«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنعيسى احسينات يكتب : الثالوث المتحكم في الانتخابات(السلطة والمال والدين)
نشر في شباب مصر يوم 22 - 09 - 2016


أذ. بنعيسى احسينات – المغرب
تعتبر السلطة والمال والدين، الثالوث المتحكم في الانتخابات في المغرب مؤخرا، ربما في العالم العربي الإسلامي كله، وهذه العناصر الثلاثة، تعد العملة الشائعة الاستعمال في المجال السياسي عندنا اليوم.
بهذا الصدد، سنحاول الحديث عن هذا الثالوث الذي اكتملت عناصره في السنوات الأخيرة، إذ التحق الدين بالسلطة والمال مؤخرا، مركزين اهتمامنا على الجوانب السلبية فيها، المعيقة لمسيرة الديمقراطية المنشودة، ونزاهة الانتخابات وشفافيتها، التي تعاني من حالة الإعاقة الحقيقية للانتقال الديمقراطي في البلاد.
فالسلطة، سواء كانت تحكمية مخزنية أو إدارية تسلطية، سواء كانت مالية متوحشة أو اجتماعية مدنية، فهي كلها في الغالب، تميل إلى تقوية نفوذها وتعزيز مكانتها، والحفاظ على منافعها ومصالحها، والعمل على تنميتها باستمرار على حساب الآخرين، وبالخصوص على المستضعفين منهم.
فجل الأحزاب المغربية إن لم نقل تجاوزا كلها، ما زالت ولا تزال تعتبر الربح الأساسي هو الوجود داخل دائرة السلطة والعمل على البقاء بقربها والإخلاص لها باستمرار، رغم إعلان السلطة حيادها فيما يتعلق بالانتخابات. والمشكل المطروح في الأحزاب السياسية هو أنها تلغي قناعاتها الفكرية والإيديولوجية، ثم تبحث عن كتلة اجتماعية وناخبة، تدين لها بالولاء والتبعية، كرعايا متحكم فيهم من خلال أسماء ووجوه، لها تأثير سلطوي أو إداري أو مالي، تستمد قوتها من دواليب السلطة ومحيطها، لا عبر المشاركة الحرة الواعية المسئولة، كوطنيين ومواطنين، يتمتعون بقدر كبير من الحرية والاستقلال في اتخاذ القرار.
فرغم الحياد السلبي للإدارة والسلطة المشرفتين على شفافية الانتخابات ونزاهتها، تبقى الأحزاب السياسية اليوم في معظمها، مخترقة من طرف محترفي الانتخابات، من ذوي المال والجاه والنفوذ، الذين نطلق عليهم تجاوزا الأعيان والنخب، معززين بطوابير وكتائب، من سماسرة الانتخابات المتمرسين، وأرانب السباق الانتخابي المحترفين، الذين يتحكمون في الكتلة الناخبة بشكل كبير، بالإغراء والتخويف، خصوصا في هوامش المدن والقرى والأرياف التي تعد خزانا لا ينبض معينه للقوى الناخبة. وغالبية هذه الأحزاب تقوم بأدوار السخرة والوساطة وتعميق الولاء لمراكز التحكم المعلومة الظاهرة منها والمتخفية. فالانتخابات اليوم عبارة عن موسم للتجارة، تنتعش فيها النخب والأعيان وسماسرتهم، وتتصارع للحصول على مقعد بالجماعة أو الجهة أو البرلمان، ولماذا لا مقعد وزاري في الحكومة؟ وذلك من أجل حصانة مصالحها وتنميتها، والاستفادة من امتيازات وصفقات لا مشروعة ولا قانونية، والاقتراب من مراكز السلطة والنفوذ، لتضمن نصيبها من الكعكة من مال العام وصفقات عمومية وخيرات البلاد. والتملص من أداء الضرائب، والانفلات من المحاسبة والعقاب. فما أكثر هؤلاء عندنا.
