«مكنتش بتفرج عليها».. تعليق مفاجئ من الدماطي على تتويج سيدات الأهلي    ما حكم الكلام فى الهاتف المحمول أثناء الطواف؟.. شوقى علام يجيب    الترجي التونسي يحصد برونزية بطولة أبطال الكؤوس الأفريقية لكرة اليد    محافظ البحيرة: إزالة 16 حالة تعدي على أملاك الدولة بالموجة ال 26    من مصر إلى إفريقيا.. بعثات تجارية تفتح آفاق التعاون الاقتصادي    عاجل|دعوة لتمويل مباشر: أوكرانيا تطلب من أوروبا دعم جيشها لحماية القارة    عاجل|بوتين: مستقبل صناعة السلاح الروسية واعد.. واهتمام عالمي متزايد بتجربتنا العسكرية    انطلاق امتحانات العام الجامعي 2024–2025 بجامعة قناة السويس    سعر الذهب مساء الجمعة 24 مايو 2025    بث مباشر كرة يد - الأهلي (0)-(0) الزمالك.. نهائي كأس الكؤوس الإفريقية    كم تبلغ قيمة جوائز كأس العرب 2025؟    بالأسماء.. مصرع وإصابة 15 شخصا بحادث اصطدام تريلا بميكروباص في البحيرة    ضبط كيان صناعي مخالف بالباجور وتحريز 11 طن أسمدة ومخصبات زراعية مغشوشة    يختتم دورته ال 78 غدا.. 15فيلمًا تشكل موجة جديدة للسينما على شاشة مهرجان كان    تراجع أسهم وول ستريت والأسواق الأوروبية وأبل عقب أحدث تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية    مستشفى الحوض المرصود يطلق يوما علميآ بمشاركة 200 طبيب.. و5 عيادات تجميلية جديدة    حزب الإصلاح والنهضة: نؤيد استقرار النظام النيابي وندعو لتعزيز العدالة في الانتخابات المقبلة    بين الفرص والمخاطر| هل الدعم النفسي بالذكاء الاصطناعي آمن؟    القاهرة 36 درجة.. الأرصاد تحذر من موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد غدًا    رئيس "التنظيم والإدارة" يبحث مع "القومي للطفولة" تعزيز التعاون    مروة ناجي تُجسد «الست» في عرض بصري مبهر يعيد سحر أم كلثوم للقاهرة    مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة: لا عودة للمستشفيات دون ضمانات أممية    هل يحرم على المُضحّي قصّ شعره وأظافره في العشر الأوائل؟.. أمين الفتوى يوضح    أمين اتحاد دول حوض النيل يدعو للاستثمار في أفريقيا |خاص    إيفاد قافلتين طبيتين لمرضى الغسيل الكلوي في جيبوتي    تقديم الخدمة الطبية ل 1460 مواطنًا وتحويل 3 حالات للمستشفيات بدمياط    ندوة توعوية موسعة لهيئة التأمين الصحي الشامل مع القطاع الطبي الخاص بأسوان    المشاط: الاستقرار الاقتصادي ضرورة لدفع النمو لكنه لا يكفي بدون إصلاحات لتمكين القطاع الخاص    أحمد غزي يروج لشخصيته في مسلسل مملكة الحرير    "نجوم الساحل" يتذيل شباك التذاكر    "طلعت من التورتة".. 25 صورة من حفل عيد ميلاد اسماء جلال    قصور الثقافة تعرض مسرحية تك تك بوم على مسرح الأنفوشي    بدون خبرة.. "الكهرباء" تُعلن عن تعيينات جديدة -(تفاصيل)    ضبط مدير مسئول عن شركة إنتاج فنى "بدون ترخيص" بالجيزة    خطيب المسجد النبوى يوجه رسالة مؤثرة لحجاج بيت الله    ننشر مواصفات امتحان العلوم للصف السادس الابتدائي الترم الثاني    البريد المصري يحذر المواطنين من حملات احتيال إلكترونية جديدة    بينها عيد الأضحى 2025.. 