خلق الله الإنسان على الأرض ويسره لإكتشاف ما سخره له من مقومات لإمكانية إستمرارية حياته بكافة أشكالها وحالها، ووضع لهذه الحياه ناموس، فمن أخذ به وكد للعمل بجهد وإخلاص فى إطاره دانت له الدنيا وكانت له الريادة فكان المتبوع، ومن لم يأخذ به كان التابع وضاقت عليه الدنيا بما رحبت، إذن فالأمر هو الدفع نحو الأخذ بالأسباب، ولما كانت أية دولة لا بد أن تتوفر لها أركان ومقومات، وهى ببساطة تتكون من الشعب والأرض والسلطة، توجب أن تكون تلك الأركان ثابتة ذات مقومات قوية، وإلا انتفت عنها صفة الدولة، فالشعب له حاجات يُستلزم إشباعها من خلال منظومة إندماجية تكاملية بينه وبين السلطة لتتحقق الإستغلالية المُثلى لثروات الأرض التى يعيش عليها، كذلك تتحقق له السيادة الحقيقية الغير مُقيدة أو المنقوصة على أرضه. فإذا ما خرجت العلاقة بين الحاكم والمحكوم عن هذا الإطار الإندماجى التكاملى نتجت أحداث جللة تؤدى بطبيعة الحال إلى سقوط وتفكك الدولة بصرف النظر عن الفترة الزمنية اللازمة لذلك، ولنا العظات والعبر والشواهد من أُمم ودولاً بل وإمبراطوريات قد خلت من قبلنا على مر العصور، وليس ببعيد ما نتج من تداعيات اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 والتى بمقتضاها تفككت الإمبراطورية العثمانية فكانت نشأة الدول العربية، وكذلك ما تم من تقسيم الاتحاد السوفيتى الدولة العظمى الثانية على مستوى العالم عام 1991، وما نشاهده ونعيشه في الشرق الأوسط الآن هو إمتداد لخطة تقسيم معلنة لخريطة جغرافية جديدة تستهدف هويّة المنطقة العربية على أساس مذهبى أو عرقى أو عقائدى، تدفع بربط الدول العربية في مستنقع التسويات الجارية برعاية الولاياتالمتحدةالأمريكية، ضمن مشروع النظام العالمي الجديد في مواجهة الاحتمالية المتوقعة في أوربا وآسيا لمتغيرات طارئة قد تخرج عن حدود سيطرتها، وتهيئة الأجواء دولياً وعربياً، لإقامة حلف استراتيجي، وقاعدة انطلاق أساسية للعولمة الأمريكية والترسيخ لضمان عدم ظهور قوة إقليمية في المنطقة على أساس عربي أو إسلامي، بتجاوز الاعتبارات القومية من خلال إضعاف النظم العربية وتذويب الهوية العربية وإبقاء المنطقة في واقع التخلف وإعتبار الكيان الصهيوني إحدى الأدوات الفاعلة بإفساح المجال أمام إسرائيل للتوغل بعمق إلى المنطقة اقتصادياً، ودمجها في السوق العربية، لإيجاد دور محورى لإسرائيل يقوم على إعادة ترتيب صياغة الأمن الإقليمي، لإمكانية قيامها بأداء دور أمني بارز في الدفاع عن منابع النفط والتحكم فى توجيه أرصدته. وعلى الجانب الآخر من الدراما المأساوية التى نعيشها تشكلت تحالفات استراتيجية جديدة بدخول العلاقة بين السعودية وتركيا فى إطار تحالفي، رداً على التحالف الروسي الإيراني بالشرق الأوسط. ما يحدث حولنا يُنفذ كسابقيه بأيدينا نحن، ولا يحق لنا من قريب أو من بعيد أن نلوم الآخر فنحن من جعل الأمم تتداعى علينا كما تتداعى الأكلة على قصعتها بتهاوننا وفرقتنا وعدم أخذ الأمور بما يتناسب مع حجم الحدث، ففقدنا الإحساس بمعنى الحدث وتساوى لدينا الحدث الجلل بالحدث الأقل وفقدنا ثقافة الإستباق ولم نتعلم من دروس الماضى. هناك مثل شعبى قديم يُصور حالة اليأس واللامبالاة التى عايشها من قبلنا ولم يغيب عن إدراكاتنا الحالية يُفسر إستمراريتنا لمماراسة نفس النهج فى كل أمورنا "كُله عند العرب صابون" وبعيداً عن الشعارات المضللة أو الأيدولوجيات أو العقائد المختلفة هل تبقت أية مقومات اقتصادية أو تكنولوجيا أو عسكرية أو حتى شواهد لإمكانية قيام دول المنطقة المنهوبة والمنكوبة بالدرء عن نفسها. وهل نستطيع إرجاع العلاقة بين الحاكم والمحكوم للإطار الإندماجى التكاملى لنتحرر من المفعولية فى محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ....! محمد فاروق يس عضو المجلس المصرى للشئون الاقتصادية [email protected]