مهندس بترول شاب ينشئ مؤسسة لمساعدة "سكان الشوارع".. وكلمة السر "عم سيد" نجحوا فى إعادة 75 مشرداً إلى أسرهم مرة أخرى.. وهدفهم أن تصبح مصر خالية تماما من المشردين بالشوارع لديهم 3 دور للمشردين وفرق من المتطوعين فى 6 محافظات..ويمكن لأى شخص يعثر على مشرد فى الشارع أن يرسل لهم صورته ومكانه مفاجأة.. بعض الأسر ترفض عودة "المشرد" لهم سواء كان أباً أو ابناً أو زوجاً هم أشخاص طبيعيون اضطرتهم ظروف الحياة إلى اللجوء إلى الشارع بحثا عن الأمان الذى لم يجدوه داخل الأسرة ليحملوا بذلك لقب "المشردين"، لاشك أنك حين تقابل أحدهم، تبدأ سلسلة من التساؤلات تتسرب إلى ذهنك أهمها: هل لهذا الرجل أهل وأسرة؟! وما الذي حدث له لكي يصبح حاله هكذا؟! وفى النهاية لا تملك سوى أن تمر بجانبه مسرعا أو أن تعطيه مبلغا زهيدا من المال، لكن هل فكرت يوما أن تقدم مساعدة حقيقية لهؤلاء المشردين؟ هذا بالضبط ما فعله محمود وحيد "مهندس بترول" منذ 3 سنوات عندما شاهد رجلا مسنا مشردا فى الشارع يحتاج إلى مساعدة، لينشئ بعد ذلك "مؤسسة معانا لإنقاذ إنسان" التى تعد أول مؤسسة مصرية لإيواء المشردين، لتفاصيل أكثر عن المؤسسة وطبيعة عملها اقرأ تحقيق التالى..
بداية الفكرة "جاءتنى فكرة إنشاء مؤسسة لإنقاذ المشردين منذ 3 سنوات عندما قابلت "عم سيد" وهو مسن مشرد وحاولت مساعدته لأن حالته الصحية كانت سيئة جدا لكننى للأسف لم أجد أى جهة فى مصر تهتم بهذه الفئة لذلك قررت أن أقوم بإنشاء المؤسسة "هكذا بدأ محمود وحيد مهندس بترول ورئيس مجلس إدارة مؤسسة "معانا لإنقاذ إنسان" حديثه معنا عن بداية فكرته لإنشاء المؤسسة، ويكمل: بمجرد أن فكرت فى الأمر عرضته على صديقى حاتم زهران ولأننا نعمل فى العمل الخيرى منذ أكثر من 10 سنوات تحمس جدا للفكرة خصوصا أننا ظللنا لسنوات طويلة نسافر لمسافات طويلة لتوصيل المياه إلى القرى الفقيرة أو ترميم أسطح المنازل بالنجوع لكننا وجدنا أن من بيننا هنا من هم أولى بالمعونة وهم المشردين فى الشوارع ولا يملكون مأوى ويأكلون من القمامه فقررنا أن نركز اهتمامنا على هذه الفئة.
الصعوبات وعن أهم الصعوبات التى واجهتهم عند تطبيق الفكرة يقول حاتم زهران مدير شئون إدارية بإحدى شركات الأدوية و"أمين صندوق بمؤسسة معانا لإنقاذ إنسان": بالطبع واجهنا الكثير من الصعوبات فى الحصول على ترخيص من وزارة التضامن الاجتماعى لأن هذا النشاط لم يكن موجودا من قبل، لكن الحمد لله مع الوقت أصبحت الوزارة متعاونة جدا وأصبح لدينا 3 دور للمشردين، حيث بدأنا بمقرين فى مدينة 6 أكتوبر، أحدهم للنساء وآخر للرجال، لكن بعد معاينة مسئولى وزارة التضامن الاجتماعى اقترحوا الحصول على مكان أكبر والحمد لله أخذنا مقر أكبر وحصلنا على الترخيص عليه. وحاليا لدينا 3 فروع بالدقى والهرم ومنطقة سقارة حيث تقوم الوزارة بتحديد الكثافة داخل كل دار وفقا لمساحته، لكنهم يواجهون أيضا صعوبات فى عدم تعاون وزارة الصحة لأن حوالى 90 % من الحالات ليست لديها بطاقة شخصية والأمر يتطلب بعض الوقت لاستخراج أى أوراق فى حين ترفض الوزارة أن تتعامل مع تلك الحالات، لكننا نتعامل مع الأمر على أساس أننا نريد "إنقاذ إنسان على قيد الحياة وليس مجرد ورقة رسمية".
