مستشار/ أحمد عبده ماهر هل نظرت يوما إلى زجاج النافذة وعلمت أنه من خامات الأرض ؟؟؟، وهل تأملت فراشك ودولاب ملابسك وعلمت أنه من خامات الأرض ؟؟؟، وهل أدركت أن الحوائط وطلائها من الأرض ؟؟؟وهل تعلم أن الجميع مكلّف بأن يحدّث الله عن قولك وفعلك على مدى سنين عمرك لأنه من الأرض التي ستحدّث أخبارها عن أفعالك ؟؟. هل تيقنت أنك تعيش على جهاز تسجيل جبّار وضخم ويعلم كل اللغات وكل الحركات؟ ألم تقرأ قول ربنا تبارك وتعالى: { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا{1} وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا{2} وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا{3} يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا{4} بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا{5} يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ{6} فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ{8} } الزلزلة . وفي الحديث عن أبى هريرة رضي الله عنه قال [ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)، فقال أتدرون ما أخبارها ؟؟؟قالوا الله ورسوله أعلم قال: إن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها أن تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا قال فهذه أخبارها] رواه أحمد والترمذي والنسائي. وفي الطبراني من حديث بن لهيعة أن رسول الله قال: [ تحفظوا من الأرض فإنها أمكم وإنه ليس من أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلا وهى مخبرة] ؛ فلنا أن نتساءل أتسمع الأرض؟؟ أتتكلم الأرض ؟؟؟أتعلم الأرض ؟؟وهل تحُسّ الأرض؟ إن الله عز وجل قال: { وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ{20} وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ{21} وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ{22} فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ{23} } الذاريات 20-23 ؛ ولنا أن نسأل لماذا ارتبطت الآيات في الأرض بالآيات في النفس؟؟ والإجابة أننا نحمل كثير من الصفات الوراثية لأُمّنا (الأرض) . ولنستعرض معا خصائص الأرض التي هي في حقيقتها مخلوق حيّ له خصائص الأحياء التي سنسردها تباعا، ليعلم الناس أولا أن الله فصّل كل شئ تفصيلا ، نحن الذين لا نستطيع تجميع ما فصّله الله ، ولنعلم في المرتبة الثانية خصائص الأرض التي منها خلقنا الله وإليها نعود،وحتّى نصبح بذلك العلم والتّدبّر من الموقنين. وإليك بعض خصائص الأرض كما وردت في كتاب الله:- ------------------------------------- 1. تسمع وتتكلم: إن الله حين ذكر بسورة فُصّلت الآية رقم 11:- {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } ؛فإن هذا يعني الإيمان بأن الأرض تسمع كلام الله وإنها تتكلم وترُد ، كما وأن قوله تعالى:- {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا }الزلزلة4 ، تعني أيضاً أن الأرض تتكلم ، فسبحان من بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون ، وهو ما يعني أيضا أن الأرض تفهم وتستوعب كافة لغات الأرض ، وكان من المُتوجّب أن يوقن أهل الإسلام بتلك الحقيقة القرءانية وما سيلي ذلك من حقائق عن الأرض وذلك إذعانا لقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ }190آل عمران، لكن مكمن الأمر ليس فى آيات خلق السموات والأرض، لكن في أين هم أولى الألباب ؟؟. 2. الأرض تُسبّح: يقول تعالي: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }الإسراء44 ؛ بما يفسر حقيقة أنها تسمع ، وتتكلم ، وتسبّح ، بما يعني أنها مخلوق حيّ ، ويقول تعالى {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ }ص18 3. تُبصر وتعقل: وفي ذلك يقول تعالى:- {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }الأحزاب72 فعرض الأمانة وإشفاق الأرض على نفسها من حمل تلك الأمانة ، يعني أنها تُبصر وتعقل لأن الله قال عن الإنسان الذي حمل الأمانة { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} الأحزاب72. بما يعني أنّ الأرض أدركت عِظَم مسئولية الأمانة وهو الأمر الذي لم يستوعبه ولم يعقله الإنسان. 4. ذات عاطفة وأحاسيس: وذلك من قوله تعالى:- { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }الأعراف143 . وقوله تعالى عن الحجارة التي هي جزء من الأرض:- ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة74 ؛ مما يعنى إحساس الأرض وخشيتها، وتفجُّرها بالماء إراديّا من أجل نماء الحياة . 5. تتأثر وتتفاعل: أشفقت السماوات والأرض والجبال من حمل الأمانة, والإشفاق عاطفة محلها الفؤاد، حيث يقول كتاب لسان العرب [يرجف الفؤاد شفقاً] ، فهل أنشأ الله سبحانه وتعالى أفئدة للسماوات والأرض والجبال تالية للسمع والبصر كما أنشأها لبني آدم؟ يتحقق الجواب بالإيجاب حين تشير آيات القرآن الكريم إلى تأثر السماوات والأرض وتفاعلها مع الأحداث، حيث يقول تعالى : {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً *أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً }90&91 مريم . 6. تبكي: أتى رجل فقال يا أبا العباس أرأيت قول الله عز وجل:- {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ }الدخان29 ؛ فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال بلي وتلي الآية. وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) عن النبي قال [ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه فإذا مات فقداه وبكيا عليه] (الحافظ أبو يعلي الموصلي في مسنده). 7. تموت وتحيا: جعل الله من الماء كلّ شيئ حيّ ، وهو يُحيى الأرض بعد موتها بإنزال المطر عليها حيث يقول تعالى : { وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}البقرة164 . وتتجلى رحمة الله سبحانه وتعالى بالأرض حيث يحييها بعد موتها فيقول تعالى:- {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }الروم50 . ومثّل سبحانه وتعالى إحيائها بعد موتها بالبعث فقال: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ الروم19 . 8. تهتز وتربت وتنبت: ولي كلمة قبل أن أبدأ في تبيان هذا العنصر، هو أن اهتزاز الأرض تعارف الناس عليه في أيامنا باسم الزلزال ، لكن الحقيقة أن الاهتزاز شئ ، والزلزال شئ آخر ، وهو الأمر الذي إن وقفنا على حقيقته لتغيرت معان كثيرة في تفسيرات المفسرين عن قوله تعالى:{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}الزلزلة1. فالاهتزاز هو الحركة أو التحريك حيث يقول تعالى : {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً }مريم25 ويقال [هزّ فلانٌ رأسه] أي حرّكها ، ويقال في نشرات الأخبار [ حدثت هزّه أرضيه في منطقة كذا بقوة كذا]. فالاهتزاز هو الحركة ، أما لفظ زلزال ، فهو الأثر الناشئ عن الارتياع والخوف من تلك الحركة ، فحين تتحرك الأرض يتزلزل الناس ، فالزلزال أمر نفسي وليس مادي ، وذلك من قوله تعالى فى سورة الأحزاب : ( إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا{10} هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً{11} } ) ؛ فالزّلزال بفتح حرف الزّاي غير الزّلزال بكسر ذلك الحرف (الزاي)، وهو مثل الفرق بين قوله تعالى {الْوَسْوَاسِ} بفتح حرف الواو؛ وبين كلمة (الوسواس) بكسر الواو، وإذا كنا لن نقيم للحروف ومخارجها فرق فما الفرق بين [زلزلت الأرض] ،وبين [رجّت الأرض] ، وهو أمر سيأتي بيانه إنشاء الله في هذا المبحث. بعد أن علمنا أن الإهتزاز أمر يعني التّحرك ،وهو أحد آثار هطول الأمطار التي تُحرّك جزيئات التُّربة وذلك من قوله تعالى: { فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }الحج5 ؛ وقوله تعالى:- {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }سورة فصلت الآية 39 نخلص من ذلك أن الأرض تهتز وتربت وتنبت كنتيجة مباشرة لهطول الأمطار عليها وهى تهتز أيضا لحركة البراكين الداخلية في باطنها ، وتهتز كنتيجة مباشرة لحركة الألواح الصخرية والصفائح القارية. 9- تخاف وتتزلزل من الخوف: سبق وبيّنا أن الزّلزال هو الأثر الناشئ عن الخوف الشديد (راجع بند رقم 8 السابق) وأن الزلزال غير الاهتزاز ، وندلل على ذلك بقوله تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً }الأحزاب11 ؛ أي خافوا خوفا شديدا زلزل نفوسهم. وندلل دلالة قرءانية أخرى على أن الزلزال هو الارتياع والخوف وليس ما تعارف عليه الناس من أنه الحركة وذلك من قوله تعالى في سورة الحج : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ{1} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ{2}} . فحين يقول تعالى:- {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا }الزلزلة1 ؛ إنما يعني إذا ما خافت الأرض وارتاعت ذلك الارتياع الوحيد (زلزالها) وذلك لشعورها بأن الساعة قد حانت والقيامة قد قامت. 10- تخشع: إن لفظ خاشعة يعني يابسة لا نبات فيها ، ويعني أنها مستكينة وذلك من قوله تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }فصلت39 ؛ فالخشوع غير الهمود فاللفظ الأول عبّر عنه القرءان بقوله: - { أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} فصلت39 , واللفظ الثاني عبر عنه القرءان بقوله:- { وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً} الحج5. 