بالأرقام، لطفي شحاتة يحسم صدارة الحصر العددي في الزقازيق ب71,214 صوتا    الداخلية تضبط 20 شخصًا على خلفية مشاجرة بين أنصار مرشحين بالقنطرة غرب    نائب وزير الإسكان يبحث التعاون مع شركة كورية متخصصة في تصنيع مكونات محطات تحلية المياه والصرف الصحي    بعد قليل، ظاهرة فلكية ترى بالعين المجردة تزين السماء    محمد منير يشعل تريند جوجل ب«مكاني».. أغنية الوحدة العربية تتوّج ختام كأس العرب 2025    تصدر اسمها مؤشرات البحث.. نورهان شعيب تطمئن جمهورها بعد وعكة صحية مفاجئة في المغرب    أسعار الذهب اليوم الجمعة 19 ديسمبر في بداية التعاملات    مصطفى بكري: أناشد الرئيس السيسي تخفيف الأعباء عن الغلابة والطبقة المتوسطة.. الأسعار هارية الناس    عبد المنعم سعيد: الإعلان عن اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والسودان هو تفعيل لها    رئيس إدارة المديريات الزراعية: صرف الأسمدة سيضم 6 محافظات بموسم الصيف المقبل    «مطروح للنقاش».. إعادة هيكلة الجيش الأمريكي وتغييرات البث الرقمي    العليا للتفتيش الأمني والبيئي تتابع إجراءات تشغيل البالون الطائر بالأقصر    مستشار الرئيس للصحة: لا يوجد وباء والوضع لا يدعو للقلق.. والمصاب بالإنفلونزا يقعد في البيت 3 أو 4 أيام    واشنطن تفرض عقوبات على سفن وشركات شحن مرتبطة بإيران    اجتماع رفيع المستوى في ميامي.. ويتكوف يلتقي الوسطاء لبحث ملف غزة    اللجنة العامة للدائرة الثالثة بالإسماعيلية تعلن نتيجة الحصر العددي للناخبين    الحصر العددي للدقهلية: تقدم عبدالسلام وأبو وردة والجندي ومأمون وشرعان    اللجنة العامة ببنها تعلن الحصر العددي لجولة الإعادة بانتخابات النواب 2025    الحصر العددي الأول بلجنة طنطا رقم 1، نتائج فرز أصوات اللجان الفرعية    انفجارات في أوريول.. أوكرانيا تستهدف محطة كهرباء روسية    بعد جدل أمني، تيك توك تبيع أصولها في أمريكا    بالأرقام، الحصر العددي للدائرة الثامنة بميت غمر    بناء القدرات في تحليل وتصميم نماذج العواصف الرملية والترابية بالشرق الأوسط    فوز «حسن عمار» في جولة الإعادة بالدائرة الأولى ب انتخابات مجلس النواب ببورسعيد    نجاة الفنان وائل كفوري من حادث طائرة خاصة.. اعرف التفاصيل    سفير مصر في المغرب يكشف تفاصيل معسكر منتخب مصر قبل كأس الأمم    اللجنة العامة للدائرة الثالثة بالإسماعيلية تعلن نتيجة الحصر العددي للناخبين    كأس عاصمة مصر - إبراهيم محمد حكم مباراة الزمالك ضد حرس الحدود    أمم إفريقيا - منتخب مصر يخوض مرانه الأول في المغرب    بالأرقام، الحصر العددي لجولة الإعادة بالدائرة الأولى بالمنصورة    تركي آل الشيخ ينفي مشاركة موسم الرياض في إنتاج فيلم «الست»    وكيل فرجاني ساسي يصدم الزمالك: سداد المستحقات أو استمرار إيقاف القيد    (اشتباكات الإسماعيلية) إهانات بين الكعب الأعلى: جيش أم شرطة؟.. وناشطون: طرفان في المحسوبية سواء    محمد موسى عن واقعة نبش قبر فتاة: جريمة تهز الضمير قبل القانون    «لم يصلوا أبداً».. حكاية 7 أشخاص احترقت بهم السيارة قبل أن تكتمل الرحلة بالفيوم    رحلة التزوير تنتهي خلف القضبان.. المشدد 10 سنوات ل معلم صناعي بشبرا الخيمة    أكسيوس: تيك توك توقع اتفاقية لبيع عملياتها فى أمريكا إلى تحالف استثمارى أمريكى    ترامب يدعو أوكرانيا إلى التحرك سريعا