ماركات واضحة وضوح شمس مصر الساطعة، سُطرت أسمائها في سماء الأسواق العالمية، سعت لتحقيق أحلامها، بذلت قصارى جهدها لتظهر بمنظر المتألق والأفضل، ولكن جهدها لم يصيبه التوفيق، حتى دقت أجراس حزن مؤذنة بمصيبتها، وظهرت «الماركات المقلدة» متناثرة على بسطات الأرصفة، فكانت نذير شؤم على «الماركات الأصلية»،فأسقطتها في بئر التدهور والتمزق، وتسببت في كساد بضاعتهم وتكبدهم خسائر باهظة، وبات بيزنس البضائع المقلدة هو الأفضل. « شبكة الإنترنت – الأسواق الشعبية – المنتجات الصينية - أسواق البضائع المستعملة - بعض الأكشاك في المراكز التجارية » جميعها روافد تتجمع أو تأتي منها تلك البضائع، أصبحت تغزو الأسواق بماركات عالمية مزيفة تفرض نفسها كأمر واقع، لجني مزيد من الأرباح نظراً للفارق الكبير بينها وبين المواد الأصلية، فهناك العديد من المنتجات تحمل أسماء لماركات عالمية وتباع في السوق على أنها من نفس الماركة وذات الجودة ولكن بأسعار تقل عن قيمة الأصلية منها ب70%. وفي أيام قليلة، أصبحت مكاناً رحباً لها على بسطات الأرصفة وقارعة الطرق، إلا أنها ما لبثت أن وجدت وبعد فترة من الزمن طريقها إلى المحال التجارية ليس في الأسواق الشعبية، فحسب بل وحتى أشهر المولات. «لتجار السلع المقلدة شؤوناً وشجوناً».. شؤونًا لتحصيل الأرباح على حساب اختراق قانون الملكية الفكرية، وشجونًا للتصرف بكل حرية عبر نشر إعلاناتهم واستعدادهم لتوصيل كل ما هو مطلوب إلى المنازل، فلم تكتف الشركات والمصانع غير القانونية ببيع منتجات أقل جودة، بل اعتمدت على رغبة البعض في شراء منتجات عالمية بأسعار زهيدة قد تصل إلى ربع السعر، كما أن بعض تلك السلع المقلدة قد يخفي في داخله سموماً، خاصةً للباحثين عن صرعات التخسيس ومستحضرات التجميل، التي تحمل مضاعفات خطرة عند استخدامها. كيف يتم تقليد المنتج: 1- من ناحية الأسم: يختار المقلد الأسم العلامة التجارية، مع تغيير بعض الحروف أو إضافة حرف، بحيث لا يغير نطق الكلمة أو تغيير ترتيب بعض الحروف مما يقوي مخاطر الالتباس. 2- من الناحية البصرية: يقوم المقلد بتقديم علامة تجارية، معتمداً على نفس التركيب والبناء من ناحية الأشكال والألوان والرموز الداخلة في تركيب العلامة التجارية الأصلية. 3- المحاكاة الذهنية: يتوجه التقليد إلى ذهن المستهلك ويعتمد في ذلك على المرادفات أو المتناقضات للكلمات التي تدخل ضمن تركيب العلامة. أكثر المنتجات المقلدة: 1- المنتجات الغذائية 2- ماركات الملابس 3- أجهزة الحاسوب 4- الأدوية الطبية 5- الأفلام 6- الأحذية 7- الهواتف الذكية 8- الحلي والإكسسورات 9- الساعات 10- العطور 11- الحقائب 12- الأدوية أماكن تصنيعها: بعد المواد الكيمائية، هل تسائلنا عن أماكن تصنيع تلك المنتجات، ولأن الإجابة واضحة وضوح الشمس، فإن تلك البضائع يتم تصنيعها في الغرف الخلفية أو مصانع صغيرة لا تخضع للرقابة أو حتى القبو، وبالتالي تتعرض هذه المنتجات للبكتيريا التي توجد في كل مكان بشكل أكثر خطورة، ليس فقط من القذارة الموجودة في المكان، بل إيضًا من أيدي المصنعين الملوثة أو الحيوانات أو الحشرات. الصين: اللافت للنظر، أن عمليات تقليد البضائع والمنتجات، على اختلافها لم تعد حالات فردية بل أصبحت عمليات منظمة تديرها شركات كبرى في العالم، بل دول إيضًا، وتتربع الصين على عرش الدول المصدرة للبضاعات والماركات المقلدة، فهي لا تلتزم بقوانين الملكية الفكرية، حيث قامت منظمة الجمارك