بداية من الشهر المقبل.. تفاصيل سفر 5 آلاف عامل مصري إلى اليونان    بايدن: سيكون هناك وقف لإطلاق النار غدا إذا أطلقت حماس سراح الرهائن    أخبار الأهلي: كولر: نستحق الفوز على البلدية.. والجماهير اللاعب رقم 12 ‏    رئيس حزب العدل ل قصواء الخلالي: مصر وقفت ضد تصفية القضية الفلسطينية من أول يوم    تامر حسني يغني حلو المكان في حفل زفاف ابنة مصطفى كامل (فيديو)    إعلام الأزهر تعرض تجربتها خلال القمة العالمية للقيادات الشبابية    الأرصاد: أمطار ورياح مثيرة للرمال غدًا    بسبب قيام الجار باعمال هدم.. انهيار عقار مكون من 3 طوابق في المنيا    خلال تدشين كنيسة الرحاب.. البابا تواضروس يكرم هشام طلعت مصطفى    متحدث الوزراء يكشف الموعد المتوقع بدء تشغيل أول خطوط مصانع إنتاج السيارات    "الصحفيين" ترفض قرار "الأوقاف" بمنع تصوير الجنازات.. وتؤكد: مخالف للدستور    «الخيانة وفقد الشغف».. 5 أسباب لفشل الحب على طريقة بسمة وتامر في البدايات (تقرير)    رئيس جامعة طنطا يهنىء عميد كلية الطب لاختياره طبيبا مثاليا من نقابة الأطباء    فلسطين: القمة العربية ستدعو لتمويل خطة الاستجابة للتصدى للتداعيات على غزة    أسامة كمال: نتنياهو فقد شعبيته في إسرائيل    وفد من وزارة البيئة والبنك الدولي يزور محطات الرصد اللحظي لجودة الهواء    كيف يعالج خبراء البنك الدولي الانبعاثات بتغيير أساليب الإنتاج الزراعي والغذائي    3 مصريين يتأهلون لدور ال16 ببطولة العالم للاسكواش بالقاهرة    إعلام إسرائيلي: أهالى 600 جندي يعارضون استكمال عملية رفح الفلسطينية    هدى الإتربى عن مسلسلها مع حنان مطاوع: انتهينا من تصوير أغلب المشاهد    نشطاء يحاولون تشويه لوحة "الحرية تقود الشعب" ل يوجين ديلاكروا    وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنازات داخل وخارج المساجد    وزير النقل: تشغيل التاكسى الكهربائى الأربعاء المقبل بالعاصمة الإدارية    "صحة أسوان" تنظم قافلة طبية مجانية بقريتى العتمور ودابود    آفة طلابنا "النسيان".. 10 أخطاء يرتكبونها تقلل تركيزهم.. وأسباب نسيان المعلومات فى ليلة الامتحان.. ونصائح فعالة تخلى المعلومة تثبت فى دماغهم.. وقائمة يقدمها الأطباء بأكلات ومشروبات للتذكر والتخلص من التشتت    تيسيرًا على الوافدين.. «الإسكندرية الأزهرية» تستحدث نظام الاستمارة الإلكترونية للطلاب    سر الأهلي.. هل ينهي الزمالك خطيئة جوميز مع جروس؟    وزير الشباب: إنشاء حمام سباحة وملعب كرة قدم بمدينة الألعاب الرياضية بجامعة سوهاج    رمضان عبد المعز: لن يهلك مع الدعاء أحد والله لا يتخلى عن عباده    أوكرانيا تحبط هجمات روسية جديدة على الحدود في منطقة خاركيف    الرقابة الإدارية تستقبل وفد مفتشية الحكومة الفيتنامية    وكيل صحة الشرقية يتفقد مستشفى العزازي للصحة النفسية وعلاج الإدمان    سلوفينيا: ممتنون لمصر لمساعدة مواطنينا في غزة على العودة    ملك حمزة لاعبة منتخب الجمباز تتأهل لأولمبياد باريس    كنيسة يسوع الملك الأسقفية بالرأس السوداء تحتفل بتخرج متدربين حرفيين جدد    إصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة محملة بطيخ بقنا    عمرو الورداني للأزواج: "قول كلام حلو لزوجتك زى اللى بتقوله برة"    إحالة أوراق طالب هتك عرض طفلة للمفتي    رئيس"المهندسين" بالإسكندرية يشارك في افتتاح الملتقى الهندسي للأعمال والوظائف لعام 2024    إلغاء جميع قرارات تعيين مساعدين لرئيس حزب الوفد    أخبار الأهلي : طلبات مفاجئه للشيبي للتنازل عن قضية الشحات    آخرها هجوم على الاونروا بالقدس.. حرب الاحتلال على منظمات الإغاثة بفلسطين    نقيب الأطباء يشكر السيسي لرعايته حفل يوم الطبيب: وجه بتحسين أحوال الأطباء عدة مرات    السعودية تطور نظام التبريد بالحرم المكي والنبوي لتصل ل6 آلاف طن تبريد    «الأرصاد» تكشف حقيقة وصول عاصفة بورسعيد الرملية إلى سماء القاهرة    جامعة القاهرة تستضيف وزير الأوقاف لمناقشة رسالة ماجستير حول دور الوقف في القدس    بعد ثبوت هلال ذي القعدة.. موعد بداية أطول إجازة للموظفين بمناسبة عيد الأضحى    العثور على جثة سيدة مجهولة مفصولة الرأس بمحطة الفشن ببني سويف    قروض للشباب والموظفين وأصحاب المعاشات بدون فوائد.. اعرف التفاصيل    للتوفير في الميزانية، أرخص وجبتين يمكنك تحضيرهم للغداء    منها المهددة بالانقراض.. تفاصيل اليوم العالمي للطيور المهاجرة للبيئة    المشاركة ضرورية.. النني يحلم بتجنب سيناريو صلاح مع تشيلسي للتتويج بالبريميرليج    مباشر مباراة المنصورة وسبورتنج لحسم الترقي إلى الدوري الممتاز    ما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟ الإفتاء تُجيب    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك    وسائل إعلام فلسطينية: إطلاق وابل من القنابل الضوئية في أجواء منطقتي خربة العدس وحي النصر شمالي رفح    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انا و الحياة
نشر في شباب مصر يوم 04 - 07 - 2015


د . مصطفى خميس السيد
يولد الإنسان مسيرآ لا شك ، لم يختر أبويه أو دينه أو محيطه الاجتماعى والثقافى . يرى فى البداية أنها دنيته الطبيعية و أنه محظوظ و أن إرادة السماء اختارته هو دون باقى البشر للنعيم الأبدى حتى لو عانى فى الدنيا .. هكذا أخبره المقربون من ذوى الخبرة ، لكنه يدرك تدريجيآ أنها قيود أو محددات لمرتبته الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية فى المجتمع ، قد تساعده الظروف على التمرد أو الاختبار أو التحليق مرتفعآ فوق ضوابط مجتمعية لم يخترها ، و قد لا تساعده فيستسلم أو حتى يقرر أن يكون هو نفسه أحد كهنة المعبد ، معبد طقوس و تقاليد و محددات حياته الضيقة و الواسعة أيضآ . فهذا كاهن معبدالدولة ، و ذاك كاهن التفسير الحصرى للتعاليم السماوية ، و ثالث هو المسئول عن تزاوج الدين بالتقاليد بالمال بالسلطة ، و رابع هو كاهن علاقات القوة و التراتبية المجتمعية ، هناك كهنة للمعابد الصغيرة و آخرون للمعابد الكبيرة و الترقى من هنا لهناك عملية معقدة و شديدة الهيراركية و تتوقف بالقطع على مقدار الطاعة والصبر و الالتزام بالطقوس و ربما بعض الذكاء بشرط أن يكون الأخير لخدمة المعبد لا للتمرد على طقوسه .
