سواء كانت مفاجأة أم صدمة متوقعة .. في الحالتين الواقع يؤكد أن الملياردير الأميركي دونالد ترامب أصبح هو الساكن الجديد للبيت الأبيض ، وأصبح دونالد جون ترامب ، الذي ولد في 14 يونيو 1946 ، الرئيس الأميركي الخامس والأربعين، وحتى قبل فوزه برئاسة أكبر دولة وصاحبة أكبر اقتصاد بالعالم، فإن أسم ترامب بحد ذاته كان يعد علامة تجارية ممتدة من الثروات والاستثمارات التي خاضها "الملياردير الرئيس" ذو ال 70 عاما الذي يخشى العالم وتخشى الأسواق من حقبته أن تغير وجه أميركا ، وبعد الحملة الأكثر غرابة بتاريخ الانتخابات الأميركية .. اصبح ترامب هو الرئيس والكل ينتظر سواء بلهفة أو بتخوف أن تتحول وعوده إلي حقائق .. فهل كلها قابلة للتنفيذ ؟ ترقب داخلي داخلياً .. ترامب كان واضحاً عقب الهجمات التى تعرضت لها باريس مؤخراً وطالب في خطاب أمام مناصريه خلال حملة ترشحه للرئاسة الأميركية بفرض حظر شامل على دخول المسلمين إلى أميركا ، وهو بالتأكيد ما سيؤثر علي السياسات المتبعة في فرص الهجرة التى تمنحها البلاد للآلاف سنوياً لمواطنين في البلاد الإسلامية ، كما إن اجراءات منح تأشيرات الدخول ستصبح أكثر تشدداً ، والرجل كان متأرجحاً بين الهجوم والتراجع .. فقد عاد ونفي عن نفسه تهم " الاسلاموفوبيا " وقال إن لديه 20 صديقا مسلما ، لكنه بحسب صحيفة ديلي اكسبريس، لم يذكر أيا من أسمائهم ، والطريف أن ترامب عقب فوزه بالإنتخابات ظهر وكإنه شخصاً آخر .. فقد أعلن أنه سيكون رئيسا " لجميع الأمريكيين " وأكد أنه سيعمل في منصب الرئاسة على إجراء إصلاحات مهمة في البلاد وإقامة علاقات جيدة مع كافة الدول التي ترغب في إقامة علاقات جيدة مع الولاياتالمتحدة ،وقال موجها حديثه للشعب الأمريكى "كنا أمام حدث تاريخى ويحدونى الأمل بعد 4 أو 8 سنوات أن تشعروا بالفخر لما سنقدمه، سأحتاج لمساعدتكم لنعمل كأمة أمريكية موحدة وبمساعدة جميع الأمريكيين من كافة الأديان سنعيد توحيد البلاد ، لدينا الكثير من الإمكانات، وكل أمريكى سيكون لديه الفرصة لتحقيق حلمه والمهمشون لن ينسوا بعد الآن ، سنعيد الاعتبار لمدننا المهمشة وسنعيد بناء بنياتنا التحتية والتى ستصبح مهمة سنضع الأمريكيين لبناء الدولة " ، لكن تظل هناك مخاوف واضحة من الأقليات والتي سبق وهاجمها ترامب بعنصرية واضحة . كما توجد مخاوف بعدما اصبح مسيطراً علي وكالات الاستخبارات الأمريكية ، بما فى ذلك وكالة الأمن القومى، وذلك نظرًا لأنه برر المراقبة الجماعية فى عهد الرئيس السابق جورج بوش ، كما سبق وقال أثناء حملته الانتخابية إن "بلدنا سيصبح بلد كرم ودفء وأمن ونظام؛ لأن الازدهار لن يحصل فى غياب القانون والنظام"؛ مشيرا إلى أن نسبة الجريمة فى 50 مدينة أمريكية كبيرة ارتفعت إلى 70 فى المائة، وأن 4 من كل عشرة أطفال أمريكيين من أصول أفريقية يعيشون فقراء، و14 مليون شخص فقدوا وظائفهم. وأن الفساد بلغ فى الولاياتالمتحدة مستويات عالية .. ولكنه لم يعرض بالتفصيل خطته لإصلاح هذه الأوضاع ، أيضاً البعض هناك ينتظر طبيعة الدور الذي ستقدمه السيدة الأولي الجديدة عارضة الازياء ميلانيا ترامب .. وهي أول سيدة تسكن البيت