تعرَّف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 11 اغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    أسعار الأسماك والبلطي اليوم الاثنين 11 أغسطس 2025    أسعار الذهب اليوم الاثنين 11 أغسطس 2025.. وعيار 24 يسجل 5280 جنيها    سعر الدولار أمام الجنيه اليوم الاثنين 11 أغسطس 2025    موعد صرف مرتبات شهر أغسطس 2025.. اعرف الجدول الجديد بعد الزيادة الأخيرة في الأجور    فجر دموي في غزة.. 10 شهداء في قصف إسرائيلي يستهدف منازل وخيام نازحين    مسئول أمريكي: تقدم ملموس نحو تسوية سياسية بين روسيا وأوكرانيا    حالة الطقس اليوم في السعودية    موعد بدء العام الدراسي في مصر للمدارس الحكومية والدولية والجامعات 2025- 2026    أسعار مواد البناء اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025    دولة واحدة دافعت عنها.. انتقادات حادة لإسرائيل خلال اجتماع مجلس الأمن    هدية قطر لترامب تثير الجدل من جديد.. شكوك حول موعد تسليم الطائرة الرئاسية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يرد على تغريدة محمد صلاح.. فماذا قال؟    خبير تسويق: القطن المصري ذهب أبيض.. وفرصة لاقتحام الأسواق الدولية    محافظ المنيا يوجه باستغلال الفصول الدراسية لمواجهة الكثافة الطلابية    حبس التيك توكر «نوجا تاتو» في اتهامها بنشر الفسق والفجور    السيطرة على حريق هائل بمحل دهانات في المنيا    لارا ترامب تتفاعل مع محمد رمضان على طريقتها    حظك اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025 وتوقعات الأبراج    6 عادات يومية تؤثر على صحة عمودك الفقري.. احذر منها    قبل موجة الحر الكبرى.. كم سعر تكييف 1.5 حصان في مصر 2025؟    فلسطين تطالب بتحرك عربى فعّال لمواجهة جرائم الاحتلال    رابط نتيجة تنسيق المرحلة الثانية 2025 لطلاب الثانوية العامة.. أحدث بيان رسمي من مكتب التنسيق    جمال العدل: الزمالك هو الحياة.. ولا نية للترشح في الانتخابات المقبلة    بعد قرار جون إدوارد.. عبدالله السعيد يتدخل لحل أزمة نجم الزمالك (تفاصيل)    «بشهر أغسطس».. مباريات قوية تنتظر صلاح مع ليفربول في الدوري الإنجليزي    إجمالى إيرادات الفيلم فى 11 ليلة.. تصدر شباك التذاكرب«28» مليون جنيه    تعرف على القائمة الكاملة لفيلم سفاح التجمع    موسمُ الرياض سعوديًّا... وعقلٌ لا يعجبه العجب!    أمين الفتوى: لا مبرر للجوء إلى الحرام.. الله قدّر أرزاق العباد قبل خلقهم (فيديو)    «حد فاهم حاجة».. الغندور يكشف مفاجأة بشأن رحيل كهربا عن الاتحاد الليبي    لدعم صحة أعصابك.. أهم مصادر فيتامين B12 الطبيعية    بروتوكول المناعة الثقافية: وكيف نحصّن هوية أمتنا؟    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    محافظ الفيوم يكرم أوائل الثانوية والأزهرية والدبلومات الفنية    هاني رمزي: ريبيرو يقلق جماهير الأهلي    برشلونة يمطر شباك كومو في كأس خوان جامبر    يحسن وظائف الكبد ويخفض الكوليسترول بالدم، فوائد عصير الدوم    هتقعد معاكي لأطول مدة.. أفضل طريقة لحفظ الورقيات في الثلاجة    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل الصحفي أنس الشريف في غارة على غزة    ياسر ريان: مصطفى شوبير رتمه بطئ والدبيس أفضل من شكري    يوسف الحسيني: اجتماع الرئيس بقيادات الهئيات الإعلامية يفتح آفاقًا جديدة للإعلام    تكريم اسم الفنان لطفي لبيب والإعلامي عمرو الليثي بمهرجان إبداع للشباب- (25 صورة)    فرصة ذهبية لطلاب الإعدادية.. تخفيض الحد الأدنى للالتحاق بالثانوي بدمياط    الإسكندرية السينمائي يطلق استفتاء