رياض عبدالله الزهراني مسلسل الدماء وتدمير المدن والأحياء ما يزال مستمراً , والنزوح الفردي والجماعي بات أمراً معتادٌ عليه , فكل شيء خارجٌ عن المألوف فصوت الرصاص حول الهدوء والسكون والأحلام إلى فوضى ودوي الانفجارات حولت الأرض لدمار وخراب ورماد هذا ما يحدث بعددٍ من البلدان العربية التي لم تخرج حتى الآن من عنق زجاجة الربيع العربي . العقل البشري العربي مركب من عدة عناصر ولعل أهم عنصر موجود به هو عنصر الانتقام والتسلط والإ كيف نفسر السلوكيات الدموية التي يحاول من يمارسها تبريرها بمبررات وهمية هلامية كاذبة خاطئة , كل الصراعات تجمعها قواسم كثيرة وإن اختلفت في جزئيات بسيطة ولعل أهم قاسم هو تصفية الطرف الأخر تصفيةً كٌلية والبحث عن مبررات وتغليفها بغلاف الدين أو الوطنية أو القومية وهذا ما يحدث بسوريا شرقاً وليبيا غرباً !. ما يحدث اليوم من تصفية دموية واصطفاف طائفي بغيض سبق وأن حدث في العصور المتأخرة جداً فقد كان الناس يصفون بعضهم بعضا جراء أفكار أو أراء أو مواقف مضادة أما في العصور الحديثة من الحقبة الأفغانية وحتى اليوم فإن عمليات التصفية قائمة وامتحان الناس في عقائدها ومذاهبها وأرائها بات أمراً مألوفاً فالتاريخ القديم يختلف عن التاريخ الحديث في الشخصيات والأدوات فقط والإ فالممارسات والنتائج واحدة قتل وتصفية وتسلط وإستبداد بإسم الإسلام تارة والقومية تارة أخرى . هناك فئات تدعم تلك الكوارث الدموية تقف مع طرف ضد أخر مبررة وقوفها بنصرة المظلوم ومقاومة الظالم غير مدركة أن كل الأطراف ظالمة فالجميع يمارس القتل ويبرره , الجميع مجرم سواءً مليشيات تدعي نصرة الإسلام أو مليشيات تدعي مقاومة الإرهاب . الربيع العربي لم يكن ترفاً فالتعددية السياسية والفكرية والعدالة والكرامة والحياة الرغيدة كانت أبرز المطالب الدنيوية , لكن هناك من حول تلك الشعارات الرائعة لحمم بركانية عبر أدلجة الشارع والقفز على حراك المجتمعات وتحريف مساره الصحيح القافزين على حراك الشعوب يتحملون المسؤولية الأكبر لما ألت إليه الأوضاع بسوريا وليبيا الدولتان المدمرتان بشكل كامل وما ألت إليه الأوضاع بمصر وتونس واليمن وإن كانت مستقرة بشكل نسبي ,القافزين حولوا حراك الشعوب الثوري الإصلاحي لحراك دموي عبر اختطافه ونشر الكراهية بصفوف المجتمع ورفع شعارات دينية حماسية لا تغني ولا تسمن من جوع فمن قفز أفراد أو جماعات وحركات كان هدفهم سياسي حتى وإن كان وقوده دماء وأشلاء وشعاراته دينية خطابية تتمثل في رفع المصاحف وترديد الإسلام هو الحل أو الحسين هو الملاذ ؟ مشكلة العقل العربي أنه لم يعي دروس الماضي فالحركيون وجماعات الإسلام السياسي " السنية أو الشيعية " دمرت أفغانستان بعد خروجها من قبضة السوفيت فتلك الجماعات تصارعت على السلطة فيما بينها فرقة ترفع شعار السلفية وأخرى ترفع شعار الوطنية وأخرى ترفع شعار محاربة الصليبيين وأخرى ترفع شعار الحسين والضحية في النهاية بلد مشتت وأنفس بريئة مخدوعة ودين وقيم أٌقحمت في صراعات سياسية ومذهبية ودينية لم ينتصر فيها أحد , تلك الجماعات والحركات عادت من جديد إلى الواجهة بأسماء وشخصيات جديدة