11- تمور: المور هو التمدد الأفقي للأرض وسببه الخسف وفي ذلك يقول تعالى : {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ }الملك16 وهو من خصائص الأرض. 12- تميد: والميد يعني في الفعل الاهتزاز الرأسي ، ويعني عدم الاتزان ،لكن شاءت رحمته أن تتزن الأرض لكي تصلح للحياة عليها ،فيقول تعالى:- {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ }النحل15 , 10 لقمان , وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ }الأنبياء31 . ورواسي الأرض هي الجبال التي تكونت من خلال ما يُعرف علمياً باسم (الحركات التكتونية) وهى الحركات البانية للجبال التي تكونت في هيئة سلاسل انتشرت على سطح الكرة الأرضية. 13- ترجُف: وهو ما سيحدث للأرض يوم القيامة وليس الزلزال الحركي الذي يتصوره الناس ، فالارتجاف حدَثٌ يحدُث للأرض مرةً واحدة كالزلزلة حيث يقول تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ }النازعات6 ؛ والرجفة هي الاهتزاز الشديد غير المُتزن ويكون أفقيا ورأسياً ويستمر لفترة طويلة وليس لثوان معدودة ، وارتجاف الأرض يكون مع النفخة الأولى ، ونظراً لضخامة الرّجرجة ، وطول الزمن الذي ستستغرقه ، فإن الجبال ستتحول إلى رمال حيث يقول تعالى:- {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً المزمل14 ؛ يعني رملاً سائلاً (اللهم سلمّ). 14- دائمة الحركة: يقول تعالى : {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ }النمل88 ؛ وخير دليل على أن الأرض دائمة الحركة ما يعرف اليوم علمياً باسم (نظرية الصفائح القارية) التي تُحرّكها تيارات الحمل الساخنة في باطن الأرض ، حيث تتوزع معها الألواح الصخرية والصفائح القارية. لذلك فالأرض دائمة الحركة ، وليس أدل على كثرة حركتها ما اكتشفه العلماء من أن القارات كانت قطعة واحده ثم انفصلت كنتيجة مباشرة لحركة الألواح الصخرية والصفائح القارية. وحركة الأرض لا تنحصر في حركتها الداخلية لكنها – وكما هو معلوم – تدور حول نفسها وتدور حول الشمس ويسبح الجميع في حركة دائمة نحو برج الجبّار بسرعة رهيبة. 15- تزول: يقول تعالي: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }فاطر41 وللإبقاء على الأرض كان لا بد من وجود دورات طبيعية للماء والهواء والصخور لتجديد ما يزول منها ، أي أن عمليات الهدم لابد لها من عمليات بناء مضادة لها . ومن أمثلة دورات الهدم والبناء التي عرفها الإنسان في تتابع إعجازي بالأرض ما يلي :: دورة الهواء في الطبيعة: الأكسجين – ثاني أكسيد الكربون – حركة كتل الهواء الساخن والبارد – حركة الرياح. دورة الماء في الطبيعة: التبخر – تكوُّن السحاب – سقوط الأمطار – تكوُّن الأنهار والبحار – المياه الجوفية . دورة الصخور في الطبيعة: نارية – رسوبية – متحولة . الدورة الجيولوجية البانية للجبال: التعرية – أحواض الترسيب – الترسيب – التحول – بناء الجبال – التعرية. 16- تبلع وتأكل: بعد طوفان نوح (عليه السلام) أُمرت الأرض بابتلاع الماء حيث يقول تعالي : {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }هود44 ؛ بهذا تتأكد قدرة الأرض على السمع ، فقد بلعت الأرض الماء بعد سماع القول وهو أمر من الله سبحانه وتعالى. ويبقى الإنسان حائراً عاجزاً أمام هذه المعجزة الإلهية فأين ذهب كل هذا الماء الذي ابتلعته الأرض ؟ وكيف بلعته الأرض ؟ وهل بالأرض جهاز هضمي؟. أمّا عن أنها تأكل فإليك الحديث التالي : عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله قال :" كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب , منه خلق , وفيه يركب" ؛ (المنتقى شرح موطأ مالك) ، فهي تأكل جسد بني آدم إلا عجب الذنب، كما تأكل رفات الحيوانات وغيرها ...وإن كنت أنا أتصور بأنها تأكله كله. 17- مذللة: ذلل الله الأرض للإنسان فيستطيع الإنسان الانتصار على قساوة الطبيعة الأرضية حيث يمكنه استصلاح الصحراء لتنبت ، ويمكنه استخراج الزجاج من رمالها ، ويمكن استخراج الحديد من باطنها ، واستخراج الكهرباء من شلالاتها ، والزراعة من مائها.......الخ ، ولقد عبّر القرءان عن تلك الحقيقة في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }الملك15 . وبعد فقد كان هذا حصيلة مجالستي مع الأستاذ الدكتور/محمد جلال الإبياري أستاذ الطبيعة الأرضية بجامعة حلوان، ونأمل أن أكون قد نقلت لكم بأمانة ما يسعدكم عن الأرض وطبيعتها بالقرءان مما لا يقوى عليه السادة الفقهاء، وأرى بأننا نحتاج لامتصاص رحيق جميع أساتذة العلوم الحياتية المختلفة ومنظورهم ونظراتهم الإيمانية فسوف نخرج بتدبر له إشراق أعظم بكثير من إشراقات الفكر القديم. -------------------- مستشار/ أحمد عبده ماهر محام بالنقض ومحكم دولي وباحث إسلامي