لإنهاء الحرب    كونتي: هويلوند يمتلك مستقبلا واعدا.. ولهذا السبب نعاني في الموسم الحالي    الزمالك يهنئ بنتايج والشعب المغربى بالتتويج ببطولة كأس العرب    رئيس الوزراء يرد على أسئلة الشارع حول الدين العام (إنفوجراف)    مش فيلم.. دي حقيقة ! شاب مصري يصنع سيارة فوق سطح منزله مع "فتحى شو"    أزهر اللغة العربية    بميزانية تتجاوز 400 مليون دولار وب3 ساعات كاملة.. بدء عرض الجزء الثالث من «أفاتار: نار ورماد»    مصطفى بكري: الطبقة المتوسطة بتدوب يجب أن تأخذ حقها.. وننقد حرصا على هذا البلد واستقراره    جوتيريش يدعو إلى توظيف الهجرة لدعم التنمية المستدامة وتعزيز التضامن الإنساني    فلسطين.. قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف جباليا شمال قطاع غزة    هل عليَّ إثم لو لم أتزوج؟.. أمين الفتوى يجيب أحد ذوي الهمم    الداخلية تكشف تفاصيل واقعة إلقاء مادة حارقة على 3 طلاب بالقليوبية    هل يرى المستخير رؤيا بعد صلاة الاستخارة؟.. أمين الفتوى يجيب    سنن يوم الجمعة: آداب وأعمال مستحبة في خير أيام الأسبوع    اللجنة العليا للتفتيش الأمني والبيئي تتفقد مطار الأقصر (صور)    وزير الأوقاف يكرم عامل مسجد بمكافأة مالية لحصوله على درجة الماجستير    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    المستشفيات التعليمية تناقش مستجدات طب وجراحة العيون في مؤتمر المعهد التذكاري للرمد    قبل صافرة البداية بساعات.. بث مباشر مباراة السعودية والإمارات في كأس العرب 2025 وكل ما تريد معرفته عن القنوات والتوقيت وطرق المشاهدة    الأردن يواجه المغرب في نهائي كأس العرب 2025.. كل ما تحتاج لمعرفته عن البث المباشر والقنوات وطرق المشاهدة أونلاين    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعى داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البقرة بين التحريم والتكريم
نشر في شباب مصر يوم 08 - 06 - 2017

قال ابو هلال العسكري" لما كان أيام الحجاج، شكى اليه خراب السواد، فحرم لحوم البقر لكثرة الحرث. فقال بعض الشعراء
شكونا إليه خراب السّواد ... فحرّم فينا لحوم البقر
وكان كما قيل فى بعده ... أريها السّها وترينى القمر
على الرغم من وجود عدد كبير من الهنود في الدول الأوربية، لكنه قلما تسمح الفرص بلقاء عربي مع أحد الهنود، وفتح باب النقاش لعدة جوانب منها السياسية، الإقتصادية، الجغرافية، التأريخية الثقافية والإجتماعية، وربما يمتد النقاش ليفتح أبواب محظورة لسبب أو آخر كالدين وإسلوب التعامل مع المكونات العرقية والدينية من قبل الحكومة وبعض فئات الشعب، سيما في بلد مثل الهند تتعدد فيه القوميات والأديان والمذاهب واللغات والثقافات والعادات والتقاليد. مع ان الفكرة الشائعة بأن الهند بجميع طوائفهم يعيشون بسلام ووئام وأخاء إجتماعي وفق نظرية اللاعنف التي صاغها المهاتما غاندي، لكن الحقيقة هي غير ذلك تماما، حتى بعد أن انفصلت الباكستان الإسلامية عن الهند الهندوسية التي يشكل الهندوس فيها حوالي 85 من السكان، ويأتي المسلمون بالدرجة الثانية حيث تبلغ نسبة المسلمين 13.4% أي ما يقارب (150) مليون نسمة من مجموع السكان البالغ 1.2 مليار نسمة في الهند، كانت هناك إنتهاكات واضطرابات خطيرة، لكنها لا تطفوا على سطح الإعلام الدولي المشغول بالمسلمين دون غيرهم من بقية الخلق..