العالمية، خلال السنوات القليلة الماضية، بتقدير حجم تجارة السلع المقلدة والمغشوشة في العالم، حيث وصل لتريليوني دولار، في حين تشير التقديرات إلى أن قيمة البضائع المقلدة في العالم هي بحدود 330 مليون دولار سنوياً يأتي أغلبها من الصين، التي تقوم بتقليد معظم المنتجات والسلع العالمية وتزويرها لتصدر بعد ذلك إلى أسواق الدول الناشئة في الشرق الأوسط وإفريقيا وحتى دول أوروبا. أراء الجمهور: علقت ريهام إبراهيم، مالكة لمحل مستحضرات التجميل من البضائع المقلدة، في حي العطارين بمنطقة باب الشعرية بالقاهرة، قائلة: إن الزبائن الأساسيين لهذه المنتجات هم ذو الدخل المحدود، الذين وجدوا في هذه المنتجات ملاذاً وبديلاً عن العديد من المنتجات ذات الماركات العالمية والغالية الثمن، مشيرة إلى إن هذه المنتجات أصبحت أمراً واقعاً، خصوصاً أن زبائن هذا النوع من المنتجات في تنامً مستمر وهم دائمو الطلب على كل ماركة عالمية مقلدة تدخل الأسواق حديثاً، بالإضافة إلى الفتيات اللواتي يبحثن دائماً عن التقليد وهؤلاء غالباً يعرفون أن هذه الماركات مقلدة ولكنهم يصرون على شرائها، مؤكدة إنها تغطي جزءاً كبيراً من احتياجاتهم اليومية بأسعار تقل بنسبة 80% عن المنتجات الأصلية. ووافقتها في الرأي، منار فتحي، طالبة جامعية، حيث بررت هذا النوع من المستحضرات، في أن شراء أدوات التجميل الرخيصة يفي باحتياجاتها، ولا يكلفها مالاً كثيراً، وسبب اقتنائها مساحيق رخيصة أو مقلدة هو رخص ثمنها الذي يتناسب مع قدرتها المادية. وفي سياق آخر، أكد مصطفى كامل، صاحب محل للذهب الصيني، أن الكثير من الفتيات، وجدن ضالتهن في الذهب والمشغولات المقلدة كالروسي والبرازيليوالصيني، وذلك هروباً من ارتفاع أسعار الذهب في الفترة الأخيرة، وخاصة أن السوق المحلية تغرق الآن بأنواع كثيرة من مصوغات ومشغولات ذات أشكال وأنواع وأحجام مختلفة وموديلات متنوعة، وهي تباع في الأسواق والمحال منافسة للأصلية، غير أنها تنتهي بمجرد استخدامها لمرة أو مرتين ويذهب الطلاء الذي على الإكسسوار إذا وقع عليه أي سائل كالعطر أو الماء وغيره، لأنها في الأصل مشغولات مقلدة فهي إما بلاستيك ومطلية بغشاء من الذهب أو من الحديد الخفيف جداً. «هو ملاذ ولكنه غير آمن» هكذا علق أحمد سعيد، محاسب في أحدى الشركات، قائلًا: أسعار هذه المنتجات بخسة الأثمان، ولكنها بالمقابل تحمل ضرراً كبيراً على المواطن، فلا أحد يعلم مصدر هذه المنتجات، فمواد التجميل والشامبو والكريمات التي تحمل أسماء عالمية وتباع على قارعة الطريق تشكل ضرراً على البشرة، وهي مؤذية لصحة الإنسان، وذلك لاحتوائها على مواد كيماوية تؤدي إلى خدوش في الجلد وقد تؤدي لمشكلات لا تحمد عقباها، وكذلك الأمر بالنسبة للنظارات الشمسية المقلدة والتي ثبت بالدليل أنها مؤذية للعين وتسبب إتلافاً للشبكية. وأتفقت معه في الرأي، ميرفت الخيمي، أحدى ربات المنزل، قائلة إنها تعرضت لموقف لن تنساه، عندما قامت بشراء كريمات للبشرة ولإزالة الشعر، وكان سعرها الأصلي 150 جنيه، إلا أن أحد المحلات عرضتها بسعر 40 جنيه فقط، مشيرة إلى إنها عند تجربتهم، فوجئت بحرقان وإحمرار شديد، ولجأت إلى طبيب أمراض جلدية، الذي أكد أنني وضعت مادة حارقة ومضرة جداً بالجلد، وعندما عرضت عليه المنتج، أكد لي انه مقلد، مؤكدة على إنها تعلمت الدرس جيداً، خاصة وأن علاجها تكلف ما يزيد على 600 جنيه. مواد كيميائية مجهولة الصنع: كشفت مجموعة من الأبحاث والتقارير