الابيض ليست من مواليد بريطانيا أو أمريكا .. فهي مولودة في سلوفينيا في 26 أبريل 1970 ولم تحصل علي الجنسية الأمريكية سوي من 10 سنوات فقط ، كما يترقب الأمريكيون للدور الذي سيقوم به مايك بنينس، نائب الرئيس الأمريكى الجديد والمعروف برفضه الشديد لتقنين الإجهاض ومنح حق الحصول على الجنسية الأمريكية لمن يولد لأبوين لا يقيم أحدهما على الأقل بطريقة شرعية فى الولاياتالمتحدة، كما سبق وقدم تشريعا آخر يهدف إلى تحديد شروط منح الجنسية للمهاجرين ، ويعارض كذلك المواقف البيئية التى يدافع عنها العديد من السياسيين والناشطين بشأن التغير المناخى، إذ يرى إن الأنشطة البشرية ليست مسئولة عن التغير المناخى أو انبعاثات غاز الكربون ، وسبق وأيد التدخل الأمريكى فى العراق عام 2003، ودعم أيضا المشاركة فى التحالف الدولى لإطاحة نظام معمر القذافى فى ليبيا عام 2011 .. ولكنه يعارض دعوات منع المسلمين من دخول الولاياتالمتحدة ويعتبرها "غير مقبولة وغير دستورية" ، كذلك ينتظر الأمريكيون لردود أفعال بعض المشاهير الذين كانوا يؤيدون هيلاري كلينتون وتعهدوا بالهجرة من أمريكا لو فاز ترامب ، فقد نشرت المغنية العالمية " شير" تغريدة على حسابها بموقع "توتير"، تقول فيها: "إن فاز ترامب سأنتقل إلى كوكب المشتري " ، وقالت الممثلة الكوميدية إيمي شومر إنها ستذهب إلى إسبانيا إن فاز ترامب، أما النجمة باربرا سترايساند فقالت "سأذهب إلى كندا" . ردود أفعال متباينة أما عربياً .. فنتوقف بداية مع مصر ، فقد هنأ الرئيس عبد الفتاح السيسي ترامب معربا عن أمله في "بث روح جديدة" في العلاقات المصرية الأميركية " والتي شهدت بعض الفتور منذ ثورة 30 يونيو ، وشدد بيان صادر عن الرئاسة المصرية على "العلاقة الإستراتيجية الخاصة التي جمعت بين مصر والولاياتالمتحدة على مدار عقود مضت"، كما لفتت الرئاسة إلى أن السيسي كان أول زعيم دولي يجري اتصالا هاتفيا بترامب لتهنئته، وهذا بالتأكيد كان متوقعاً ، فقد قال ترامب عقب لقاءه مع السيسي علي هامش وجود الرئيس المصري في نيويورك في اثناء حضوره لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة " الرئيس السيسى رجل رائع وأشعر بوجود كيمياء معه ، وأتعهد بدعوته لزيارة البيت الأبيض إذا انتخبت رئيسا لأمريكا، وأود أيضا زيارة مصر " ، وهناك أمور تبدو مشتركة بين ترامب والسياسة الحالية في مصر أهمها استراتيجية الحرب علي الإرهاب ، كما قال الدكتور وليد فارس، مستشار ترامب، إن الأخير يرى جماعة الإخوان من أخطر الجماعات التى تغذى الفكر الإسلامى الجهادى المتطرف، لذا فهو يسعى لتوجيه ضربة عسكرية للتنظيم الإخوانى وليس احتواءه سياسيا مثلما فعل أوباما وهيلارى كلينتون ، وأضاف فارس في تصريحات صحفية " لا يجب أن ننسى تجربة السادات مع الإخوان"، مؤكدا:" سنعمل كذلك على وضع حزب الله فى لبنان على لائحة التنظيمات الإرهابية" ، وسبق وقال ترامب فى إحدى حملاته الانتخابية: سوف نقوم بدحر القاعدة وداعش والقضاء على مصادره المالية، والعمل على القضاء على حزب الله ومن يموله فى إيران وسوف نعمل على ضمان إصدار قرارات أكثر قوة من مجلس الأمن. أما