سنحت الفرصة بواسطة احد الأصدقاء اللبنانيين بالتعرف على رجل هندي الجنسية، وهندوسي الدين، صاحب مركز لتعليم رياضة اليوغا، ومن خلال الزيارات المستمرة توطدت العلاقة بيننا، وقمنا بدعوته مع الصديق اللبناني الى وليمة غداء ليتعرف ويتذوق الأكل العربي. الحقيقة لا علم لنا بديانة الرجل الهندي في باديء الأمر، فموضوع الدين موضوع جانبي لا علاقة له بالصداقة، سيما في الدول الأوربية. فكرنا في البداية استبعاد لحم البقر من المائدة والإقتصار على الأسماك والدجاج إحتراما للديانة الهندوسية، طالما هناك شك في ديانته. ولكن بعد ذلك إتخذنا قررا متعمدا في إعداد صحن واحد من لحم البقر مع الخضار لغرض مقصود، ولكنه محمود. اولا: لربما هو مسلم! ثانيا: ربما لا مشكلة له مع لحم البقر لأنه عاش فترة طويلة في أوربا، ونزع هذه الفكرة عن عقله! ثالثا: لغرض تبادل وجهات النظر ان كان هندوسيا.
عَرفنا الصديق الهندي بصنوف الطعام العربي مع التركيز على صحن لحم البقر، لكي يتجنبه إن كان هندوسيا. فعلا تجنبه ولم يمد يده اليه البتة، بمعنى انه هندوسي، وممن يعبدون البقر، لكنه اكثر إنفتاحا من غيره في النقاش وتقبل فكرة المقابل، بحكم وجوده في اوربا.
فتح الصديق اللبناني بعد الغداء الحديث عن النزاعات الدينية والمذهبية في الشرق سيما في مصر والعراق وسوريا وايران ولبنان واليمن، وإستغرب الهندي من تخلف المسلمين بسبب النزاعات الدينية والمذهبية التي لا توجد في بلاده، وإنتهت بإستقلال الباكستان عن الهند حسب قوله وان الهنود يعيشون بوئام مع بقية الطوائف الأخرى سيما مع المسلمين. إعترضنا على القول لأن الحقيقة غير ذلك، فالهند لا تقل نزاعا دينيا ومذهبيا عن الدول الإسلامية، لكن النزاع فيها ليس على السطح ولا يتناوله الإعلام العالمي، كما يفعل مع الدول الإسلامية حصرا، واعطيناه مثلا، بأن معظم النساء في الهنديات يضعن الحجاب على رؤوسهن كالمسلمات تماما، ولكن لا أحد من دول الغرب ينتقد حجابهن. كما ان هناك نزاع طبقي كبير في الهند، وابرز مثال على ذلك هم طبقة المنبوذين الذي يعتبرون أحط وأحقر طائفة في الهند، بموجب نصوص وردت في كتب الديانة الهندوسية مثلا: المنبوذون أحط من البهائم وأذل من الكلاب بحسب قانون منو. من سعادة المنبوذين أن يخدموا البراهمة وليس لهم أجر أو ثواب. إذا مدّ أحد المنبوذين إلى برهمي يداً أو عصاً ليبطش به قطعت يده وإذا رفسه فُدِعت رجله. إذا هَمَّ أحد من المنبوذين بمجالسة برهمي فعلى الملك أن يكوي استه وينفيه من البلاد إذا ادّعى أحد المنبوذين أنه يعلِّم برهمياً فإنه يسقى زيتاً مغليًّا كفارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والوزغ والغراب والبومة ورجل من الطبقة المنبوذة سواء. (للمزيد راجع/ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة).
