نوير منتقدا دوناروما: كان عليه أن يتحلى بروح رياضية أكبر مع موسيالا    إثارة ال+90 واحتفال خاص من مبابي.. أبرز لقطات مباراة ريال مدريد ودورتموند    رباعي يتقاسم الصدارة.. ترتيب الهدافين في كأس العالم للأندية    قبل مناقشته غدًا.. تعرف على الجهات التي يسري عليها قانون تنظيم المهن الطبية    «الفنية العسكرية» توقع عقد اتفاق مع شركة الإنتاج الحربى للمشروعات الهندسية    لانتاج المحاصيل الزيتية وتحقيق الأمن الغذائي.. الإسماعيلية تتوسع في زراعة عباد الشمس    تغييرات جديدة بمركز البحوث الزراعية لرفع الكفاءة ودفع عجلة الإنتاج    السفير الروسي بالقاهرة جيورجي بوريسينكو يكتب: عدوان قضائى غربى على روسيا    سفارة فنزويلا بالقاهرة تحيي الذكرى 214 للاستقلال    ليلي موسي تكتب: أزمة الهوية الوطنية فى سوريا.. إجراءات الحكومة الانتقالية تسببت فى انقسام حاد بالشارع بين مؤيد ومعارض    ننشر تشكيل مجلس الدولة الجديد الخاص بالشئون الإدارية    مختار نوح: جماعة الإخوان خططت لحوادث مميتة برش الزيت على الطرق    أبرزها إرجاء تنفيذ الإضراب.. تفاصيل اجتماع نقيب المحامين ونقباء الفرعيات بشأن أزمة الرسوم القضائية    فوز صعب| ريال مدريد يعبر دورتموند ويتأهل لنصف نهائي كأس العالم للأندية    ارتفاع عدد ضحايا حادث الإقليمي إلى 10 بعد وفاة سيدة بمستشفى الباجور    بالصور| مصرع وإصابة 5 أشخاص حادث تصادم 3 سيارات بطريق الواحات    بالأسماء| إصابة 14 شخصاً في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالدقهلية    الصلح خير.. الكفن يُنهي خصومة ثأرية بين عائلتي «أبوسريع وأبو سته» بقليوب    محمود سعد يستضيف جورج قرداحي في برنامج «Sold Out»    وصلة رقص بين محمد فؤاد وابنته على أغنية «سحراني» ل إيهاب توفيق | شاهد    نادي أدب الإسماعيلية يناقش أعمال الكاتب الساخر محمد أبو العلا    السمسم.. غذاء متكامل بفوائد متعددة لصحة الجسم    وزيرا خارجية مصر والسعودية يبحثان تطورات الأوضاع الكارثية فى غزة    خطوات حجز اختبارات القدرات لطلاب الثانوية العامة 2025 (تفاصيل)    الأهلي يخطط لبيع ثنائي الفريق بمليار جنيه.. سيف زاهر يكشف    تحرك برلماني عاجل بعد وفاة 9 أشخاص فى حادث جديد بالطريق الإقليمي    «نائب وزير الصحة» يتفقد الحالة الصحية لمصابي حادث الدائري الإقليمي بالمنوفية    تفاصيل عرض نادي شتوتجارت الألماني للتعاقد مع موهبة الأهلي بلال عطية    هاني رمزي: رمضان سبب رحيلي عن الأهلي    فينجادا: سأتذكر تألق شيكابالا دائما.. والرحلة لم تنته بعد    القليل من الإحباط والغيرة.. حظ برج الدلو اليوم 6 يوليو    أستاذ تاريخ يُفسر فيديو تقديم مدرب الزمالك الجديد: معجنة تاريخية كبيرة.. وعلمنا على البرتغاليين    يُكفر ذنوب سنة كاملة.. ياسمين الحصري تكشف فضل صيام يوم عاشوراء (فيديو)    زيلينسكي: أوكرانيا أبرمت اتفاقات للحصول على مئات الآلاف من الطائرات المسيرة    مظاهرات غاضبة في ليبيا ومطالب أممية بالتحقيق في وفاة ناشط حقوقي    3 ظواهر جوية مؤثرة.. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم : «حافظوا على سلامتكم»    «دماء جديدة على الإقليمى».. مصرع 9 وإصابة 11 في تصادم ميكروباصين    طهران: «لا مفاوضات» مع واشنطن بشأن «النووي».. وترامب: برنامجها تعرض ل«انتكاسة دائمة»    سوريا تبلغ واشنطن استعدادها للعودة إلى اتفاق فض الاشتباك مع إسرائيل    إقبال ملحوظ بأول أيام الترشح ل«الشيوخ»    مسيرة حافلة بالعطاء تدفع 8 سيدات لاقتناص جائزة «الإنجاز مدى الحياة» في نسختها الأولى    «أفريكسيم بنك» يدعم شركات المقاولات المصرية لاقتناص مشروعات ب 6 مليارات دولار    العالم يسخر ويفكر.. «كاريكاتير»    صناعة الشموع.. مهنة تقاوم الموت في الظلام    حدث بالفن | أحدث ظهور ل عادل إمام وزوجته وعمرو دياب يشعل الساحل الشمالي    «المركزي»: القطاع المصرفي يتمتع بمرونة كبيرة.. وتغطية السيولة الأجنبية تتجاوز 188٪    مدير دار الافتاء بمطروح يجيب.. هل نصوم مابعد عاشوراء أم قبله؟    