كان عبور المشير طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الحاكم في مصر، الشارع العام، دون حراسة، كالمعتاد، منظراً لم يكن مألوفاً للجماهير المصرية، مما قسمهم إلى فريقين، فريق ذهب إلى أن المشير شعر باطمئنان لوقوفه بجانب المواطنين أثناء ثورتهم، التي أطاحت بالرئيس المخلوع، وذهب آخر إلى أنه دعاية انتخابية صريحة لرئاسة الجمهورية. وكلا الفريقين على صواب، القائلون باطمئنانه للمواطنين، أو القائلون بإعلانه، غير المباشر، عن ترشحه لرئاسة الجمهورية، الذي يرفضه السواد الأعظم من أبناء الشعب رفضاً قاطعاً، سواء كان للمشير أو لغيره من صفوف القوات المسلحة، لأن المصريين سئموا حكم العسكر، ويريدون رئيساً مدنياً، لا يستقوي عليهم بالمؤسسة العسكرية. ولأن الجماهير المصرية، اعتادت أن ترى كل من يعتلي منصباً كبيراً، يستقل عربة مصفحة، ويسير في الشارع بموكب من الحرس، عسكريين، يرتدون الزي العسكري أو المدني، وكثيراً ما يعرقل سير المارة في الشارع، بل إنه في كثير من الأحيان يغلق الشارع نهائياً، لكي يمر سعادته، الذي كرهه الشعب وكره مجيئه ورواحه، بسبب ما يحدثه من فوضى في الشارع، حتى إنه في بعض الأحيان يجبر المواطنين على عدم الذهاب إلى مقار أعمالهم. يتداعى إلى ذهني سؤال، يعرف إجابته أبناء الشعوب الديكتاتورية، التي تحكم بقبضة من حديد: لماذا يعبر المسؤولون المصريون الشوارع في عربات مصفحة، وفي مواكب أمنية مشددة؟ وما الداعي لكل هذه المواكب التي تحمل خزانة الدولة ما لا طاقة لها به؟ وتتبادر الإجابة إلى ذهني مسرعة، عندما ذهب رسول ملك كسرى إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه وأرضاه، ليسلمه رسالة، فأخذ يبحث عن قصره، وهو في شوق جارف إلى رؤية هذا الرجل، الذي قلما يجود الزمان بمثله، واهتزت منه عروش كسرى وقيصر، فلم يجده، بل إنه لم يجد في المدينة قصراً ولا حراساً، كما كان متوقعاً، فسأل عنه، فأجابوه بأنهم لا يعرفون مكانه، ونصحوه أن يذهب ليرى النائم تحت ظل الشجرة، لعله يكون هو. فلم يصدق ما سمع. وبالفعل ذهب إليه، فإذا به عمر بن الخطاب، فوقف مشدوهاً وقال باستغراب: «حكمت.. فعدلت.. فأمنت.. فنمت يا عمر»، هذه الكلمات التي كتبت بحروف من نور على صفحات التاريخ، وصلت إلينا كابرا عن كابر، حتى إننا مازلنا إلى يومنا هذا نعلمها لأبنائنا، على الرغم من أنها قيلت منذ أكثر من 1400 عام من الزمان. فالمسؤول إذا كان عادلاً، يأمن مكر المواطنين، ويمشي بينهم بأمن واطمئنان، لأنه يعلم أنهم يحبونه، ولن يؤذوه.. أما إذا كان ظالماً، فلن يجرؤ أن يسير بينهم دون حراسة أمنية مشددة، لأنه يعلم أن كل من حوله يكرهه ويلعنه، وليس بخافياً علينا ارتداء الرئيس المصري المخلوع القميص الواقي على مدار اليوم، وعدم إقامته بالقصر الجمهوري بالقاهرة، وإقامته الدائمة في شرم الشيخ، بل إنه كان لا يجرؤ أن يمشي في الشوارع مترجلاً أو مستقلاً السيارة المصفحة، ولا يتحرك إلا بالطائرة العمودية، وفي حراسة مشددة، خوفاً من القتل كما حدث مع سالفه. عملت في دول الخليج لأكثر من 17 عاماً، ولم أر مسؤولاً، سواء كان حاكماً أو من الأسر الحاكمة، يمشي بموكب، حتى إنني كثيراً ما كنت في مقر عملي، وأفاجأ بحاكم الإمارة يأتي المؤسسة زائراً، دون أمن أو مرافقين، حتى دون علم المسؤولين فيها.. وقد ثبت لي بالفعل، أنه ذهب عدة مرات إلى الجوازات والمطار، في منتصف الليل، قائداً سيارة بنفسه، ودون حراسة، ليرى بنفسه ما يجري داخل أروقتهما، وكيفية التعامل مع المراجعين.. وأثناء تسوقي في مراكز التسوق قابلت بعض الوزراء يتنزهون، دون مرافقة أمنية، ومع كل ذلك لم أسمع أن مسؤولاً منهم، سواء كان صغيراً أو كبيراً، يرتدي قميصاً واقياً، كما في مصر. لم يأمن المسؤول مكر المواطنين إلا إذا كان عادلاً، واتقى الله في عمله، وأداه على أكمل وجه، أما إذا ظن أنه بعيد عن المساءلة القانونية، وعاث في الأرض فساداً، يمنح ما لا يملك لمن لا يستحق، فلن يستطيع أن يعيش بين الناس في أمن وأمان، ويظل مكروهاً منهم وخائفاً من بطشهم. محمد أحمد عزوز كاتب مصري