دكتور / عبد العزيز أبو مندور زعم العرضحالجى الموغل فى تطرفه أن كل من قال من المسلمين أن دخول الجنة برحمة الله هو كافر ضمنيا بآيات القرآن الكريم التى ذكرت أن دخول الجنة لا يكون إلا بالعمل . ولكي يؤكد مزاعمه نسخ بعض الآيات التى ذكر فيها لفظ " تعملون " وجاء بها مبتورة عامدا متعمدا كما يقولون فى إثباتهم التهمة على المتهم! ومن ذلك قوله سبحانه : " وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " (الأعراف : 43 ) وقال عز من قائل : " وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " ( الزخرف : 72 ) وقوله تباركت أسماؤه : " كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " ( الطور : 19 ) وقوله جل ذكره : " كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " ( المرسلات : 43 ) والحق أن العرضحالجي يدلس كطبيعة مزورى المستندات فى قضايا الجنايات لأنه عندما جاء بالآيات التى ذكر فيها " تعملون " جاء بها مبتورة على طريقة لا تقربوا الصلاة " ومن ذلك : " هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " ( النمل : 90 ) كما ترى أغفل أول الآية ، فى حين أن الآية لا تحكى عن دخول الجنة أصلا بل تحكى عن دخول المسيئين الناار بسبب أعملهم السيئة فلا ظلم لهم . وهاهى الآية نصا من كتاب الله تعالى : " وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " (النمل : 90 ) وكذلك استشهد بآية بترها أيضا هكذا : " وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " ( يس : 54 ) والآية أيضا ليست فى دخول الجنة بل فى بيان ذهول الكفار من أهوال يوم القيامة . وهاهي نصا : " فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " ( يس : 54 ) والآية جاءت فى معرض ما يشاهده الكفار من أهوال يوم القيامة . وهكذا فى معظم الآيات التى وردت فيها لفظ " تعلمون " وعدد تكرارها ثلاثة وثمانون ( 83 ) مرة فى مثل قوله تعالى : " فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " (يس : 54 ) ومن هنا نفهم أن قول ربنا تباركت أسماؤه وعظم سلطانه " فاليوم لا تظلم نفس شيئا " ؛ بيان للعدل العام : 1- فيأمن المؤمن. 2- وييأس الكافر . وجاء ذلك فى تفسير الرازي المعروف ( بمفاتيح الغيب ) قال : فقوله تعالى : " لا تظلم نفس " ليأمن المؤمن . " ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون " لييأس المجرم الكافر. وقد أطال الشرح والبيان بما لا يتسع له المجال فيطلبه من طلب الزيادة فيجده . ومن ثم ، فإن المدلس صاحب التكفير الضمني بين مواقف متعددة كلها مخزية منها : 1- إما أنه جاهل بعلم التفسير فيسوق الأدلة المبتورة كشهادة الزور لا تقف على قدم . 2- وإما انه جهل مطبق . 3- وإما أن غايته هو إنكار السنة المطهرة مهما كلفه ذلك من مخاطر لا ينجو منها ما لم يرجع فى أقرب وقت ! نعم ، ظنى الغالب أن منكر السنة يدلس لا لشئ كما أفهم إلا لينكر السنة المطهرة ويعارض الحديث الشريف الذى رواه أبو داود فى (السنن) . قال أبو هريرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين ، فكان أحدهما يذنب ، والآخر مجتهد في العبادة ، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول : أقصر، فوجده يوما على ذنب فقال له : أقصر، فقال: خلني وربي أبعثت علي رقيبا ؟ فقال: والله لا يغفر الله لك ، أو لا يدخلك الله الجنة ، فقبض أرواحهما ، فاجتمعا عند رب العالمين ، فقال لهذا المجتهد : أكنت بي عالما، أو كنت على ما في يدي قادرا ؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي ، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار " قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته. انظر ماذا قال ربنا للمذنب : " اذهب فادخل الجنة برحمتي " و انظر ماذا قال ربنا للآخر: " اذهبوا به إلى النار " ومن هنا يفهم أهل العلم والحلم سر ذلك ، فقد رحم الله المذنب لثقته فى عفو الله تعالى وعموم رحمته ، وعاقب الآخر صاحب الاجتهاد فى العمل لا بسبب اجتهاده بل لغفلته وتأليه على الله تعالى كما فهمنا من قول ربنا فى الحديث لهذا المجتهد : " أكنت بي عالما، أو كنت على ما في يدي قادرا ؟ " ومن هنا نأتى بقوله تعالى فى بيان عموم الرحمة بالمؤمنين إن شاء الله طائعهم ومذنبهم وذلك فى قوله تعالى : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " ( الزمر : 53 ) واقرا هذه الآية لتعلم سعة الرحمة الإلهية بعباده من أهل محبة رسوله ومصطفاه من بين خيرة خلقه صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى : " فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " ( الروم : 50 ) والآن تبين أن العارضحالجى يدلس لينكر السنة المطهرة متعالما أنها تتعارض مع القرآن الكريم وهو ما لا يكون كما بينا ؛ فقد غفل كعادة المزورين أنه وهو يكفر الأمة والمسلمين بعامة واستثنى نفسه غفلة أو تغافلا أن القرآن الكريم لا يعارضه الحديث فى شئ . وإليك الدليل ، فقد وردت كلمة " برحمتى " عدد سبع ( 7 ) مرات فى القرآن الكريم فى مثل قوله تعالى : " أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ " (الأعراف : 49 ) وقوله تعالى : " فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ " (الأعراف : 72 ) وقوله جل ذكره " يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ " (التوبة : 21 ) وقوله تعالى " : وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ " (هود : 58 ) وقوله تباركت أسماؤه : " فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ " (هود : 66 ) وقوله عز جاره وعظم سلطانه : " وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ " (هود : 94 ) وقوله سبحانه وتعالى : " وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ " (الزمر : 38 ) واقرأ هذه الآية تحيك أنوارها ! قال جل ذكره : " فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (الروم : 50 ) قال تعالى : " قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ " (الحجر : 56 ) إ وقال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم : " ِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً " (الإسراء : 87 ) " قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً " (الإسراء : 100 ) " إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً " (الكهف : 10 ) " فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً" (الكهف : 65 ) " وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً " (الكهف : 82 ) " قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً " (الكهف : 98 ) " ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا " (مريم : 2 ) " فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ " (الأنبياء : 84 ) " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " (الأنبياء : 107 ) " وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " (القصص : 46 ) ومن هنا أسأل من له مسكة من عقل : أليس كلنا أحوج لرحمة ربنا تباركت أسماؤه ؟! قال تعالى فى قصة يوسف : " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ " ( يوسف : 53 ) قالوا ذلك من قول إمرأة العزيز . وقالوا من قول يوسف عليه السلام . وعموما إذا كان الأنبياء وهو المعصومون من الذنوب والخطايا صغيرها وكبيرها فى حاجة إلى رحمة الله تعالى فإن حاجتنا نحن المذنبون بما لا يجارى إليها أشد ! ..... ولعلى بهذا المقال أكون قد أقنعت من يكفر الناس .. ضمنيا كما زعم ألا يغفل أنه استثنى نفسه بسبب أنه منكرا للسنة وأنه قد تعالم فيما ليس له فيه مجال فكان ينبغى عليه أن يلجأ على ما استخلصه العلماء بفهمهم السليم وذوقهم الفطري ولو بعضا من مدلولات رحمة ربنا جل ذكره وعظم سلطانه . ( وعلى الله قصد السبيل ) ---------- دكتور / عبد العزيز أبو مندور كاتب وأديب وباحث فى الفلسفة والتصوف [email protected]