كما أن المسلمين في الهند يتعرضون الى اضطهاد كبير من قبل الهندوس بسبب شيء مثير للإستغراب وهو الطعام، مثلا عندما أعدنا الطعام تقصدنا إعداد صحن من لحم البقر، لأن كل منا حر في إختبار طعامه بما يتفق مع رغبته وشهيته او أي إعتبار آخر، وما لا يتفق معه يُترك بنفس مساحة الحرية. فليس من حق أحد أن يفرض على غيره مأكله غير الرب، وقد حدده بمحرمات لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة، واحلها عند الضرورة. سبق أن قرأنا كلام المهاتما غاندي الذي له موقع طيب في قلوب العرب والمسلمين ولكنه مع هذا كان متشددا في ديانته وتقديسه للبقرة، فمن أقواله " إن حماية البقرة التي فرضتها الهندوسية هي هدية الهند إلى العالم، وهى إحساس برباط الأخوة بين الإنسان وبين الحيوان، والفكر الهندي يعتقد أن البقرة أم للإنسان وهي كذلك في الحقيقة، إن البقرة خير رفيق للمواطن الهندي، وهي خير حماية للهند". (Bhavan.s Journal 1963). وقوله " عندما أرى بقرة لا أعدني أرى حيواناً، لاني أعبد البقرة، وسأدافع عن عبادتها أمام العالم أجمع".
وبرر غاندي عبادة البقرة بطريقة غريبة بقوله" الأم الحقيقية ترضعنا مدة عام أو عامين وتتطلب منا خدمات طول العمر نظير هذا، ولكن أمنا البقرة تمنحنا اللبن دائماً، ولا تتطلب منا شيئاً مقابل ذلك سوى الطعام العادي. وعندما تمرض الأم الحقيقية تكلفنا نفقات باهظة، ولكن امنا البقرة فلا نخسر لها شيئاً ذا بال، وعندما تموت الأم الحقيقية تتكلف جنازتها مبالغ طائلة، وعندما تموت أمنا البقرة تعود علينا بالنفع كما كانت تفعل وهى حية، لأننا ننتفع بكل جزء من جسمها حتى العظم والجلد والقرون". والفقرة الأخيرة تعني أن طائفة المنبوذين يحق لهم أن يأكلوا البقرة الميتة فقط، ويًسمح لهم قانونا بمهمة سلخ جلودها، وبيع لحومها للجزارين ودفن بقاياها. وتسخر طائفة الداليت (المنبوذون) من قول غاندي وأتباعه بقولهم" إذا كانت البقرة أمكم حقا، فلماذا لا تدفنوا امكم عندما تموت"؟
وسألناه: لماذا خص المهاتما بكلامه البقر فقط؟ فأجاب" أن عبادة البقر مستقاة من اساطير لعل أهمها (بيورانا هاريفاشما) و(بيورانا المهابهارتا) و(بيورانا الباجافاتا)، وأهم الكتب المقدسة عند الهندوس (الفيدا) وتعني المعرفة والحكمة، والملحمة الحربية (المهابهارتا) التي كتبها بوسرا عام 960 ق.م. وهي كتب مقدسة عند طائفتنا، ونحن نقدس البقرة وسبق ان ذكرتم تبريرات المهاتما.
عقبنا على كلامه:
1. انك تعترف بأن الديانة مستقاة من أساطير وليس من كتب سماوية مقدسة، كما انكم تقمون بطقوس عبادية وليس مجرد تقديس، فقد ورد في أحد نصوص الساماويدا المقدسة حول صلاة البقرة" أيتها البقرة المقدسة، لك التمجيد والدعاء ، فى كل مظهر تظهرين به، أنثى تدرين اللبن فى الفجر وعند الغسق، أو عجلا صغيرا، أو ثورا كبيرا، فلنعد لك مكانا واسعا نظيفا يليق بك، وماء نقيا تشربينه، لعلك تنعمين هنا بالسعادة". (احمد شلبي مقارنة الأديان).