جماهيري لاختيار أفضل فيلم سياسي مصري    سعر السكر والأرز والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025    الداخلية تضبط طالبا يستعرض بدراجة بخارية    قرار هام بشأن البلوجر مونلي صديق سوزي الأردنية بتهمة نشر فديوهات خادشة    السيطرة على حريق داخل مخزن مواد غذائية فى الزيتون دون إصابات.. صور    المسلماني: الرئيس لا يريد شعبًا مغيبًا وجاهلًا (فيديو)    استشهاد الصحفي أنس الشريف بقصف إسرائيلي في غزة.. هذا آخر ما كتبه على «فيسبوك»    أمين الفتوى: لا يجوز كتابة كل ما يملك الإنسان لبناته لأنه بذلك يعطل أحكام الميراث    أمين الفتوى يوضح: المال الموهوب من الأب في حياته لا يدخل في الميراث    حكم الدردشة مع صحابي بالموبايل في الحمام؟.. أمينة الفتوى تجيب    هل يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق في منزل الزوجية؟.. أمينة الفتوى تجيب    اتحاد عمال الجيزة يضع خطته للتأهيل والتدريب المهني    الشوربجي يشكر الرئيس السيسي على زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين    موعد إجازة المولد النبوى الشريف 2025 للقطاعين العام والخاص    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسلام بحيري : كتب التراث تهين النساء وتخالف القرآن الكريم
نشر في شباب مصر يوم 12 - 01 - 2015

هل تتصور ان بعض كتب الحديث والتفاسير تصور المرأة باعتبارها أقرب الى النعجة؟! وتساوى بين المرأة والكلب فى قطع صلاة الرجل، تقرأ مثلاً فى القرطبى فى (الجامع لأحكام القرآن) (15/172) يقول فى تفسيره لآية{ إِنَّ هَذَا أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً } ما نصه:«والعرب تُكنِّى عن المرأة بالنعجة والشاة؛ لما هى عليه من السكون والمعجزة وضعف الجانب. وقد يُكنَّى عنها بالبقرة والحجرة والناقة، لأن الكل مركوب».
وقد لا أجد تعبيرا أكثر رؤية وشمولية وأصدق لهجة يعبر عن عقلية أهل التراث من المفسرين والفقهاء وأهل الحديث إلا ما تفضل به علينا القرطبى, حيث يجزم فى معرض تفسيره أن المرأة يكنَّى-كناية التعبير- عنها بالنعجة والشاة لما هى عليه من السكون والمَعجَزة - العجز الشديد - وضعف الجانب, مردفاً من فيض علمه الغزير وموضحا أنه يمكن كذلك أن يكنَّى-يعبر- عن المرأة بالبقرة والحُجرة - أنثى الفرس - والناقة لأن الكل مركوب أى أن الثلاثة يركبهم الرجل, ويا هول هذه الكلمات العليلة القبيحة الفجة التى وصم بها القرطبى نصف أمة النبى المصطفى, ووصم بها أمهات المؤمنين ووصم بها أمه هو نفسه بأنهن لا يختلفن كثيرا عن البقرة وأنثى الفرس والناقة حيث الكل مركوب, والغريب أن القوم من أهل التراث كانوا يتمتعون بجرأة عجيبة قلَّما نجدها عند المعاصرين، فالرجل لا يستحى أن يكون هذا رأيه فقط، بل إنه وتأكيدا للتكبر والغلو يضع رأيه بين ثنايا تفسير القرآن العظيم, القرآن الذى نزل بروح العدل والتساوى والحرية والعزة للمؤمنين جميعا رجالا ونساءً (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون 8), ولذلك فإن كلمات القرطبى هذه إنما هى تلخيص بليغ لروح الجاهلية التى عادت فى الظهور تجاه المرأة من خلال وسم الدين بآرائهم وطبائعهم واستنطاق الأحكام الشرعية الإلهية برؤى فقهية بشرية وبروح طبقية ذكورية تحتقر المرأة من المهد إلى اللحد، وتحط من شأنها وتفسر القرآن العظيم بالهوى والعادة, ومن تلك العقليات ظهرت وانتشرت واستقرت تفسيرات ومفاهيم نقصان العقل والدين والضلع الأعوج وأصبح تحقير المرأة نوعا من الحفاظ على التقاليد من خلال هذه العقليات العصبية القبلية التى جعلت من المرأة إنسانا من الدرجة الثانية.
