تقضي الاقتراحات القانونية الأربعة التي قدّمها نواب في كتلة اللقاء الديموقراطي برئاسة وليد جنبلاط بتعديل عدد من القوانين اللبنانية، فتطالب بتعديل الفقرة الثانية من المادة الأولى في قانون التملك لتصبح «يسمح للفلسطيني أن يتملك شقة سكنية واحدة، ولا تعتبر تعارضاً مع مبدأ رفض التوطين». الاقتراح الثاني: إلغاء المعاملة بالمثل وإجازة العمل الصادرة عن وزارة العمل. الثالث: معاملة الفلسطيني كاللبناني لجهة تعويض نهاية الخدمة والعناية الطبيّة عن الأضرار الناتجة من العمل. الرابع: معاملة الفلسطيني كاللبناني لجهة حق التقاضي في قضايا خلافات العمل. الا انه و فور طرح مشاريع القوانين المتعلقة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، طرحت العديد من علامات الاستفهام من قبل بعض الاطراف والكتل السياسية، حيث تخوّفت من امكانية ان تكون هذه الخطوات القانونية مقدمة نحو التوطين وقلب التوازن الطائفي الدقيق الموجود في البلاد، مما يؤدي الى اختلال المعادلات وادخال لبنان في المجهول من جديد. هذا التخوّف لا نوافق عليه، اذ ان التوطين مرفوض فلسطينياً ولبنانياً على السواء، وبالتالي يشكّل هاجساً مشتركاً بين الطرفين، لا بل ان الفلسطيني هو الاشد تمسكاً بحق العودة، لأنه اذا ضاع هذا الحق، ضاعت معه فلسطين والهوية الحقيقية، لينتفي بذلك جوهر القضية التي تعتبر المركز الاساسي للصراع العربي الاسرائيلي. إن الواقع الفلسطيني في لبنان هو مر وأليم ويشكل صفحة سوداء في تاريخ هذا البلد، إذ وصلت الأمور الى حد حرمانهم من كافة الحقوق المدنية والإقتصادية والإجتماعية المحفوظة لهم بحكم المواثيق الدولية. ولا نغالي إذا قلنا أن حرمان الفلسطيني من حق التملك بموجب قانون صادر عن السلطة التشريعية هو عمل عنصري بامتيازو قد تعاطت السلطات اللبنانية المتعاقبة مع الملف الفلسطيني في لبنان بحس أمني، ولم تعر الجانب الإجتماعي والحياتي اي اهتمام. كان ذلك قبل اتفاقية القاهرة عام 1969، وتجددت هذه المعاملة بعد الغاء الإتفاقية المذكورة وعودة السلطة الشرعية اللبنانية عام 1991. فعلى الصعيد التشريعي نُظمت أوضاع الفلسطينيين بموجب المراسيم التالية: الأول صدر عام 1950 باسم اللجنة المركزية لشؤون اللاجئين، برئاسة مسؤول البرتوكول في القصر الجمهوري السيد جورج حيمري، الذي كُلف بمهمة الإجتماع مع رئيس وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) والتباحث معه بوضعهم، وإمكانية تشغيلهم في مشروعات خاصة في الجنوب والبقاع وعكار. اعتبرت التشريعات اللبنانية، وبشكل ضمني، الفلسطيني المقيم على أرض لبنان أجنبياً. وذلك استناداً للنص الوارد في المادة الأولى من قانون (دخول الأجانب الى لبنان والإقامة فيه) الصادر عام 1962، والذي عرّف الأجنبي كما يلي : "يعد أجنبياً بالمعنى المقصود بهذا القانون كل شخص حقيقي أو معنوي من غير التابعية اللبنانية " ومن مترتبات هذا التعريف وتداعياته، صدر القرار الوزاري رقم 147/2002، الذي حصر حق ممارسة أعمال مهن معينة باللبنانيين، مساوياً بذلك الفلسطيني المقيم بالأجنبي. مستنداً بالمرسوم رقم 17561الصادر بتاريخ 1968/9/18المتعلق بتنظيم عمل الأجانب، الذي اشترط لعمل الأجنبي الحصول على إجازة العمل والمعاملة بالمثل للبنانيين من قبل دولته. وقد استثنى الوزير طراد حمادي عملاً بالمادة الثالثة من القرار رقم 2002/147، الفلسطينيين من اللبنانيين من احكام القرار المذكور، ممن تتوفر فيهم احد الشروط الواردة في المادة 8 من مرسوم 1967... وفي التفاصيل لدى المراجعة يتبين ان الفلسطينيين قد كانوا يمارسون هذه المهن عملياً بدون استئذان الدولة، من بين هذه المهن: بواب، حداد، كهربجي، بلاط، مورق،نجار... وبدلاً من ملء هذا الفراغ التشريعي، اقدمت السلطات اللبنانية، وبهدف المزيد من التضييق على الفلسطينيين، على فرض تأشيرة دخول وخروج المقيم في لبنان، والتي الغاها الدكتور الحص عام 1998،كما صدر تشريع عن مجلس النواب اللبناني بتاريخ 3/4/2001، قضى بتعديل القانون الصادر عام 1969، المتعلق (باكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية العقارية في لبنان) وجاء في نص المادة الاولى من التشريع الجديد ( لا يجوز تملك أي حق عيني من أي كان لأي شخص لا يحمل جنسية عن دولة معترف بها، أو لأي شخص اذا كان التملك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين) ومن المعروف ان هذا التعديل الذي ألحق الظلم الفادح بالفلسطينيين، فتح باب التسهيلات أمام تملك الأجانب في لبنان، تحت عنوان تشجيع الإستثمارات لمعالجة الوضع الإقتصادي. وقد أُجيز لشركات أجنبية أن تتملك في لبنان في مقابل هذ التغاضي التشريعي، باستثناء ما يترتب من تدابير أمنية أو قوانين تضر بالفلسطينيين وتلحق بهم الأذى،وغياب أي مرجعية رسمية لهم، رتبت الدولة اللبنانية على نفسها التزامات محددة بموجب مواثيق ومعاهدات، نذكر منها:• بروتوكول قمة الدارالبيضاء لعام 1964 ، والذي صادق عليه لبنان، وورد في مادته الأولى (يعامل الفلسطينيون في الدول العربية التي يقيمون فيها معاملة رعايا الدول العربية في سفرهم وإقامتهم وتيسير فرص العمل لهم مع احتفاظهم بالجنسية الفلسطينية).• قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، القاضي بإنشاء وكالة غوث وتشغييل اللاجئين الفلسطينيين، والتي اتخذت من بيروت مقراً رئيسياً لها، بعد توقيع مذكرة تفاهم مع الحكومة اللبنانية، الى ان انتقلت لعمان عام 1976، لتعود مجددا لبيروت عام 1977، ثم تنتقل لاحقاً الى فينا.• الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، والذي يتباهى لبنان بالإسهام بصياغته، وتوّج مقدمة دستوره معلناً التزامه به وبالمواثيق الدولية والعربية .• العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966، والذي أبرمه لبنان بتاريخ 1/9/1972، وقد كرّس حقوقاً اصيلة للإنسان، غير جائز التنازل عنها من بينها الحق في الحرية والإعتراف بشخصيته القانونية .• العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية الصادر بذات تاريخ العهد المدني، والمبرم بدوره معه، وقد كرّس الحق بالعمل وتوفير مستوى عيش كافٍ بالإضافة للحقوق: الصحة، التعليم، التملك، تشكيل النقابات العمالية والمؤسسات الثقافية.• الإتفاقية الدولية لإلغاء كافة أشكال التمييز العنصري الصادرة عام 1963، والتي أبرمها لبنان في 24/6/1971.• مقدمة الدستور اللبناني المعدل عام 1991، التي ورد فيها أن "لبنان هو عضو عامل ومؤسس في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأممالمتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء".• نص المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني الصادر عام 1985، الذي كرس قاعدة تقدم التشريعات الدولية على التشريعات الداخلية، حيث ورد النص "عند تعارض أحكام المعاهدات الدولية مع أحكام القانون العادي تتقدم في مجال التطبيق الأولى على الثانية".• الإجتهادات الجريئة لعدد من المحاكم اللبنانية التي استندت للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في معرض تصديها لقضايا محددة . وإذا كانت أطراف أخرى تشاطر لبنان في مسألة تحمُل جانب من هذه الحقوق، مثل الوكالة الدولية لغوث اللاجئين(الأونروا) ومنظمة التحرير الفلسطينية، فإن وجود الطرفين المذكورين لا يعفي لبنان من نصيبه في تأمين هذه الحقوق، لكون الفلسطينيين يقيمون على الأرض اللبنانية بصفة لاجئين، وتترتب لهم هذه الحقوق بموجب الصكوك الدولية والعربية، هذا إذا تركنا جانباً مسألة الروابط التاريخية والقومية وعلاقات الأخوة مع الشعب الفلسطيني. إن هذه الحقوق ثابتة ومترتبة على السلطة اللبنانية للإنسان الفلسطيني مهما كان طبيعة العلاقات المتحركة والمتحولة وغير الثابتة التي تربط هذه السلطة بمنظمة التحرير، أو بالفصائل الفلسطينية، لأن هذا الإنسان الذي يجري التعاطي معه بحس أمني، تكتنفه الريبة والشبهة بدون مبرر، هاجسه بعد معاناته الطويلة والمريرة، تحصيل لقمة عيش أطفاله في محيط يشعر فيه بحد أدنى من الأمان الذاتي، وعينه على مفتاح بيته في قريته الفلسطينيةالمحتلة، والذي تسلّمه من ذويه، وليس على بطاقة الهوية اللبنانية. ومع أننا نتحدث عن حقوق ثابتة للفلسطينيين، ندرك في الآن ذاته المتاعب اللبنانية في جانبها الإقتصادي والإجتماعي وتأثيرها على تدني مستوى معيشة اللبنانيين أنفسهم، وعدم توفر فرص العمل لهم، مما أشاع في صفوف القوى الفتية البطالة والهجرة، وندرك أيضا ان السلطة مقصّرة بإعطاء اللبنانيين الحقوق الأساسية لهم.إن التغاضي عن إعطاء الفلسطينيين حقوقهم ومعاملتهم بأساليب غير إنسانية، قد أدت الى الإساءة لسمعة لبنان لدى المنظمات الدولية، و سوف تؤدي من دون شك الى جعل الإنسان الفلسطيني، إما محبطاً أو مهزوماً لإحساسه بالمعاملة الدوني. إنّ ربط الحقوق بمسألة السلاح الفلسطيني أو العلاقة مع الفصائل الفلسطينية أو منظمة التحرير، هو ربط غير سليم، لأنه يشكل تجاوزاً للحقوق الثابتة للإنسان الفلسطيني، ويجعل من قضيته المدنية والإجتماعية قضية سياسية بامتياز .