2. اليس الثيران والجاموس والأغنام والماعز والطيور والدجاج والأسماك والنباتات أيضا مفيدة ولا تقل أهمية عن البقر؟ فلماذا لا تقدس ايضا ويُمنع أكلها؟ وان كان الحديث عن الفائدة، اليس الشمس والهواء والماء والنار مفيدة، فهل يجوز عبادتها لفائدتها؟ هي موجودات ومخلوفات اليس خالقها هو الأحق بالعبادة؟ هل يَعبد المعبود المعبود تاركا العابد؟ وبأية طريقة يتم التفاهم بين الاله البقرة وبقية العباد؟
3. إذا تعاملتم مع البقرة كإله وتُصَلون لها، فكيف يُبتلى الإله؟ ومن الذي إبتلاه يا ترى؟ أنتم تعلمون بأنه إنتشر مرض جنون البقر في العالم، وفتك بالكثير من الناس، فكيف يُبتلى الإله بمرض، وكيف يفتك الإله بمرضه عبيده البشر؟
4. البقر يتغذى على الحشائش والنباتات، ولولاها لمات جوعا، اليس الحشائش والنباتات، إي غذاء البقر أولى بالقداسة من البقرة وفق إعتقادكم؟
5. نحن لا نناقش موضوع حرية الأديان، كل أنسان حر فيما يعبد، ففي الهند توجد عبادة الفئران والافاعي وفصيلة من القرود وغيرها وكذلك في دول أخرى، ولكننا نناقش الموضوع من وجهة نظرة موقف الهندوس من المسلمين وفرض إرادتهم العقائدية عليهم بلا وجه حق. ففي الهند لا يسمح بذبح البقر إلا في خمس ولايات من مجموع ولايات الهند البالغة (29) ولاية، منها ولايتي كيرلا وغرب البنغال فقط، حيث ترسل لها أبقار اليها تهريبا بسبب عدم جواز نقل الحيوانات من إقليم لآخر وفق القوانين المحلية، علاوة على وجود المئات من (جمعيات حماية الأبقار) التي تحارب المسلمين، والأخطر هو توظيف العقيدة في مجال السياسة وإدارة الدولة.
سبق أن أثار(مانوهار لال خطار) رئيس حكومة ولاية (هاريانا) عام 2015 جدلا كبيرا عندما عَنَفَ المسلمين الهنود، وحذرهم من مغبة إستهلاك لحوم الأبقار، بإعتباره ركنا أساسيا في العقيدة الهنودسية التي يعتنقها حوالي 80% من الهنود، مع ان هذا القرار قد شرع خلال الإستعمار البريطاني للهند. مستندا في ذلك على موقف رئيس الوزراء (نارندرا مودي) رئيس حزب (بهاراتيا جاناتا) المتشدد في عقيدته الهندوسية. وصرح خطار بأنه " حرية أي شخص تنتهي عندما تؤذي حرية شخص آخر. استهلاك لحم البقر يؤذي مشاعر مجموعة أخرى، حتى دستورياً لا يمكن القيام بذلك" (صحيفة اكسبريس الهندية 2015).
لكن لاحظ هنا أن (خطار) ينظر من زاوية واحدة ضيقة للغاية، فهو لا يعكس قوله على المسلمين، ولا يرى بأن حرية المسلمين وعقيدتهم تتأذى أيضا بسبب عدم تناول لحوم الأبقار التي أحلها الله تعالى لهم!
بل وصلت الأمور الى قيام المحكمة العليا في ولاية كشمير ذات الغالبية المسلمة بحظر ذبح الأبقار، ما دفع الى قيام تظاهرة حاشدة ضد قرار المحكمة، وصرح زعيم حزب (الشعب الديموقراطي) الحاكم في ولاية جامو وكشمير " يجب على المحكمة العليا أن تترك للسكان حرية اتخاذ قرار في شأن ما يأكلونه وما لا يأكلونه"، سيما بعد أن تعرض عدد من المسلمين الى القتل والإعتداء بتهم خزن لحوم البقر في بيوتهم أوحملها في شاحنات أو تهريبها، وقتل بعضهم على تهمة الشك وليس الإثبات.
