د.مصطفى محمد مهران إنى أعجب من التاريخ لتخليد أسماء في مجالات العلم المختلفة ، وعدم تخليد آخرين في مجال الإنسانية ، ربما يرجع هذا الي كتبة التاريخ الذين يؤرخون للأشخاص التي نفعت الإنسانية ، ولا يرون أن أبطال الإنسانية نفسها تحتاج الى تأريخ . إذاً فما بالك بشخصيات عظيمة إجتمع فيهم العلم والحكمة مع الانسانية ذاتها ، فوهبت نفسها وجهدها ومالها وعملها بل جندت نفسها لنفع المجتمع ، وخلق اجيال متتابعة لتخدم البلاد بعلمهم وفكرهم الذين ورثوه من قدوة كانت نعم المعلم والمثال والأم والصديق . إنها د.انجي الكيلاني ، أستاذتى ومعلمتي الغالية التي كان لها أكبر الأثر في شخصيتي ونفسي وطموحي ، فنشأت على يديها وسقيت من بحور علمها وفكرها ، والتي لعبت دوراً عظيماً ليس في حياتي فقط ، بل في حياة ألوف مؤلفة من خريجي كلية السياحة جامعة المنيا. ولدت سليلة الأرستقراطية في 28 سبتمبر 1971 بابشادات ملويالمنيا ، وتعلمت في ملوي ثم أكملت تعليمها الجامعي بالمنيا ، وتم تعيينها معيداً بكلية السياحة والفنادق جامعة المنيا ، ثم مدرساً مساعداً ، ثم مدرساً بعد حصولها على الدكتوراة في عام 2007 من جامعة المنيا ، عن رسالتها المقدمة في علم المصريات بعنوان "المناظر الخاصة بأعمال المرأة في مصر القديمة" ، ثم تدرجت في المناصب والترقيات لتتولى مؤخراً مدير وحدة الجودة بالكلية . ورغم كل مشاغلها ومسؤولياتها لم تنس دورها كأم وصديقة لمئات من الطلبة والطالبات سنوياً ، فحرصت على استقبالهم جميعاً والإستماع لمشاكلهم وأزماتهم ، ونصحهم وتوجيههم التوجيه المناسب ليس فقط في الحياة الجامعية ولكن في الحياة العامة ، لتشاطرهم أفراحهم وكروبهم وأزماتهم . أضف الى ذلك الدور الإجتماعي التى لعبته في الحياة العامة من خلال ترأسها للجمعيات الخيرية ورعايتها لعشرات الحفلات والأنشطة التى كان عوائدها يصب في الغالب في جيوب اليتامى والمحتاجين. أما عن الدور الأخلاقي والضمير المهني ، فقد يتجلى في عام 2013 لدورها في وقف سلسلة التجاوزات التي تقوم بها إدارة الجامعة وحرصها على تعيين أبناء الأساتذة وذوي المحسوبية ، فرفعت دعوى مع زملائها ضد رئيس الجامعة ووزير التعليم العالي بصفتهما أمام القضاء الإداري ، لينتصر الحق بفضل جهودها وزملائها من شرفاء الجامعة . واستناداً لقول الرسول (ص) : "إن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ، وإنما ورثوا العلم" ، فهي تملك تركة عظيمة ، وان لم يكن بكثرة المؤلفات والكتب العلمية ، بل بما قدمته من مئات الباحثين وأعضاء هيئة التدريس من تلامذتها ، وإن كان أكثر ما يميزهم هي قدوتهم وإنى لافخر بأن أكون إحداهم ، وإنا لو كتبنا بأبحر من مداد لما وفينا قدرها وفضلها علينا . ولا تزال مركبي تشق البحر لتتخطف كلمات توفيها ، ولا تزال الكلمات تتزاحم وتتصارع تريد أن تخبر عما في مكنونها ، لكن هيهات هيهات أن أصل الى مبتغاي ، فمن أي أبيات الثناء سنخرج وأي أبيات القصيد نعبر ، كانت كسحابة كريمة سقت الأرض فاخضَّرت ، وكانت ولا زالت كالشجرة الفرعاء تساقط علينا علماً وخيراً ، فجزاها الله أفضل ما جزى العلماء المخلصين ، وبارك الله لنا فيها وجعلها زخراً لنا دوماً وحفظها أينما حطت بها الترحال. وأختم بقول الشاعر : إن قلت شكراً فشكري لن يوفيكم حقاً سعيتم فكان السعي مشكورا إن جف حبري عن التعبير يكتبكم قلب به صفاء الحب تعبيرا وفي النهاية ، فإني أشهد الله أن ما قلت إلا صدقاً وما كتب مدادي إلا حقاً ، فلم يعهد في النفاق يوماً ، بل هذا شعور يشاطرني فيه الكثير الذين عبروا عن مشاعرهم بأساليب جمة ، ولكني لا أملك سوى قلمي. د.مصطفى مهران