خليجياً .. فصحيح أن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بعث ببرقية تهنئة إلى ترامب، وأشاد ب"العلاقات التاريخية الوثيقة بين البلدين الشقيقين"، كما توقع السفير السعودي في واشنطن عبد لله بن فيصل بن تركي استمرار العلاقة "المتقدمة" مع واشنطن معتبرا أن الاختلاف "أحيانا على بعض التكتيكات أمر طبيعي بين أصدقاء وحلفاء". وفي الأثناء، كما بعث أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني برقية تهنئة إلى ترامب، معربا عن أمله بالتوفيق والنجاح، وبمزيد من التطور والنماء للعلاقات بين البلدين ، كما هنأ أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، متمنيا له "كل التوفيق والسداد" ، ولكن بعيداً عن عبارات المجاملة يبدو أن المنطقة ستنتظرها أياماً صعبة مع ترامب .. فهو يرى أن أمريكا ينبغى أن تخفف من المساعدات الكثيرة التى تقدمها لدول الخليج ، وقال إنه على المملكة العربية السعودية أن تدفع جزء من ثروتها فى مقابل التحالف الكبير بينها وبين الولاياتالمتحدة ، وفى مقابلة صحفية قال إن السعوديين يجنون مليارات الدولارات يوميا " ولولا أمريكا لما كانت السعودية موجودة " ، ومن المتوقع ألا تكون العلاقات الأمريكية السعودية فى مقدمة اهتمام الرئيس ترامب، خاصة فى ظل تعارض موقفه من سوريا معها. لكن العداوة المشتركة لإيران، قد تجمع الطرفين على طاولة واحدة، لاسيما فى ظل العداء الشديد بين السعودية وإيران ، وفي قطر كتبت صحيفة العرب "فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية يحدث زلزالا سياسيا غير مسبوق"، ووصفت الصحيفة ترامب ب "الملياردير الأمريكى الشعبوى الذى لا يملك أى خبرة سياسية" معتبرة أن ذلك "زلزال سياسى غير مسبوق يغرق الولاياتالمتحدة والعالم فى مرحلة غموض قصوى" ، علماً بأن ترامب استغل المليون دولار " الهدية " القطرية ل "صندوق كلينتون" بشكل جيد للتشهير بمنافسته. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فإن موقف الرئيس الأميركي المنتخب لا يختلف عن مواقف أي من الرؤساء السابقين ، فرؤساء أميركا جميعهم متفقون على تأييد إسرائيل وتقديم ما تطلبه من دعم وإن اختلف المنهج والتطبيق. لكن موقف ترامب من القضية الفلسطينية أقل وضوحا وإن كانت هنالك دلالات تشير إلى كونه أكثر دعما ، وهو نفسه كتب في أكتوبر 2016 على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" "لقد قلت في مناسبات عديدة إنه في عهد إدارة ترامب فإن الولاياتالمتحدة ستعترف بأن القدس هي العاصمة الوحيدة والحقيقية لإسرائيل" ، وما إن أُعلن فوز المرشح الجمهوري حتى خرج وزير التربية في إسرائيل نفتالي بنيت بتصريح نعى فيه فكرة قيام دولة فلسطينية، وقال إن "هذا هو موقف الرئيس المنتخب... لقد ولى عهد الدولة الفلسطينية". وبالنسبة للأزمة السورية، صرح ترامب في أكثر من مناسبة بأن بقاء نظام بشار الأسد " أنفع للمصالح الأميركية " علي الأقل مؤقتاً حتى يتم القضاء علي الإرهاب وتنظيم داعش في سوريا ، وهو سبق له أن تبنى العمل العسكري للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، بيد أن