6. أن عبادة البقر مارسها المصريون أيضا، فقد ذكر الرحالة المراكشي" قيل إنه ملك من ذرية هؤلاء الملوك ملك يسمى ساوس، وهو أول من عبد البقر. وقيل إن السبب فى ذلك أنه اعتل بعلة يئس فيها من نفسه، وأنه رأى فى منامه صورة روحانى عظيم الخلق يخاطبه ويقول له: لا يخرجك من علتك إلا عبادة البقر، لأن الطالع كان حلوله بك فى صورة ثور. فأمر ذلك الملك بأخذ ثور أبلق حسن الصورة، فبنى له مجلسا فى وسط قصره عليه قبة مذهبة، ووكل به سادنا، وكان يبخره له ويطيبه. وكان يعبده سرا من أهل مملكته، فبرأ من علته وعاد إلى أحسن حاله. فقيل إنه نظر ذات يوم إلى ثور من تلك البقر التى كانت تجر تلك العجلة التى كان فيها الملك، وكان ثورا أبلقا حسن الهيئة، فأعجبه فأمر بإزالته من جر العجلة وسوقه بين يديه، وجعل عليه حللا من فاخر الديباج. فتفرد به يوما ينظر إليه، فبينما هو قائم بين يديه خاطبه الثور فقال له: لو رفعتنى أيها الملك كفيتك جميع أمورك، وأعنتك على ما تريد، وقويتك على ملك وأزلت عنك جميع عللك. فارتاع الملك من كلامه، وأمر به حينئذ وغسل وطيب وبنى له هيكلا، وأمر بعبادته. وكان فى ذلك الثور آية أنه لا يروث ولا يبول ولا يأكل إلا أطراف ورق الشجر مرة واحدة فى الشهر. قال فافتتن الناس به، وصار ذلك أصلا لعبادة البقر بأرض مصر". ويضيف" بقيت عبادة البقر سنة فى دولة ذلك الملك يتوارثونها خلف عن سلف ، إلى أن ملك منهم ملك يقال له ما ليق، وكان موحدا على دين من سبق من أجداده، قطيم ومصر، فكانت القبط تذمه لذلك؛ وكانت القبط تعبد الكواكب والبقر". (الإستبصار/68). وقال الشيخ يوسف القرضاوي" يبدو أن عظم المنفعة في هذا الحيوان هو الذي جعل بعض البشر -كالمصريين قديمًا، والهندوس إلى اليوم- يتخذون من هذه البهيمة المستأنسة الذلول إلهًا يُقدَّس ويُعبد، وتُقدَّم له القرابين". (فقه الزكاة).
7. أن المسليون يكرمون البقرة تكريما كبيرا، وربما لا يجد البعض ضيرا في أنها مقدسة كأي خلق من خلق الله تعالى، فالبعض يطلق صفة (قدس سره) على بعض رجال الدين، وهم أقل فائدة من البقرة، ولكن لا يصل الأمر الى مستوى العبادة، وتفاجأ عندما بينا له أن اطول سورة في القرآن الكريم هي سورة البقرة وعدد آيتها (286) ورد فيها حديث عن بقرة بني إسرائيل (( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (696 قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (7) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74). وقال النهرواني"مَرَّ لأبي عَاصِم حَدِيث فِيهِ فقه، فَقَالَ: أَيْنَ أَنْت يَا مَنْقُوص؟ أنس ألقح إِلَيْكُم عَنْ مَالك، قَالَ: فَخَجِلَ أَحْمَد ثُمَّ وثب، فَقَالَ: يَا أَبَا عَاصِم! إِن اله خلقك جَدًّا فَلا تهزلنَّ، فَإِن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ سمى المستهزئ فِي كِتَابه جَاهِلا فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً، قَالُوا: أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا؟ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ"، قَالَ: فَخَجِلَ أَبُو عَاصِم وَكَانَ لَا يحدَّثُ حَتَّى يحضر أَحْمَد فيقعده إِلَى جنبه". (الجليس الصالح /89). وجاء في الحديث النبوي الشريف" أكرموا البقرة سيدة البهائم فإنها لم ترفع رأسها الى السماء مذ عبد العجل حياء من الله تعالى". (مفيد العلوم/381).
إنتهى النقاش على أن تكون الوليمة القادمة هندية النكهة والمذاق، ولكن حتما بدون لحم بقر!
علي الكاش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.