مامن شك أن الثقافة هى البوابة الآمنة لدخول عالم التقدم والرقى الإنسانى .. وبغير الثقافة يصبح الجهل والتخلف سمة المجتمع ويظل الإنسان والوطن واقفا فى مكانه يعيش حياة الحيوانات التى تأكل وتشرب وتنام .. فما هى قصة الثقافة فى مصر قبل ثورة 23 يوليه 1952 وماهى الثقافة التى تحتاجها ثورة 25 يناير 2011 لينتقل الشعب المصرية النقلة النوعية التى قامت ثورة الشباب من أجلها. تنبه الكاتب والمفكر الكبير أحمد أمين إلى أهمية الثقافة فتأمله جيدا وعكف على دراسته مع مجموعة من الشباب الذين كانوا يعملون فى وزارة المعارف من خلال دراسة وتأمل تجار ب بعض الدول ثم قدم تقريرا وافياعن الموضوع للجنة من أقطاب التربية والتعليم والمثقفين والأدباء فكان قرار هذه اللجنة النهائى هو ضرورة إنشاء ما عرف( بالجامعة الشعبية) بهدف تثقيف الجماهير.. وقد حدد أحمد أمين رؤيته لحركة الجامعة الشعبية وتم وضعها موضوع التنفيذ منذ عام 1945 حتى يوليو 1958 فتضمنت مكافحة الأمية ونشر التعليم على أوسع نطاق وتبسيط اللغة العربية لتيسير نشر الثقافة والتعليم . وبدأت الجامعة نشاطهاالعملى فى 4 فبراير عام 1946 بانشاء 15 فرع لها بالمحافظات ثم تلا ذلك نقل تبعية ( الجامعة الشعبية ) الى وزارة الثقافة والارشاد القومى اعتبارا من عام 1958 وهو العام الذى تم فيه انشاء وزارة للثقافة بعد ثورة 23 يولية ككيان تنظيمى ينشأ لأول مرة فى مصر . ضمت وزارة الثقافة الوليدة ادارة مسئولة عن إدارة الجامعة الشعبية ومراكزها الثقافية فى المحافظات ولتتولى التعريف بمبادىء وأهداف الثورة مستثمرة فى أداء رسالتها امكانيات وزارة المعارف العمومية باستغلال امكانياتها المادية مثل المدارس كمقار للشُعب النظرية والمهنيةو امكاناتها البشرية .. وكان قدتم تشكيل أول مجلس إدارة للجامعة من مجموعة من الكفاءات الفكرية والأدبية والعلمية والثقافية فكان المجلس من القامات الآتية: 1 – د. شفيق غربال – أحمد أمين – محمد حسن العشماوى – أنطون الجميل – د. أحمد زكى – إنصاف سرى – إسماعيل القبانى – محمد فريد أبو حديد – محمد عوض محمد – د. عبد المنعم رياض – وليم سليم حنا . و عندما تبلور نشاط ( الجامعة الشعبية ) وأصبح لها دورا ملموسا صدر بها مرسوم ملكى فى 17 مايو 1948 متضمنا تعديل التسمية من الجامعة الشعبية الى (( مؤسسة الثقافة الشعبية )) .. وظلت الفروع فى المحافظات تحمل اسم (( المراكز الثقافية )) لم يجر عليها أى تعديل .. بينما تم تحديد الأهداف فيما يلى : 1- العمل على نشر الثقافة بين أفراد الشعب. 2- الاسهام فى ايقاظ الوعى عن طريق العمل على رفع المستوى الفكرى والإجتماعى . 3– تنظيم الدراسات العلمية . 4 - العناية بالنشاط الاجتماعى والرياضى للطلاب المنتسبين. فى عام 1958 صدر القانون رقم 692 / 58 مقررا نقل تبعية مؤسسة الثقافة الشعبية من وزارة المعارف الى وزارة الثقافة واستحدث القانون مسمى (( جامعة الثقافة الحرة )) وحدد أهدافا جديدة لهاكانت كما يلى : 1- العمل على نشر الثقافة بين المواطنين . 2 – الاسهام فى ايقاظ الوعى والشعور بالمسؤلية . 3 – نقل انواع النشاط الثقافى والفنى الى المدن والقرى . 4 – تنظيم الدراسات التعليمية بقصد تعليم الكبار من الجنسين . 5- تدريب الراغبين فى زيادة حصيلتهم المعرفية والثقافية فى مختلف العلوم والفنون . 6 – معاونة المواطنين على تذوق الفنون والآداب وحثهم على المطالعة والرياضة.. ولم يستمر الحال هكذا طويلا حيث صدر قرار وزارى باستقلال وزارة الثقافة عن الإرشاد القومى وأصدر الدكتور سليمان حزين وزير الثقافة وقتئذ قرارا باإنشاء المديريات الثقافية ومنحها سلطات واسعة فى إنشاء الفرق المسرحية ومتابعة الأنشطةالأخرى وفى الحادى عشر من نوفمبرعام 1966 صدر قرار الدكتور ثروت عكاشة وزير الثاقفة قرار رقم 30 / 66 بتعديل تسمية( جامعة الثقافة) الى( الإدارة العامة للثقافة الجماهيرية) ليكون للثقافة مضمونا اجتماعيا واضحا وتم تحديد مهام الثقافة الجماهيرية فى إطارها الجديدفى الأهداف التالية : 1 – توزيع ثمار الثقافة على جميع المحافظات باعتبار الثقافة حقا من حقوق تلك المحافظات.. 