موقفه هذا لا ينطلق من إستراتيجية واضحة. كما يرى ترامب أن تدخل إدارة الرئيس باراك أوباما ووزيرة خارجيته السابقة هيلارى كلينتون عسكريا فى ليبيا للإطاحة بالقذافى كان أسوا خطأ ، ولذلك تبدو خطته تجاه طرابلس غامضة ، خاصة وسبق له القول " سنتوقف عن بناء الديمقراطيات في الدول الأجنبية، والإطاحة بالأنظمة والتدخل السافر في القضايا التي لا يحق لنا التدخل فيها". العالم ينتظر دولياً هناك مواقف متأرجحة .. فالرئيس الأمريكي الجديد أكد مرارا عن معارضته الشديدة للاتفاق النووي الذي وقعته إيران في يوليو 2015، وتعهد بأنه "سيمزقه" في اليوم الأول لرئاسته ، ولذلك بمجرد إعلان النتيجة أفاد المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمال وندي بأن بلاده مستعدة للتعامل مع جميع التطورات خلال رئاسة ترامب، وأنها تؤيد استمرار الاتفاق النووي، مضيفا "لو حدث أمر مخالف فنحن لدينا خطط طويلة الأمد للتعامل مع هذا الموقف" ، وحتى بريطانيا الحليف التقليدي .. قال زعيم حزب العمال البريطانى جريمى كوربين، اليوم الأربعاء، إن فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية يمثل رفضًا لا لبس فيه لمؤسسة سياسية، ويجب أن يكون دعوة لصحوة العالم ، وعلق كوربين على فوز ترامب قائلا- فى تصريح- "هناك حاجة إلى بديل حقيقى لنظام سياسى واقتصادى فاشل"، واصفًا الرئيس الأمريكى الجديد بالمثير للانقسام ، بينما اكتفت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بتهنئة ترامب والتعهد بتعزيز العلاقات مع واشنطن ، وأكد الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند، أن نتيجة الانتخابات الأمريكية تفتح مرحلة من الغموض، خاصة بعض مواقف ترامب خلال الحملة الرئاسية والتى يجب أن يتحدثوا فيها خاصة فيما يتعلق بقيم التى تشاطرها فرنسا مع أمريكا، قائلا "التاريخ والعلاقات العميقة سوف تساعدنا الفترة المقبلة" ، والكرملين قال في بيان له إن بوتين "عبّر عن أمله في التعاون لإخراج العلاقات الأميركية الروسية من وضع الأزمة وفي التعامل مع القضايا الدولية والبحث عن أساليب فعالة في مواجهة التحديات المتعلقة بالأمن العالمي"، مضيفا أنه على ثقة من أن الحوار البناء سيخدم مصالح الدولتين ، وسبق وقال ترامب " الرئيس الروسى فلاديمير بوتين زعيم أقدر من رئيسنا أوباما ". أما رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز فكان واضحاً وتوقع أن تكون العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة أكثر صعوبة بعد فوز ترامب، وقارن بين التصويت لترامب والتصويت البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي معتبرا أنهما يعدان شكلا من التصويت الاحتجاجي ، وتوقع وزير الخارجية الألماني فالتر شتاينماير أوقاتا "أصعب" مع ترامب، وقال إن الألمان يتقبلون فوزه مع أنهم لم يتوقعوه، علماً بأن ترامب سبق وقال " ما تفعله المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أجل طالبى اللجوء ضرب من الجنون" ، وأعرب وزير الخارجية الكوري الجنوبي يون بيونغ سي عن اعتقاده بأن الرئيس الأميركي الجديد سيواصل سياسة الضغط الحالية