ولأن تاريخ تحقير النساء فى التراث الإسلامى تاريخ طويل ومركب, يمثل لوحة فسيفساء كبيرة جدا فليس أمامنا إلا تفكيك هذه الفسيفساء قولا ورأيا وحديثا وتفسيرا, وقد اخترنا للمناقشة فى هذا المقال حديثين فقط أخرجهما (مسلم) عن أسباب قطع صلاة الرجل المسلم.
الحديث الأول: أخرج (مسلم) 4/228: «حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا إسماعيل بن علية.ح قال وحدثنى زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن يونس، عن حميد بن هلال، عن عبدالله بن الصامت، عن أبى ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم يصلى، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل. فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود. قلت: يا أبا ذر! ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخى! سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتنى فقال (الكلب الأسود شيطان).
الحديث الثاني: أخرج (مسلم) فى نفس الباب 4/228: «حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا المخزومى، حدثنا عبدالواحد، حدثنا عبيد الله بن عبدالله بن الأصم، حدثنا يزيد بن الأصم, عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويقى ذلك مثل مؤخرة الرحل». والمعنى فى الحديثين قد لا يحتاج إلى شرح وهو أن الرجل إذا صلى لغير سُترة مثل مسافة أو طول مؤخرة رحله يقطع صلاته مرور الحمار والمرأة والكلب.
هنا يجب نقد متن - نص - الحديث لتعارضه مع أحاديث صحيحة صريحة، فنحن نعلم أن السنة النبوية فى أصلها هى أفعال للنبى الكريم نقلت عنه وأقوال حفظت منه، وأنه فى حال تعارَض حديثان للرسول أحدهما سنة فعلية أو تقريرية كأن يشهد قوم من الصحابة أن الرسول فعل كذا أو سكت عن فعل كذا, والحديث الآخر سنة قولية محفوظة رجحت كفة السنة الفعلية أو التقريرية على كفة السنة القولية التى يعتريها الخطأ فى الحفظ والسهو والخلط والخرف والنسيان والكذب والتدليس المتعمد والرواية بالمعنى من رواة الحديث.
الأحاديث المعارضة
1- أخرج البخارى 1/751، وأخرج مسلم نفسه4/221: «حدثنا عبدالله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة، عن عبدالله بن عباس أنه قال: أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدى بعض الصف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت فى الصف، فلم ينكر ذلك على أحد».
وهذا الحديث يؤكد فيه ابن عباس الصحابى الجليل أنه أقبل على الرسول فى جماعة يصلى بالناس وهو راكب على حمار أتان -أنثى الحمار- ورسول الله لا يتخذ جدارا ولا سترة وأنه نزل وصلى معهم, وظلت الأتان تسعى بينهم فلم ينكر عليه الرسول ذلك الفعل ولا أى من المصلين, فكيف يقر رسول الله بذلك ثم يقول عكسه.
مناقشة أقوال التراثيين فى هذا الحديث:
رغم وضوح الدليل فى كلام الصحابى الجليل ابن عباس والذى ينقض ويهدم الحديثين المرويين عن قطع الصلاة, فإن التعنت والغلو المعهود فى عدم رد أى حديث فى البخارى أو مسلم جعل الشرَّاح يلتفون حوله بأقوال واهية, فيقول (أبو زرعة العراقى) فى طرح التثريب 2/391): «حديث ابن عباس ليس صريحاً فى مخالفة حديثى (أبى ذر وأبى هريرة) لأن ابن عباس قال: (فمررت بين يدى بعض الصف) ولا يلزم منه أنَه مر بين يدى النبى، ولا الأتان التى كان عليها. والإمام سُترة للمأمومين وإن لم يكن بين يديه سترة، ولا يلزم من قوله فيه (إلى غير جدار) ألا يكون ثَم سترة».
