((يالك من يتيم أيها الفشل ويالك من محظوظ أيها النجاح)).. إذا ما نجح المرء ياسادة ادّعى الآلاف الانتساب اليه قرابةً ومُصاهرةً وصداقة .. بل حتى ولهواً حين مراحل الطفولة والصبا .. لكنه إذا ما فشل هرب الجميع منه دفعة واحدة .. ولما لا وهو المستحق الفشل وحيداً لشدة غبائه وعظيم تسلطه ومحدودية فكره وذكائه.. الفرد هو ذات الفرد .. الأشخاص هم ذات الأشخاص .. لكن الفرق فى الحالين هو أثر النجاح والفشل على موقف الأخرين من الفرد ايجاباً وسلباً .. قبولاً ورفضاً.. ظلّت المنوفية لعقود طويلة من تاريخ مصر هى المحافظة المشهود لها بانجاب العباقرة من الساسة من دون بقية المحافظات وبات الكل يغنيها أغانى وطنية تصفق لمسقط رأس السادات ميت أبو الكوم وكفر مصيلحة مسقط رأس الرئيس المخلوع .. وكأن القريتين قد تفردتا من دون قرى مصر ذكاءاً وعبقريةً ودهاءاً سياسى . الجميع قد دشّن القصائد ودبّجها .. الجميع قد كتب المقالات ونضّدها ..الجميع قد تبارى فى رسم صورة مُقدسة لأرض المنوفية العظيمة .. هى ذات المنوفية والتى من بعد سقوط مبارك قد ولّاها الجميع ظهورهم .. وفى معتقدى أنها لن ترى من بعد اليوم انجاباً مُستقبلياً لرئيس مصر القادم .. كان لى صديق وفى كل جلساته ورغم معلومية ميلاده تاريخاُ وموضعاً واقامةً باحدى محافظات الوجه البحرى .. فقد كان دائم الامتشاق فخراً واعتزازاً بنسب أبيه وجده العائد الى محافظة المنوفية .. وقد كان الجميع يحسدونه على هذا حين ادعائه بأنه يُقابل رئيس مصر بالجامع الكبير كل يوم جمعة من أول كل شهر وكأن جينات الذكاء السياسى تتواجد فى خلاياه أمام الأخرين .. فاذا تكلم فى السياسة ظنه الأخرون كما السادات اتّقاداّ ذهنيّاً ومهارةً سياسية وكما ناصر بكاريزميته المعهودة .. هو اليوم قد نسى هذا النسب وسط استنكار الأخرين له من بعد سقوط المخلوع .. فبات تتملكه الحيرة لا يعلم لأى محافظة يجب الانتساب اليها اليوم .. خاصة ولم يُحسم بعد أمر رئيس مصر القادم ولا مسقط رأسه.. ان مبارك ياسادة ابن كفر مصيلحة قد ضاعت وبسقوطه والى الأبد كفر مصيلحة من ذاكرة التاريخ.. ان مبارك ياسادة تلميذ مدرسة المساعى المشكورة النجيب قد ضاعت بسقوطه مدرسة المساعى المشكورة والى الأبد .. ان مبارك ياسادة صاحب الضربة الجوية الرائدة قد ضاعت وبسقوطه والى الأبد الضربة الجوية وكأن مصر قد استخدمت فى حربها الجوية فى أكتوبر العظيم الدبابة ال اف 16 او العربة النفاثة مصرية الصنع او البوارج الطائرة الشهيرة أو المدفع المترليوز عابر القارات.. ((يا لك من يتيمٌ أيها الفشل ويا لك من محظوظٌ أيُها النجاح)).. الجميع كانوا يفتخرون وقت أن كان مبارك فى سدنة الحكم بالتواصل مع فخامته وبالمعرفة الحقة مع معاليه وذريته .. الجميع كانوا يُقبلون أيادى صاحبة العصمة والوريث المرتقب وينحنون لمشروع الرئاسة القادم الزعيم المرتقب .. الجميع قد حلُّوا بدار الرئاسة معزين سيادته فى وفاة حفيده .. هم الجميع أنفسهم اليوم لا يعبأون بعذابات الجد القابع خلف الأسوار .. المشهدان لا يفرقان زمنياً سوى بضعة أشهر .. ما بين اعتلاء سيادته مسرح أكادمية الشرطة فى عيدها السنوى أو قاعة المؤتمرات المصرية حين يفاجئه الحاضرون فى الأولى بتصفيق حاد ووقوف وقور ينُم عن اجلال وتعظيم ومهابة .. بينما هو فيرد التحية بحركات بطيئة من كفه الأيمن وكأن الأرض قد التهبت من تحت أقدامهم.. وبين المشهد الثانى الحادث اليوم ومن بعد سقوطه فلا صديق له ولا خل وقد تخلى عنه كل هؤلاء .. وقد راحوا يتبارون بالدفاع عن أنفسهم بانكار هذه العلاقة من قريب أو من بعيد .. وكأن صاحب فخامة الأمس هو الذى كان يهرول وراءهم استجداءاً للمعرفة وشحذاً للتواصل !!. ((يا لك من يتيمٌ أيُها الفشل ويا لك من محظوظٌ أيُها النجاح)) .. فى لحظات تتبدل الأفكار والنظريات وجوداً وعدماً مع ظرفى النجاح والفشل .. قذافى الأمس صاحب ثورة الفاتح العظيم الذى كان الشعب الليبى كله رهن اشارته بينما فأفكاره صارت موضعاً لمئات الرسائل العلمية لحملة الماجستير والدكتوراه بليبيا وافريقيا ليصير كتابه الأخضر مُلهماً للأجيال المتعاقبة وعلى مدى أربعة قرون متواصلة .. وقد كان فى عقيدة شعبه حتى الأمس القريب خليفة المختار والسائر على دربه كما وملك ملوك افريقيا .. هو ذاته قذافى اليوم ومن بعد سقوطه وقتله فى مشهد دراماتيكى بعد ضربه بالنعال وبالمقذوف 8 مللى فى رأسه.. وقد نسى الشعب فى لحظة واحدة الجماهيرية الليبية الاشتراكية الفلكولورية البلابيعية العظمى وقد كانوا بالأمس القريب يصفقون ويهللون اعجاباً به وتقديساً لزعامته !!.. ((يالك من يتيم أيها الفشل ويالك من محظوظ أيها النجاح )).. بن على زعيم الأمس القريب الوسيم الطلعة مؤسس تونس الحديثة الخضراء وزوجته رائعة الجمال الواقفة بجواره ومن ورائه وقد تربعا على قلوب الملايين من الشعب التونسى هو ذاته بن على الهارب على جدة خلسة ومن وراء شعبه بعد أن فهمهم واستوعب ثورتهم ولجانبه صاحبة مجد الأمس وقد صارت حلّاقة النساء الأسطورة سليلة الأسرة المتوسطة الحال اللصة ابنة اللصوص !!.. ((يالك من يتيم أيها الفشل ويالك من محظوظ أيها النجاح )) صالح الأمس صاحب الوحدة اليمنية العريقة بأرض حضرموت .. صانع الأمجاد ببلاد مأرب هو ذاته اليوم الشاويش اللص راعى القتلة والفاسدين .. الخائن العميل .. مُفتت الوحدة ومبعثر شمل البلاد .. ومُضيّع أحلام العزارى ومستقبل الغلمان.. وقد انشق عليه أقرب الأقربين ولم يعد باستطاعته حتى الهروب خلسة للعلاج بواشنطن كما فعل بن على تونس الى جدة !!.. ((يالك من يتيم أيُها الفشل ويالك من محظوظ أيها النجاح )) اننا شعوبٌ ياسادة تتملكها العاطفة وتمنعها من اعمالها لعقولها.. فلافاصلٌ لدينا بين الحب والكره .. لانعلم شيئاً فى