إستوقفتني وخزة الم تبعتها دمعة بينما كنت أعبر للضفة الأخرى من بلدي حلب ما بين الوخز والدمعة حرت عند المعبر المطل على الضفتين ضفتان تحملان ملامح واحدة: شعب واحد ،لهجة واحدة، حزن واحد ،عراقة واحدة..... تعثرت نبضاتي هلعا كما تعثرت خطاي وانا ارنو الى الضفتين ...من قلب كلاهما تسمع صوتا واحدا :أزيز الرصاص ،أصوات القذائف ترعب سكانها، صراخ الأطفال اليتامى، بكاء الأمهات الثكالى وقلوبهن المفطورة على مافقدن من فلذات أكبادهن........ يا لضفتين منكوبتين تشتم منهما رائحة الموت ،رائحة البارود ممزوج برائحة الغار الذي استوطن دوما بلدي حلب هذا الغار شعار عطرها ونظافتها ما تبدل ولا تغير يا حلب يا عشقا ازدحمت به الروح يجعلني اتعجل الخطى اليك زيارتي اليك مقدسة لا تؤجل لحلب وأبواب التسعة حكايا تصغي لها قلوب العاشقين لترابها عند (باب قنسرين )ويحلو المقام (بباب المقام ) ويختلج القلب عند (باب النيرب) وربيع حلب الاخضر يزهر عند(باب الاحمر )و (باب بنقوسا ) او(الحديد) فؤادي به مهووسا ...من عشق الصمود والصبر جاء الى (باب النصر) تاج حلب المحلى بالدر و(باب جنين) ينبت بالشوق والحنين لوطني الثمين ...و (باب انطاكيا) يعلم حتى الطفل ان يأتيك حلب جاثيا ابواب حلب ما اغلقت يوما في وجوه الزائرين كلها مشرعة كحضن ام تستقبل ابنائها العائدين بعد فراق السنين .... ياقاصدا حلب ... هناك ماء الزهر وعطر الياسمين ستغسلك من غبار التعب ... مدينة تطهر من جاء اليها وترقيه بطواسين في (حمام النحاسين) وفي (حمام الاحمر ) بالعطر تتطهر ... تناديك مآذنها بالله اكبر ...ولروحك ان تستكين فالصلاة لها سقيا وريا في (جامع النبي زكريا ) من اي ابوابه الاربعة شئت ادخل راضيا مرضيا واذكر في صلاتك حلب الضحية بدعوة يتقبلها الله منك ولا يضر ان تدعو جهرا وعلانية .... وكحارس امين تحيط ابنيتها قلعتها الابية .... قلعة ارتبط عشقها بعشق حلب اه حلب ... أزقتك القديمة فيها عراقة جدي وصبر جدتي وطفولتنا المنسية ... تقودنا خطانا من ازقتك إلى الساحة الرئيسية ...هناك حين يرهق خطانا المسير في حديقة عامة تجد الراحة ... كيف لا وببابها الفارس المقدام (ابا فراس الحمداني) يرحب بالمتعبين ويدعوهم لنفض التعب كأنه بستاني يرعى بحب الحديقة والزائرين ولك يا قاصدا الحديقة ان تنصت لحديث أشجارها ... تحكي لاسراب العصافير عن قلوب زارت حلب وغادرت ...لكنها تركت بصمتها كتذكار عبر السنين ...يحكي الحكاية بشغف للقادمين والمغادرين اختنقت الدمعة بين جفني وكأنها تسألني :متى تنتهي الحرب وتعود حلب عروسا مزينة بالياسمين بأسى اجبتها او اجبت نفسي : لم يأن الاوان بعد ... ستنتهي الحرب حين تتطهر حلب ممن دنسوا ترابها بنعال الخائنين ... ستنتهي حين تمطر السماء رحمة من رب العالمين ... لتزهر بساتين حلب افراحا واعيادا عوضا عن اشواك الحرب واكفان الموت ... حينها ستعود حلب بثوب مطرز بالياسمين تزفها عصافير الحرية ... حينها ستعود حلب قبلة العاشقين ................. #محمد الدمشقي