13 يوما إجازة تنتظر الموظفين الشهر المقبل (تفاصيل)    ضمن رؤية مصر 2030.. تفاصيل مشاركة جامعة العريش بالندوة التثقيفية المجمعة لجامعات أقليم القناة وسيناء (صور)    محافظ الجيزة: الانتهاء من إعداد المخططات الاستراتيجية العامة ل11 مدينة و160 قرية    وزير الزراعة يعلن توريد 3.2 مليون طن من القمح المحلي    أسعار الحديد والأسمنت اليوم فى مصر 23-5-2025    شرطة الاحتلال تعتقل 4 متظاهرين ضد الحكومة بسبب فشل إتمام صفقة المحتجزين    زلزال بقوة 5.7 درجة يدمر 140 منزلا فى جزيرة سومطرة الإندونيسية    محكمة «كاس» تدرس طعن بيراميدز على قرارات أزمة القمة.. ثلاث سيناريوهات تحدد مصير درع الدوري المصري    غلق كلي لطريق الواحات بسبب أعمال كوبري زويل.. وتحويلات مرورية لمدة يومين    الدوري الإيطالي.. كونتي يقترب من تحقيق إنجاز تاريخي مع نابولي    صلاح يتوج بجائزة أفضل لاعب في البريميرليج من «بي بي سي»    يدخل دخول رحمة.. عضو ب«الأزهر للفتوى»: يُستحب للإنسان البدء بالبسملة في كل أمر    الهلال يفاوض أوسيمين    رمضان يدفع الملايين.. تسوية قضائية بين الفنان وMBC    ترامب وهارفارد.. كواليس مواجهة محتدمة تهدد مستقبل الطلاب الدوليين    ضبط 379 قضية مخدرات وتنفيذ 88 ألف حكم قضائى فى 24 ساعة    برلين تنتقد تباطؤ إسرائيل في إيصال المساعدات إلى غزة: لا ينبغي لأحد أن يتجاهل المعاناة الهائلة في غزة    مصادر عسكرية يمينة: مقتل وإصابة العشرات فى انفجارات في صنعاء وسط تكتّم الحوثيين    دينا فؤاد تبكي على الهواء.. ما السبب؟ (فيديو)    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السيرة الذاتية في مصر القديمة

إنني حين أتحدث في هذا البحث عن السير الذاتية في تاريخ مصر القديمة ، أتحدث عن وثيقة تعد من أهم الوثائق التاريخية والأثرية التي عرفنا منها الكثير والكثير من تفاصيل تاريخ مصر القديمة . فكل أمير أو ملك أو موظف أو مواطن مصري في العصور القديمة كتب سيرة ذاتية تحدث فيها عن تاريخ حياته في عصر معين فهو بذلك يسجل لنا شيئًا كثيرًا من تفاصيل تاريخ وحضارة مصر القديمة في أحد عصورها السحيقة. ومن ثم فإن هذه السيرة – كما قلت – تعد من أهم الوثائق التاريخية والأثرية التي عرفنا من خلالها الكثير والكثير من تفاصيل تاريخ وحضارة مصر في تلك العصور.
وقد عزمت على تقسيم هذا البحث إلى ثلاثة فصول :
الفصل الأول – تاريخ وبداية ظهور السيرة الذاتية في مصر.
وفيه يعرض الباحث بداية ظهور السيرة الذاتية في مصر وأقدم سيرة ذاتية مصرية وصلت إلينا، وإذا كان هناك محاولات من العصور السحيقة من أجل تأليف السيرة الذاتية وكيف تطورت السيرة الذاتية في مصر بعد ذلك والغرض منها.
الفصل الثاني – أهمية السيرة الذاتية لدارس التاريخ المصري القديم.
وفيه يتحدث الباحث عما يستطيع دارس التاريخ الاستفادة به من خلال دراسته للسيرة الذاتية.
الفصل الثالث – نماذج من السيرة الذاتية في مصر القديمة .
وفيه عمل الباحث على دراسة نموذج للسيرة الذاتية من كل عصر من عصور مصر القديمة مثل عصر الدولة القديمة وعصر الدولة الوسطى وعصر الدولة الحديثة والعصر المتأخر.