على كوريا الشمالية بسبب اختباراتها النووية والصاروخية. أما المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد فطالب ترامب بسحب القوات الأميركية من أفغانستان قائلا في بيان "تجنب مزيدا من العار في حرب فاشلة"، في حين هنأ الرئيس الأفغاني أشرف غني ترامب وقال إن حكومته تأمل أن يؤدي "التقارب الوثيق" مع ترامب إلى زيادة توسيع نطاق العلاقات وتطويرها ، من جهته، هنأ وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ترامب قائلا في تغريدة "نرغب بتعزيز تعاوننا الإستراتيجي القائم على الثقة مع الولاياتالمتحدة"، كما أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أمله في أن يؤدي فوز ترامب إلى خطوات إيجابية بالنسبة إلى الشرق الأوسط وإلى الحقوق والحريات الأساسية بالعالم ، لكن تظل المخاوف الأكبر من جانب المكسيك .. فقد قلل ترامب خلال حملته الانتخابية عدة مرات من قيمة عملة " البيزو " المكسيكية وهدد أكثر من مرة بفرض ضرائب على السلع المصنعة بالمكسيك بما يخالف نصوص اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، وهو سيناريو يهدد قدرة سلع المكسيك على المنافسة ، كما تحدث ترامب عن فرض ضرائب على التحويلات المالية من أميركا للمكسيك ، وخلال الأيام الماضية، تقدم مواطنون من المكسيك للحصول على تأشيرة أميركا، لأن الأمر سيزداد صعوبة إذا تواجد ترامب في البيت الأبيض رعب الإقتصاد والملاحظ أن نتائج الانتخابات الأمريكية تسببت في صفعة قوية هزت أسواق المال والأسهم العالمية، حيث يشعر المستثمرون بعدم الثقة إزاء مستقبل سياسات التجارة والهجرة في الولاياتالمتحدة في جو من القلق الجيوسياسي على الصعيد الدولي ، وهبطت التعاملات المستقبلية لمؤشر داو جونز 867 نقطة، أي بنسبة 4.7%، بينما هبط مؤشر ستاندرد آند بورز 500 وناسداك بنسبة 5%، أي الحد الأعلى المسموح بالهبوط به خلال يوم واحد، مما يضع السوق الأميركية في مستوى الهبوط الأكبر منذ أغسطس 2011، عندما انخفضت بنسبة 5.5% عقب خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة ، ولم تنج أسواق النفط من الهبوط، إذ فقد سعر برميل الخام الأميركي الخفيف 1.65 دولار أو 3.7% لينخفض إلى 43.33 دولارا في التعاملات الإلكترونية لنيويورك مركانتايل إكستشنج. كذلك فقد الخام الأوروبي برنت 1.35 دولار أي 2.9% إلى 44.69% ، وكانت دراسة حديثة توقعت انكماش الاقتصاد الأميركي بتريليون دولار عند فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب ، وربطت مؤسسة "أكسفورد إيكونوميكس" لأبحاث الاقتصاد -التي تصف نفسها بأنها شركة استشارات عالمية- توقعاتها للتداعيات السلبية لسياسات ترامب، والتي تشمل مزيدا من إجراءات الحماية التجارية وتخفيضات ضريبية وترحيلا جماعيا للمهاجرين السريين ، وتتوقع المؤسسة -التي مقرها إنجلترا ولها مكاتب بمدن أميركية- نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بمعدل ثابت نسبيا عند 2% من 2018 حتى عام 2021، ليرتفع الناتج الإجمالي الأميركي إلى 18.5 تريليون دولار ، وبنت الشركة تقديراتها هذه على أساس فوز محتمل للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وتقاسم الجمهوريين والديمقراطيين السيطرة على الكونغرس، وبالتالي استمرار السياسات الاقتصادية الحالية ، ولكنها تقول إنه في حالة فوز ترامب بالانتخابات – وهو ما تحقق فعلا - فقد يتباطأ معدل النمو عام 2019 إلى ما يقرب من الصفر، ليتقلص الناتج الإجمالي إلى 17.5 تريليون دولار ، وكان ترامب كشف قبل شهر بتجمع انتخابي في ديترويت عن الخطوط العريضة لبرنامجه الاقتصادي، ووعد بنمو اقتصادي أسرع عبر إجراءات تشمل محاربة البيروقراطية لتوفير وظائف أكثر، وإنعاش القطاع الصناعي من خلال منع شركات مثل "آبل" من تصنيع منتجاتها بالخارج. ودعا في الأثناء إلى مراجعة اتفاقيات تجارية دولية ، ويرى خبراء إقتصاديون حسب وكالة أسوشيتد برس أن آراء ترامب فيما يتعلق بكيفية معالجة الاقتصاد الأميركي -في حال تأزمه- تعد متهورة، وقد تؤدي إلى ارتفاع كبير في معدلات الفائدة وتعطيل مسار النمو الاقتصادي بالولاياتالمتحدة وتقويض الثقة في نظامها المالي ، وقد اقترح ترامب خطة علاج في حال انهيار الاقتصاد الأميركي بنيت على أساس خبرته في حالات إفلاس الشركات تقضي بخفض عوائد الدائنين على قروض الخزانة الأميركية ، ومثل هذه الطريقة -التي لم تحاول الحكومة الأميركية اللجوء إليها في الماضي- ستمثل شبحا يطارد المستثمرين الذين أصبحت ثقتهم في سندات الخزانة الأميركية أداة أساسية في استمرار عمل أسواق المال العالمية ، ويصل حجم الديون العامة للحكومة الأميركية إلى 13.8 تريليون دولار، ومن المتوقع أن يصل حجم الفوائد المترتبة على الديون -التي سيتحملها دافع الضرائب الأميركي- هذا العام 255 مليار دولار. 100يوم وكالة الأنباء الفرنسية أشارت إلي أن ترامب يعتزم الالتزام بوعوده الانتخابية وتطبيق التغيير الموعود منذ الايام المئة الأولى من ولايته ، ووعد ترامب ب"يوم أول حافل"، مؤكدا أن "التغيير سيبدأ فور يومي الأول" ، ووعد الملياردير السبعيني الذي حمل بعنف على "نظام مغشوش تماما"، بأن "يعيد لأميركا عظمتها"، مركزا خطابه على فكرتين رئيسيتين هما تحفيز الاقتصاد وحماية الأميركيين ، وقال ترامب أنه سيعلن منذ يومه الأول "نيته في معاودة التفاوض" في اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، وسحب بلاده من اتفاقية الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ ، كما يعتزم رفع القيود المفروضة على انتاج الطاقات الاحفورية، وتحريك مشروع "كيستون إكس إل" العملاق لمد خط انابيب بين كنداوالولاياتالمتحدة، والذي عطله الرئيس باراك أوباما بفرض فيتو رئاسي عليه في فبراير 2015، كما سيلغي مليارات الدولارات من المدفوعات المتوجبة للأمم المتحدة من أجل برامج لمكافحة التغيير المناخي ، وأكد الملياردير الجمهوري أيضا أنه سيباشر "طرد أكثر من مليوني مهاجر من المجرمين، وإلغاء منح تأشرات الدخول لدول أجنبية ترفض استعادتهم". كما "سيعلق الهجرة من مناطق ذات توجه إرهابي" وسيفرض "تدابير مراقبة قصوى على الحدود" ، ويعتزم أيضا إلغاء كل المراسيم الرئاسية التي وقعها الرئيس باراك أوباما والتي اعتبرها غير دستورية ، وبالرغم من خلافاته