يستطيع اى مراقب ان يسرد الأحداث وكيف بدأت والى اين انتهت ويستطيع ايضا ان ينظر الى الصورة بمنظور اشمل ويربط الأحداث المتراكمة التى آدات الى هذا الأنفجار الذى يحدث الأن فى التحرير وكأن ثورة يناير عادت من جديد فى نوفمبر وتقريبا بنفس طريقة الآداء السياسى (الخايب و البطيئ) للدولة ونفس النقاء الثورى للناس. لكن زاوية هذا التحليل معنية بقراءة مختلفة للأحداث، ليست بالضرورة مرتبطة بالماضى على قدر ارتباطها بالحاضر والمستقبل. ان ما نشهده فى التحرير وفى مختلف محافظات مصر من السويس الشامخه الى الأسكندرية الأبية وبورسعيد والمنصورة والمنيا واسوان والمحلة والى غيرها من المحافظات التى وقفت من جديد، هو حوار سياسي من الطراز الرفيع وهو معنى بالمستقبل فى الأساس. كل الناس ثائرة وتبحث عن شيئا ما لم تراه بعد. الناس تشعر بما تريد وتعرف كيف يبدو ذلك الشيئ ولكنها لم تجد الصيغة السياسية المناسبة لتعبر عن مشاعرها. ازعم ان الناس بمختلف طوائفهم، الشعب والجيش والتيارات الأسلامية والليبرالية وغيرها، كلهم يبحثون عن الحرية مع الفارق فى توصيف واستخدام هذه الحرية. المجلس الأعلى للقوات المسلحة يريد الحرية فى عدم المراجعة على قراراته او ميزانياته وان لا تقوم حرب الا بأذنه وهو فى هذه الحالة اصبح دولة فوق او بجانب او داخل الدولة وهذه صيغة لا تصلح للمستقبل الذى من المفترض ان تندمج فيه كل مؤسسات الدولة داخل نظام منسق ومجتمع ومتناغم من اجل تمكين و اعلاء كفائة الدولة لتصبح دولة عصرية حديثة قادرة على جلب الرخاء لأهلها والحفاظ على مصالحهم. اما الأخوان والسلفيون وباقى قوى الأسلام السياسي فهى تبحث عن الحرية ايضا ولكن الحرية التى تريدها هى حرية اصدار الدستور الذى تشعر انه الدستور الذى يجب ان يكون اساسا لطريقة الحكم وضبط المجتمع فى مصر. ولذلك عندما شعرت قوى الأسلام السياسي ان هناك خطر يهدد وصولها الى هذا الهدف نزلت الى الشارع فى جمعة 18 نوفمبر على الرغم ان الآخوان كانوا قد وافقوا على معطم بنود الوثيقة فى شهر يونيو من هذا العام ايضا. تطور آداء الأخوان بهذه الصورة من نقيض الى نقيض، من عدم الأشتراك مع القوى الوطنية فى اي مطلب او موقف او شدة منذ الأستفتاء والى جمعة 30 سبتمبر جعل القوى السياسية الأخرى تتربص بالأخوان وترى ان انتهازية الأخوان فاقت كل حد ولذلك لم تشارك هذه القوى الليبرالية وشخصيات وطنية كبيرة فى جمعة 18 نوفمبر. يذكر ايضا ان هذه القوى الليبرالية والشخصيات الوطنية تريد ايضا نفس الهدف الذى يسعى اليه الجميع وهو الحرية. هذه القوى اكثر قربا من الحرية التى ينشدها الجميع لأنها حريات عامة للمصريين جميعا بدون قيد من جماعة او شرط من مؤسسة وانما الحرية التى كفلها الله لخلقه كما خلقهم احرارا. اذا، القاسم المشترك بين الجميع هو البحث عن الحرية (حد شافها يا جماعة؟) الكل يشعر بها بداخله ويعرف كيف تكون (خاصة لو كنت من اهل الميادين والشوارع فى ال18 يوم الأولى للثورة) ولأن الناس ذاقت كيف تكون الحرية فان احد لا يستطيع ان يتنازل عنها. مبارك كان سادد كل منافذ الحرية السياسية امام الشعب بمختلف طوائفه وقواه ومؤسساته حتى شاخت مصر على يديه. ولما اجرى تعديلات دستورية كانت مرقعه الى الدرجة التى