لم تنشغل المنطقة اعلاميا وسياسيا بملف كما انشغلت بالملف الأيراني والمفاوضات الإيرانية الغربية والتي تمخض عنها اتفاق وصفه المفاوضون بأنه اتفاق تاريخي ، وسارع السياسيون في الدول المعنية بالتغزل والمدح لهذا الاتفاق الذي جاء نتيجة مفاوضات شاقة استمرت سنوات وما كان في الجلسات السرية اكثر بكثير من الذي اعلن عنه للصحافة . وكانت تسمية الاتفاق باتفاق الرابح رابح هي تسمية متفق عليها حيث اعتبرت ايران انها حققت ما تريد اما مجموعه الخمسة زائدا واحد بررت التوقيع بأن ما تم التوصل اليه هو افضل ما يمكن ووصفته الاوساط الغربية بأنه تاريخي بامتياز وسوف يجنب المنطقة ما لا تحمد عقباه . فهل بالفعل هذا الاتفاق هو اتفاق الرابح رابح ؟؟ وبالعاده مهما كانت الاتفاقيات منصفه لا بد من وجود خاسر ما او تنازل عن امر هنا او هناك . من خلال المتابعة للشروط الايرانية التي سبقت التوقيع نجد ان المفاوض الايراني لم يتنازل عن اي شيء صرح به بالعلن وان الايرانيين اعتبروا العقوبات الاقتصادية هي ظلم للشعب الايراني رغم تأقلم الايرانيين مع هذه العقوبات بل تجاوزوها لحد ايجاد البدائل على كافة المستويات الاقتصادية .فالايرانيون ورغم العقوبات طوروا صناعتهم العسكرية كما طوروا الصناعات الثقيله وكانوا يديرون اقتصادهم بشكل وفر لحد كبير الحياة المقبولة للشعب الايراني ولم تمنعهم العقوبات من القيام بالمناورات العسكرية الكبرى وتقديم انواع جديده من السلاح الايراني او المطور ايرانيا . اما الغرب الذي دائما ما يلعب لعبة العقوبات ويقوم بتجميد الارصده ومنع البيع وتقييد الحركة التجارية كان خاسر لسوق كبير مثل السوق الايراني وبقي يترك نوافذ للتداول وخصوصا في مجال النفط وذلك حرصا منه على ابقاء التواصل وحفاظا على مصلحة بالدرجة الاولى . واليوم وما ان اعلن الاتفاق حتى تحول مطار طهران لقبلة الاقتصاديين الغربيين فذهب الالمان بوفد كبير من رجال الاعمال وحجز الفرنسوين مقعدهم وبالتاكيد ستبقى الوفود الاقتصادية تبحث عن حصتها في الكعكه الايرانية فالمشاريع القادمة كثيره والاحلام كبيره لدى اصحاب رأس المال في نيل حصتهم من هذا الاتفاق لبلد يتمتع ببنية تحتية ولدية الخبرات الكافيه وليه الاهم الاموال العائده من المصارف الغربية . وبالتاكيد هناك نتائج كثيره لهذا الاتفاق الذي على ما يبدوا يستحق ان يسمى اتفاق تاريخي واتفاق الرابح رابح .. فمن الخاسر هنا ؟؟ منذ الثورة الايرانية انقلب اصدقاء ايران الشاه عليها من العرب وكانت حرب السنوات الثمانية بين ايرانوالعراق واسطف العرب حول العراق في حينها عدا سورية التي وجدت بتلك الحرب عبث لا طائل منه وانه كان من الممكن تجاوز نقطة الاصطدام العسكري وبالتأكيد استنزفت تلك الحرب العرب ماديا وبشريا ونتيجتها كانت خراب ودمار العراق وترهل الاقتصاد العربي الداعم للحرب وفشل في تغيير الجغرافيا على الارض ، ومازال العرب الى اليوم في حالة عداء معلن مع ايران مستفيدين من دعم الغرب لهم في ذلك الغرب الذي وقع الاتفاق مع ايران وافراج لها عن اموالها ووضعها رغما عنه في مصاف الدول الكبرى . حتى مصر البعيده جغرافيا عن ايران اتخذت موقفا معاديا منها لا اعتقد انها مستفيده منه على المدى البعيد وخصوصا بعد انقلاب تركيا على مصر . فالخاسرون من هذا الاتفاق هم جيران ايران الاولى بصداقتها وكسبها واذابة جليد العلاقات معها خصوصا ان ايران بلد مجاور ولا يمكن تجاهله او تجاوزه فهناك مياه مشتركه واتصال بري بحدود طويله . ورغم دفع العرب اموالهم في محاربة حلفاء ايران بحجة الوصول لايران الا ان النتائج على الارض تثبت انهم لم يدمروا الا انفسهم ولم يستفيدوا شيء من تلك الاموال التي يعجزالبسطاء من الناس مثلي عن لفظها او كتابتها لان الرقم المدفوع فقط في الحرب على سورية يكفي لاطعام سكان الارض لخمس سنوات قادمة . والعدوان على اليمن اكمل لوحة الخسائر المادية والبشرية وما سينتج عنه الاتفاق اليراني الغربي لم تكتما صورة بعد فخطوة التوقيع هي الخطوه الاولى وسيتبعها خطوات كثيره للتطبيع وتبادل المنفعة ، وسيبقى العرب ينتظرون ان تحدث معجزة ما تلغي الاتفاق وفي لغة الارقام لو راكم العرب الاموال التي دفعت في محاربة ايران واستثمرت نفس الاموال في التطوير الصناعي والبشري والعلمي لما كان العرب اليوم بحاجة الى انتظار توقيع او عدم توقيع اتفاق وكان لهم رأي في القضايا العالمية الكبرى . وحتى اللحظة لم يستفد العرب من دروس الماضي وان الغرب يترك دائما مسافة له للاستدارة وتغيير العلاقات بينما العرب لا يجيدون هذه السياسة الا فيما بينهم فقط . واليوم بحساب القوة والقوة المضاده يحتاج العرب لعقود حتى يصلوا للتوازن مع ايران فأين ستكون ايران بعد هذه العقود ؟؟ وكان الاوجب على الجامعة العربية ان تدعي الى اجتماع طارئ تقرر فيه فتح صفحة جديده مع الجار الايراني وتسوية الخلافات المزعومة (( مذهبيا)) وايجاد صيغة تعاون مشترك اذا ما تم سيكون له اكبر الاثر الايجابي على شعوب المنطقة بل على العالم فالتغريد في سرب ما يسمى اسرائيل لن يغير شيء من الواقع الجديد بأن ايران في نادي الكبار وان مسألة الحرب معها هي مسأله عقيمة لا نتيجة ترجى منها . فإذا لا بد من خاسر في اتفاق والخاسر اليوم هم العرب كل العرب الذين انشغلوا في حروبهم ودعم بعضهم للارهاب رغم ان كل التقرير الامنية تتحدث عن تمدد هذا الارهاب حتى في الدول التي تدعمه واول الغيث قطره فهذه تركيا اليوم اصيبت به وهي من اكبر الداعمين له والاردن في حالى استنفار امني وتحدثت صحف خليجية عن احباط محاولات ارهابية كادت ان تحدث في المللكه السعوديه . وهذا الطبيعي بغياب التنسيق الامني العربي وتغييب المصلحة المشتركة بين الدول العربية على حساب مصالح تكاد تصل للفردية وليست للدوله .