السطور السابقة تمثل رؤيتى المبسطة للحياة فى ثلاثون عامآ مرت على وجودى فى هذه الدنيا و لا أعلم إن كان نصيبى فى الحياة أنا أرى مثلها فى المستقبل . كنت من المحظوظين الذين ساعدتهم الحياة على التمرد ، على التحليق مرتفعآ عن القيود ، على أخذ فرصة للخروج من العالم الضيق بكهنته المخلصين للسلطوية نحو العالم الأرحب . فى هذا العالم هناك كهنة أيضآ لكنهم لا يسيطرون ، بل و يتعرضون لمنافسة شرسة و إزاحة من مجموع طاقات بشرية فجرها العلم و الثورات التكنولوجية فحولت البشر إلى سادة حقيقيين لأنفسم وسخرت موارد المجتمع و طاقاته لخدمتهم هم لا لخدمة المعابد ولا الكهنة ، بل و اضطر الأخيرون إلى الانزواء لممارسة طقوس رمزية فقط لمن أراد و ذهب بإرادته الحره فاختار من اختار و أبى من أبى .
ثلاثون عامآ أدركت فيها أنه لا قدسية لبشر ، كلنا ضعفاء ، كلنا نخبئ أكثر مما نظهر ، كلنا محدودون بخبرات و محددات شكلت وعينا واستيعابنا ، كلنا متحيزون لأفكار أو لأشخاص ، كلنا ضعفاء نحو من نحب ، كلنا ندين بالفضل المادى أو المعنوى لآخرين فيهم من يطالبنا برد الجميل حتى لو كان ضد مبادئنا فنضطر مجاملين أو نتمرد و ندفع الثمن ، و منهم من يتركنا طلقاء فتظل ذكراه فى قلوبنا إلى الأبد . لا أعلم كم من الحماقات ارتكبت ، و لا كم من المخجلات فعلت ، و لو قمت بعدها لكرهت نفسى ، و لكنى أهدئ من روعى فأقول لنفسى إنى مجرد بشر زائل وهم أيضآ ، أضحك باكيآ حينما أجد أحدهم يمدحنى بشدة معددآ مزاياى مثنيآ على مثاليتى و أقول لنفسى .. مسكين .. لو علم ما فعلته منذ نصف ساعة فقط لغير رأيه قطعآ .

***
أشعر بالشفقة على بعض الشباب و هم يبحثون عن « مثل عليا » لأن المجتمع أقنعهم أنه لابد و أن يكون لهم مثل أعلى . و لم يخبرهم المجتمع قطعآ أنهم فى الواقع يبحثون عن « كاهن أعلى » لترويضهم على طقوس المعابد لتقليل فرص التمرد . تقول الحكمة « تقع المشكلة حينما تكون صورتك أكبر من مضمونك » . فأسأل نفسى فى ثلاثة عقود عشتها فى هذه الحياة كم من البشر قابلت صورته السوقية أكبر من حجمه و مهاراته الحقيقة ؟ لا أتذكر فهم كثر ، و من هنا تأتى نكسة المجتمعات المتخلفة التى تقدس بشر خاوٍ من المضمون و تنصبهم كهنة للمعبد حتى ينهار على رؤوس الجميع إلا الكهنة أنفسهم مما عودوا أنفسهم على الهرب فى التوقيت المناسب .
على عكس الأساطير المتداولة ، لا تبنى الأمم على يد الأبطال المخلصين و لكنها تبنى على يد البشر المتواضعين الذين يعرفون قدر أنفسهم و حدود مقدرتهم و يسلموا بضعفهم و نقصهم و يؤمنوا بغيرهم من البشر بلا تفضيلات طائفية أو نعرات طبقية ، معظم هؤلاء مات غير مشهور و لا محمول على الأعناق لكنهم ماتوا راضين عن أنفسهم و عن ما قدموه فى حدود قدراتهم و طاقتهم لمجتمعاتهم فنعم الراحلون هم . أما هؤلاء الذين يعتقدون القداسة و التفرد و الحكمة فلا يتذكرهم التاريخ إلا بكل سوء و سخرية من سذاجتهم المفرطة .