الوصول إلى المشردين وعن كيفية الوصول إلى الحالات، يقول محمود: لدينا فرق متطوعين فى 6 محافظات، ويمكن لأى شخص يعثر على مشرد فى الشارع أن يرسل لنا صورة الحالة ومكان تواجده على صفحتنا على الفيسبوك ويقوم فريق الإنقاذ من المتطوعين بالنزول على الفور للتعامل مع الحالة. ويضيف: وتضم فرق الإنقاذ أعداداً من الشباب المدربين على كيفية التعامل مع تلك الحالات وإقناعها بالمجيء إلى الدار وعدم الجلوس فى الشوارع حفاظا على صحتهم وسلامتهم وللحصول على الرعاية اللازمة، وعن مدى استجابة المشردين وتجاوبهم مع فرق الإنقاذ يوضح محمود: هناك بعض المشردين على درجة عالية من الوعى وهذا يسهل علينا إقناعهم، لكن هناك قلة ترفض وتكون خائفة ولا تقتنع إلا بعد عدة محاولات. ويضيف: أول إجراء بعد تجاوب الحالة هو الحديث معها ومحاولة الحصول على أى معلومات عن حياته السابقة وما إذا كانت معه بطاقة شخصية أو أوراق ثبوتيه أو غير ذلك، ثم تأتى مرحلة "النظافة" من استحمام وحلاقة الذقن وغير ذلك من الأمور التى تظهر ملامحه من جديد حتى نتمكن من تصويره صورة واضحة تظهر ملامح وجهه من جديد لنتمكن من إرسال صوره إلى صفحات المفقودين على مواقع التواصل الاجتماعى، والحمد لله استطعنا إعادة حوالى 75 حالة من المشردين إلى أسرهم وهذا فى حد ذاته يمثل سعادة كبيرة لنا. ويضيف: فى البداية كان يتم عمل إجراءات النظافة فى الشارع أو داخل أقرب مسجد، لكن مع الوقت وجدنا أن هذه الطريقة ليست الأفضل فأصبحنا نقوم باصطحابه إلى الدار لعمل اللازم، و بعدها نصطحبه إلى المستشفى لإجراء فحوصات وتحاليل كاملة لمعرفة حالته الصحية، فإذا كانت مستقرة يعود للإقامة فى الدار على الفور، أما إذا كانت الحالة فى حاجة إلى تواجد بالمستشفى فيظل بها حتى تتحسن حالته ثم يعود إلى الدار، بعد ذلك نبدأ فى إبلاغ وزارة الداخلية من خلال محضر شرطة وكذلك إخطار لوزارة التضامن بالحالة. ويشير إلى أن الدور التابعة للمؤسسة تضم فقط حالات المشردين من سن 18 عاما وحتى آخر العمر، لكن هذا لا يمنع فرق الإنقاذ من التعامل مع من هم دون هذا السن من الأطفال والمراهقين المشردين، بحيث يتم إيداعهم لدى دور للأيتام بالتنسيق مع "أطفال بلا مأوى". وعن الأنشطة التى يقوم بها المقيمون فى الدار يقول حاتم: هناك أنشطة يومية لزيادة المهارات الخاصة بالحالات وجلسات نفسية وأنشطة ثقافية حتى يكون يومهم له فائدة. وبعضهم أعدنا دمجه المجتمع فقام بالعمل معنا ومنهم عم منصور، الذى قمنا بتعيينه "مسئول أمن" على باب دار "الدقى" بمرتب ثابت، بعد إقامته بالدار مدة حوالى 3 سنوات وقمنا بإعادة دمجه فى المجتمع مرة أخرى وبذلك ساعدناه على أن يصبح له هدف وأن يكون عضو فعال فى المجتمع. ونفس الوضع بالنسبة لحالة "حمدى" الذى كان يعانى من إعاقة كاملة فى قدميه وتم إجراء عمليتين جراحيتين فى رجليه وتحسنت حالته الصحية بشكل كبير وأصبح يعمل داخل الدار أيضا.
