سألنى أحد الصحفيين عن رؤيتى لهذا الصعود الجارف للتيارات الإسلامية التى أحدثت دويا هائلا فى العالم الإ‘سلامى وغيره.. وكانت هذه إجابتى ورؤيتى التى لاتطعن فى التيارات الإ‘سلامية بقدر ماتنتقد أداءها الفكرى والسياسى .. وقد قلت للكثيرين منهم عندما تحاورت معهم .. نحن لانقف فى مواجهتكم موقف العداء ولكنه الموقف النقدى الذى يضيف الذى ينبغى عليه أن يؤجج المنافسة بين جميع التيارات لصالح المواطن الذ من المفروض أنه الهدف الرئيس والنهائى لجميع المتصارعين سياسيا وليس دينيا . من ثم أرى أن هذا الصعود يأتى رغبة جارفة فى تغيير أنظمة عاشت لنفسها ولم تنظر إلا لمصالحها فقط ولم تقم بأداء واجبها نحو السواد الأعظم من الأمة التى باتت تعانى فقراً مدقعاً وظلماً بالغاً وكبتاً للحريات .. يأتى ذلك فى كل الدول التى نعرف عنها الثراء .. حيث كان ثراؤها للنخبة فقط .. وقد أدخلت هذه التيارات - وخصوصا فى مصر- نفسها فى عش الدبابير ووضعت أقدامها فى مصيدة سياسية أكبر من خبراتها وتجاربها ونتمنى أن يحققوا النجاح المنشود من الجميع .. نعلم أيضا أن هذه التيارات أو الجماعات شديدة التنظيم ولكن السياسة لها منطق آخر يختلف حسب الأهواء والحاجات والمصالح العليا للدول التىتعبث فى المنطقة .. ومن ثم فإن الشعوب تنتظر نتائج هذه الثقة التى منحتها لهذه التيارات التى ظلت تصرخ من الظلم طوال سنوات الحظر والقهر وتأكيدهم على امتلاك مفاتيح جنة الرخاء للجميع ..وبهذه المناسبة لن ننسى المقولة الشهيرة للسادات ( العام القادم عام الرخاء ) وظل الناس ينتظرون هذا الرخاء عاما بعد الآخر دون أن يجيئ .. ومات السادات وتسلم مبارك السلطة ولكن الرخاء عندما أتى لم يدق غير أبواب سدنة وكهنة النظام الظالم الجائر.. والشعوب لاتنسى أبدا لكنها تختزن .. وعندما يأتى الحساب يكون يومه عسيراً كما رأينا .. إذن فالناس علقوا على هذه الجماعات والتيارات آمالاً كبيرة فى تحسين أحوالهم الإقتصادية والإجتماعية .. و بالقطع لاينتظرون من هذه التيارات تصحيح كيفيات الصلاة أو الصوم أو حسم القضايا الفرعية مثل النقاب أو الحجاب أو كباريهات شارع الهرم بقدر ما ينتظرون أولاً حلولاً سريعة وحاسمة لرغيف العيش والبطالة والصحة و التعليم ( الدروس الخصوصية ) وغير ذلك من الحاجات الإنسانية الأساسية التى تشكل الأسباب الرئيسية لاندلاع كل الثورات فى العالم القديم والحديث .. والله مضطلع على عباده وهو الذى سيحاسب الجميع يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ( الآية ) .. لذلك أتوقع من هذه التيارات محاولات جادة للتغلب على هذه القضايا إذا اتفقت كل الجماعات والإئتلافات فى الجلسات الأولى للبرلمان وبالإتفاق والتوافق على ضرورة عبور هذه المحنة وضرورة العمل بمنتهى الجدية والصدق ولتأكيد وإثبات أن الشعوب العربية وقت الشدة تعرف طريقها جيداً نحو الإستقرار وتعرف أيضاً كيف تخرج وتسيطر على أزماتها عندما تشتد وتتشابك القضايا والمشاكل .. والدليل الأكبر حرب أكتوبر المجيدة التى أظهرت المعدن الحقيقى للشعوب العربية والإسلامية .... مايخيفنى ويزعجنى فى الثورة المصرية ماقد يحدث