حرمت دار الإفتاء المصرية اليوم الخميس المشاركة فى اللعبة المسماة ب"الحوت الأزرق" Blue Whale ، التى تطلب ممن يشاركون فيها اتباع بعض الأوامر والتحديات العنيفة التى تنتهي بهم إلى الانتحار ، وهو ما وقع فيه الكثير من المراهقين مؤخرًا فى مصر وعددٍ من دول العالم . وأكد الدكتور شوقي علام ، مفتي الجمهورية ، أن المشاركة في تلك اللعبة حرم شرعًا ، لأن الشريعة الإسلامية جاءت رحمة للعالمين ، واتجهت في أحكامها إلى إقامة مجتمعٍ راقٍ متكاملٍ تسوده المحبة والعدالة والمثل العليا في الأخلاق والتعامل بين أفراد المجتمع ، ومن أجل هذا كانت غايتها الأولى تهذيب الفرد وتربيته ليكون مصدر خيرٍ للبلاد والعباد ، وجعلت الشريعةُ الإسلامية الحفاظ على النفس والأمن الفردي والمجتمعي مقصدًا من أهم المقاصد الشرعية ؛ التي هي: النفس ، والدين ، والنسل ، والعقل ، والمال . وقال مفتي الجمهورية : فكل ما يتضمن حفظ هذه المقاصد الخمسة فهو مصلحة ، وكل ما يفوتها فهو مفسدة ودفعها مصلحة ، كما قررت الشريعة الإسلامية أن الأصل في الدماء الحرمة ، وسنت من الأحكام والحدود ما يكفل الحفاظ على نفوس الآدميين ، ويحافظ على حماية الأفراد واستقرار المجتمعات ، وسدت من الذرائع ما يمكن أن يمثل خطرًا على ذلك في الحال والمال ، ومن هذا المنطلق يتضح - أن هذه اللعبة تشتمل على عدة أفعالٍ ؛ كل واحد منها كفيل بتحريمها شرعًا وتجريمها قانونًا ؛ أهمها : أولًا: أن المشارك في هذه اللعبة يبدأ بعد التسجيل فيها بنقش رمزٍ على جسده بآلة حادة ؛ كالسكين أو الإبرة أو نحوهما ، وفي هذا الفعل إيذاءٌ من الإنسان لنفسه ، وهو أمرٌ محرمٌ شرعًا ؛ فإن حفظ النفس من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة ، ولهذا حرم اللهُ تعالى كل ما يؤدي إلى إتلاف الإنسان أو جزءٍ منه ، وجعل رعايته في نفسه وجسده مقدمة على غيرها ، ومن مقتضيات الحفاظ على نفس الإنسان : حمايته من كل ما يمكن أن يصيبه بالضرر في صحته ؛ فحرمت الشريعة عليه كل ما يضره ، وجرمت إيصال الضرر إليه بشتى الوسائل ، لأن المقرر شرعًا أيضًا أنه "لا ضرر ولا ضرار"؛ فهذه قاعدةٌ فقهيةٌ من القواعد الخمس التي يدور عليها معظم أحكام الفقه ، وأصل هذه القاعدة ما أخرج ابن ماجه في "سننه" عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ". وثانيًا: يقوم المشارك في نهاية اللعبة بأحد فعلين : إما أن يقتل نفسه وهو الانتحار، أو يقتل غيره ، وقد حرمت الشريعة الإسلامية إتلاف البدن وإزهاق الروح عن طريق الانتحار أو ما يؤدي إليه ؛ فأَمرت الإنسان بالمحافظة على نفسه وجسده من كل ما يهلكه أو يسوءه ، ونهت عن أن يقتل الإنسان نفسه أو ينزل بها الأذى ؛ فلا يجوز لأحدٍ أن يتصرف في جسده تصرفًا يؤدي إلى إهلاكه أو إتلافه، وكل إنسانٍ وإن كان صاحب إرادةٍ - فيما يتعلق بشخصه إلا أنها مقيدة بالحدود التي شرعها الله تبارك وتعالى كما في قوله سبحانه: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، وقوله عزّ وجلّ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29]، وقوله جلّ شأنه: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29] ، وروى الترمذي في "سننه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا أَبَدًا» ، وعن ثابت بن الضحّاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» متفقً عليه . وأوضح مفتي الجمهورية : إنه كذلك الحال بالنسبة لقتل الإنسانِ غيره بغير حقٍّ ؛ فالأصل في النفس الإنسانية عصمتها وعدم جواز الاجتراء على إنهاء حياتها ؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: 151]؛ قال الإمام الرازي في "تفسيره" (13/ 179، ط. دار إحياء التراث العربي): [الأصل في قتل النفس هو الحرمة، وحِلُّه لا يثبت إلا بدليلٍ منفصل] اه ، بل جعل الله تعالى قتل النفس بغير حقٍّ كأنه قتلٌ للناس جميعًا؛ فقال سبحانه: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32] ، وقال الإمام الرازي في "تفسيره" (11/ 344): [المقصود من تشبيه قتل النفس الواحدة بقتل النفوس: المبالغة في تعظيم أمر القتل العمد العدوان وتفخيم شأنه؛ يعني: كما أن قتل كل الخلق أمرٌ مستعظمٌ عند كل أحدٍ، فكذلك يجب أن يكون قتل الإنسان الواحد مُستَعظَمًا مَهيبًا] اه. وأضاف مفتي الجمهورية : وكما جاء النص الشرعي مخبرًا بأن المسلم في أي ذنبٍ وقع كان له في الدين والشرع مخرجٌ إلا القتل ؛ فإن أمره صعبٌ ؛ فروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» ، ويوضح هذا المعنى ما في تمام الحديث من قول ابن عمر رضي الله عنهما: «إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ» . داعيًا إلى عدم المشاركة في تلك اللعبة وكل من استدرج إليها بالخروج فورًا منها ، وقيام الجهات المعنية بتجريمها ومنعها بشتى الوسائل الممكنة حفاظًا على الشباب والنشء من خطرها .