أصعب الحالات وعن أصعب الحالات التى تعاملوا معها فى المؤسسة يؤكد محمود: عم سيد هو أول حالة تعاملنا معها وكنا نعتبره والدنا وكان هو ملهمنا بالفكرة حيث وجدناه فى شارع صلاح سالم وكان عمره 75 عاما، وكانت حالته الصحية سيئة جدا وظل معنا فى الدار حوالى 8 أشهر ثم توفاه الله. كذلك حالة عم ميلاد من أكثر الحالات الصعبة حيث تم العثور عليه من خلال فريق إنقاذ الإسكندرية وكان وضعه الصحى متدهورا للغاية وكان يعانى من ضعف عام وفقر دم شديد و للأسف توفاه الله أيضا بعد فترة قصيرة. ويضيف أن من أكثر الحالات المؤثرة جدا هى حالة سيدة عادت إلى أسرتها بعد تغيبها 53 عاما فى مشهد مؤثر للغاية. دعم وتبرعات وعن موارد الإنفاق داخل المؤسسة يقول حاتم إن المؤسسة تقوم على الجهد الذاتى للمتطوعين والمورد الوحيد لها هو التبرعات التى يتم من خلالها الإنفاق على الطعام والكسوة والأدوية وتكاليف العلاج بما فيه من تحاليل وإشاعات وعمليات جراحية لبعض الحالات إذا لزم الأمر، نتحمل كافة تكاليف الإقامة والعلاج للحالات جميعها من أموالنا الخاصة ومن التبرعات أيضا لكننا للأسف نتلقى تبرعات قليلة جدا، ونناشد دائما المتبرعين بمساندتنا ودعمنا ماديا ومعنويا حتى نستطيع أن نستمر فى هذا العمل الخيرى الهام وأن نظل قادرين على إنقاذ كل من هم بلا مأوى. هدف وطموح وعن الهدف من المؤسسة يؤكد حاتم: هدفنا هو إنقاذ كل المشردين ومن هم بلا مأوى من الوجود فى الشارع بحيث يأتى اليوم الذى تكون فيه مصر خالية تماما من المشردين وأن نقوم بإنشاء دار فى كل محافظة تجمع المشردين الموجودين بداخلها، كذلك نسعى لتغيير نظرة المجتمع للمشرد لأننا عانينا طويلا من انتشار ثقافة أن المشرد شخص مختل عقليا أو أن التعامل معه قد يسبب لنا أذى لكن الحقيقة والواقع يؤكدان أن المشرد هو إنسان طبيعى مثلنا لكنه تعرض لظروف أدت به لهذا الحال و كلنا معرضون لذلك. وتوضح سارة خلف "سكرتارية وأمينة مخازن بالمؤسسة" : لا أنكر قلقى فى بداية العمل داخل المؤسسة ،لكن مع الوقت شعرت أننى لا أعمل فقط ، لكننى أقدم خدمة جليلة أحصل مقابلها على ثواب عظيم من الله تعالى . وبالفعل أشعر بسعادة شديدة خلال فترة تواجدى بالدار وأعتبره بيتى حيث إرتبطت نفسيا وعاطفيا بالمكان بشكل كبير وكذلك اكتسبت الكثير من الخبرات وأرفض دائما ترك هذا المكان أو البحث عن عمل آخر. أما رولا صبحى "مدير الدار والمشرف العام على المؤسسة" فتقول: عندما سمعت عن فكرة إنشاء المؤسسة من معاون وزيرة التضامن الإجتماعى للرعاية تحمست جدا للفكرة خصوصا وأننى أعمل فى العمل العام منذ ما يقرب من 10 سنوات وبالفعل انضممت للمؤسسة وبدأنا فى وضع الهيكل الإدارى والفنى للمؤسسة وتلقينا جدولا من الوزارة بالوجبات اليومية التى يجب أن يتناولها المقيمون بالدار وأصبح لدى كل حالة ملف خاص بها يتضمن المعلومات الشخصية والأوراق الثبوتية والجانب الصحى والجانب النفسى، وتضيف: فى البداية كنت مسئولة عن كل شىء بنفسى، لكن مع الوقت تم تعيين مسئول مختص بكل قطاع مثل التمرض والأطباء وغير ذلك وأنا أقوم فقط بعملية المتابعة والإشراف اليومى حيث أحصل على تقرير يومى من الأطباء والتمريض والمساعدين للتعرف على تفاصيل ما حدث خلال اليومى وأتدخل بنفسى عندما يتطلب الأمر، ونقوم بعقد اجتماع شهرى لوضع خطة تطويرية للمؤسسة. وتضيف رولا: نحن فى حاجة ماسة إلى العمل أيضا مع الأسر وليس فقط مع الحالات، لأننا فوجئنا بكم كبير من الأسر التى ترفض عودة "المشرد" لها سواء كان أبا أو ابنا أو زوجا او غير ذلك لظروف عديدة منها عدم وجود مصدر دخل للأسرة وبالتالى عدم القدرة على تحمل نفقات علاجه أو ملابسه وهناك من يشعرون بعدم رغبة فى عودة الأب لسوء معاملته معهم أو غير ذلك.