يضمن بها تفصيل السلطة على مقاس جمال مبارك. ونحمد الله اننا على اعتاب فض ذلك الدستور القبيح والأتيان بدستور جديد يؤسس لحكم الدولة بطريقة مدنية عصرية وحديثة. الدستور كلمة فارسية وتعنى الأساس. وهو العقد الجامع الذى يتوافق عليه كل المجتمعون فى الوطن من اجل التأسيس لشيئان. الأول كيف ندير المجتمع والثانى ما هو هدف المجتمعون. الدستور الأمريكي مثلا يتكلم عن الحق فى الحياة والحرية والملكية وهدفه هو اسعاد الشعب المجتمع على هذا الدستور ولا يريد ان يتحمل شيئا من آرث الماضى الأوروبى الذى سقط فى هوة التطرف الديني للكنيسة فيما عرف بعد ذلك بالعصر المظلم لأوروبا والذى سبق عصر النهضة (يبدو ان العتمة دائما تسبق النور او بها يعرف). هل من الصعب ان نتوافق على كلمات مثل هذه؟ الحوار السياسي العنيف الذى نشهده بين الشرطة والمتظاهرن وفى كثير من الأحيان بين الشرطة العسكرية والمتظاهرين وبالأمس بين قوات المظلات والمتظاهرين هو تعبير عن المعركة الدائرة بين القوى السياسية المختلفة من اجل الحرية. من المهم ان نفهم مثلا لماذا دخلت قوات الجيش بالأمس الى الميدان بقوة وطردت المتظاهرين بعد ان اوجعتهم ضربا وحرقت الخيام و الدرجات وبعض العربات ثم استدارت راجعة واخلت الميدان مرة اخرى امام الناس وسمحت لهم بالرجوع! اظن ان الرسالة واضحه من الراسل وهى انه لا مستقبل بدونى وسأبقى طرف فى صناعة المستقبل شاء من شاء. الرسالة احتوات على اشارة مبطنة للثوار ان الأعتصام والمبيت والضرب يتم بنوع من غض الطرف من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يسمح للناس بالتظاهر. لذلك رأينا نائب قائد المنطقة المركزية فى مؤتمر صحفى فى اليوم التالى (21 نوفمبر) يقول للمتظاهرين انه على استعداد ان يحمى الميدان والمتظاهرين من اى اعتداء. بدورهم الأخوان والسلفيين لم يكونوا غائبين عن المشهد السياسي الملتهب حتى وان لم يحضروا فى التحرير. من المهم فهم دوافع قوى الأسلام السياسي التى لم تتواجد الا فى حالة الدكتور العوا (تقريبا طرد من التحرير) والدكتور حازم ابو اسماعيل (تقريبا نال سخط المعتصمين ومن لم يشارك فى الأعتصام) وحملتهما الرئاسية. دوافع الأخوان فى هذا الحوار وكذلك السلفيين ان العنف الدائر الآن هو اكبر دليل على ان الحل هو الأسراع فى العملية الأنتخابيه والا فالعنف القادم اكبر. فقط القوى الثورية بمفردها فى الميدان وفكرها مبنى على اساس ان الثورة اكبر من الأنتخابات وان الحرية هى الأساس وان الديمقراطية هى عملية تنظيم ممارسة الحرية وان الأنتخابات هى احد أوجه التعبير الديمقراطي. هذا ما يفسر سلوك نفر من المرشحين الذين رموا حملاتهم الأنتخابيه ورائهم وعلقوها ونزلوا الى التحرير على الرغم ان انتخاباتهم يوم الأثنين المقبل فى المرحلة الأولى. هؤلاء ضحوا بمالهم المنفق على الدعاية الأنتخابية ونزلوا الميدان ورأيت منهم الكثير الذين اعرفهم شخصيا ولم يظهروا حتى امام الكاميرات ولم يسعوا لكسب النقاط على حساب الثورة. المدهش فى معركة الحرية هذه المعنية بالمستقبل هم آناس فى وسط الميدان يقفون دائما على الخطوط الأولى للدفاع عنه امام قنابل الغاز والرصاص المطاطى والخرطوش واحيانا امام الطلقات الحية ويردون الضرب بالضرب