والمعنى أن أبا زرعة يقول كلاما غاية فى العجب فيقول إن تلك الرواية ليست دليلا على مرور ابن عباس بين يدى النبى لأنه قال (فمررت بين يدى بعض الصف) ومع عدم تسليمنا بهذا فماذا عن قول ابن عباس (يصلى إلى غير جدار) فيقول أبو زرعة إن ذلك لا يتطلب تباعا ألا يكون هناك سترة من الأساس فلعل هناك سترة غير الجدار, وإذا صدقنا هذا القول فيجب أن نعترف أن ابن عباس قد قال كلاما زائدا فى الحديث ليس له معنى, لأنه لماذا يقول« إلى غير جدار» وهو يعلم أو يرى أن هناك سترة أخرى للنبى, وبالله على أى عاقل لماذا ذكر ابن عباس ذلك إلا إذا كان قاصدا المعنى المراد أنه يصلى وأمامه فراغ, ثم ماذا عن قول ابن عباس ( فلم ينكر على أحد) فلا يمكن تخيل أن ابن عباس يحكى قصة للأطفال, بل يقول ذلك عامدا أن يخبرنا معنى واضحا أقرَّه النبى وإلا لو أن ابن عباس يعلم أن الإمام سترة للمأمومين وأن الحمار لم يمر بين يدى النبى إذن لماذا يحكى ابن عباس الحديث من الأصل, وما وجه الاستدلال فى الرواية فهل يحكيها على سبيل الفكاهة مثلا ولماذا ختم قوله بجملة (فلم ينكر على أحد) إذا كان يعلم أن ما فعله لا يستدعى أصلا أن ينكر عليه أحد, فهل ابن عباس لم يكن يعلم أن هذا الذى فعله لا يستحق الإنكار وأبوزرعة وأهل التراث هم الذين يعلمون.
2- أخرج البخارى 1/773، ومسلم 4/229: «عن عائشة: ذكر عندها ما يقطع الصلاة، الكلب والحمار والمرأة، فقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب، والله لقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يصلى، وإنى على السرير، بينه وبين القبلة مضجعة، فتبدو لى الحاجة، فأكره أن أجلس، فأوذى النبى صلى الله عليه وسلم، فأنسل من عند رجليه..
وقد كرر البخارى الحديث مرات عدة فى الشواهد والمتابعات, والمعنى الواضح الصريح أن ما ذكر من قطع المرأة والحمار والكلب للصلاة قد تداول على ألسنة بعض التابعين حتى وصل لأسماع أم المؤمنين عائشة وهى الفقيهة التى عاشت الإسلام من خلال التطبيق العملى السهل المرن فى بيت النبوة, وهى النبيهة الذكية الفطنة وهى معلمة الصحابة, فقالت بذكائها وعلمها وقراءتها للمستقبل الذى لاحت فى أفقه بعد وفاة النبى بوادر وشواهد عودة الجاهلية تجاه المرأة, فقالت غاضبة ومنكرة وحازمة (شبهتمونا بالحمر والكلاب) وهى بذلك قد أخرجت المعنى والسياق من سياق مصطنع للحديث يمثل شرطا تعبديا للصلاة إلى السياق الحقيقى وهو إذلال المرأة وتحقيرها ويالها من فطنة حقيقية لأم المؤمنين- ثم أقسمت بالله صادقة وقالت (والله لقد رأيت النبى يصلى، وإنى على السرير، بينه وبين القبلة مضجعة، فتبدو لى الحاجة، فأكره أن أجلس، فأوذى النبى، فأنسل-أخرج- من عند رجليه) والمفهوم والمعقول أن هذا الحدث ربما يتكرر يوميا فى حياة الأزواج أى أن الرسول الكريم قد توفى وهو لا ينكر أن تكون أم المؤمنين الحبيبة والزوجة معترضة وقاطعة فيما بينه وبين القبلة من غير وجود سترة ولا شىء, فماذا قال التراثيون تفسيرا لهذا الحديث الذى ينقض صراحة حديثى (مسلم).
مناقشة أقوال التراثيين فى هذا الحديث
وقد أبدع التراثيون وتوسعوا فى مدى التعنت والجرأة والالتفاف على معنى هذا الحديث الواضح كالشمس, والذى قالته أم المؤمنين قاصدة رد الرواية المكذوبة على النبي, وقد تفرقوا على ثلاثة أقوال كلهم يسعى بأى سبيل لتصحيح الحديثين فالمهم أن يعيش مسلم سالما من الرد والتضعيف.