لقد كانت الدولة، بجهازها التحكمي، تمارس السلطة بواسطة التحكم في مصير الانتخابات وتوجيهها حسب إستراتيجيتها ومصالحها الآنية والآتية مستقبلا، حيث يستبد فيه أشخاص وجماعات بفضل مواقعهم، داخل هرم السلطة وتمكنهم من مواردها وإمكانياتها، يعبثون بها بلا رقيب ولا حسيب، باعتبارهم تجمع مصالحي، يضم شبكات نفوذ وخدمة لقوى التحكم والريع في البلاد. وهكذا يحيدون بكل هذا وذاك، عن رسالة الدولة الأولى، حيث يجعلونها وأجهزتها في خدمة أنفسهم ومصالحهم، عوض أن يضعوها رهن إشارة من أوكله الشعب وفوض إليه أمر هذه المسؤولية الكبيرة، المتمثلة في خدمة الصالح العام ومصالح المواطنين وتنمية البلاد والدفاع عنها. فالدولة اليوم لا زالت تعج بهؤلاء رغم أنها حسب الدستور الجديد، يجب أن تحتل مكان الاختيار الشعبي السيادي الذي لا يمكن أن يصادره أحد، لكن لا تزال بعناصرها القديمة الجديدة المختصة في النهب والتسلط والهيمنة، توكل نفسها بنفسها، وتحرم المواطنين حقهم في التعبير والتقرير في الانتخابات وغيرها، وتعمل كل ما بوسعها، بطرق ملتوية الظاهرة منها والخفية، لتسفيه هذه العملية وتشويهها والتأثير على مخرجاتها والتحكم في نتائجها، مما يجعل المواطنين يميلون إلى العزوف واللامبالاة، ويتبرمون عن المساهمة في الحياة السياسية برمتها.
والمال، سواء كان حراما أو حلالا، سواء كان مشبوها أو غير مشبوه، سواء كان قانونيا أو غير قانوني، سواء كان شرعيا أو غير شرعي، يبقى الوسيلة الفعالة في جلب الأصوات وتحويل الإنسان إلى مجرد بضاعة تباع وتشترى. إلا أن ثمنه لا يتجاوز ثمن الديك الرومي في أحسن الأحوال. وهكذا، بواسطة المال تُمَرغ كرامةُ الإنسان في الأرض، أمام نفسه وأمام عائلته، وأمام الناس وأمام الله. فبالمال يُسْتَعْبَد الإنسانُ ويتحول إلى واحد من قطيع، تابع يتحرك بإرادة الآخرين لا بإرادته. فنِسْبَةٌ كبيرةٌ من المصوتين هم أصوات تحت الطلب لمن يدفع أكثر، ولمن يعرف من أين تؤكل الكتف، وتساق القطعان إلى المراعي الخاصة، وإلى الأسواق والمجازر، المتمثلة في صناديق الاقتراع الزجاجية.
فقليل من سكان المدن الكبرى الممثلين في الطبقة الوسطى بالخصوص، هم الذين يمارسون حقهم في التصويت بشكل كامل؛ بكل وطنيتهم وبمواطنتهم، بدعوى أنهم لا يخضعون لضغوطات من أي جهة كانت، ولا يستسلمون للبيع والشراء. والباقي، وعلى الخصوص سكان هوامش المدن والبوادي والقرى، الذين يصوتون كرعايا، متحكم فيهم بالتهديد والتخويف، وبالترغيب وتقديم وعود فارغة وعطايا؛ من مال وسلع وخرفان العيد، لا تسمن ولا تغني من جوع، لا كمواطنين كاملي المواطنة، يقومون بواجبهم الوطني، لاختيار بكل حرية من يمثلهم.
لم نعد اليوم نفرق بين حزب وطني وحزب إداري كما كان الشأن سابقا. اليوم كل الأحزاب أصبحت مخترقة بمحترفي السياسة وتجار الانتخابات؛ من ذوي المال والجاه المجهول المصدر. لقد انتقلنا من المرشح المناضل إلى مرشح صاحب "الشكارة"، لا يظهر إلا في موسم الانتخابات، رأسماله المال والقدرة على الترحال بين الأحزاب، التي توفر له التزكية، لضمان مقعد يخدم مصالحه أولا، ومصالح الحزب الذي انضم إليه ثانيا.