من خلافات وصراعات حادة بين مختلف التيارات والقوى السياسية فى الجلسات الأولى للبرلمان الذى نعقد عليه آمالاً كبيرة فى توصيل رسالة ( المصرى الفصيح ) إلى كل القوى الداخلية والخارجية التى تحاول العبث بهذا الشعب الصبور وتكون النتيجة الحتمية هى شق الصفوف الوطنية داخل المجلس فينهار كل شيئ مرة أخرى وندخل فى نفق معتم قد لانرى فى نهايته بصيص أمل أو طاقة نور جديدة إلا بعد سنوات طويلة .. كما أذكر جميع أطياف التيارات السياسية بما يلى : كلما شعرتم أنكم على شفا التناحروالتنابذ تذكروا ولاتنسوا أن شعوب ثورات الربيع العربى – شعوبكم - دفعت ثمناً غالياً من المعاناة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية قبل الثورة وبعدها من دماء أبنائهم الذين دفعوا حياتهم من أجل ضمان حياة حرة وكريمة لهذه الشعوب التى ناضلت وصبرت طويلاَ .. واحذروا أن تكون أحزابكم مثل الحزب الوطنى أو البعث العراقى والسورى وغيرها من الأنظمة فى حالة التمكن السياسى أن تتجه نظرتكم إلى إخوانكم ومن ساندوكم فقط واعتبار باقى الناس مواطنين من الدرجة الثالثة .. فهذه التصرفات والتمييزات التى ستكون مراقبة جيداً ستصبح أول مراحل ومقدمات السقوط المروع والمدوى .. إذا فشل التيار السياسى فى مصر أو تونس أو ليبيا التى ماتزال فى البدايات واليمن وسوريا التى سيحكمها التيار الدينى إن آجلاً أو عاجلاً فى علاج المشكلات المشار إليها تكون قد دخلت – كما قلنا - فى نفق شديد الحلكة ولن تقوم لها بعد ذلك قائمة لأن هذه الثقة والتصويت الكبير لهذه الجماعات أو التيارات يعنى الأمل الأخير للسواد الأعظم من هذه الشعوب للنجاة والهروب من اسر الفاقة و الجوع والظلم والإستبداد .. وسيكون الخروج عليهم ونسفهم خروج من يشعرون بالفشل وخيبة الأمل التى ستؤجج ثورة الجياع وتضرم النار فى كل شيئ .. كما لن تكون ثورة للحرية لأن الحرية الآن أصبحت مطلقة السراح وملكاً للجميع وفى أيدى الجميع ولن يستطيع أحد أخذها منهم مرة أخرى للتضحيات الكبيرة فى سبيلها وفك أسرها .. وفى هذه العتمة وفى انتظار النور الذى قد يأتى على أيدى هذا التيار الإسلامى أتمنى أن يظهر من بينهم قائد أو أكثر أتو جماعة يتبنون فكرة تجميع الأمة فى اتحاد واحد يشبه الإتحاد الأوروبى .. والناس يعلمون عن الإخوان مثلاً أنهم منظمون جداً وقادرون على التنظيم .. كما أن التواصل والإنتشار بينهم كبير فى الساحة العربية والإسلامية .. وهذا يسهل بالقطع توفير مناخ مشترك يتم فيه تنفيذ الحلم العربى من خلال توحيد هذه الدول حتى لوجاءت فى البداية بمجموعة من الدول مثل الإتحاد الأوروبى مثلا .. وكل مقومات هذا الإتحاد موجودة .. الجغرافيا والتاريخ والدين واللغة والثروة والإقتصاد والناس الذين يحلمون فى كل الدول العربية .. فقط نحتاج الى العزيمة والإخلاص والمصداقية .. فلتتوحد برلمانات العالم العربى مثلاً فى البداية .. وأساس الوحدة موجود ( البيت العربى ) جامعة الدول العربية .. ولا يظن أى حاكم أو رئيس عربى أن السلطة دانت له فهذا قمة العبث .. والذى لايرى من الغربال – كما تقول الأمثال – أعمى البصر والبصيرة أيضاً ..