حالة من الغموض والارتباك سيطرت على الجماعة الصحفية والإعلاميين على مدى الأيام الثلاثة الماضية، بدأت باستدعاء الصحفي، ذي الخلفية الحقوقية، حسام بهجت، يوم الأحد الماضي من قِبل المخابرات الحربية والتحقيق معه وإصدار قرار من النيابة العسكرية باحتجازه أربعة أيام بتهمة "نشر أخبار كاذبة من شأنها إلحاق الضرر بالصالح العام"، قبل أن يصدر قرار مفاجئ ظهر اليوم الثلاثاء بإخلاء سبيله دون تفاصيل فورية. وأثار ما تعرض له بهجت موجة من الانتقادات، من قبل منظمات دولية ومحلية من بينها الأممالمتحدة، والتي اعتبرته يتوج سلسلة من الانتهاكات والتضييق ضد الصحفيين والإعلاميين، يتوقع أن تستمر. وردت الخارجية المصرية على تلك التصريحات مؤكدةً أنها تتضمن تناولا لحالات فردية، وقفزا إلى استنتاجات وفرضيات تتعلق بممارسة حرية التعبير المكفولة لجميع المصريين بنص الدستور، على الرغم من أن أسباب التحقيق تتعلق بمخالفات واضحة وصريحة لنص قانون العقوبات المصري. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي انتقد مؤخراً الأداء الإعلامي في مصر، مؤكداً أن بعض الممارسات الإعلامية "مش لصالحنا"، وأن القطاع الإعلامي "به كوارث"، مثل قطاعات أخرى ينتقدها الإعلام. جاء ذلك بعد انتقادات لأداء الحكومة في التعامل مع الأمطار الغزيرة في الإسكندرية ومحافظات أخرى والتي أدت إلى وفيات. وقالت مدير مكتب الشرق الأوسط في منظمة "مراسلون بلا حدود"، الكسندرا الخازن "إن فضاء حرية التعبير والمعلومات لم يكن أبدا بهذا المحدودية في مصر"، مضيفة في بيان للمنظمة، أن "الصحفي الذي يجرؤ على طرح أسئلة أو بدء نقاش بشأن مواضيع ذات اهتمام عام يعتبر آليا عدوا محتملا للحكومة، وحالة بهجت ووقف مذيعة التليفزيون المصري (عزة الحناوي) نموذج جيد لهذه المشكلة"، مشيرة إلى أن عدد الصحفيين المحتجزين يدق جرس الإنذار "ولابد من وقف ملاحقة الأصوات المعارضة". انتقادات حقوقية وفي بيان مشترك، قالت 13 منظمة حقوقية مصرية إن قرار حبس حسام بهجت احتياطيا بسبب نشر مواد صحفية هو شكل من أشكال الترهيب المباشر سيكون له أثر خانق في أي صحفي يسعى إلى توسعة ولو جزئية لحدود المساحة المقيدة المتروكة للتعبير عن الرأي في مصر اليوم. ومن جانبه قال منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، شريف منصور "إن الجيش المصري أشار بالفعل إلى احتقاره لدور الإعلام المستقل بسلسلة من القبض على الصحفيين، والاعتقال الأخير محاولة واضحة لخنق الصحافة". وأضاف منصور، لأصوات مصرية، أن التحرك الأخير ضد حسام بهجت "هو استكمال واضح لخنق أي إعلام مستقل استقصائي، والجيش المصري والحكومة المدعومة منه بالفعل اتخذت موقفاً عدائياً وحاولا بكل طريقة ممكنة أن يشوها دور الإعلام المستقل منذ 30 يونيو من خلال سلسلة من الاعتقالات في صفوف الصحفيين وحملة تشهير وتخوين منظمة وتشريعات مقيدة للحريات". وأبدى منصور قلقه من القادم حتى بعد تشكيل البرلمان، قائلا إنه "لا يوجد ما يدعو للتفاؤل حول الحكومة الحالية أو وجود معارضة قوية في البرلمان القادم، لأنه يتشكل من قوى متحالفة معها"، مشيرا إلى أن الحكومة الحالية روجت في العديد من المناسبات والمنتديات لكونها أقرت مواداً تحمي الحريات وحرية الصحافة، وقالت إنها ستبني مصر جديدة تحمي حرية التعبير، لكنها لم تحترم تعهداتها ولا دستورها، ولم تظهر أي احترام في تطبيق هذه النصوص" على حد قوله. وبحسب تصنيفات لجنة حماية الصحفيين، جاءت مصر