1
الفصل الأول
تاريخ وبداية ظهور السيرة الذاتية في مصر القديمة
إن آثار مصر القديمة تزخر بالعديد والعديد من السير الذاتية المعروفة لكل دارسي التاريخ القديم مثل سيرة القائد "وني" قائد الجيش المصري في عصر الأسرة السادسة، وسيرة القائد "سنوهي" قائد الجيش المصري في بداية عصر الأسرة الثانية عشرة، وسيرة "أحمس بن أبانا" قائد الأسطول المصري في بداية عصر الأسرة الثامنة عشرة، وسيرة القائد "أمنمحاب" .....إلخ.
ولكن أول سؤال يجب أن يجيب الباحث عنه في بداية حديثه عن تاريخ السير الذاتية في مصر هو : متى بدأ تأليف السيرة الذاتية في مصر؟ وما الغرض من تأليف هذه السير الذاتية؟
عندما نطلع على تاريخ مصر القديمة وتاريخ الأدب المصري القديم، نجد أقدم سيرة ذاتية عُثِرَ عليها في مصر القديمة هي سيرة القائد "وني" الذي ينتمي إلى عصر الملك ببي الأول حتى عهد الملك ببي الثاني، أي ينتمي إلى بداية عصر الأسرة السادسة في نهاية عصر الدولة القديمة(1). من هنا يمكن القول أن كتابة السير الذاتية بدأت منذ عصر الدولة القديمة.
ولكن حين ننظر إلى هذه السيرة الذاتية ونتأملها جيدًا، نجد أنها سيرة مكتملة الجوانب وفيها كل عناصر السيرة الذاتية. فهي تبدأ بتعريف صاحبها لنفسه، حيث يذكر اسمه ووظيفته ويذكر الملوك الذين عاش في عهدهم، وكذلك الأحداث التي يرويها عن نفسه وإنجازاته وبطولاته مرتبة ترتيبا تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث ، وفيها من التفاصيل ما يكفي لمعرفة قصتها. فإذا كانت هذه السيرة قصة مكتملة الجوانب وبها كافة عناصر الرواية التاريخية أو السيرة الذاتية، فهذا يضع أمامنا سؤالاً هامًا جدًا هو : هل كانت سيرة "وني" هي أول محاولة يقوم بها المصري القديم لتسجيل سيرة ذاتية؟ أم أنه كانت هناك محاولات سابقة وكانت هذه السيرة وما بها من تطور في فن الرواية هي نتاج هذه المحاولات السابقة؟
من أجل الإجابة على السؤال يجب الرجوع إلى الوثائق الأثرية المصرية التي تنتمي إلى العصور السابقة لعصر الأسرة السادسة. عند النظر إلى هذه الوثائق التاريخية والآثار التي خلفها لنا المصريون، نجد أنَّ المصريين القدماء لم يتركوا لنا أية
الهوامش :
(1) سمير أديب، تاريخ وحضارة مصر القديمة، 1997 ، مكتبة الأسكندرية، ص98 .
2
سيرة ذاتية قبل عصر الأسرة السادسة، ولكن نجد أنهم تركوا لنا آثارًا ووثائق هامة جدا لها علاقة بالسير الذاتية. هذه الآثار هي الرسومات الموجودة على اللوحات والبطاقات التي تصور أحداثًا تاريخية حدثت في تلك الفترات. وأشهر هذه اللوحات بالطبع هي لوحة الملك "نعرمر" المحفوظة بالمتحف المصري والتي تصور انتصار ملك الجنوب "نعرمر" على مملكة الشمال حيث تصوره وهو يمسك برأس أسير من الشمال ويهم بضربه بمقمعة في يده، وتصور جنوده وهم يتنظمون خلفه وفلول جيش الشمال وهم يهربون. أيضًا يوجد قبل ذلك العديد من اللوحات التي تروي رسوماتها أحداثًا تاريخية مثل صلاية الليبيين أو التحنو، التي تنتمي إلى عهد الملك العقرب ملك مملكة الجنوب وهو يحارب قبائل غرب الدلتا أو قبائل الليبيين ويذبح زعمائهم وفيها صورة لصفوف من الحيوانات ربما كانت غنائم قتاله في غرب الدلتا.