مع حزبه الذي يسيطر حاليا على مجلسي الشيوخ والنواب، وعد ترامب بالعمل مع الكونجرس من أجل طرح وإقرار خطة اقتصادية تستحدث 25 مليون وظيفة خلال عشر سنوات، ولاسيما من خلال خفض كبير للضرائب على الطبقة الوسطى والشركات، بهدف تحقيق نمو بمستوى 4% في السنة ، وسيفرض عقوبة بالسجن لمدة سنتين على أقل تقدير بحق كل المهاجرين غير الشرعيين الذين يعودون الى الولاياتالمتحدة بعدما يتم طردهم ، وسيلغي بأسرع وقت ممكن قانون الضمان الصحي المعروف باسم "أوباماكير"، وهو المشروع الأبرز للرئيس باراك أوباما لتأمين تغطية صحية للجميع، وقد واجه انتقادات كثيرة لأنه ترافق مع زيادة في أقساط التأمين لعائلات الطبقة الوسطى ، ويشمل برنامجه أيضا استثمار الف مليار دولار في مشاريع البنى التحتية خلال عشر سنوات، من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص واستثمارات خاصة يتم تحفيزها بواسطة التخفيضات الضريبية ، لكن يشكك العديد من الخبراء في هذا البرنامج، متسائلين كيف سيموله، وما الذي سيتمكن من إنجازه فعليا، لا سيما وأن ترامب غالبا ما يبدل مواقفه وتصريحاته كلام في الهواء وهناك بالتأكيد تصريحات سبق وقالها ترامب لن تكون موضع تنفيذ ، ولكنها كانت ضمن " الشو " الإنتخابي ، كمثال قوله بإنه سيعيد أساليب تعذيب كثيرة بما فيها الإيهام بالغرق والتي قال عنها إنها ليست بالقسوة التي كانت عليها أساليب التعذيب في القرون الوسطى ، كما يتفق كثيرون أن تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية بشأن الأقليات السوداء واللاتينية والجدار العازل مع المكسيك وآرائه بشأن حلف الناتو قد لا تجد طريقها إلى التنفيذ، أو في أحسن الأحوال سيطرأ عليها بعض التعديل ، فهو نفسه تراجع عن تهديد سابق كان قد توعد به الناتو بأنه سيسحب عضوية بلده في الحلف إذا لم يف بالتزاماته المنصوص عليها في معاهدة تأسيسه ، وقال أنه سيعمل عن كثب مع حلفائه في الناتو لإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية ، كما إنه خلال الحملة الانتخابية هدد بتعيين مدعي خاص للتحقيق فى قضية البريد الإلكترونى لهيلاري كلينتون وقت توليها الخارجية الأمريكية، وهى القضية التى أثارت جدلا كبيرا وكانت تهدد فرصها فى السباق الانتخابى حتى ساعات قليلة قبل يوم الانتخاب. ووصل تهديد ترامب إلى حد القول بأنه سيرسل هيلارى إلى السجن .. ولكن غالباً هذا لن يحدث كما رجحت شبكة "إن بى سى" الأمريكية والتى تقول إن ترامب يميل دوما إلى إطلاق التهديدات بالملاحقات القانونية دون تنفيذها ، ايضاً تصريحاته مثل " دفاعنا عن اليابان ضد كوريا الشمالية مكلف والأفضل امتلاك اليابانيين للسلاح النووى" وأيضاً " سأتحدث مع زعيم كوريا الشمالية كيم يونج أون لمحاولة وقف البرنامج النووى " تبدو نظرياً بعيدة عن التحقق ، وجدير بالذكر أنه مع انتهاء التصويت وحساب الأصوات فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، حصل ترامب على 289 أصوات فى المجمع الانتخابى مقابل 218 صوتا لمنافسته هيلارى كلينتون، ويصبح المرشح فائزا بمجرد حصوله على 270 صوتا ، لكن برغم الفارق الكبير بين المرشحين