الدولية، أضرار المكياج والبضائع المُقلدة، والمواد التي تدخل في صنعها والتي تعتبر مواد خطيرة وغير صحية تمامًا، حيث أشارت الأبحاث إلى وجود نسبة من الرصاص، قد تصل في المنتجات المقلدة إلى 19 ضعف النسبة المسموح بها من الرصاص، ويؤدي تراكم الرصاص في جسم الإنسان على مدار الأشهر من الاستخدام إلى التسمم بالرصاص، والذي قد يؤدي إلى فقدان الذاكرة، والصداع، وآلام العضلات، وليس هذا فقط حيث تتعرض المرأة الحامل لخطر الإجهاض والولادة المبكرة، بالإضافة إلى أن المنتجات المقلدة لا يقوم بها متخصصين أو مدربين بصنعها أو بمعرفة النسب المضبوطة لصنع المنتج. وأضافت الأبحاث، أنه وجد عند دراسة تلك المنتجات، نسبة عالية من مادتي الزرنيخ والزئبق، مثل منتجات ظلال العيون وبودرة الأساس والماسكرة، وكما نعرف فإن تلك العناصر سامة يمكن أن تسبب السكتة الدماغية وأحيانًا الموت، كما يسبب التسمم بالزئبق في حدوث الضرر للقلب والفشل الكلوي، الضرر لجهاز المناعة والرئة والدماغ، فضلًا عن خسارة الشركات الكبرى في الأسواق تقدر بمليارات الدولارات سنوياً، بالإضافة إلى وجود بول الإنسان في العطور المقلدة، وبراز الفئران في أدوات التجميل. المخاطر الطبية على المنتجات المقلدة: وترى الدكتورة ندى رضا، استشاري الأمراض الجلدية، والعلاج التجميلي بالليزر، وعضو الكلية الأوروبيه للتجميل والجراحة في عيادات InShap، أن انتشار السلع المقلدة والمغشوشة وغير المطابقة للمواصفات والمقاييس، بهذه الكثافة يعود إلى أسباب عدة منها قلة الوعي لدى المستهلك، والجشع المادي وضعف الوازع الديني لدى بعض من المستوردين والبائعين، وجشع بعض أصحاب السلع الأصلية، ورخص ثمن السلع المغشوشة، مشيرة إلى أن قلة وعي المستهلك، تؤدي إلى تحمله معظم الآثار السلبية المباشرة سواء على صحته، عندما تكون السلع غير صالحة للاستهلاك الإنساني، أو على سلامته عندما تكون غير مطابقة للمواصفات والمقاييس، فالسلع المقلدة أو المغشوشة سريعة التلف، فيضطر المستهلك إلى شراء سلع بديلة، وهذا يؤدي إلى زيادة الصرف الاستهلاكي وفقدان المال. وأكدت أن الغش الدوائي، يعد الأخطر في السلع المقلدة، وهوعبارة عن جريمة تؤدي إلى الموت المباشر للمرضى، فضلًا عن مشكلة العطور المقلدة التي تحمل في طياتها الكثير من المخاطر الصحية، مشيرة إلى أن الشركات العالمية للعطور حريصة على سمعتها، لذلك تتأكد قبل تسويق أي منتج لشركتها بأنه لا يتسبب في أي ضرر, أما المركبات المقلدة والتي تخلط يدوياً فلا توجد مختبرات لاختبارها وقد تكون سامة, وقد نكتشف بعد الاستخدام الطويل بأن لها علاقة بمرض التوحد والاكتئاب وحساسية الجلد وأمراض أخرى مجهولة، وقد تدخل إلى الدماغ لأن بعض المواد لها خاصية اختراق الحاجز بين الدم والدماغ، بالإضافة إلى مخاطرها على الجهاز التنفسي للمستهلك، والتي تتضمن الكثير من المخاطر الصحية خاصة لمن يعانون من الأمراض الصدرية. الغرف التجارية ودورها في منع البضائع المقلدة: حدد يحيى زنانيري، رئيس الشعبة العامة للملابس الجاهزة بالاتحاد العام للغرف التجارية، الفئة المستهلكة لتلك المنتجات، قائلًا: إن الراغبين في اقتناء الماركات العالمية، هم الأكثر إقبالًا على شراء تلك السلع والعلامات المقلدة؛ لأن أسعارها أقل من الماركة العالمية التي تمتلك خامات ومواد تصنيع خاصة بها، وعلى أعلى مستوى؛ لذلك تكون أسعاره في الغالب مرتفعة، لافتًا إلى أن التقليد ينتشر بكثرة في الملابس الرياضية، والأحذية