أما الدين (الإسلام)، سواء كان متطرفا إرهابيا أو معتدلا وسطيا، سواء كان منغلقا متعصبا أو منفتحا متسامحا، سواء كان ذاتيا أو مذهبيا. يبقى هذا الدين حاملا لمعتقدات ولرؤيا ولأفكار ولبرامج توظف من خلال سياسة ما، وتستغل استغلالا نفعيا، في الحياة العامة والخاصة.
فاستعمال الدين في السياسة أو استعمال السياسة في الدين، ينقص من قيمة كل منهما ويحد من حريتهما وفعاليتهما واستقلاليتهما. فالسياسة سياسة، باعتبارها علم الممكن وعلم تضارب المواقف والمصالح، خاضع للتغير والتحول والتبدل. فيما الدين دين، باعتباره قيم وشريعة وشعائر، تخص الإنسان في معتقده وإيمانه وسلوكه، وفي علاقته المباشرة مع خالقه، تتسم بالثبات والقدسية والتبجيل.
فالربط بين السياسة والدين هو منطقيا، إخضاع أحدهما للآخر حسب ميزان القوى، بتوظيف أحدهما في خدمة الآخر، وبتبعية |أحدهما للآخر، حسب نية القائمين على هذا الجمع العجيب بين ما هو واقعي ومثالي، وبين ما هو مدني دنيوي وما هو ديني رباني، وبين ما هو ناسوت ولاهوت، وبين ما هو مدنس وما هو مقدس. فمحاولة إقحام السياسة في الدين هو تدنيس هذا الأخير، وإقحام الدين في السياسة هو محاولة إضفاء القدسية على هذا الأخير. فالدين حق مطلق ثابت، والسياسة حق نسبي متغير. فخدمة السياسة للدين، لا يحافظ على الدين كدين، وخدمة الدين للسياسة لا يقدم السياسة كسياسة. فلكل واحد منهما مجاله الخاص، فلا يمكن أن نجمع بين النسبي المتغير والمطلق الثابت. وما دام الأمر على هذا المنوال، فالعلاقة بينهما علاقة مشبوهة، يتحكم فيها منطق التجارة؛ أي البيع والشراء. فإما أن تتم التجارة بالسياسة من أجل الدين، وهذا مستبعد موضوعيا، وإما أن تتم التجارة بالدين لصالح السياسة، وهذا ممكن واقعيا لتحقيق مصالح ما. والشيء الذي يخضع للبيع والشراء يبقى غير ثابت وغير مقدر تقديرا مستحقا، حيث يمكن تعديله أو تغييره أو تأويله حسب الحاجة، فيفقد إذاك قيمته ومكانته كيف ما كان هذا الشيء. فالمتاجرون بالدين بهذا المعنى، كما يقول الفيلسوف العربي الكندي: "هم لا دين لهم أو عدماء الدين، لأن من تاجر في شيء باعه ومن باع شيئا لم يكن له، فمن تاجر بالدين لم يكن له دين ويحق له أن يتعرى من الدين".
وإذا كان المغرب دولة إسلامية دستوريا، وعلى رأسها أمير المؤمنين، الذي يترأس الهيأة العليا للعلماء، فالملكية المغربية محصنة من توظيف الدين لأغراض سياسية. وما دام معظم الشعب في هذا البلد، إن لم نقل كل الشعب يدين بالإسلام في شكله الوسطي المعتدل، ومتمسك بمذهبه المالكي الجليل، فما محل وجود حزب ذو مرجعية إسلامية من الإعراب؟
ما يلاحظ اليوم أنه أصبح من الموضة اليوم عند بعض الأحزاب في المغرب، التهافت على استقطاب سلفيين وضمهم إلى أحزابهم، لسد الفراغ الفكري والإيديولوجي، ولتلميع واجهة الحزب، لكونه حزب منفتح ذو مصداقية ومسلم، وضمان مقاعد واكتساب أصوات يحسنون الكلام والترافع بالبرلمان، إذ تُعْطَى فرصة للسلفيين طالما انتظروها، لتمرير أفكارهم بشكل مباشر أو غير مباشر، في مؤسسة دستورية عمومية، لمنح الشرعية لوجودهم ومشاريعهم. وكذا التبرك بهؤلاء والاستفادة من قدراتهم في الخطاب والتبليغ، من أجل التأثير والإقناع الدينييْن على السواد الأعظم من المواطنين والمواطنات، لاكتساب أصوات جديدة، ترفع من قيمة رصيد الحزب في الساحة السياسية. وهذا سيؤدي لا محالة إلى تعطيل العقل والحس النقدي والاختيار الحر لدى الناخبين والناخبات أكثر مما هو مكرس وسائد سابقا، مما سيؤدي حتما إلى تنافس الأحزاب في استقطاب هذه الفئة من السلفيين، لتعزيز صفوفها وضمان مكانة محترمة في المشهد السياسي. دون التفكير في المخاطر التي يمكن أن تترتب على هذه العملية مستقبلا، بحيث سيتحول المجتمع إلى حلبة للصراع بين الاتجاهات والتيارات والمذاهب باسم الإسلام.