وحماقة الشرطة بمزيد من الصمود وافراط جنود الشرطة العسكرية فى القسوى بمزيد من الصمود والأحتمال. المدهش فى هؤلاء انك عندما تطالعهم وتقترب منهم وتتفاعل معهم وتقف بينهم يتملكك شعور من الحسرة على هذه الطاقات المهدره. هؤلاء شباب من كل الأعمار وكل الطوائف وكل الفئات وكل الطبقات وكل الأتجاهات وهم واقفون على قلب رجل واحد يقاتلون من اجل الحرية ويدفعوا فيها الغالى والنفيس من حياتهم واعمارهم ومستقبلهم من اجل مستقبل قد لا يرونه ومن اجل حياة كريمة يتمنوا ان يعيشوها ومن اجلنا جميعا. وهم يسقطون من الأعياء والأجهاد والأصابات ويقفوا مجددا ومع هذا لم يتسولوا العون من احد. عندما يستشهد واحد من هذه الصفوف نعرف عن يقين ان الله هو الذى اختاره ليكون حيا الى يوم الدين عله يشفع لأهله ويشفع لمن وقفوا بجواره ومن وقف خلفه. لا اعرف كيف يتفاعل ضمير الأعلامي فى ماسبيرو وهو يتهم هؤلاء الأطهار بأنهم مخربون ومأجورون وبلطجية ويتلقوا اموالا من الخارج وماذا تنفع الأموال اذا استشهدت او اصابتك عاهه مستديمة؟ ليعلم كل من هو ضد الثورة ان الثورة طاقة لا حدود لها وانها كانت تراكم للغضب انفجر من نبع صافى من قلوب المصريين جميعا وان هذه الطاقة توحدت فى عقل المصريين الجمعى واثمرت مشهد فريد فى التاريخ المصرى المعاصر عشناه جميعا فى ال18 يوما الى يوم التنحى. وليعلم من يريد ان يبدد هذه الطاقة ان الطاقة لا تذهب ولا تتلاشي وانما تنتقل من حيز الى حيز أخرى. ولو اعتقد شخصا ما فى مكان ما انه يستطيع ان يحدد الطاقة وينظمها ويستوعبها كيفما شاء، فليراجع سجل الثورة منذ بدأت والى يومنا هذا. فى كل مرة ظن البعض ان الثورة انتهت، انفجرت من جديد لتأكد انها باقية وانه قادرة بأذن اله على الوصول بنا الى المستقبل. معركة الحرية هذه لا مفر منها وله ثمن. واعرف ان هناك من بيننا من يتهم الثورة بوقف حاله وماله وخلافه وعندما تشرح له ان الحرية لها ثمن تجد وجهه ممتعض. يفعلون ذلك على الرغم من ان لولا ميدان التحرير وميادين مصر لكنا الآن ثانى دولة عربية تورث الى الأبن بعد سوريا. الغريب ان هؤلاء الناس الذين ينتقدون الثورة (عمال على بطال) حياتهم ماشيه زى الفل قبل وبعد الثورة وحركتهم كما هي ومرتباتهم كما هي والدنيا حولهم كما هيا وكل ما تغير ان التوك شوز اصبحت اكثر اهتماما بأمور التحرير والحرية اكثر مما غيرها. ولهؤلاء نقول، لو مش عجباك الثورة من فضلك غير القناة وحتلاقى افلام حلوة وبرامج تانية كثير وسيبنا فى حالنا الله يخليك. أخيرا، لن يكون هناك الغاء للأنتخابات لأن هذا معناه نزول التيار الأسلامي مع معتصمى التحرير الأن وهو امر لا تنفع معه الحلول الأمنية. الحل الآنى فى هذه اللحظة هو تفعيل قانون الغدر السياسي والأفراج عن زملائنا من النشطاء السياسيين والشروع فى مفوضات من الآن من اجل انشاء حكومة وحدة وانقاذ وطنى لتسير الدولة كما ينبغى على ان تبداء اعمالها من اول العام وكذلك تحديد ميعاد لأنتخابات الرئاسة للأنتهاء من أدارة كارثية تقود البلاد الى الأنتقال الى مرتبت الدولة العطلانة... والى اهالينا فى البيوت... ربنا معاكم فى مواجهة ماسبيروا، وتصريحات اللواءات و رسائل المجلس فأنها ليست اقل فتكا من الرصاص الذى يضرب علينا..