لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك ... بمشاعر تفيض بالإيمان بالله والتضرع إليه سبحانه وتعالى وقف الحجاج بصعيد عرفات اليوم لقضاء الركن الأهم فى أركان الحج .. فالوقوف بعرفة هو الركن الرابع فى أركان الحج بعد الإحرام وطواف الإفاضة والسعى بين الصفا والمروة .. جاء فى كتاب الفقه الميسر لفضيلة الإمام الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوى أن عرفات هو اسم لجبل معروف بهذ الاسم وقيل سمي بذلك لأن الحجاج يتعارفون عنده لأنهم يجتمعون عليه في وقت واحد وهم قد جاءوا من مشارق الأرض ومغاربها فيجرى التعارف بينهم وقد أجمع الفقهاء على أن الوقوف بعرفات هو ركن الحج الأكبر ففى الحديث الشريف "الحج عرفة" فإن فات الحاج هذا الركن فسد حجه وعليه إعادته فى عام آخر والمقصود بالوقوف بعرفات الحضور والتواجد فى هذا المكان وجمهور الفقهاء أجمعوا على أن الوقوف بعرفات يبدأ من بعد الزوال أى بعد الظهر من يوم التاسع من ذى الحجة ويمتد إلى فجر اليوم العاشر من يوم النحر وفى فضل يوم عرفة وردت أحاديث متعددة منها ما جاء عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهى بأهل الأض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادى جاءوا شعثا غبرا جاءوا من كل فج عميق جاءوا يرجون رحمتى ولم يروا عذابى فلم ير يوم أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة". إن الله تعالى فرض الحج على كل مسلم مستطيع لآداءه لحكم سامية ولمقاصد جليلة ولغايات شريفة منها تقوية الإيمان فى القلوب وزيادة التقوى فى النفوس لأن المسلم بآداءه شعائر فريضة الحج والإحرام وطواف حول الكعبة وسعى بين الصفا والمرة وتلبية بذكر الله تعالى ووقوف بعرفات كل ذلك يزيده رسوخاً فى إيمانه وحباً لدينه وحسن صلة بخالقه عز وجل وامتثالاً لما أمر به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم من تعارف وتكافل وتآخى وتواصل بين المسلمين على اختلاف أماكنهم وألسنتهم فى مكان واحد حيث يتجهون بالعبادة إلى رب واحد وإلى قبلة واحد تجمعهم عقيدة واحدة وهى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهذه المعانى تغرس فى النفوس القيم الكريمة والسلوك الحميد والخلق الفاضل والفهم السليم لأحكام الدين ولرسالة المسلم فى هذا الحياة. وجاء عن أنس ابن مالك رضى الله عنه قال: وقف النبى صلى الله عليه وسلم بعرفات وكادت الشمس أن تئوب أى تميل نحو الغروب فقال " يا بلال أنصت لى الناس" فقام بلال فقال أيها الناس استمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت الناس فقال صلى الله عليه وسلم " أيها الناس أتانى جبريل آنفاً فأقرأنى من ربى السلام وقال إن الله غفر لأهل المشعر الحرام – أى المزدلفة – وضمن عنهم التبعات" أى غفر لهم ما عليهم من ذنوب فقام عمر ابن الخطاب فقال يارسول الله هذا لنا خاصةً ؟ فقال صلى الله عليه وسلم "هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة" فقال عمر: كثر خير الله وطاب. فإذا غربت شمس يوم عرفات بدأ الحجاج استعدادهم للإفاضة من عرفات إلى المزدلفة بسكينة وخشوع وقال تعالى " فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عن المشعر الحرام" وجاء فى الصحيحين عن جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غروب شمس يوم عرفات توجه إلى المزدلفة وجعل يقول" أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس فى الإسراع" وكان صلى الله عليه وسلم ( يسير العنق) أى يسير سيرا رفيقا فإذا وجد فجوة أى مكان متسع ليس فيه زحام سار سيرا فيه سرعة والمزدلفة لفظ مأخوذ من الازدلاف بمعنى القرب وسمى بذلك لقربه من (منى). فإذا ما وصل الحجاج إلى المزدلفة وأدوا صلاة المغرب ثلاث ركعات وصلاة العشاء ركعتين جمع تأخير بأذان واحدة وإقامتين وخلال وجود الحجاج بالمزدلفة يأخذون فى جمع حصى الجمرات الذى يستعملونه فى رمى جمرة العقبة الكبرى والوسطى والصغرى وبهذه الأعمال يكون الحجاج قد قضوا جزءاً كبيراً من ليلة النحر وهم بالمزدلفة ومن السنة أن يؤدوا صلاة الفجر بها ثم بعد طلوع الشمس يتوجهون إلى (منى) وفى اليوم العاشر وهو يوم النحر تبدأ أعمال هذا اليوم برمى جمرة العقبة الأولى بسبع حصيات ورمى الجمرات من واجبات الحج وإن تركه الحاج فعليه فدية بأن يذبح شاة ويوزع لحمها على الفقراء والمساكين أو يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين ويستحب التكبير والدعاء عند رمى كل حصاه بأن يقول الحاج "الله أكبر اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً " وبعد أن ينتهى الحاج من رمى جمرة العقبة الأولى فى يوم النحر يبدأ فى ذبح الهدى من الإبل والغنم والبقر وهو واجب بالنسبة له شكراً لله وبعد الحلق وتقصير الشعر يأتى بعد ذلك طواف الإفاضة وهو ركن من أركان الحج ومن الأعمال التى يقوم بها الحاج فى يوم النحر وبهذا الطواف تنتهى أعمال يوم النحر بالسعى بين الصفا والمروة ثم يعود الحاج إلى (منى) للمبيت استعدادا لرمى الجمرات فى الأيام التالية ليوم النحر و.. المبيت ب (منى) واجب عند جمهور الفقهاء وإذا تركه المسلم كان عليه فدية أما الجمرة الثانية أو الوسطى وهى قبل جمرة العقبة بمنى وترمى من جميع الجهات وأما الجمرة الثالثة فهى الصغرى ثم تنتهى أيام التشريق بطواف الوداع وهو الطواف الذى يقوم به الحاج عند مغادرة مكة بعد انتهاءه من آداء مناسك الحج. وعند وداع مكة يستحب أن يدعو الحاج بقوله " اللهم إنى عبدك وابن عبدك وابن أمتك سترتنى فى بلادك وبلغتنى بيتك وأعنتنى على آداء نسكى اللهم ارزقنى العافية فى بدنى والعصمة فى دينى وأحسن منقلبى ووفقنى لطاعتك ما أبقيتنى واجمع لى خيرى الدنيا والآخرة إنك على كل شىء قدير". ومن الأدعية المستحبة يوم عرفة ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو فى يوم عرفات ويقول "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".