من الواضح أن التشتت المجتمعى وانعدام الثقة فى نوايا الآخر وعدم الالتفاف حول مصير شعب ومستقبل وطن ، هو الشغل الشاغل لمعظم المصريين حالياً. حتى بات البعض خبيرآ، والآخر محللآ ، والباقون جالسين يضغطون على أزرار الحروف للتعبير عن آرائهم على صفحات التواصل الاجتماعى ، آملين فى أكبر عدد من المتابعين أو المعلقين ! ( و مش عارف حتفرق معاهم فى إيه ؟ ( غارقون فى أسماء للماضى ) ؛ ثورة أم مؤامرة ؟ ، مكنوهم أم سلمونا ؟ ثورة أم انقلاب ؟ .. كأن ال60 مليون مواطن اللاهثين على لقمة العيش فى المحافظات ، والعاملين على قوت يومهم وتعليم أولادهم ، يفرق معهم مثل هذا الكلام! و هذا لأننا لم نتعلم من المجتمع أو المؤسسات التعليمية لغة الحوار وثقافة البديل. الحوار يختلف عن الجدال ، ولكن من يفهم أو يعى أهمية الفرق ؟ و كيف لا ينزلق من دائرة الحوار إلى الجدل. اللغة والأسلوب والمبدأ والهدف كله واحد فى الحوار ، أما الجدل فالاختلاف هو سيد الموقف فى عنصر أو اثنين مما سبق. الجدل الدائر الآن لا يختلف عن العجز عن التفكير فى ثقافة البديل والنظرة المستقبلية لما هو وراء الحدث ، مثل ما وراء مكتب التنسيق والجامعة ومكتب القوى العاملة. ما بعد الثورة والدستور والرئيس وانتخابات مجلس الشعب وحكومة .. هل تعتقد أن 60٪ من الشعب يبالى بمن كان يحدث أو سوف يحدث ؟ ، المهم عنده لقمة العيش ويسدد فواتيره العائلية إذا لم يكن بات فى السنوات الماضية مديوناً أو عاطلاً. من ينادون بالديمقراطية و الحرية نسوا أنهم يجرون معهم شعباً نصفه إما منهك صحياً و إما معدم ثقافياً. و مع أن صورة الدراما المختلفة فى شاشات الإعلام من تليفزيون وسينما فى رمضان والعيد ، سلطت الضوء ( ولو بطريقة سلبية ) على فقر وعجز وجهل الأغلبية ، إلا أنه ما زال أغلب الحوار بعد العيد يدور فى موال السياسة و التآمر والأدلة والبراهين ، يعزف منفرداً عن العامة! حتى إنى عندما سألت أحد الأشخاص الساكنين بمدينة الاسكندرية (وليس الأرياف أو الصعيد) عن رأيه فى ما يدور فى مصر و وضع تصور لما سيحدث بعد عدة اشهر فقط ؟ قال لى بعفوية : « ده برضه حال واحد يعرف اللى المتعلمين الأكابر بيقولوا عليه ده » ؟ ! . أى حاجة تجيب رزق العيال تبقى خير، وأى حاجة تقطعه تبقى شر». وهذا هو بيت القصيد » .. مفهوم الرزق وكيف يأتى ، ومتى ، لا يهم إن كان مصدر رزقه حلالاً أم حراماً ، عن طريق صغار أبنائه العاملين فى أنحاء الجمهورية من ذكور و إناث لا يعلم عنهم شيئاً لشهور إلا تحصيل رواتبهم ، ولا كيف يأتى أبناؤه بهذا المال! و اللطيف أنه رد على هذه الأسئلة بمنتهى البراءة : « المهم النية ، وربك بيسترها يا أستاذ ». بالله عليكم ، ألا نخجل من وضع هكذا ونحن نتكلم أحاديث الكراسى الموسيقية المتبادلة بين مهاجم أمس لنجده اليوم مدافعاً مغواراً ؟! أريد أن يتولى كل شخص منا شيئاً واحداً ، قضية واحدة ويدرسها ويعمل على حلها. ممكن تعلم « صبى المكوجى أو توصيل الصيدلية أو السوبر ماركت » من أحد كتب أبنائك ، اطبع له نسخة وعندما يأتى قل له : المرة المقبلة ستقرأ لى سطراً من الصفحة الأولى .. وهكذا، وشجعه ولو بمكافأة صغيرة ، ولتكن معنوية أو شيئاً ينتفع به. من يعمل فى أى دائرة حولك اهتم بمستوى ثقافته ، خاصة الأطفال ، ولا أريد ذكر أمثلة حتى لا أحرج مهناً معينة أو أقلل من أهميتها. فمثلاً الكثير من حولنا يصلون بتشهد غير صحيح، وذلك لأن التشهد صامت لا يقرأه الإمام ، والأمثلة عديدة وموجعة فى صميم أساسيات الحياة ، وليس التنمية أو التقدم. و ليس شرطاً أن الملم بالحساب البسيط والجمع والطرح فى البيع أنه متعلم ، فأغلبهم للأسف يستغلون فى توصيل الطلبات معتمدين على مستوى المستهلك. و يكفى أن تعلموا أن معدل المتسربين من التعليم فى العامين الدراسيين 2011 و2012 أكثر من 2009 و2010 بنسبة 14٪ ، وذلك بسبب الأوضاع الأمنية فى القرى والريف والحالة الاقتصادية التى دفعتهم إلى سوق العمل أو توفير النفقات. اتركوا التاريخ ، سيكتب بعد سنوات .. فلا تاريخ يكتب فى وقته ، ولا أحداث ينصفها جيل عايشها ، ولا حقيقة تنكشف وسط صراخ المكذبين مسبقاً . من شارك فى الأحداث ليس أكثر وطنية من طبيب كان فى مستشفاه يعالج ، أو مدرس يعلم ، أو عامل فى مصنع ، أو مزارع فى حقله ، أو طالب فى جامعته ، أو سيدة تربى أبناءها وتذهب بهم إلى المدرسة فى مثل تلك السنتين . ساعد فى البناء وكفى صفحات تواصل وجلسات مجادلة و تحليل مواقف سياسية و انت ليس ملم بعلم السياسة و مراقبة برامج تكسب من وراء مشاهدتك و تربح من مدى تأثيرها عليك وليس ما تضيفه لك ! فالفرق كبير .. وإن جهل عند الكثيرين . و فى ختامى اختتم بجملة الجهل بالعلم حالة مضرة بالفرد والمجتمع على حد سواء د / مصطفى خميس السيد كاتب سياسى