كلمة (حديث الغدير) تتضمن إشارة إلى حادثة تاريخية وقعت في السنة الأخيرة من حياة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وبالذات في الأشهر الأخيرة منها. حيث إنه (صلى الله عليه وسلم) قد حج حجته المعروفة ب(حجة الوداع) فلما قضى مناسكه، انصرف راجعا إلى المدينة، ومعه جموع غفيرة تعد بعشرات الألوف من المسلمين، فلما بلغ موضعاً يقال له: (غدير خم) في منطقة الجحفة، التي هي بمثابة مفترق طرق، تتشعب منها طرق المصريين والمدنيين والعراقيين القادمين إلى الحج . نزل جبرائيل عليه في ذلك الموضع، في يوم الخميس في الثامن عشر من ذي الحجة بقوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)، حيث أمره الله سبحانه أن يقيم علياً إماماً للأمة، ويبلغهم أمر الله سبحانه فيه. فما كان من الرسول (صلى الله عليه وآله) إلا أن أمر بِردِّ من تقدم من الناس، وحبس من تأخر منهم. ثم صلى بهم الظهر، وبعدها قام بهم خطيباً على أقتاب الإبل وذلك في حر الهاجرة .
وأعلن وهو آخذ بضبع علي (عليه السلام) : أن علياً أمير المؤمنين، ووليهم، كولاية رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهم. حيث قال: "من كنت مولاه فعليٌ مولاه (قاله ثلاث أو أربع مرات) اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله".
ثم طفق القوم من الصحابة يهنئون أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفي مقدمتهم الشيخان: أبو بكر وعمر وغيرهما من المعروفين من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل، فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس، إن الله لا يهدي القوم الكافرين)(المائدة 67). نزلت هذه الآية في حجة الوداع، لتؤكد على لزوم تبليغ النبي (صلى الله عليه وآله) ما أمر به من أمر الإمامة. وولاية علي (عليه السلام) على الناس.
وقد يرى البعض: أن هذه الآية قد تضمنت تهديداً للرسول نفسه، بالعذاب والعقاب إن لم يبلغ ما أنزل إليه من ربه، وفي بعض الروايات: أنه (صلى الله عليه وآله) قد ذكر ذلك في خطبته للناس يوم الغدير. ولكن التهديد الحقيقي موجه لفئات من الناس كان يخشاها الرسول، كما صرح هو نفسه (صلى الله عليه وآله) بذلك ولم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) ممتنعا عن الإبلاغ. ولكنه كان ممنوعاً منه. لم يأل النبي (صلى الله عليه وآله) جهداً ، ولم يدخر وسعاً في تأكيد هذا الأمر، وتثبيته، وقطع دابر مختلف التعللات والمعاذير فيه، في كل زمان ومكان، وفي مختلف الظروف والأحوال، على مر العصور والدهور. وقد استخدم في سبيل تحقيق هذا الهدف مختلف الطرق والأساليب التعبيرية وشتى المضامين: فعلاً وقولاً، تصريحاً، وتلويحاً، إثباتاً ونفياً، وترغيباً وترهيباً، إلى غير ذلك مما يكاد لا يمكن حصره، في تنوعه، وفي مناسباته. وقد توجت جميع تلك الجهود المضنية، والمتواصلة باحتفال جماهيري عام نصب فيه رسميا علي (عليه السلام) في آخر حجة حجها رسول الله (صلى الله عليه وآله). وأخذت البيعة له فعلا من عشرات الألوف من المسلمين، الذين يرون نبيهم للمرة الأخيرة. وقد كان ذلك في منطقة يقال لها (غدير خم) واشتهرت هذه الحادثة باسم هذا المكان.