طبعا من المعروف أن السيرة الذاتية تكون سيرة مكتوبة على الأقل ليقوم فيها صاحبها بتعريف القاريء باسمه ووظيفته ونسبه وإلى أي عصر ينتمي، وبالتالي لا تعتبر رسومات اللوحات والبطاقات سيرًا ذاتية على الأقل بالمعنى المفهوم الآن. لكن أيضًا من المعروف أن كاتب السيرة الذاتية يكون غرضه الأساسي منها هو تسجيل تاريخ حياته أو على الأقل أهم الأحداث التي ظهرت في حياته أو أهم الإنجازات والأعمال التي قام بها، وحين ننظر إلى لوحة الملك "نعرمر" أو صلاية الملك "العقرب" نجد أن الغرض الأساسي من هذين الأثرين هو تسجيل إنجازات وأعمال عظيمة قام بها كل من الملك العقرب والملك نعرمر، وكما أن السيرة الذاتية تروي تفاصيل الأحداث عن طريق الكتابة والكلمات، فإن اللوحات والبطاقات أيصًا تروي تفاصيل الأحداث ولكن عن طريق الرسم والصور. من الطبيعي أن يتسائل المرء إذا كان ملوك عصور ما قبل الأسرات مثل الملك العقرب والمل نعرمر يسعون إلى تسجيل سيرهم الذاتية وأهم إنجازاتهم، فلماذا لم يسجلوها كتابةً؟
الجواب هنا واضح وهو أن المصريين في تلك الفترة لم تكن الكتابة منتشرة بينهم حيث نجد معظم الوثائق مرسومة وليست مكتوبة، فمن الطبيعي لملك يريد أن يسجل تاريخه وسيرته الذاتية في ظل عدم وجود الكتابة أو انتشارها أن يقوم بتسجيل سيرته الذاتية عن طريق الرسم.
بناء عليه، يمكن استنتاج أن أولى أو أقدم محاولات تأليف السيرة الذاتية في مصر القديمة، قد بدأت في عصر ما قبل الأسرات وليس في عصر الأسرة السادسة لكن أقدم سيرة ذاتية عُثِرَ عليها هي سيرة القائد "وني" التي سجلها على جدران مقبرته بأبيدوس(1) ويوجد الآن جزء منها محفوظ بالمتحف المصري بالقاهرة.
الهوامش
(1) المرجع نفسه، ص98 .
3
صلاية الملك العقرب المحفوظة بالمتحف المصري.
صلاية الملك نعرمر المحفوظة بالمتحف المصري بالقاهرة.
4
هكذا تم معرفة ما هي أقدم المحاولات التي تمت لتسجيل السير الذاتية في مصر القديمة، لكن قبل التحدث عن عناصر بناء السيرة الذاتية في مصر القديمة وعن تطورها في بقية عصور مصر القديمة، يبقى سؤال أخير حول بداية ظهور السيرة الذاتية في مصر القديمة. منذ عهد الملك "نعرمر" أي بداية عصر الأسرة الأولى بدأ انتشار الكتابة في مصر، وبين عصر الأسرة الأولى وعصر الأسرة السادسة مئات السنين. لماذا إذًا لم تظهر سيرة ذاتية بعد انتشار الكتابة طوال هذه السنين رغم أن المصري القديم كان يسعى إلى تسجيل سيرته الذاتية حتى من قبل اكتشاف الكتابة؟
عندما فكَّرَ الباحث في هذا السؤال لم يجد أمامه سوى افتراضّيْنِ رئيسيَّيْنِ هما :
1- إما أن الكتابة لم تكن قد انتشرت وتطورت بين الناس بالقدر الكافي الذي يوحي إلى الناس بكتابة سيرهم الذاتية، وأن المصريون استعاضوا عن كتابة السير الذاتية بتسجيل أهم الأحداث التي تمت في حياتهم وأهم إنجازاتهم عن طريق الرسم والتصوير، كما كان يفعل أجدادهم في عصور ما قبل التاريخ.