في المركز الثالث ضمن أخطر الدول على الصحفيين في عام 2013، وسادس أكثر الدول في سجن الصحفيين في 2014. وقال منصور إنه في آخر تقديرات المنظمة المعلنة هذا الصيف سجنت الحكومة المصرية عدداً من الصحفيين لم يسبق له مثيل ولم تسجله المنظمة منذ عام 1992 يقدر بحوالي 18 صحفيا سجنوا بسبب عملهم، مشيرا إلى أن المنظمة ستصدر تقريرا عن "حبس الصحفيين" الشهر القادم، ومتوقع أن تأتي مصر ضمن الدول الأكثر حبسا للصحفيين، بعد تضاعف العدد منذ العام الماضي. ويأتي ما تعرض له بهجت ضمن سلسلة من التحركات المستمرة ضد الصحفيين والإعلاميين حيث رصدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان 9 حالات حبس صحفيين خلال العام الحالي 2015. مسؤول لجنة الحريات في نقابة الصحفيين، خالد البلشي، يرى أنه يجب على الجماعة الصحفية والإعلامية الدفاع عن المهنة والتصدي للانتهاكات التي يتعرض لها الزملاء، بالإضافة إلى العمل على القوانين والتشريعات الخاصة بحرية الصحافة وتداول المعلومات، فضلا عن الالتزام بالمهنية. وتابع البلشي "الجماعة الصحفية في الفترة الأخيرة كانت أقرب للكمون الاختياري بسبب الخوف من بدائل للسلطة أو من الانتهاكات، لكن منذ 4 أو 5 شهور بدأ يظهر تحرك للدفاع عن المهنة"، مؤكدا أن النقابة لا تتوقف عن الضغط من أجل الإفراج عن كافة الصحفيين المحتجزين... سواء ببلاغات للنائب العام أو عقد مؤتمرات ووقفات احتجاجية." حالات سابقة وشهد العام الحالي ثلاث حالات تضييق على صحف مصرية، كان أولها سحب نسخ جريدة "صوت الأمة" من مراكز التوزيع وفرمها لما ورد بها من موضوعات تهاجم الرئيس الأسبق مبارك، وموضوعات أخرى تتعرض لمرض والدة الرئيس الحالي، وبعدها بعشرة أيام أعلن موقع "المصريون" عن تعطيل مؤسسة الأهرام طباعة العدد الأسبوعي من جريدة المصريون بسبب اعتراضات على مقال رئيس تحرير الجريدة، جمال سلطان بعنوان "لماذا لا يتوقف السيسي عن دور المفكر الإسلامي"، وأخيرا منع طباعة جريدة الصباح بسبب مقال عن محمد بدران رئيس حزب مستقبل وطن بعنوان "كيف تصبح طفلا للرئيس في تسع خطوات" للكاتب أحمد رفعت. وفي جريدة المصري اليوم المستقلة، قال الكاتب في الجريدة، جمال الجمل، إن قرارا صدر بوقف نشر مقالاته في الجريدة عقب القبض على مؤسس الجريدة صلاح دياب والعضو المنتدب توفيق دياب. ورد القائم بأعمال رئيس التحرير، محمد السيد صالح، على كلام الجمل في تصريحات صحفية أمس مؤكداً أن إيقاف مقالاته جاء في نطاق “نقطة نظام” تعيد من خلالها الجريدة تقييم علاقاتها بالمصادر الصحفية ومؤسسات الدولة. وأكد صالح على أن الجريدة قررت الاستغناء عن عدد من الكتاب، وأنه خلال ال24 ساعة المقبلة، ستكون هناك قرارات شبيهة بالقرار الذي حدث مع الجمل. اتحاد الإذاعة والتليفزيون شهد حالات مماثلة، ففي أبريل الماضي أصدر رئيسه عصام الأمير، قرارا بوقف المذيعة عبير الفخراني بعد اتهامها بتوجيه انتقادات لعملية "عاصفة الحزم" التي تقودها السعودية في اليمن، وتحويلها للتحقيق بدعوى أنها "تعمل ضد توجه الدولة". وفي سبتمبر الماضي أصدر الأمين قرارا بوقف مذيعة ومعدة في إذاعة شمال سيناء عن العمل في سبتمبر الماضي بعد حديثها عن سليمان خاطر وقولها إن "المخابرات المصرية قتلته". وأخيرا، أمس الأول صدر قرار بوقف المذيعة عزة الحناوي بقناة القاهرة لانتقادها أداء الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته في التعامل مع غرق عدد من المحافظات بسبب الأمطار.