ظهر مصطلح " الربيع العربي " عقب التغيرات التي لفحت بالمنطقة العربية في اواخر العام 2010 والتي كانت بدايتها في تونس وأول من اطلق هذا المصطلح هم كبار صناع القرار السياسي في الولاياتالمتحدةالأمريكية, وحسب بعض المراجع التاريخية - التي اشك في دقتها - يعود اصل المصطلح الى القرن التاسع عشر حيث كان يطلق مصطلح الربيع على الثورات الاوروبية في تلك الحقبة, ولان الفكر السياسي العربي لا زال قاصرا وحتى الان يستورد مُصطلحاته من الفكر السياسي الغربي لا عجب في انتشار هذا المصطلح وتداوله على ألسنة الجماهير العربية ووسائل إعلامهم, من هنا جاءت فكرة البحث عن اشكالية المُصطلح وعليه فان كل المُصطلحات التي اطلقت على الاحداث التي شهدتها بعض الدول العربية في السنوات القليلة الماضية سواء ثورات او احتجاجات او انتفاضات او تغيرات يمكن استيعابها إلا من مُصطلح " الربيع العربي " . بالبحث في معاجمنا العربية نجد ان الربيع بأبسط معانيه يحمل العديد من المعاني المفعمة بالتفاؤل والحياة فعلى سبيل المثال يُستدل به على النمو والتفتح والإزهار وغيرها من المعاني والدلالات اللغوية التي تسير بنا نحو الحياة والرخاء, وبالعودة الى واقعنا العربي نجد انه من المؤسف ان كل هذه المعاني لا تنطبق بصورة او بأخرى على ما جرى ويجري في عالمنا العربي حاليا, وإذا اسقطنا ما نحن فيه وما وصلنا اليه من تغيرات سنجد ان الواقع هو عكس ما يعنيه الربيع فهل حصدنا غير الدمار والانغلاق والذويان؟, وعليه ارى ان المصطلح الانسب لوصف ما جرى هو مصطلح " الخريف العربي ", كيف لا والخريف لا يعني سوى الموت او الانتهاء او التوقف عن النمو. لا شك ان الدورة السنوية للفصول الاربعة تشبه لحد كبير الدورة التاريخية للأمم او الدول وهذا ليس موضوعنا بالتحديد ولكن اذا اسقطنا الدلالات الفصلية المعروفة على ما جرى سنلاحظ ثبات وجهة نظرنا, لنفترض مثلا ان الشعوب العربية هي النباتات وان الانظمة العربية هي اوراقها فهل سمعتم عن اوراق تتساقط في فصل الربيع ؟ ام ان سقوطها يأتي بفعل الخريف ؟. لان الخريف يعني الموت او الانتهاء او التوقف فإننا نجد الاوراق " الانظمة العربية " او بعضها قد سقط كما اننا نجد ان النباتات " الشعوب العربية " قد توقفت عن نموها وهذا من غير المنطقي ان يحصل في فصل الربيع الذي يعني عودة الحياة والإزهار والنمو. الشعوب العربية اليوم تمر في خريفها والوقت مبكر جدا للحديث عن الربيع المرتقب ناهيك عن ان الربيع تسبقه حلقة ضائعة عن اذهاننا وهي فصل الشتاء الذي يحمل مقومات الربيع وبدونه لا ربيع قادم إلينا ففي الشتاء تُدفع الاثمان وتتحمل الارض قسوتها في صيرورتها نحو الربيع, وقد يأتي عاما اجدبا لا تسقط امطاره فتتعثر خُطى الربيع من الناحية الانتاجية فلا يزهر ولا ينمو مع اكتمال دورته من الناحية الزمنية. وبعض الشعوب العربية اليوم تمر في شتاءها القارص وهي في مرحلة دفع الاثمان والوقت لا زال مُبكرا لكي نحكم ان كان شتاءها ممطرا أي ثمنها الذي يُدفع ايجابيا ام شتاءها اجدبا أي ان الاثمان التي تدفعها لا تمكنها من الولوج الى ربيعها المرتقب . خلاصة القول ان ما مرت به الشعوب العربية سابقا هو " الخريف العربي " حيث تساقطت بعض الاوراق وتوقفت النباتات عن النمو والعطاء وما تمر فيه الان هو الشتاء العربي حيث لا يمكننا الجزم مُسبقا بما يأتي به هذا الشتاء القارص وعليه فالربيع العربي لا زال امامنا ولا نعرف على أي حال سيأتينا. في النماذج المصرية والليبية واليمنية والسورية يبدو ان الشتاء اجدب وقاتل وشاق وطويل والربيع المرتقب بعيد المنال اما في النموذج التونسي فيبدو ان الشتاء كان رحيما حيث هناك ملامح النمو والحياة بدأت تلوح في الافق وتشعرنا بنوع من الدفء والاطمئنان. وأخيرا قد يتساءل احدهم عن تلك النباتات التي لا تتساقط اوراقها في الخريف ! اقول لهم ان هناك على كوكبنا كثيرا من النباتات الضارة والغير مثمرة والتي لا تنطبق عليها بعض نواميس الكون, وحتما نهاية هذه النباتات هي الاندثار والتلاشي ....... تلك هي اذن شعوب " السرو " حيث لا ثمار ولا ظلال.