2- أو أن هناك سيرًا ذاتية كُتِبَتْ قبل سيرة "وني" ولكنها فُقِدَتْ أو لم يتم العثور عليها حتى الآن.
ويرجح الباحث الرأي الأول لبعض الأسباب الهامة منها
1- أن الكتابة حين بدأت في الانتشار منذ عصر الأسرة الأولى كانت تنتشر تدريجيا، ففي البداية انتشرت في كتابة أسماء الملوك، كما يظهر في لوحة الملك نعرمر وصلايات ملوك الأسرتين الأولى والثانية مثل الملك "واجت" والملك "دن". وفي عصر الأسرة الخامسة ظهرت كتابة النصائح والحكم مثل نصائح "بتاح حتب" كما ظهرت نصوص الأهرام مثل نقوش هرم الملك "أوناس" آخر ملوك الأسرة الخامسة، ثم ظهرت سيرة القائد "وني" في بداية عصر الأسرة السادسة(1)، مما يدل على أن الكتابة المصرية كانت تنتشر وتتطور تدريجيا.
2- أن المصريين القدماء لم يستغنوا عن الرسم والتصوير في تسجيل تاريخهم بعد اكتشاف الكتابة حتى نهاية العصر الفرعوني.
3- أن المصريين القدماء في عصر الدولة القديمة كانوا يسجلون كتاباتهم بأسلوب مختصر ولم يسهبوا في رواية تفاصيل الأحداث إلا في العصور التالية.
الهوامش
(1) سليم حسن، مصر القديمة، الجزء 17 ، مكتبة الأسرة 2000 ، ص9 .
5
حين ننظر إلى سيرة "وني" – التي تعتبر الآن أقدم سيرة ذاتية تم العثور عليها في تاريخ مصر القديمة – نرى أنه بها ترتيب خاص لرواية القصة. فالسيرة يتحدث صاحبها عن نفسه وكل أحداثها تُرْوَى بصيغة المتكلم ليُظْهِرَ صاحبها أنه هو الذي كتبها وأنه تتحدث عنه هو وليس غيره. أما عن بناء القصة فيها فهي كالتالي:
1- يبدأ كاتب السيرة بالتعريف بنفسه للقاريء. فهو يذكر اسمه والألقاب التي حملها والوظائف التي شغلها واسم الملك الذي ظهر أو ترقى في الوظائف في عهده.
2- يمهد الكاتب لرواية قصة حياته وأعماله بأن يتحدث عن بداية عمله في الوظائف الحكومية، ثم يذكر تباعًا الأعمال التي قام بها وجعلته مقربًا من الملك شيئًا فشيئًا حتى صار مفضلاً لديه.
3- يروي المؤلف الأحداث التي تمت في عهده والأعمال التي قام بها طبقًا لتاريخ حدوثها من الأقدم إلى الأحدث.
4- في نهاية كل حدث أو عمل يرويه المؤلف، يذكر باختصار رد الفعل الملك بعدما يعلم بما فعل هذا البطل.
5- يتحدث المؤلف عن كل الأعمال البطولية التي قام بها في حياته وليس عن عمل واحد، حتى لو كانت هذه الأعمال لا يوجد وحدة في الموضوع تربط بينها مما أدى إلى أن تصبح السيرة الذاتية مشتملة على العديد من القصص البطولية وليس قصة واحدة، وكل هذه القصص لا يربط بينها سوى رابط واحد فقط، هو أن بطل هذه القصص كلها رجل واحد.
6- السيرة مكتوبة على جدران مقبرة وليس على ورقة بردي، وربما يرجع السبب في ذلك إلى عدم انتشار أوراق البردي بكثرة في ذلك الوقت، وإلى رغبة المؤلف في بقاء تفاصيل القصة أكبر وقت ممكن وإلى بقائها واضحة أمام عيون كل من يدخلون المقبرة. فورقة البردي سريعة التلف بعكس الحجر.