ثلاثون عاما أدركت فيها أن البشر نوعان ، البشر الموظف و البشر الطموح المجتهد الجاد . الأول مرتاح البال ، مجرد ضيف على هذه الأرض لكنه لا يترك أثرآ بعد الرحيل لأنه عاش مستسلمآ لكل القيود و الحواجز فأخذ قوته من الحياة و رحل . أما النوع الثانى : فهم ممن « يعمرون الأرض » بلغة القرآن الكريم ، ضيوف الأرض لا يواجهون تحديات كبرى و لا يفضلون التفكير المركب و يبحثون عن الحلول السهلة بل و قد يحصلون على مكاسب جاهزة، أما معمرو الأرض فيواجهون التحديات ويدفعون الأثمان نتيجة مواقفهم المركبة و بحثهم عن الحلول الصعبة، و لكنهم لا يزايدون بمواقفهم ، فهذه إرادتهم الحرة و خياراتهم الواعية و عليهم أن يدفعوا الثمن فى صمت ورضاء .
ثلاثون عاما تمكنت فيها من معرفة الله ، هذا الإله الذى لم أره ماديآ و لكنى أشعره بفطرتى و أنفاسى ، عرفته إلهآ أرحم و أعدل بكثير بعيدا عن كهنة الدين و محتكرى التفاسير و المتحدثين الرسميين باسمه ، خلقنى كما خلق غيرى . خلق مليارات قبلنا و سيخلق مليارات بعدنا لنتقابل و نتعارف و نتوارث و نتبادل المعارف و الخبرات اللازمة لتعمير الأرض ، لا لنعاير بعضنا البعض بمن سيدخل الجنة و من سيدخل النار . خلق الله الإنسان موهوبآ و الأخير صنع الفن و الجمال و الشعر و الأدب و الموسيقى فكيف يحرمهم الكهنة ؟ خلقنا الله و سيضمنا إليه يومآ ما و أؤمن إنه لن يحاسبنا إلا بما كسبت أيدينا فى حدود معرفتنا و طاقتنا و خبراتنا و حظوظنا فى هذه الحياة الصعبة .
***
ثلاثون عامآ أنظر إلى جسدى فأجده قد تغير و تبدلت ملامحه ، و أنظر إلى عقلى فأجده قد تطور و أصبح يرى الأمور بشكل أكثر تعقيدآ و تشابكآ . أنظر إلى مشاعرى فأجدها قد أصبحت أكثر نضجآ ، أما ذاكرتى فقد أصبحت مزدحمة بالأحداث و الأفراح كما الأطراح . لم أعد أتذكر كم صديقا أو مقربا شابآ أو كهلآ ودعته فى المقابر ، لكنى أعرف أن الموت لم يعد بعيدآ كما كنت أراه قبل زمن ، أنظر إلى أحكامى على البشر و تصرفاتهم فأجدها أصبحت أكثر مرونة و تسامحا و تفهمآ و تعاطفآ ، فأسأل نفسى من أين يأتى بعض المنتمين للأجيال الأكبر بهذه القسوة فى الحكم على البشر ؟
رحلتى فى الحياة هى رحلة تحرر ، التحرر ليس انحلالآ كما يصفه ضيقى الأفق من كهنة المعابد و أتباعهم ، و لكنه انحياز للعقل ، انحياز للانسانية ، انحياز للأرض انتظارآ و اجتهادآ و طمعآ فى عدل السماء . التحرر هو تمرد على علاقات قوة مصممة لخدمة الكهنة لا لخدمة البشر ، هو محاولة لإعمال العقل و النقد و التحليل و المقاربات و المقارنات نحو شق طريق طويل و شاق للتنمية و التقدم بعيدآ عن الدروشة والتواكل .
لا أعلم إن كانت الأقدار ستكتب لى ثلاثون عامآ أخرى فى الحياة ، و لكن أتمنى و قت الرحيل أن أكون ممن عمروا الأرض و سعوا نحو تحرير البشر و تمكينهم ، قد أنجح أو أفشل ، أحسن التصرف و التقدير أو أسيئه ، لكنى سأجتهد و سأدعوا الله ما استطعت أن يقبضنى بشرآ ناقصآ لا كاهنآ يدعى الكمال .
د / مصطفى خميس السيد
الباحث السياسى فى شئون الاحزاب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.