2 - تطوير الثقافة الشعبية فى قرى ومدن المحافظات .. وفى الرابع من مارس 1989 صدر القرار الجمهورى رقم 63 / 1989 بإنشاء وتنظيم الهيئة العامة لقصور الثقافة وتم تحديد الأهداف الجديدة لتصبح كمايلى : 1 – التوسع فى البناء التنظيمى للهيئة على المستوى المركزى والمحليات 2 – تقنين الدراسات والبحوث فى ميادين ثقافة القرية وثقافة الطفل وثقافة الشباب وثقافة العمال .. 3 – تقنين القيادة الجماعية التى برزت فى شكلها الجديد .. 4 –التوسع الأفقى لمواقع العمل فى المحافظات .. 5 –تجديد وتحديث وتطويرقصور الثقافة وتحويل بعضها إلى قصور ثقافة متخصصة.. 6 –التوسع فى النشاطات الثقافية والفنية .. 7 – انتظام مؤتمرات أدباء مصر فى الأقاليم الأمر الذى يحقق التواصل بين الادباء . 8- التوسع أفقيا ورأسيا قى تدريب القيادات الثقافية والأخصائيين .. وهكذا يتضح لنا مدى انشغال الطبقة المتعلمة والمثقفة بقضية تثقيف المواطنين حتى يتمكنوا من التفاعل والتعامل مع المتغيرات العلمية والسياسية والإقتصادية التى تتفجركل يوم .ولعل ثورة الخامس والعشرين من يناير هى ثمرة هذا التثقيف التراكمى رغم التجاوزات والسلبيات التى وسمت نشاط الهيئة فى السنوات الأخيرة ..ولو تأملنا الأهداف التى أوجبتها تحولات المسميات ما وجدنا إختلافا كبيرا .. والمعنى أننا لانتأمل ثقافتنا جيدا حتى يمكن أن نقدم ثقافة تتفق ومكونات هذا الشعب إجتماعيا واقتصاديا وسياسا .. بمعنى الثقافة السياسية.. والسئوال الذى يطرح نفسه الآن هو: هل حققت الثقافة الدور المنشود منها فى العشر سنوات الأخيرة ؟. وماطبيعتها ؟ .. لو عدنا إلى الوراء قليلا لأدركنا بسهولة حجم الخسارة الإقتصادية متمثلة فى حزمة من السلوك المتدنى أخلاقيا نتيجة مكتسبات تقافية لاتتفق وثقافتنا الشعبية أو الدينية أو الحضارية والتى شوهت السلوك الحضارى للإنسان المصرى.. الأمر الذى جعلها تتفق مع مضمون ( نظرية التكتلات الإقتصادية الإقليمية) والتى تعتمد فى كنهها على النشاط الإقتصادى والنمو السكانى ..أى تقفز وتتجاوز الإختلافات الثقافية .. ولا تتوقف عند الكلام عن الهوية.. بل تؤكد على أن الهوية مسألة نسبية( أى هامشية ) وأن الكلام عن الهوية والتمسك بها قد يعطل قاطرة التنمية .. من ثم .. وبمفهوم هذه النظرية نجحت الثقافة بقصد أو بدون قصد أن يخضع المصريون والعرب إقتصاديا وأمنيا لإسرائيل وتحقيق نوع من العلاقات غير المتكافئة إقتصاديا وأمنيا .. وإغلاق أى مسار للقوة والنهضة العربية .. ولايحقق هذا الغرض إلا غرس مفاهيم وأطر ثقافية تخدع هذه الشعوب المستكينة الخانعة لمجموعة من الخانعين للثقافة الأوربية وثقافة الإنحلال الإسرائيلى التى بدأت تغزو المجتمع المصرى والعربى وتروج له فى ظل النظام السابق الذى لم يكن له هدف غير تغييب وعى الشباب بعدعجز الشيوخ عن مواجهة هذا النظام الفاسد الذى أغلق كل الطرق أمام حياة حرة كريمة لشعب علم العالم قديما كيف يفكر ويتعلم .. وأخيرا كيف يثور .. أيضا توجد نظرية أخرى هى( نظرية الكنتونات والكيانات الصغيرة ) وهى ماتعرف (بالبلقنة ) .. وتتلخص فى إيجاد مركز قوى حوله مجموعة من الكيانات يتم تفتيتها إلى دويلات صغيرة لتحقيق الهدف الإسرائيلى وهو (عثمنة ) العرب .. أى الرجوع بهم إلى عصر الإمبراطورية العثمانية ..