استمعت أمس إلى لقاء القناة الأولى مقدم ومقدمة برامج لا أعرف اسميهما ، فقد جلسا أمام الدكتور / مراد وهبه كتلاميذ المدارس يسألانه ويصدقان كل ما يقول كمسلمة ، أو كأن ما يقوله علما وليس من باب الجدل العقيم ، حتى أنهما شكراه على علمه ، مع أن ما يقوله لا يعدو أن يكون رأيا التزم به دوما من عقود طويلة ، فمازال يردده كثوابت ، مع أنه ضد ( ثوابت الأمة ) ، فهو يكلمنا دائما عن النسبي والمتغير وكأنهما من بنات أفكاره ، فيكلمنا عن الثورة الفيزيائية الحديثة وأنشتاين كلاما عاما كغيره من المثقفين بل من تلاميذ المدارس من غير المتخصصين ، وكأنه هو من توصل إلى النظرية النسبية لا أنشتاين والدكتور مصطفى مشرفه مثلا ، فرأيه يشوبه الهوى فى الكثير من كلامه ، كعادته فيما يقول ويكتب ، فليس هدفه من ذلك خافيا على أحد ، فهو يهاجم دوما ( ثوابت الأمة ) ، فلا ما تعارفت عليه الأمة من الأصول والقيم الثابتة والفضائل. لا أحد يجرؤ أن يتعالم ويحتقر الثورة المصرية العظيمة فى 25من يناير 2011م كما فعل الدكتور / مراد وهبة ، فهو فى الوقت الذى يعتبر نجاح التيار الإسلامي والإخوان على وجه الخصوص رجعية وعودة إلى العصور الوسطى المظلمة ، فيسلب المصريين الذين صنعوا الثورة جميعا من حقهم وحريتهم فى الاختيار لأنه ليس على هواه ؛ غفل عن صدى تلك الانتخابات فى العالم كله ، وشهادة العدو على نزاهتها قبل الصديق ، فقد حقق المصريون أعظم انتخابات نزيهة وحرة فى تاريخهم ، بل وتاريخ شعوبا كثيرة منها أوربا وأمريكا ذاتها 00 ! إنه يتهم المصريين بطريق مباشر أو غير مباشر بالجهل وعدم الفهم وتعطيل العقل ، فلم يعملوا عقولهم مثل الفلاسفة ، فقد فهمها وحده ، بل إن ثورة 25 يناير 2011م فى ظنه كانت ناقصة ، فلم تكتمل ؛ يقول ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر ؛ بوعي أو بدون وعي ، متغافلا جموع وملايين المصريين الذين خرجوا فى ميادين مصر وشوارعها من أقصاها إلى أقصاها شرقا وغربا ؛ من مختلف الفئات مفكرين وعلماء فى مختلف التخصصات ، ولكنه لا يرى ذلك كله ، فالثورة فى نظره كانت فى حاجة إلى الفلاسفة كقادة يفكرون ويحلون لهم ما يعترضهم من مشاكل، ويحددون لهم أهدافهم نحو آفاق التقدم ، بدلا من الإسلاميين والإخوان الذين سيعودون بمصر إلى العصور الوسطى! مقدما البرنامج ليس معهما شيء يستحق الذكر من الثقافة العامة أو الخاصة سوى أنهما من محظوظي الفضائيات المصرية بدون مناسبة ، فقد جلسا أمام الدكتور / مراد وهبه كتلاميذ المدارس فرحان بما يقول ، حتى أنهما لم يدافعا عن المصريين واختياراتهم الحرة الرشيدة لمن انتخبوه نائبا عنهم فى مجلس شعب ما بعد الثورة المصرية فى 25 من يناير 2011م ، بل شكراه على علمه ، مع أن ما يقوله لا يعدو أن يكون رأيا ضد ثوابت الأمة تعصب له والتزم به دوما من عقود طويلة ويظهر ذلك بجلاء فى كتابه ( ملاك الحقيقة المطلقة ). أما الدكتور مراد وهبة ، فحدث ولا حرج ، وما أدراك ما مراد وهبه ، كما أنقله من موقع الموسوعة الحرة ( وكيبيديا ) : بروفيسور وأستاذ الفلسفة في جامعة عين شمس ، وعضو في مجموعة من الأكاديميات والمنظمات الدولية المرموقة ، كما أنه المؤسس ورئيس