كثيرا ما اتهم جيل التسعينات باتهامات لم تظهر لها دلائل على الأرض كيتلتصق بهم لسنوات طويلة، فوصفوهم بالأنانية، عدم التعاون، وحب خطف الأضواء، إلا أن الكواليس دائما ما تخفي شكل العلاقات الإنسانية الحقيقية بين أبناء هذا الجيل، تلك التي لو كانوا أظهروها في هذا التوقيت أمام الكاميرات لأصبحت تهمهم البديلة هي الاصطناع، التمثيل، والضحك على الذقون، تلك هي الآفة الكلاسيكية التي قبعت في نفوس القدامى ضد المجددين في كل مجال، فكل ما هو جديد ظاهرة، عديم الموهبة، ونجاحه اللافت مسألة وقت حتى تزاح الغشاوة من على أعين الجماهير، أو أن يشهر هذا "الجديد" إفلاسه القريب ويفتضح أمره،وحتى يحدث ذلك فلا مانع من النيل منه ببعض التصريحات النارية، والسخرية منه في الجلسات الخاصة، وقصف جبهته بتوصيةالأصدقاء في وسائل الإعلاموالذين يفعلون ذلك مجاملة.. هذا ما تقابله كل موهبة شابة في مصر بعد أن جاهدت لتطأ قدمها على أول طريق لم تتضح معالمه بعد، فربما لم تكن كافية كل تلك المحاولات بوأد أحلامهم بتجاهلهم حينما طلبوا المساعدة يوما ما، أو تكسير مجاديفهم الصغير بكلمات مقعرة أو ساخرة، بالطبع هذا لا يكفي مع المحاولات المستميتة لإثبات الذات، فلابد من سد كل ثغرات الوصول عليهم.. وبرغم أني "ثمانيناتي" المواليد فلا أنسى أبدا تلك الحكاية التي نقلها الجيل الذي سبقنيعلى سبيل التندر، والتي تروي ما قابله النجم هاني شاكر في بداية مشواره حينما اتهم بأنه كان "يحشر زماره" في حنجرته قبل حفلاته ليغنيبصوت مشابه لصوت النجم الراحل عبد الحليم حافظ، حتى أن الأخير حضر إحدى حفلات النجم الصاعد وقتها وأعتلى المسرح ليخرج تلك "الزماره" بيديه أمام الجمهور على سبيل الدعابة، أتذكر أيضا عناوين الصحافة التي اتهمت النجم محمد هنيدي بأنه ظاهرة وسوف تنتهي، وذلك حينما كسرت إيرادات أفلامه أرقام النجم الكبير عادل إمام بعد فترة من ركود سوق صناعة السينما التي كادت أن تنتهي لينقذها أبناء هذا الجيل من جديد.. وغير ذلك الكثير، وكأن كل ما هو جديد منقوص، غير جدير بأن نتذوق ما في روحه الطازجة من إبداع، وليس من حقه حتى أن يخرج للنور بأخطاء محتملة يمكن تداركها فيما بعد ولنحاسبه بعد انقضاء سنوات الخبرة التي لا مانع أن يحددها الكلاسيكيون، وهو ما يوجد سؤالا محيرا.. لماذا لا يقبلالسابقون المنافسة طالما يرتضون الاستمرار على الساحة؟! -إنه ذلك الهوس، الوسواس. وبعودة إلى جيل التسعينات أتوقف عند حالة بعينها، زمالة تحولت إلى صداقة لا تخلو من منافسة ترقى إلى أسمى درجات الشرف، تلك التي نشأت بين أسمين من ألمع الأسماء في مجال الشعر الغنائي، أيمن بهجت قمر وأمير طعيمة، وهنا ترتيب الأسماء بحسب الظهور.. لم يكن أيمن أبن الكاتب الكبير بهجت قمر ذلك الفتى المدلل الذي قدم له مفتاح دخول الوسط الفني على طبق من فضه، فقد كان رحيل والده المبكر كفيلا بأن تقطّع أوصال العلاقات بالوسط الفني من جذورها، وكانت محاولاته لإثبات نفسه مضاعفة المجهود لالتصاق أسم والده به تارة ولظروف معيشية صعبة تارة أخري، كذلك أمير الذي كان حلمه بتحقيق موهبته على الأرض يحتاج إلى قرارات مصيرية تبدأ بترك وظيفته المرموقة وتنتهي بغربته في شوارع القاهرة.. لم تلتفت هوجة الاتهامات الموجهة إلى الصديقين إلى كواليس علاقتهما التي كان لي فرصة أن أعرفها عن قرب.. في نهاية التسعينات كان النجم عمرو دياب يعتمد على أيمن بهجت قمر في العديد من التفاصيل التي لها علاقة بكلمات أغانيه، في الوقت الذي أتيح فيه لأمير أن يصل إلى الشهرة عبر أوسع أبوابها عن طريق دياب، وكانت "العالم الله" تلك الأغنية الشهيرة أولى المفاتيح الذهبية لتلك البوابة، وقتها أمير كان منهكا من كتابة الأغنية عدة مرات قبل أن تصل لشكلها النهائي المرضي لعمرو، وكان لأيمن الذي أصبح له من صلاحيات ديابية وخبرة مهنية تجعله يرى نجاح الكلمات قبل طرحها أن يقصي أمير عن طريق الوصول وأن يوأد حلمه قبل ميلاده، كان ممكنا أن يضلله حتى ينفرد بالملعب، إلا أن ثقته في نفسه وإيمانه بموهبة صديق المستقبل وقبلهما أخلاقه وتربيته جعلوه يقرر مساعدته ومنحه مفاتيح اختصرت له الطريق لينهي الأغنية التي ربما بعد ذلك نال نجاحها من كلمات أخرى كتبها أيمن نفسه لعمرو دياب في نفس الألبوم.. في كواليس علاقة أيمن وأمير الكثير من الحواديت الثرية التي تدلل على قوة صداقتهما برغم التنافس المشتعل بينهما طوال الوقت لخطف آذان الجمهور بكلمات لؤلؤية الضي واسعة الانتشار،الكثير من القصص التي قد يكون هناك مساحة أخرى لسردها، تبدأ من شقة "الخرم" التي سكناها سويا توفيرا لقيمة الإيجار، حتى وصولهما سويالأعلى أدوار ناطحات سحاب الشعر الغنائي في مصر والوطن العربي، وهو ما يدلل صواب اختيارهما للمضي قدما دون الالتفات لما كانا يقذفان بهوأبناء جيلهما في بداية الطريق.. وإن كان للوصم القديم الذي نال منهما مثلما نالت من أجيال بأكملها أثرا لم يمحى بعد، وإذ ربما بقيت ظلاله التي تحاول أن تنال من وهج نجوميتهما، فأعتقد أن للقائهما المنتظر عرضه قريبا في برنامج "معكم منى الشاذلي" فرصة أولى لفهم طبيعة هذه العلاقة عن قرب، ومعرفة مكونات هذا الجيل في أشرس صور التحدي، تلك التي تستعرض تجليات المنافسة أمام الجمهور وليس تلك التي يتم إدارتها عبر الجلسات الخاصة والبعيدة عن الأضواء، ترى..هل ستبقى المنافسة شريفة؟ هل سيحرك التحدي الغيرة بينهما؟ هل ينتصر جيل التسعينات إلى سمعته؟ -إن غدا لناظره قريب.