القول الأول: يقول (ابن خزيمة) فى صحيحه 2/21: «الدليل على أن هذا الخبر -أي: حديث أبى ذر- فى ذكر المرأة ليس مضادا لخبر عائشة، إذ النبى إنما أراد أن مرور الكلب والمرأة والحمار يقطع صلاة المصلى لا ثوى الكلب ولا ربضه ولا ربض الحمار، ولا اضطجاع المرأة يقطع صلاة المصلى وعائشة إنما أخبرت أنها كانت تضطجع بين يدى النبى وهو يصلى لا أنها مرت بين يديه»، أما ابن القيم فيقول فى (زاد المعاد) 1/306: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى وعائشة نائمة فى قبلته، وهكذا المرأة يقطع مرورها الصلاة دون لبثها».
ولنشرح معنى ما تقدم أولا, يقول (ابن خزيمة) إن الحديثين عند (مسلم) عن قطع المرأة والحمار والكلب للصلاة لا يعارضان قول (عائشة) أنها كانت تستلقى بين رسول الله والقبلة حين صلاته, لأن الحديثين مقصود بهما أن مرور المرأة هو الذى يقطع الصلاة أما أن تنام وتستلقى بين الرجل والقبلة فلا يقطع الصلاة, وكذلك جلوس الكلب وربض الحمار أمام المصلى لا يقطعانها بل مرورهما فقط, وبذلك يصبح الحديثان بلا تعارض فالذى يقطع الصلاة هو المرور وليس الجلوس أو الاستلقاء, وكذلك قال (ابن القيم) و هذا التفسير البغيض من (ابن خزيمة) ومثله الكثير مما اكتتبه أهل التراث قد يؤدى بكثير من الباحثين المعاصرين لفقد أحد شيئين، فإما أن نفقد عقولنا أو أن نفقد أخلاقنا, لأنه ليس من المستحب أن يقرأ الإنسان المسلم ما يشعره أنه مغيَّب أو مغفل أو أنه حيوان يحمل قرونا فوق رأسه, فكيف يقول عاقل فضلا عن أن يصدقه العقلاء أن مرور المرأة يقطع الصلاة وجلوسها ونومها أمام الرجل لا يقطعان الصلاة, فهذا التفاف حول الحقيقة غاية فى السخف والجهالة لا يراد به إلا تصحيح حديثى مسلم حتى لو كانا يعارضان فعل النبى وإقراره.
ولكن النقطة الأهم أن تفسير (ابن خزيمة) وأعوانه يخلِّف مشكلة دينية كبرى, ويولد من ورائه خطأ فاحشا بليغا بحق أم المؤمنين, فإذا كانت أم المؤمنين عائشة قد أقسمت على أنها كانت تعترض بين الرسول وقبلته ردا على الرواية التى نسبت للرسول أن الحمار والمرأة والكلب تقطع الصلاة, معنى ذلك أن السيدة عائشة كانت تعلم جيدا أن الاضطجاع أو النوم أمام المصلى هو أشد من المرور من أمامه, وأن ذلك الحدث الذى روته وأقسمت عليه إنما يهدم ويرد الرواية المنسوبة للنبى انتحالا وزورا, أما إذا أخذنا بكلام (ابن خزيمة) وأعوانه أن الاضطجاع والاستلقاء يختلف عن المرور, لاتهمنا أم المؤمنين صراحة بالجهالة وعدم الفقه-معاذ الله- حيث إنها لا تعلم الفرق بين النوم والاستلقاء أمام المصلى وبين المرور لأنها إن كانت تعلم أن النوم والاستلقاء هو بخلاف المرور فلماذا إذن ردت الرواية المزورة بهذا الحديث الذى روته, فهناك حلان لهذا المأزق الذى وقع فيه (ابن خزيمة) وإخوته, الأول أن عائشة وهى الفقيهة العالمة كانت تعلم أنه لافرق بين الاستلقاء وبين المرور أمام المصلى, بل إن النوم والاستلقاء أشد من المرور, ولذلك روت هذه السنة التقريرية عن النبى الكريم لتبطل بها الرواية الأخرى, وبهذا يبطل كلام (ابن خزيمة) وشركائه ويتضح التفافهم العليل وسخف شروحهم, أما الحل الثانى أن عائشة كانت قليلة الفقه والتدبر-معاذ الله- بحيث لم تتمكن من معرفة الفرق بين الاستلقاء وبين المرور أمام المصلى, وأنها قد استشهدت بسنة لرسول الله فى غير موضعها وردت حديثا بغير علم, لأنها من قلة علمها-معاذ الله- لم تكن تعلم أن المرور بين يدى المصلى وهى زوج الرسول فى بيته لتسع سنوات- يقطع الصلاة وأن النوم بخلاف المرور, وبذلك يصبح (ابن خزيمة) وأعوانه هم الأعلم والأفقه والأنبه-من النباهة- من أم المؤمنين عائشة, وأنهم فهموا ما لم تفهمه وعلموا ما لم تعلمه, وبالتأكيد فإن هذا الحل يليق بالمخابيل والحمقى الذين يظنون أن (ابن خزيمة) وكل أهل التراث أفقه من السيدة عائشة.
