علي محمد معياد «حرب العملات» هي عبارة أطلقها وزير المالية البرازيلي السابق جويدو مانتيجا في عام 2010. وقال انه كان يشير الى الاضطرابات المتزايدة في أسوق الصرف الأجنبي التي أشعلها برنامج التيسير الكمي للاحتياطي الفدرالي الذي اضعف الدولار , والقمع الصين المستمر لليوان , والتدخلات من جانب عدد من البنوك المركزية لمنع عملاتها من الارتفاع . لقد كانت فكرة الولاياتالمتحدة والسؤال ألان هل نحن فعلا في خضم حرب العملات وكيف التعامل مع ذلك ؟ بدأت اتجاه وفكرة حرب العملات بداية عام 2010م وذلك وبعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 2009 تلك الأزمة التي سببتها الغطرسة الأمريكية و العنجهية المالية التي تعاملت بها خلال العشرة سنوات الأخيرة و التي كانت نهايتها سقوط الاقتصاد الأول و الأكبر في العالم في الركود الاقتصادي و انهيار مؤسساته المالية العملاقة واحدة تلو الأخرى,إن أزمة الرهن العقاري في الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت هي الشرارة التي أشعلت أتون الركود العالمي، وسبب تراجع الطلب من الدول الكبرى و على رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية و دول الاتحاد الأوروبي بعد أن عملت البنوك و المؤسسات المالية على اكتناز الأموال و التوقف عن إخراج القروض؛ الأمر الذي أوقف حركة التجارة العالمية و أدخل النظام المالي العالمي في حالة من الجمود بسبب المخاوف التي انتشرت في الأسواق المالية بسوء سمعة الائتمان عالمياً مما دفع الجميع إلى الاحتفاظ بأموالهم و عدم المخاطرة باستثمارها في أية سلعة مالية خاصة بعد الانهيارات المفجعة في البنوك الأمريكية التي كانت من قبل عمالقة الأسواق المالية وعلى رأسهم ثالث أكبر بنوك أمريكا الاستثمارية , ومن هنا ساعد ذلك في إنعاش الاقتصاد الصيني حيث تجاوزت الصين أخطاء الولاياتالمتحدة والدول الأوربية التي كانت تدعم النظام المالي و المصرفي عن طريق ابتكار وحدات مالية جديدة أو تكوين نمو وهمي مبني على مساعدات مالية حكومية ؛ وبهذا وضعت الصين خطط وحلول لدعم الاقتصاد من خلال دعم واضح و صريح للاقتصاد الحقيقي و الدعائم و الركائز الحقيقية التي يرتكز عليها الاقتصاد الصيني مما أثبت للعالم أن النمو المبني على أوراق مالية و ابتكارات ائتمانية مصيره الانهيار مهما طال أجله.بل وهذا الانتعاش في الاقتصاد الصيني يعتبر من أهم العوامل التي ساعدت على خروج الاقتصاد العالمي من الركود و الأزمة المالية الأسوأ منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي. كما زادت مخاوف حرب العملات من حيث تأثيرها على الاقتصاد العالمي في الفترة الأخيرة الأمر الذي ظهر خلال العامين الماضيين , في مدى ترقب المستثمرين لتحرك أسعار الفائدة على العملة الأمريكية خلال عام 2015 بأكمله , والتبعات التي تلت دفع الفائدة علية , فضلا عن الانهيارات التي أحدثتها تحركات العملة الصينية الصيف الماضي في الأسواق المالية . ويتأثر سعر صرف أي عملة مقابل سلة من العملات , بالكثير من العوامل الأساسية والفنية , تشمل العرض والطلب , والوضع الاقتصادي , ومعدل التضخم , وأسعار الفائدة , وتدفق رأس المال , فضلا عن مستويات الدعم والمقاومة التقنية ,وتقلبات العملات هي نتيجة طبيعية لنظام سعر الصرف الحر (العائم) الذي