أو بمعنى آخر بناء مركز أو دولة تمثل مركز قوى للهيمنة على المنطقة بعد إضعافها وتقسيمها لجماعات فى حالة عداء مستمر يمكن إسرائيل من السيطرة عليها .. وخير شاهد على ذلك هومانراه الآن من خلال الثورات العربية التى أججتها إسرائيل سواء كان ذلك متعمدا أوغير متعمد منها .. وما تزال تشعل النار بأساليبها الملتوية .. والبداية إنفصال جنوب السودان .. وماتزال لعبة الفوضى الخلاقة تدور على الساحة من خلال توجه ثقافى إقتحم حياتنا فى العشر سنوات الماضية من الأفلام والمسلسلات الهابطة التى ثبت أنها كانت بوابة الثراء الفاحش لمجموعة اللصوص وتنفيذ مخططات أمريكا وإسرائيل وبعض دول أوروبا الغربية ..وأيضا المسرح المنحرف عن الواقع العربى والثقافة العربية والإسلامية التى أصبحت كأنهاجزرمنعزلة والذى يعتمد على إثارة الغرائز وعلى الأفكار الهلامية التى ليس لها أى قيمة فى بناء الإنسان.. أيضا من خلا ل الميديا التىتجاوزت الأمانة المهنية والوطنية ..وأصبحت الثقافةبهذه الجرعات المشبعة بالتغييب العقلى والوجدانى عالما يمكن وصفه ( بالسداح مداح )يلعب بها –أى بالثقافة - من يركب عليها .. قيادات توظف مراكزها وسلطاتها لمصالحها الذاتية .. ضاربة عرض الحائط بكل شيئ ..بالأهداف العامة والقضايا الوطنية والإنسانية حتى مل المثقفون الجادون والوطنيون الصادقون هذا الإنحراف الذىشحن الناس بالغضب .. فكانت هذه الثورة المباركة التى بدون شك لقنت وعلمت أولئك الذين يتصورون الشعب المصرى شعبا بليدا وخانعا درسا فى اخلاق الشعب المصرى وأصالته .. ..وقوته وذكائه ..ودرسا بليغا للقيادات من أبنائه الذين خانوا الأمانة .. فكان هذا الدرس البليغ لهم ولمن يجيئون بعدهم .. السئوال الثانى : كيف يتم علاج هذا الخلل الثقافى فى بنية المجتمع التى انقسمت بعد الثورة إلى مجموعات متباينة الأفكار والتوجهات.. فهذا إخوانى .. وهذا سلفى وهذا علمانى وهذا ليبراالى وهذا ديمقراطى وهذا يسارى وهكذا دواليك .. حتى أصبح هذا التباين ضربا من ضروب التعصب الأعمى الذى ينفى ثقافة التوحد فى مواجهة القضايا الكبرى.. من ثم أرى ضرورة إعادة النظر وبصدق فى كل موروثنا الفنى والقيام بإعادة فرز. تاريخ السينما والمسرح والأغنية وغيرها.. حيث أن هذه المواد الفنية ساهمت بشكل أساسى فى تشكيل وبناء عقول ووجدان أعداد كبيرة من هذا الجيل الذى أفرزأعدادا كبيرة من الشباب الذى كان يفرز ثقافته فرزا مكنه من إحداث أهم ثورة فى تاريخ مصر الحديث.. بل وفى القرنين السابقين .. نحن فى حاجة إلى كيان ثقافى يدرس الواقع الثقافى والفنى الآن ويضع روشتة علاج للثقافة المصرية والعربية وخارطة طريق ثقافى تقودنا إلى استمرار الثورة الصحوة وليست العبرة بتغيير المسميات .. هيئة أو مؤسسة أو وزارة أوثقافة جماهيرية ولكن العبرة بالناتج الحقيقى للمتعطشين للثقافة الجادة و الحقيقية التى تبنى ولاتهدم .. وتكون رسالة موجهة للعالم تقول فى ثقة واقتدار : هنا مصر .. هنا العرب .. هنا المسيحية والإسلام .. وكل الديانات تعيش فى سلام ووئام .. فارفعوا أيديكم فهذا الشعب ليس لقمة سائغة .. وهذه الأمة هى خير الأمم ... مطلوب تغيير الثقافة تغييرا جذريا يبدأ –كما قلت- بفرز المواد الثقافية فى كل ( دواليب ) الميديا..وحتى يتم ذلك لابد أن تكون لدينا رؤية حقيقية لمستقبل هذه الأمة ..فنحن الآن نفكر إنطلاقا من الماضى إلى المستقبل عبر الحاضر..بينما ينبغى أن تكون انطلاقتنا من المستقبل والتعامل مع الحاضر والماضى على ضوء هذه الإنطلاقة .. إنى قد بلغت .. اللهم فاشهد .. المعلومات التى وردت فى هذا المقال من كتاب صدر عن هيئة قصور الثقافة فى فترة رئاسة الدكتور أحمد نوار إعتمادا على دراسة قدمها الباحث محمود سعيد محمود فى كتابه ( خمسون عاما من الثقافة الجماهيرية ) وأيضا من بعض دراسات سلسلة عالم المعرفة