7- تتحدث السيرة عن بطولات صاحبها فقط ولا تذكر أية بطولات لأي شخص من المعاصرين له لدرجة أن القاريء يشعر أن صاحب السيرة هو الوحيد الذي صنع البطولات في هذه الأحداث ولا أحد سواه.
8- السير الذاتية تُكْتَبُ نثْرًا لكن بعضها يتخلل أحداثه أبيات من الشعر يؤلفها صاحب الملحمة حين يعبر عن فخره الشديد بشيء أو حدث أو شخص أو عمل بطولي معين.
لم تكن سيرة "وني" هي السيرة الذاتية الوحيدة التي عُثِر عليها في تاريخ مصر القديمة، بل ظهر بعدها العديد من السير الذاتية التي وصل بعضها إلى مستوى الملحمة، وظل المصريون القدماء يكتبون سيرهم الذاتية حتى نهاية العصر الفرعوني. ويبدو أن العناصر الموجودة في بناء القصة في سيرة "وني" كانت هي
6
القواعد التي اتبعها كل المصريين القدماء في كتابة السير الذاتية. إذ ما من سيرة ذاتية في مصر القديمة تخلو من هذه العناصر، غير أن أسلوب الكتابة في كل سيرة
يختلف عن السير الأخرى تبعا للأسلوب الأدبي لكاتب السيرة وللغة الكتابة في عصره.
وقد شهدت السيرة الذاتية بعد ذلك تطورا ملحوظًا عن سيرة "وني". فسيرة "وني" تتحدث عن حياة قائد مصري، لكن ظهر فيما بعد سير ذاتية تتحدث عن الملوك أنفسهم مثل سيرة الملك "تحتمس الثالث"، وسيرة الملك "بيعنخي" على جبل برقل. كذلك كانت سيرة "وني" تروي القصة بإيجاز دون إسهاب في التفاصيل لكن السير اللاحقة صارت تسهب في تفاصيل أحداث القصة مثل سيرة القائد المصري "أحمس بن أبانا" حين تحدث عن حصار "أواريس"(1)، وسيرة الملك "تحتمس الثالث" حين تحدثت عن معركة مجدو، وسيرة القائد "أمنمحاب" حين تحدث عن قتاله مع الملك "تحتمس الثالث"(2). كذلك اختلفت السيرة الذاتية للملك عن السيرة الذاتية للفرد العادي في بعض النقاط الهامة منها :
1- أن كل أحداث سيرة الفرد العادي تُرْوَى بصيغة المتكلم مثل سيرة "وني" وقصة "سنوهي"، أما أحداث سيرة الملك فإما أن تُرْوَى كلها في صيغة الغائب مثل قصة "بيعنخي" أو يُرْوَى بعض أحداثها بصيغة الغائب والبعض الآخر بصيغة المتكلم مثل سيرة "تحتمس الثالث" على جدران معبد الكرنك. ومعظم سير الملوك تسير كل أحداثها أو معظمها في سيرة الغائب.
2- سيرة الفرد العادي لا تقدم مدحًا لبطل القصة بل تقتصر على إيضاح بطولاته وتقدم مدحًا قصيرًا للملك، أما سيرة الملك فإنها تسهب في مدح الملك بشكل كبير جدا.
من خلال كل ما سبق يتضح لنا أن محاولات كتابة السير الذاتية بدأت منذ بداية تاريخ مصر القديمة وأن السيرة الذاتية في مصر كان لها قواعد أساسية ظل المصريون يتبعونها طوال تاريخ مصر القديمة، كما قاموا بتطويرها شيئًا فشيئًا بعد ذلك.
الهوامش
1- Miriam Lichtheihm, Ancient Egyptian literature vol.2, p. 12
2- المرجع نفسه ، ص29 .
7
الفصل الثاني
أهمية السيرة الذاتية لدارس التاريخ القديم
للسيرة الذاتية أهمية كبيرة لدارس التاريخ المصري القديم، فمن خلالها يستطيع الدارس الاطلاع على جوانب عديدة من تاريخ وحضارة مصر القديمة مثل الناحية السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والدينية.