فهذا الأمر إن استفحل، سيؤدي إلى تقسيم المجتمع إلى مسلمين وغير مسلمين، ملتزمين وغير ملتزمين، حسب توصيف ولبوس المعنيين بالأمر المتطرفين منهم وغيرهم. فأنا كمسلم ومؤمن بما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لا أستسيغ استعمال الدين في السياسة أو السياسة في الدين، بأي شكل من الأشكال. فالدين دين والسياسة سياسة، والخلط بينهما لا يخدمهما معا، لأنه لابد في نهاية الأمر، من التضحية بأحدهما من أجل الآخر. وهذا لا يقبله لا الله ولا العباد. لنترك الخطاب الروحي والفعل الروحي بعيدا عن الخطاب السياسي والفعل السياسي، إيمانا بربانيته ووحدانيته وقدسيته، وعدم تلويثه بِأمور حياتنا السياسية واليومية المنغمسة في ما هو مادي متغير، مرتبط بمصالح الناس المختلفة والمصلحة العامة العاجلة منها والآجلة.
فنحن في المغرب والحمد لله، كلنا مسلمون وأحزابنا بتلويناتهم المختلفة جميعهم مسلمين، لا أحد منا يجادل في مسألة الإسلام ووحدانيته ووحدته، ولا يقبل من أحد، فردا أو جماعة، بجعل إسلام جهة ما خير من إسلام الآخرين. فالإسلام واحد غير متعدد وغير متنوع، في بعده الديني والإنساني. فالدين للجميع، العاصين منهم والمتقين، والسياسة للأحزاب لخدمة البلاد، ففيها فليتنافس المتنافسون. فكلنا يؤمن بحق الاختلاف، وواجب تدبيره ديمقراطيا. كما أننا لسنا ضد أي حزب كيف ما كان، لكن نحن ضد الإقصاء، وضد من يحتكر المشترك من معتقد الجميع، وتوظيفه توظيفا سياسيا، كأنه يقول: " من معنا فهو مسلم وهو من الناجين عند الله، ومن هو ضدنا فهو من المغضوب عليهم والضالين، من ملحدين وعلمانيين ولبراليين، فمصيرهم جهنم". وهذا منطق غير مقبول لا اجتماعيا ولا دينا ولا إنسانيا بالمرة. فالإسلام ليس ملكا لأحد، بل هو ملك الجميع، ملك كل من يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحا، وكل من يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمدا رسول الله.
في الختام، لابد من القول أن مغرب اليوم، في حاجة إلى إعادة الشفافية والمصداقية إلى الساحة السياسية الوطنية، يشارك فيها الجميع؛ سلطة وناخبين ومنتخبين وكل القوى الحية في البلاد. إلا أن ما يلاحظ اليوم، هو أن البصيص من الشفافية والمصداقية أصبح مؤخرا ملوثا بسبب مواقف وسلوكات ومزايدات لا مبرر لها، بتصريحات غير مسئولة هنا وهناك لفرقاء سياسيين، خارج القيم والأخلاق السياسية المتعارف عليها كونيا. فعندما تسمع لتصريحات الزعماء السياسيين وقياداتهم عبر الشاشة الصغيرة أو عبر إذاعة خاصة وعامة، أو عبر الصحف ورقية وإلكترونية، أو عبر المواقع الاجتماعية، أو في تجمعات خاصة وعامة، تجد هناك فرقا شاسعا جدا بين ما يقولون وما هو كائن ويجري في الواقع المعاش. فتصريحاتهم بدون استثناء، ليست لها أية قيمة سياسية، كلها غارقة في ما ينبغي أن يكون، بأسلوب ديماغوجي هزيل متكرر، تدفع في الغالب المواطن إلى الإحجام والعزوف عن العمل السياسي، وتعطي انطباعا سلبيا ومنحطا ومتدنيا عن الممارسة الديمقراطية بوطننا وببلادنا .