القول الثانى لأهل التراث: أما البعض فقال إن الحديثين ليسا على ظاهر معنى قطع الصلاة, ولكن المعنى هو الانشغال عنها رهبا- خوفا - من الكلب والحمار, ورغبا - رغبة وشهوة بالمرأة, وهذا الرأى أيضا بلغ من الحماقة والسخف مبلغا كبيرا, فمن أين أتوا بأن معنى قطع الصلاة ليس على ظاهره فلا دليل لغويًا ولا اصطلاحيًا ولا إشاريًا على أن القطع المراد به الانشغال فقط, أما الشق الثانى وهو الكلام عن الخوف من الكلب والحمار فقد علمنا ورأينا من يخاف من الكلب ولكننا لم نسمع أبدا أن أحدا يخاف من الحمار, ثم إذا كان الانشغال بسبب الخوف فقط فلماذا لا يقطع الصلاة الذئب والفرس والجمل والتمساح والثعبان والأسد وكل حديقة الحيوان, أما قولهم إن المرأة ينشغل بها الرجل شهوة, فهذا كلام مذموم لا يقع من مؤمن, وحتى إن فعل أحدنا ذلك فهو مريض القلب وقليل الإيمان وعليه هو الملامة والذنب, وليس على المرأة التى مرت, ولا يمكن أن يعمم رسول الله حكما لمرضى القلوب على سائر أمته, وإذا كان الأمر بهذا المنطق فلماذا لا يقطع الرجل صلاة المرأة أيضا فلعلها تنشغل به إذا مر أمامها أليست بشرا مثله, أم أن صلاتها تهبط إلى الأرض وصلاة الرجل هى التى تصعد للسماء.
القول الثالث: ذهب إلى أن الذى ذكرته أم المؤمنين خاص بالزوجة وأن الرسول كان مقصده هو مرور المرأة الأجنبية, ولا أدرى كيف امتلك هؤلاء الجرأة ليفتشوا عن نية النبى ويستنطقونه بما لم يقل, لأن ظاهر الكلام لغة ومعنى ودلالة لا يمكن أن يقبل التخصيص, فالمفترض أن ما نسب للرسول قوله يقطع الصلاة المرأة بالعموم فكيف خصصوا المرأة الزوجة عن الأجنبية.
نقد سند الحديثين
الحديثان آحاد وقد قال أغلب أهل الحديث والفقهاء إن حديث الآحاد يرد إذا خالف المقطوع به, لأنه لا قدسية لحديث آحاد أو غيره طالما خالف الثابت المعقول من القرآن أو سنن الرسول الفعلية والتقريرية.
نقد السند فى الحديث الأول:
يكفى لبيان اضطراب السند ذكر أن مدار الرواية على (عبدالله بن الصامت) فماذا قال فيه أهل الجرح والتعديل: (الرازى 5/84): «بصرى يكتب حديثه» وهذه درجة ضعيفة لتعديل - عدالة - الراوى حسب اصطلاحات الجرح والتعديل فهو يكتب الحديث ولا يحتج به, وقال (الذهبى): «يكتب حديثه», وقال (أبو حاتم): «يكتب حديثه», وقال (ابن سعد): «كان ثقة، وله أحاديث» أى له أحاديث أخطأ فيها, أما (ابن رجب) فقال:»والبخارى لا يحتج بحديث عبدالله بن الصامت، ولم يخرج له فى كتابه شيئا». والمعنى أن البخارى لا يحتج بهذا الراوى ولم يرض به لحد أنه لم يخرج له فى (الجامع) ولو حديثا واحدا.
وللحديث بقية
إسلام بحيري
حاصل على درجة الدكتوراه من بريطانيا في تجديد مناهج الفكر الإسلامي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.