هو المعيار لمعظم الاقتصاديات الكبرى السبب الرئيس هذه المرة وراء إمكانية الدخول في حرب عملات هو مستويات التضخم المتدنية في الاقتصاديات الرئيسية والتي ابتعدت كثيرا عن الحدود الآمنة للمستوى المستهدف في أغلب الاقتصاديات الرئيسية حول العالم. المستوى المستهدف للتضخم لدى البنوك المركزية يقع حول (2% أساس سنوي) على المدى المتوسط. كما ان السياسات النقدية التوسعية وبيئة أسعار الفائدة الصفرية لم تعد كافية لدفع التضخم نحو الأعلى. ومع ارتفاع أسعار صرف العملات المحلية أمام الدولار الأمريكي على مدار العامين السابقين أدى إلى إضافة المزيد من الضغوط السلبية على التضخم داخل تلك الاقتصاديات. إذ أن ارتفاع سعر صرف العملة المحلية تؤدي إلى تراجع أسعار السلع المستوردة وبالتالي الضغط على التضخم سلباً. ومع محاولة البنوك المركزية تبني سياسات توسعية من أجل دعم وتيرة التعافي، فإن ارتفاع سعر صرف العملة ساهم في التأثير سلبا على إضعاف الميزة التنافسية للسلع المحلية في الأسواق العالمية وبالتالي التأثير سلبا على الصادرات. سجل اليوان الصيني اكبر انخفاض له مقابل الدولار خلال هذا الشهر ، منذ أكثر من عقدين ، لأدنى مستوياته في أربع سنوات، وانخفض سعر صرف اليوان إلى 6.69 لكل دولار أميركي , ويأتي تخفيض اليوان بعد ظهور علامات أخرى على ضعف الاقتصاد الصيني، بعدما أظهرت الأرقام نمو الناتج الصناعي في الأشهر الماضية بنحو 5 في المائة عن العام السابق، بأقل من المتوقع، متراجعًا من نمو بنحو 5.8 في المائة في مايو السابق.وذلك نتيجة لانخفاض الصادرات الصينية وهذه الإجراءات تتخذها الحكومة الصينية لدعم صادراتها . وبعد هذه الإجراءات من الحكومة الصينية بتخفيض قيمة العملة الصينية زادت المخاوف من نشوب حرب عملات عالمية، بعد تسارع وتيرة الاتهامات بأن بكين تقوم بتقييم عملتها بأقل من المعقول، وذلك من أجل دعم تنافسية صادراتها في الأسواق العالمية. في أول رد فعل للمركزي الأميركي بعد أول إجراء في خفض قيمة اليوان، قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ويليام دادلي: "من الواضح أنه إذا كان الاقتصاد الصيني أضعف مما توقعته السلطات الصينية، فمن غير الملائم للعملة أن يتم إضعافها هي الأخرى نتيجة لهذا الضعف"كما رد على اسألة بعض الصحفيين "ما يحدث في الصين له تأثير كبير على بقية دول العالم وله تأثير كبير على الطلب في بلدان أخرى وانعكاسات كبيرة على أسعار السلع الأساسية. كما ذكر لاري ماكدونالد في صحيفة فوربس تحت عنوان (الانذار الاحمر الصين وحرب العملات مع بنك الاحتياطي الفدرالي والعالم) بين عشية وضحاها، وأضعفت الصين تثبيت اليوان بنسبة 0.34٪ إلى 6.5693 مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى له منذ مارس 2011. والذي جعل مجلس الاحتياطي الفدرالي برفع سعر الفائدة .ونحن بحاجة إلى الترليونات من الدولارات لكبح مستويات الديون المعدومة الذي يودي الى انخفاض الاقتصاد الصيني . ولكن السؤال الأهم لماذا تخفيض العملة ؟ قد تبدو غريبة , ولكن العملة القوية ليست بالضرورة أن تكون في مصلحة الاقتصاد , وذلك لان بعض الأحيان عندما تكون العملة المحلية ضعيفة تجعل صادرات البلاد أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية وفي الوقت نفسه تجعل الواردات أكثر كلفة , وارتفاع حجم الصادرات يحفز النمو الاقتصادي , بينما ارتفاع ثمن الواردات أيضا يؤثر إيجابا على النمو الاقتصادي لان المستهلك سيختار المنتجات المحلية بدلا من المستوردة . هذا التحسن في نعدل التبادل التجاري بشكل عام يودي إلى انخفاض العجز في الحساب الجاري(أو زيادة في فائض الحساب الجاري) وزيادة العمالة وسرعة نمو الناتج المحلي الإجمالي . أن حافز السياسة النقدية التي عادة ما تؤدي إلى ضعف العملة الذي سيكون له أيضا اثر ايجابي على عاصمة البلاد وأسواق العقارات , وهذا بدورة يعزز الاستهلاك المحلي عن طريق تأثير الثروة . وتأمل الصين تخفيض قيمة العملة لتحفيز معدل الصادرات من أجل تحسين النمو الاقتصادي، وذلك لأن تراجع صادرات الصين يعني تزايد خطر فقدان الوظائف على نطاق واسع في الصناعات التحويلية. كما أشارت بعض الأبحاث الاقتصادية ان النمو الاقتصادي للأسواق الناشئة شهدت نموا ملحوظا بعد تخفيض أسعار صرف ، وكما عملت الصين تخفيض سعر الصرف بدافع دعم الصادرات بعد التراجع الملحوظ عام 2014 و2015 . أيضا، هناك ارتباط قوي بين أسعار صرف العملات وبين متغيرات مثل أسعار الفائدة والبطالة والتضخم. ظهرت حروب العملات بشكل كبير منذ العام 2014، حيث أصبح يمكن قياس حجم الحرب من تسلسل الأحداث التي تتراوح من انهيار الروبل الروسي إلى تخفيض سعر صرف الين الياباني في أكتوبر 2014 وتخفيض اليوان الصيني في أغسطس 2015، ثم تخفيض التينغي الكازاخستاني. وترى الجزيرة كابيتال أنه ولفترة طويلة من الزمن، ربطت الصين سعر صرف اليوان مع الدولار الأمريكي، مما أدى إلى زيادة الصادرات وارتفاع احتياطي العملات الأجنبية خلال الفترات التي شهدت نمو اقتصادي كبير. خلال فترة تثبيت سعر الصرف، ارتفعت صادرات الصين بشكل كبير لتصل إلى 2.4 ترليون دولار أمريكي في العام 2013 من 9.8 مليار دولار أمريكي في العام 1978. عموما، مع التباطؤ الاقتصادي الحالي في الصين، سمحت الحكومة الصينية بتخفيض سعر صرف اليوان واتجهت نحو طريقة إدارة تعويم سعر الصرف، الأمر الذي يمكن أن يساعد الصين في تحقيق تطلعاتها في أن يصبح اليوان عملة عالمية بإضافته إلى منظومة سلة حقوق السحب الخاصة . وحرب العملات لن تنال الولاياتالمتحدة الأميركية فقط، بل هي حرب كاملة بين الاقتصاديات المتنافسة القوية في العالم لما سينتج عنها من توتر أسواق العملات والأسهم العالمية. كما أن التأثير الأقوى بمثل هذه السياسات تكون على الدول المجاورة فقد تأثرت معظم الدول المجاورة للصين من هذه الإجراءات فتراجعت الروبية في الهند و إندونيسيا، ولامست الرينجت الماليزية أدنى مستوى لها منذ 17 عامًا، بينما لامس الدولار في نيوزيلندا أدنى مستوياته منذ ستة أشهر. اما بالنسبة للتاثر اقتصاديات الوطن العربي أنه من المتوقع ان يكون لسياسة اليوان الصيني أثر محدود وذلك للبعد الجغرافي وكذا لان معظم الدول العربية مستهلكة ولا وصادراتها إلى الأسواق الصينية ضعيفة جدا بل تكون معدومة اما فيما يخص انخفاض العملة الصينية على النفط ضئيل جدا بحيث لا يوثر على الطلب على النفط، حيث انخفضت أسعار النفط بأكثر من 50% مقارنة بانخفاض اليوان بنسبة 4% في عام 2015. كما أن لدول مجلس التعاون أصول كافية، فانه يمكنهم التعامل مع العجز دون التخلي عن ربط العملات بالدولار الأمريكي.