فالارتجالية والشعبوية والعدمية أصبحت العنوان الأبرز للبرامج الانتخابية، وبديلا عن الفراغ المهول في الأفكار والمخططات الموضوعية الواقعية. كما أن ركون بعض السياسيين إلى هذا النوع من الفضفاضية والاتهامات المغرضة بعضهم لبعض، لجلب الانتباه وتسفيه الآخرين من المعارضين والمنافسين، لا يرفع أبدا من مستوى الفعل السياسي المنشود، الذي يحتاج إلى إرادة سياسية وطنية ومواطنة ومسئولية وأخلاق.
فكل الأحزاب اليوم تتنافس من أجل انتخابات 7 أكتوبر القادمة، إلا أن هناك صراح حاد ومرير بين خطين بارزين من بينهم، مرتبطيْن بالدولة واختياراتها. خط حزب الدولة المفضل، وخط حزب الحاكم المنتهية ولايته، الذي كان بمثابة عجلة الاحتياط للدولة في مرحلة الربيع العربي كما يقال. ولتجاوز هذا الصراع الثنائي وهذه الوضعية المقلقة، اتخذت مؤخرا نخب مغربية تنشط في مجالات الفكر والثقافة والفنون والإعلام وحقوق الإنسان، مبادرة جريئة تدعوا للخط الثالث، الذي ترى أنه من حق كل المغاربة أن يرفضوا وضعهم بين الخط الإصلاحي المحافظ الذي تصالح مع الفساد، وخط الحداثة المتوحشة التي تبرر التحكم بذريعة مواجهة خطر الأصولية. وكلا هاذين الخطين معا يقبلان التضحية بالديمقراطية مقابل مصالح خاصة. إلا أن هناك إمكانية للتغير عبر استثمار اللحظة الانتخابية الآتية، لبناء خط بعيد كل البعد عن الخطين السابقين، خط ثالث المتمثل في المجموعة اليسارية، يعيد الاعتبار للسياسة ولقيمها النبيلة، وينتصر لقيم الديمقراطية الحقيقية، ممثلة في بناء ملكية برلمانية، ترتبط فيه ممارسة الحكم بصناديق الاقتراع، ويتم فيه الربط بين النزاهة والشفافية وبين والمسؤولية والمحاسبة.
فعلى هذا الأساس٬ لابد إذن من التفكير الواعي الرزين بمساهمة جميع الأطراف٬ وتفعيل دولة الحق والقانون بالمراقبة الجادة والمحاسبة الصارمة٬ لإيجاد حلول وطنية وديمقراطية لكل الاختلالات والاختلافات قبل فوات الأوان٬ يحفظ للمغرب وحدته وكرامته وعزته٬ وأمنه وسلامته واستقراره٬ وتنميته وتطوره وتقدمه، وكذا نزاهة وشفافية انتخاباته، خارج استعمال السلطة والمال والدين./
في نهاية هذا المقال المتواضع الذي أرجو أن يتقاسم معي القراء، الأفكار الواردة فيه. كما أدعو القراء الكرام، قراءة قصيدتي في نفس الموضوع، تحت عنوان: " في الانتخابات (سبع قصائد) "، المنشورة في موقع فرعي خاص بي، بموقع الحوار المتمدن"، على الرابط التالي، مع تعليقاتكم وانتقاداتكم، متمنيا أن تنال قصيدتي هذه اهتمامكم وإعجابكم. وشكرا للجميع مسبقا:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=531205
---------------------------------
أذ. بنعيسى احسينات – المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.