم مسلمون] والصواب [ولا تموتُنَّ إلاَّ وأنتم مسلمون]وهكذا. ((( ثانيا ))) في الكلمات وهو ثلاثة أنواع وهو الآتي :::- -------- 1- اللحن الجلي في إبدالُ كلمةٍ مكان كلمة في الآية:::- --------- مثال ذلك تقرأ كلمات [ إنك أنت العزيز الحكيم ] والصواب هو [إنك أنت العليمُ الحكيم ] وهكذا 2- اللحن الجلي في زيادةُ كلمةٍ على الآية::- ------------ مثال علي ذلك تقرأ كلمات [ أو تحرير رقبةٍ مؤمنة ] هو [ أو تحريرُ رقبةٍ ] 3- إنقاصُ كلمةٍ من الآية القرآنية ::- ------------ مثال علي ذلك تقرأ كلمات [ ولله ما في السموات والأرض ] هو[ ولله ما في السموات وما في الأرض] وغير ذلك من قواعد اللحن الخفي. ---------- ((( 2 ))) اللحن الخفي هو الآتي ::::- -------------- أم اللحن الخفي هو خلل يطرأ علي قواعد التجويد في كل الآيات القرآنية من بعض القراء دون الإخلال بالمعني وسمي خفي لأنه يخفي علي عامة بعض الناس ولا يدركه إلا القراء الفطاحل أصحاب القراءة والعلم والخبرة في علوم التلاوة القرآنية ومنه الآتي::- 1- ترك الإدغام في مكانه. 2- ترقيق المُفَخَّم. 3- تفخيم المُرَقَّق. 4- مَدُّ المقصور. 5- قصر الممدود وغير ذلك مما يخالف قواعد التجويد والتلاوة. واللحن الخفي أيضا قد يكون في الحركات أو الحروف وهو التالي::- ------------ ((( أولا ))) اللحن الخفي في الحركات الكلمات القرآنية وهو الآتي::- ----------------- 1- نطق الضمة التي بعدها سكون حركةً بين الضمة والفتحة كما في كلمات [كُنْتُمْ .آمَنْتُمْ ] وعلي القارئ مُرَاعَاة ضم الشفتين عند كل ضمة بعدها سكون. 2- في الضمة التي بعدها واو فرغم أنهما متجانسان غير أن الواو أقوى من الضمة حتى لا تضيع كلها أو بعضها كما في آية [ إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِيْن] سورة الفاتحة وغير ذلك من أحكام اللحن الخفي في التلاوة القرآنية ولذلك يجب الابتعاد عن اللحن الجلي واللحن الخفي لتكون القراءة صحيحة مائة في المائة. ((( ثانيا ))) اللحن الخفي في حروف الكلمات القرآنية ::- ------------------ 5- السؤال الخامس: ما رأيك في المشايخ الذين يقلدون من سبقهم من الشيوخ القدامى في تلاوة القرآن الكريم ؟ هذا يقلد الشيخ محمد رفعت أو الطبلاوي أو الحصري أو المنشاوي أو محمود علي البنا أو مصطفي إسماعيل وغيرهما ما رأيك في هذا الأمر؟ ج- تقليد بعض الشيوخ الحاليين للشيوخ القدامى من عباقرة دولة التلاوة القرآنية المصرية هو سلاح ذو حدين قد يكون سببا في تقييد القارئ وحابساً للإبداع ويمكن أن يكون سببا له في الانطلاق والاستقلال فيما بعد وذلك حسب قدرة القارئ وتمكنه من أداء المقامات الصوتية في تلاوة القرآن الكريم بشكل ممتاز. ولكن الذي يقلد دائما ولا يخرج من هذا النطاق طول عمره وهو يكون قد تقمص شخصية وصوت الشيخ الآخر الذي يقلده ومثال علي ذلك من يقلد الشيخ محمد محمود الطبلاوي طول عمره تضيع شخصية القارئ فيصبح كأنه الشيخ الطبلاوي من ناحية الصوت أما إذا أدي الشيخ بصوته دون تقليد فسوف يعرف بصوته دائما وشخصيته ولذلك نطالب كل شيخ مقلد أن يستقل بصوته فقط حتى يكون معروف بصوته الأصلي. ---- 6- السؤال السادس : ما رأيك في قراء القرآن الكريم في هذه الأيام ؟ ج - كثير من المقرئين الكبار والصغار والمحبين لتلاوة القرآن الكريم في الحفلات القرآنية وفي المساجد اليوم يتعجل الشهرة بدون تأسيس لمستقبل القارئ الحافظ والمتقن لآيات القرآن الكريم فبعض هؤلاء القراء يحفظون مواضع محدودة من الآيات في السور القرآنية ويقرؤون قراءة سماعية دون معرفة بكل القواعد والأحكام والقراءات القرآنية وأصبح البعض منهم يكذب على كثير من المستمعين لهم في المأتم والمساجد والحفلات القرآنية بادعائهم أنهم قراء بالإذاعة والتليفزيون، والأدهى من ذلك أن من هؤلاء القراء من يدعى انه دكتور في كذا وكذا وهو راسب في التعليم ولم يحصل على الشهادة الإعدادية هذا بجانب أنهم يطبعون كروت في مطابع ويكتبون عليها الشيخ كذا القارئ بالإذاعة والتليفزيون ومنهم يكتب علي هذه الكروت بأنه دكتور بالأزهر أو بالاقتصاد أو غير ذلك من تخصصات آخري ومنهم من يعمل إعلان له في الصحف الخاصة او العامة ويكتب عن نفسه القارئ كذا وكذا لكي يشتهر والعجيب أن بعض أولئك القراء يذهبون إلى بعض الدول في أسيا أو أوروبا علي نفقتهم للقراءة فيها وهم يسيئون إلى مصر وقرائها، فلابد للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة التي تسئ للقرآن الكريم وقراءه الأصليون الذين يحافظون علي أدابة وقواعده وعدم الكذب علي المستمعين في كل مكان. ------------------ 7- السؤال السابع : ما رأيك في القراء الذين يشترطون علي القراءة كذا وكذا من المال ؟ ج- تلاوة القرآن من أفضل الأعمال إلي الله تعالى وفي ذلك يقول الله تعالي [إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ] سورة فاطر الآية رقم 29 ويقول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ( من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ) رواه الترمذي في صحيحة. وتلاوة القرآن الكريم عمل صالح وعبادة عظيمة ، مع التدبر والتفكر بآياته ، والعمل بما فيه من الأحكام ، وأخذ الأجرة على تلاوة القرآن قال المالكية والشافعية والظاهرية ورواية عن الإمام أحمد تفيد بالجواز، وهو المفتى به عند متأخري الحنفية واستدلوا بأدلة منها الآتي: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه السلام قال [ إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله] رواه الامام البخاري. وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: [ زوجتكها بما معك من القرآن] رواه البخاري ومسلم. ولذلك يجب عدم التغالي في الأجرة لتلاوة القرآن في المأتم أو في تحفيظه للتلاميذ والطلاب والرضا بما قسم الله تعالي من أجر وعدم الاشتراط في ذلك وهذا أفضل للقارئ عند الله تعالي. -------- حوار/ عبد العزيز فرج عزو كاتب وباحث مصري