الجمعية الدولية لابن رشد والتنوير العام 1994 م. واسمه مراد وهبه جبران ولد في 13 أكتوبر 1926 م في مدينة أسيوط في مصر. درس الفلسفة في جامعات القاهرة وعين شمس، ونال الدكتوارة من جامعة الإسكندرية 00! وهو عضو في عدة منظمات دولية ، إضافة إلي المجلس الأعلى للثقافة المصري 00! وحدث ولا حرج 00 ! وعموما ، فهو كما يحب أن يلقب نفسه فيلسوف ، و أبو العريف كما قال هو لبائع البطاطا الذى أتى به مفيد فوزى من الشارع ، كما يقول. المدهش أن الدكتور مراد وهبة لا يعرف المصطلحات الشعبية ، فلم يعرف ما يرمى إليه بائع البطاطا من تعريفه للفيلسوف أنه أبو العريف 00 ! ولعلى أؤجر ثوابا على تفهيم الدكتور مصطلح أبو العريف عند المصريين البسطاء ، فقد جاء ذلك المصطلح فى قصة عن الحمقى ، وحكايات الحمقى كثيرة فى كتابات الجاحظ وغيره ؛ فأبو العريف قصة كان الأجداد يقصونها علينا تربية وتثقيفا. أبو العريف كان من الشخصيات المثيرة كشخصية جحا فى تراثنا الشعبي ؛ تثير انتباه الأطفال أيام كان الشتاء قارص والطين يسد الطرقات والشوارع والظلام دامس ، فلا تسمع صريخ ابن يومين ، ذلك وغيره من أحوال القرى والريف المصري قبل ثورة 23 يوليو1952م جعل الناس فى بيوتهم وكأنهم فى البيات الشتوى . والقصة طريفة ، فقد انطلق ثور وهو ذكر البقر بسبب العطش الشديد وأدخل رأسه فى الزير ( خابية الماء فى ذلك الوقت ) ، فلما انحشر رأس الثور فى فم الزير وعجز صاحبه أن يخرجه بالقوة خوفا من كسر الزير وضياع الماء ، فهو عزيز جلبه سواء بالبلاص أو السقا ، ففضل أن يأتى بأبى العريف ليحل له المشكلة 00 ! وكان ، فقد أتى أبو العريف راكبا حماره يمسك به رجلان من الجانبين مصرا أن يدخل الدار راكبا فهو لا ينزل لأحد ، فلما لم يستطع الدخول راكبا من باب الدار الواطئ ، اضطر صاحب البيت أن يهدم له واجهة الباب حتى لا يطأطئ رأسه ، فهذه واحدة. أما الثانية ، فإن أبا العريف طلب سكينا حامية ، فقطع بها رأس الثور حتى لا يكسر زير الماء ويهدمه ، فالماء خسارة. وبقي رأس الثور داخل الزير الذى اختلط ماؤه بدم الثور ، فما كان من أبى العريف لكي يخرج رأس الثور إلا أن كسر فم الزير ، وأريق ماؤه لأنه امتزج بالدماء ، لم يعد صالحا للشرب 00 ! هذا هو الفيلسوف الذى يعرفه بائع البطاطا ، ويعرفه أطفال مصر من أمثالنا منذ كنا صغارا باسم أبو العريف. لقد أتى مفيد فوزى ببائع بطاطا من الشارع ليناقشة الفيلسوف أبو العريف الدكتور / مراد وهبه ؛ أتى ببائع البطاطا إلى ندوة لكي يناقشة فى مسألة الرزق وأنه يتغير بالسعي وبذل المجهود ، فاستطاع وبعد أقل من ساعة أن يقنعه بذلك - طبعا بالمنطق والفلسفة - ، وكأن المسألة تحتاج لهذا العناء 00 مع أنه أتي ببائع البطاطا من الشارع ، فقد كان يمارس عمله 00 ! نعم الرزق على الله سبحانه وتعالى مضمون ، فقد قسمه سبحانه وتعالى وضمنه على نفسه ، بل وأقسم على ذلك ، ولكنه جعل لكل شيء سببا ، فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة. ويعرف ذلك جيدا الناس والمصريون وغيرهم من البسطاء كبائع البطاطا ؛ يعرفون ذلك عن يقين لا يشوبه شك ؛ يعرفون أن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا السعي على المعاش ، فهم مأمورين بأن يمشوا فى الأرض لتحصيل الرزق الطيب الحلال . يقول عز من قائل " فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ " ( الذاريات : 23 ) ويقول جل ذكره " هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " ( الملك : 15 ) ويقول سبحانه وتعالى " وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى" ( النجم : 39 ) إن مسألة الرزق كغيرها مضمونة على الله سبحانه وتعالى ، ولكننا مطالبون بالسعي والمشي فى مناكب الأرض لنأكل من رزق الله تعالى حلالا طيبا ، فقد أمرنا بأن نأخذ بالأسباب. يقول عز من قائل " وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً " ( الكهف : 83 - 85 ) إن اتخاذ الناس الأسباب واكتشاف سنن الله سبحانه وتعالى فى الكون فطرة خلقهم الله تعالى عليها ، فالمصريون كغيرهم فى هذا الأمر ، فليسوا بدعا فى ذلك. ولقد عاشرت البسطاء من أهلنا ، فلم أر فيهم تلك الصورة الساذجة التى يتصورهم عليه أولئك المثقفون من العلمانيين والتنويريين ؛ لبراليين أو يساريين وهلم جرا ، فعقول المصريين فى معرفة ما ينفعهم ناضجة وسليمة ، فهم يأخذون بأسباب الحياة فيما يفيدهم وينفعهم. ورث أخى الحاج مصطفى شهرة أبى الشيخ أبو مندور - رحم الله الجميع - فى التجارة المتعددة كحال تجار القرى المصرية فى ذلك الزمان ( سوبر ماركت مصري ) ، فكانت تجارة المواشي وتسمين العجول من هذا القبيل ، وكان له صديق مدرس هو جار لنا ، فجاء يوم ليقول لأخى أنه رأى مناما رؤيا غريبة ، فقد رأى أنه اشترى عجل للتسمين ، فنفق ومات ، فلما كان أخى يعرف عنه حبه لتربية العجول وأن ما يمنه هو خوفه وحرصه ، قال له : غدا السوق ، فنذهب ونشترى العجل ، فدهش الرجل ، إلا أنه ذهب فعلا مع أخى واشترى له عجلا ، فبمجرد خروجهما من السوق وقع العجل نافقا ومات. هنا خلص أخى حبل العجل من رقبته ، وأعطاه لصاحبه وقال له : هذه رؤياك ، فالرزق مقسوم ، فلا يمنع حذر من قدر. والذين ليسوا بفلاسفة يعرفون ذلك جيدا ويؤمنون به ، ولكن – ليس كل فيلسوف يعرف أن رزقك أيها الإنسان ليس ما جمعت من عقار وأطيان وكنوز ومال ، فرزق الواحد منا ما أنفقه على نفسه وأهله وأبنائه وغير ذلك من الإنفاق فى سبيل الله تعالى للمستطيعين. أليس ذلك مما يفهمه العامة والبسطاء من الحكمة وإعمال العقل 00 ؟! أنا لا أحاول أن أقنع أحدا بذلك ، فالناس فى معرفة حاجاتهم ومنافعهم أعلم بأمور دنياهم ، ولكنها محاولة لفرمطة العقول ، وتهيئتها لعل الله سبحانه وتعالى يحدث بعد ذلك أمرا . ( وعلى الله قصد السبيل ) [email protected] تحية وسلام : لكل من شارك فى استفتاء 19من مارس 2011م وانتخابات مجلس الشعب ما بعد ثورة مصر العظيمة 25من يناير 2011م ، وما يتلوها من مجلس الشورى واستفتاء على الدستور الجديد وانتخابات رئاسة الجمهورية 00 لكم منا فى يوم الثورة 25من يناير تحية وسلام ، وللأخوة الأعزاء الذين سألوا عنا اعتزازى بأخوتهم و تقديرى ، فقد فرحت بتعليقاتهم وقد هممت أن أرسل ما وعدت به للرد على التساؤلات التى أثيرت فى نهاية مقال ( الصلاة معراج المؤمن ) ، فالمقال جاهز ولسوف يتبع إن شاء الله تعالى. *****