فمن الناحية السياسية تحدثنا السيرة الذاتية عن الوضع السياسي لمصر في تلك الفترة سواء في الداخل أو الخارج. فسيرة "وني" – مثلا – نعرف من خلالها أن بلاد السودان وليبيا كانت خاضعة لمصر، وأن هناك مشكلات خارجية كانت تهدد مصر من ناحية الشرق مما أدى إلى خروج الجيش المصري للقتال على حدود سيناء والاستيلاء على فلسطين وضمها إلى الحكم المصري(1). كما أن سيرة القائد "أحمس بن أبانا" توضح أن مصر في نهاية الأسرة السابعة عشرة وبداية الأسرة الثامنة عشرة كانت تحت الاحتلال الأجنبي وكان الجيش المصري يقاتل من أجل تحرير مصر ونجح في ذلك(2).
ومن الناحية الاقتصادية توضح السيرة الذاتية سواء للملك أو لضابط في الجيش أو لموظف مدني الحالة الاقتصادية التي كانت تسود البلاد في ذلك الوقت. فسيرة "وني" وسيرة "حرخوف" توضحان أن مصر في عصر الأسرة السادسة اتجهت إلى التجارة الخارجية مع البلاد الأفريقية(3)، وحوليات الملك "تحتمس الثالث" تُظْهِرُ مدى الازدهار الاقتصادي الذي تمتعت به مصر في عصر الأسرة الثامنة عشرة وهذا واضح من قائمة الغنائم التي حصل عليها "تحتمس الثالث" جراء حملاته وانتصاراته في آسيا(4).
ومن الناحية العسكرية توضح السيرة تنظيمات الجيش وأسلحته وأساليب قتاله وحالته بين جيوش العالم خاصة إذا كانت السيرة تتحدث عن ضابط مصري أو ملك مصري خاض قتالاً ضد أعدائه. فسيرة "وني" تذكر أن القائد وني أدخل تطويرات في الجيش المصري مثل ضم جنود من السودان وليبيا إلى صفوف الجيش(5).
الهوامش:
1- المرجع نفسه، الجزء الأول ، ص 18 .
2- المرجع نفسه ، الجزء الثاني، ص12 .
3- المرجع نفسه ، الجزء الأول ، ص23 .
4- المرجع نفسه ، الجزء الثاني، ص29 .
5- سليم حسن، مصر القديمة، الجزء الأول، مكتبة الأسرة 2000، ص276 .
8
ومن الناحية الاجتماعية توضح السيرة وضع الطبقات الاجتماعية في مصر القديمة والعلاقة بين الطبقات وبعضها. فمثلا يقول "أحمس بن أبانا" في سيرته أنه كان جنديًا في الأسطول المصري أثناء قتال الملك "أحمس الأول" ضد الهكسوس في أواريس وحين أظهر شجاعة وأحرز عددا من البطولات ظل يترقى في الوظيفة العسكرية حتى صار ضابطًا في الأسطول المصري(1)، مما يوضح أن الترقيات والوصول إلى المناصب في الجيش المصري وقتئذ كان مفتوحًا للجميع بشرط إبداء الشجاعة والكفاءة في القتال.
أما من الناحية الدينية، فإن حديث صاحب السيرة عن معبود معين سواء بالمدح أو الذم يوضح مكانة هذا المعبود لدى المصريين، وإذا كان هناك معبودات أجنبية دخلت مصر أو أن هناك معبودات مصرية عُبِدَتْ خارج مصر. وخير مثال على ذلك، قصة رحلة "ونأمون" إلى لبنان لإحضار خشب الأرز وما يذكره عن انتشار عبادة آمون في لبنان في ذلك الوقت(2).
من خلال ما سبق يتضح لنا بما لا يدع مجالا للشك قيمة وأهمية السير الذاتية في معرفة جوانب عديدة من حضارة وتاريخ مصر وقت تأليف السيرة والعصر الذي عاش فيه صاحبها، وهناك من أصحاب هذه السير أناس لا نعرف شيئًا عن تاريخهم إلا ما ذكروه بأنفسهم في سيرهم الذاتية مثل القائد "وني" في عصر الأسرة السادسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.