فأنتجت الحقبة الأفغانية بصور وأشكال مختلفة , واستنسخت التجربة الصومالية بنسخة جديدة دموية , كل تلك القضايا والأحداث المدمرة لم تشجع البعض على الاستيقاظ والتخلص من الأوهام وبعض الأفكار الدموية المغلوطة بل عززت من وجودها بالعقل والخيال بعد أن تخدرت العواطف بشعارات دينية هلامية خادعة كاذبة . المشكلة ليست في الشعارات بل في إستغلالها وفرضها بالقوة على الشارع , والمشكلة أيضاً في تراكمات الماضي والجهل والعصبية والتضليل والعواطف الغير منضبطة , فالمتطرف الحقيقي هو ذلك الشخص الذي يرفض مشاركة الأخر والتعددية والتعايش وليس من يؤمن بأفكار إجتماعية متطرفة تقف ضد بعض القضايا الاجتماعية الحياتية البسيطة فالأفكار قد تتغير لكن رفض المشاركة ومقاومة أي محاولة للتقارب والتعددية وحمل السلاح للمواجهة تطرف دموي كارثي يجلب الكوارث وهذا ما نراه ببلدان الربيع العربي !. الوقوف مع طرف ضد طرف لمجرد أنه يرفع شعارات ويطبق نظريات على الأرض بالقوة المسلحة جريمة والوقوف ضد طرف لمجرد أنه يؤمن بأشياء لا تمس المجتمعات بأي ضرر ولا تنال من المشاركة جريمة أيضاً , العاقل من يقف بالمنتصف مدركاً لمجريات الأحداث وبواعثها الحقيقية , فالصراعات الحالية صراعات سياسية أٌقحم فيها الدين والمذهب والطائفة كأدوات ومن أقحمها يظن أنها ستعجل بالإنتصار دون أن يٌدرك أنها ستأكل كل شيء ولن ينتصر فيها أحداً مهما طالت المدة حتى وإن تغيرت موازين القوى والشخصيات فتلك المسلمات الدينية والطائفية والمذهبية تتحول لنيران حارقة إذا أٌقحمت في الصراعات وفٌسرت وفق الهوى والعواطف ؟. عند طرح الحلول لم يعرج أحداً على الوصفة الحقيقية لإيقاف تلك الكوارث وهي كشف الحجاب عن تلك الحركات والمليشيات الدموية المتسترة بالإسلام سواءً السنية أو الشيعية ومواجهتها بالفكر والقوة المسلحة فهي لا تقل تطرفاً عن النظام السوري أو الحكومة الغير شرعية بليبيا ولا تقل دموية عن ما جرى بحقب التاريخ الماضي , أيضاً الحلول السياسية للأزمات من أنجح الحلول فالمسألة ليست في أشخاص بل في أفكار ورؤى وهنا المعضلة الحقيقية التي يحاول البعض تجاوزها , الموقف السليم الوقوف بوجه كل الأطراف فالجميع متطرف ودموي وكل طرف يبرر تطرفه ودمويته الهمجية وبغير ذلك لن تنتهي الأزمات بل ستتعمق أكثر وأكثر إذا شجعنا طرف ضد أخر ولنا في حوادث التاريخ القديم والحديث عظة وعبرة فالوقوف مع طرف ضد أخر يعني الإشتراك في الجريمة وما يتبعها من لعنات دنيوية وأخروية فمتى يتوقف الاصطفاف الغير مٌفيد ويترك البعض التأييد الكاذب والعواطف الخادعة ويبدأ بنشر أفكار السلام والتقارب والوئام بدلاً من نشر أفكار الدمار والقتل والتخريب فلنكن دعاة تقارب نطفي الحرائق ونبني المجتمعات لا ندمر ونشعل فتائلها مثلما يفعل بعض المحسوبين على الإسلام ممن أضله الله وأضل به العباد ؟ همسة : نصرة الإسلام ونصرة المظلوم لا تكون بتأييد أطراف ضالة أو بقلب الحقائق بل تكون بوسائل فكرية معرفية وبطرق مشروعة خالية من الكذب والتدليس والخيانة , وأول خطوة للنصرة معرفة الحقائق وكشف الحجاب عن الأحداث بعين الحقيقة لا بعين العاطفة .."