والساعات، حيث يتم استيراد أغلبها من الخارج، إضافة إلى بعض المصانع المصرية، التي تقوم بتصنيع هذه الماركات المقلدة. وتابع، أن أخطر السلع المقلدة والمغشوشة على الإطلاق، تتمثل في الأدوات الكهربائية والسلع الغذائية المغشوشة أو غير المخزنة بشكل جيد. القانون والعقوبة: يعتبر قانون العلامة التجارية، قانوناً حديثاً نسبياً، وترجع بداياته إلى القرن التاسع عشر، وفي منتصفه حصل أول اعتراف قانوني فعلي في العلامة التجارية، حيث سنت فرنسا تشريع العلامة التجارية في عام 1857. وفي عام 1883 عقد مؤتمر دبلوماسي دولي في باريس تم فيه التوقيع على معاهدة باريس لحماية الملكية الصناعية هي: بلجيكا، البرازيل، السلفادور، فرنسا، جواتيمالا، إيطاليا، هولندا، صربيا، إسبانيا، وسويسرا، وعندما دخلت المعاهدة حيز التنفيذ صادقت عليها كل من بريطانيا وتونس والأكوادور، وبذلك أصبح عدد الدول الأعضاء 14 دولة، وخلال هذا القرن ارتفع عدد أعضاء معاهدة باريس إذ بلغ عدد الدول الأعضاء فيها 140 دولة، وباتت تعتبر الوثيقة التي يرتكز عليها قانون العلامة التجارية على المستوى الدولي. وعقوبة تزوير العلامات التجارية، الحبس والغرامة في بعض الدول، وهذه قد تشمل المزوّر الحقيقي والمروّج للسلع المزورة أو المقلدة. أمّا التقليد، وهو الأكثر رواجاً في العالم العربي، فيقوم المقلّد، خلال بحثه عن طريقة لتمييز منتجاته، بإختيار علامة مشابهة لعلامة مشهورة أو تحاكيها من حيث الشكل، وعادة ما تكون هذه العلامة مسجلة ولها حماية قانونية. الدين مابين الحلال والحرام: منذ أكثر من عامين، خرج مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، ببيان يؤكد على أن حقوق الملكية الفكرية، هى من الحقوق الثابتة لأصحابها شرعًا وعرفًا، مضيفًا إلي أن العلامة التجارية (الماركة) لها حق المطالبة القضائية فى العُرف القانونى ولا معارض لذلك فى الشرع؛ فإن هذا يجعل لمثل هذه الحقوق حكم المالية فى تملك أصحابها لها واختصاصهم بها اختصاصًا يحجز غيرهم عن الانتفاع بها بدون إذنهم. وتابع المرصد أن الإسلام احترم حق الأسبقية وجعل للسابق ما ليس للمسبوق؛ فعن أَسمَرَ بن مُضَرِّسٍ رضى الله عنه قال: أتيت النبى صلى الله عليه وآله وسلم فبايعته، فقال: "مَن سَبَقَ إلى ما لم يَسبِقه إليه مُسلِمٌ فهو له". وأشار المرصد، إلى أن التعدى على هذه الحقوق الفكرية والتربح منها يُعد من باب أكل أموال الناس بالباطل؛ والله تعالى يقول: ?يا أيها الذين آمنوا لا تَأكُلُوا أَموالَكم بينَكم بالباطِلِ إلاّ أَن تَكُونَ تِجارةً عن تَراضٍ منكم?،ويقول سبحانه وتعالى: ?ولا تَأكُلُوا أَموالَكم بينَكم بالباطِلِ وتُدلُوا بها إلى الحُكّامِ لتَأكُلُوا فَرِيقًا مِن أَموالِ النّاسِ بالإثمِ وأنتم تَعلَمُونَ?، مشيرًا إلى أن تقليد الماركات وعرضها فى السوق بنفس اسم العلامة لبيعها دون إذن أصحابها أمر محرم شرعًا. ومن جانبه أكد الشيخ إبراهيم الظافري، أحد علماء الأزهر، أن الدين شرع فقط حقوق الملكية التجارية، أما الإعتداء عليها بالسرقة أو التقليد، فهو تزوير وكذب وخداع، وحرمه الدين، مشيرًا إلى إن الاتجار في الماركات المقلدة، والتي تعلم الشركة المصنعة للمنتج الأصلي بانتشارها، فالشركات تعتبر هذا تسويقًا لمنتجها، كما أن البائع قد برأت ذمته، بإخباره المستهلك، أنه فرز أول أو ثاني أو ثالث أو بقوله كوبي أو هاي كوبي، أوماشابه، أما إذا بيع المُقلد على أنه أصل فلاشك في حرمته.