فى أصوات المجمع الانتخابى، إلا أن كلينتون تفوقت فى التصويت الشعبى فحصلت على 47.6% من الأصوات ( 59.234.436 ) مقابل 47.5% لترامب (.59.082.155) ، وفى إجمالى 50 ولاية، حقق ترامب الفوز فى 29، مقابل 21 لكلينتون.. ويعتمد النظام الانتخابى فى جميع الولايات على مبدأ "الفائز يحصل على الكل" أى الفائز فى أى ولاية يحصل على كل أصواتها فى المجمع الانتخابى والذي سيقوم بالتصويت رسميا لانتخاب رئيس الولاياتالمتحدة في 19 ديسمبر المقبل، ويقر الكونجرس نتائج التصويت في 6 يناير من العام المقبل .. وسيتولى الرئيس الجديد مهام عمله أثناء مراسم التنصيب في 20 يناير 2017 ، وبالتأكيد قبل هذا الموعد سيكون هناك لقاءات بروتوكولية بين ترامب والرئيس الحالي باراك أوباما والذي سخر من المرشح الجمهوري بعد أن كشفت تقارير إخبارية عن منعه من "التغريد" على موقع التواصل "تويتر" بأمر من مساعديه في حملته الانتخابية بسبب تعليقاته القاسية ، ووقتها قال أوباما ساخرا بحسب موقع (ديلي بيست) الأمريكي " إن لم يكن الشخص قادرا على إدارة حسابه على "تويتر"، فكيف يمكنه الاحتفاظ بشفرة السلاح النووي" ! . ملاحظة أخيرة الولاياتالمتحدة دولة مؤسساتية بالأساس .. ورغم التباين بين سياسات الحزبين الديموقراطي والجمهوري في أمور عديدة ، لكن مخطيء من يتخيل أننا سنري بلداً آخر مختلفاً بشكل كامل عن الذي كان مع أوباما أو بوش أو كلينتون أو حتى مع عشرات الرؤساء الذين سبقوهم .. ولكن بالتأكيد هناك إشارات ما لفوز ترامب منها أن نتيجة الانتخابات بمثابة رد واضح علي ماكينة الإعلام التابعة للديموقراطيين – سواء المؤيدة له أو المعارضة بصفة عامة لترامب – والتى ظلت طوال أشهر طويلة تؤكد الفارق الكبير بين ترامب وهيلاري باستطلاعات رأى جاءت النتيجة عكسها تماماً ، أيضاً ملاحظ الترحيب الكبير للأحزاب والقادة اليمينيين في العالم بالرئيس الجديد .. وهو ربما سينعكس بشكل أو بآخر علي نتائج الإنتخابات القادمة في عدة دول أوروبية ، فمثلأً في بلجيكا، هنأ حزب المصلحة الفلمنكي -وهو حزب انفصالي ومناهض للمسلمين- الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب قائلا إن فوزه غير المتوقع في الانتخابات يمكن تكراره في أوروبا ، ومن جانبه قال اليميني المتطرف الهولندي خيرت فيلدرز:"لقد استعاد الأمريكيون أرضهم". وأضاف أن أوروبا تشهد "ربيعاً قومياً" ، كما أن وصول ترامب للسلطة – علي عكس دول كثيرة – لن يعني إغلاق ملفاته .. بل ربما سيحدث العكس وتزداد التحقيقات الخاصة بما يقال عن انتهاكات وحوادث تحرش وتهرب ضريبي وغيرها ، كما أن حديثه عن عمليات " تزوير " إليكترونية لصالح منافسته لن تمر مرور الكرام .. وكذلك ما نشرته صحيفة الإندبندت البريطانية بخصوص أن الملياردير ترامب دفع بعض الأموال لأحد المصوتين له ، وهو ما يعني أننا بصدد سنوات قادمة كل الاحتمالات فيها تظل مفتوحة ومتوقعة .. خاصة بعدما خابت توقعات أهل السياسة والاقتصاد .. بل وحتى الفلك .. وجاء ترامب رئيساً ، وحسب تعبير صحيفة (يو إس أيه توداي) الأمريكية .. فقد أصبح أول رئيس أمريكي بدون أية خبرة حكومية أو عسكرية.