ثقافتنا يُسمى بالحب العاقل أو الكره العاقل المنصف والذى يعنى أننى (( أكرهك لكنى لا أنسى احسانك .. وأحبك لكنى لاأنسى مساوئك ومثالبك )) لدينا ياسادة ان كرهنا الأخر نتناسى كل عظائم أعماله فى لحظة بل ونجعله فى مصاف الخونة والعملاء.. وان أحببناه صار قديساً مُنزهاً عن الخطأ والذلل .. لايمنع ياسادة أن نقرر أخطاء حكامنا ومثالبهم ومساوءهم لكن علينا فى المقابل ألا نتنكر لما قدموا لبلادهم ووطنهم والّا صرنا مثلاً سيّئاً للأجيال القادمة فى الحكم على الأشياء بلا عدالة وعلى الأخرين بلا قسطاس.. لايمكننا ياسادة أن ننسى فضل السادات كبطل أكتوبر العظيم لمجرد اختلافنا معه حول سياسة الانفتاح ومعاهدة كامب ديفيد .. لايمكننا ياسادة ان ننسى ناصر السد العالى وناصر التأميم وناصر الاصلاح الزراعى وناصر العروبة والقومية وناصر عدم الانحياز وناصر الكاريزما المصرية وشرف الوطنية والانتماء لمجرد هزيمة يونيو حزيران لثقته فى قُدُرات عامر بلاحدود .. بل لايمكننا أن ننسى عامر ذاته شريك رجالات الثورة من الضباط الأحرار الذين حملوا أكفانهم على أياديهم لأجل مصر وازاحة الملكية اللعينة عن صدر مصر لمجرد فشله فى معركة يونيو ذاتها.. لايمكننا أن ننسى دور مبارك ذاته وماقدم للوطن فى عقديه الأولين من قبل قدوم الفسدة ومشروع التوريث فى عقده الأخير وبشهادة كل الحكماء والمراقبين .. لايمكننا أن ننسى دوره فى حرب أكتوبر العظيم والذى اعترف به زعيم مصر الداهية الشهيد أنور السادات عقب الانتصار مباشرة وقد عينه تشريفاً واثابةً نائباً له فى مشهد لم يُنكره عليه كل الحاضرين ساعتها وعلى كافة الأوساط السياسية والشعبية .. لايمكننا أن ننسى له المرور بمصر بسلام وسط أمواج اقليمية وعالمية عاتية أحاطت ببلادنا وبالقريب من حدودنا وقد كانت تتمنى اسرائيل خطأً سياسياً واحداً تلعب عليه لتغتنم مكاسباً اقليمية بل وسيناء ذاتها بجرة قلم واحدة مُستغلةً كل الأوراق السياسية والأوضاع الاقليمية التى تصب فى صالحها بالكليّة .. هى ذات الظروف التى جعلت من بلدان عربية أخرى ضحية لفشل حكامها وعدم اتزان رؤاهم وسياساتهم فباتت ترزح تحت أقدام الاستعمار من جديد.. لايمكننا ان ننسى انه كانت هناك دولة وكانت هناك مؤسسات وكان هناك جيش لمجرد أن سقط مبارك باستبداده فى عقده الأخير ورغبته فى مشروع التوريث وتنامى الفساد والفاسدين بعقد حكمه الأخير والذى كبح فيه جماح الحريّات وغلّب فيه أمن الرئاسة على أمن المواطن .. لايمكننا أن نلغى ياسادة جزء من تاريخ مصر فى لحظة واحدة وبجرة قلم واحدة لمجرد سقوط مبارك وكأننا لم نكن أمام دولة بالمفهوم الدقيق للكلمة.. لايمكننا وبمنطق نظريتى النجاح والفشل السابقتين أن ننسى نجاحات الناجحين عند فشلهم ولا اخفاقات الفاشلين لدى نجاحاتهم .. لابد ياسادة ولأجل خلق أوطان المستقبل وأجيالنا القادمة أن نكون شعوباً عادلة ..