الاستثمارات الخاصة تتصدر للربع الثالث على التوالي وتستحوذ على 62.8%.. وتراجع للاستثمار العام    فيتامين الجمال، 10 مصادر طبيعية للبيوتين    بني سويف الجامعي تعيد النور لطفل يعاني من انفجار بالعين    أمينة الفتوى: "مقولة على قد فلوسهم" تخالف تعاليم الإسلام والعمل عبادة يُراقبها الله    إجتماع تنسيقي بين «الرعاية الصحية» و«التأمين الصحي الشامل» في أسوان    تداول 14 ألف طن و1160 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    «المونوريل والبرج الأيقوني».. المشروعات القومية رموز جديدة ب انتخابات مجلس الشيوخ 2025 (فيديو)    «محتوى البرامج الدراسية» في ندوة تعريفية لطلاب علوم الحاسب بجامعة بنها الأهلية    أحمد نبوي: الأذى النفسي أشد من الجسدي ومواقع التواصل تتحول لساحة ظلم    محافظ المنوفية يتوجه لمستشفى الباجور العام للإطمئنان على الحالة الصحية لمصابي حادث الإقليمي    الجار قبل الدار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كريم البكري يكتب: أبويا لم يمُت لأن الموت لا يليق به
نشر في بوابة الشباب يوم 26 - 09 - 2016

ها هي كلماتي التي تأخرت أكثر من ثلاثة أعوام، فمنذ وفاة «أبويا» لم أستطع الكتابة عنه وكأني أنعيه، لم تساعدني الكلمات في التعبير عن عظمة هذا الشخص الرائع المتسبب في كل شيء إيجابي داخلي الآن، أبويا الذي وضعني على كل الطرق الصحيحة وظل مراقبا لي ليكون سندا وقت ضعفي، ويأخذ بيدي من عثرتي، ويعطيني أملا وثقة في نفسي عند اليأس، ويؤكد لي أن الخير المتأصل داخلي سيغلب شيطاني.
رغم حقيقة وفاته القاسية، وعدم امتلاكي أي شيء سوى التصبر والاعتياد على الحياة بدونه، إلا إنني أكره لقب «الله يرحمه»، وليغفر لي الله الذي يعلم قسوة هذه الجملة عليّ، وكأنها تذكرني أن «أبويا مات».. حتمًا سيرحمه، فمن يرحم سوى الله ومن يُرحم سوى أبويا.
أبويا الذي حاول تدليلي طفلا، وأعطاني أكبر قدر من اللهو واللعب، ولم يرفض لي أي مطلب من مطالب الرفاهية، النادي والملابس والرياضة والخروج والرحلات المدرسية، كان دائم الاستجابة لتلك المطالب، وكثيرا كان يسمح لي بمناقشته ويعطي حديثي ورأيي الأهمية، فأنتهي من مناقشته مغلوبا كالعادة ولكني سعيدا بالطفل الذي استطاع التحدث مع أبوه لساعات.
وما أن أصبحت مراهقًا حتى تمردت على والدي وعلى المنزل وتشبثت أكثر بآرائي وتقمصت دور المقهور أسريًا، وتحملني والدي، وأعطاني أكبر قدر من الحرية والخصوصية.
أبويا الذي لا أتذكر أنه فتّش ملابسي أو أغراضي إلا عندما خذلته ووقفت في موضع الشبهات، ولم أتذكر أنه اقتحم غرفتي دون استئذان أو تنبيه، ولم يتجسس على مكالماتي، ولم يقرأ مذكراتي الشخصية في غيابي، ولم يتدخل في صداقاتي ويمارس عليّ ضغوط الأب الخايف على ابنه.
أبويا الذي تركني للعديد من التجارب التي كانت تبث قلقا داخله، ولكنه كان مراقبا من على بُعد، وكأنه يعطي احتمالية نجاح لوجهة نظري، أو يزرع داخلي إحساس من المسؤولية والاعتماد على النفس، وكان عندما يتعجب من سلوك شائع بين أبناء جيلي يبتسم نصف ابتسامة قائلا: «لكل زمان دولة ورجال».
أبويا الذي كان رحيمًا لأبعد الحدود، لن أنساه عندما طالبني بمصارحته بأي خطأ قد أقع فيه، قائلا: «يا ابني قول لي مشاكلك وأنا أحلهالك، اغلط وأنا أساعدك تصلح غلطك، يا ابني أنا مُشفق عليك من التفكير في مشكلة إنت مش عارف تحلها لكن أنا أقدر أحلها، يا ابني ده حقك عليا».
أبويا الذي لم يحرجني أو يكسرني في نظر نفسي، لن أنساه عندما اكتشف أحد أكاذيبي وجاء ليواجهني، لأرد: «ممكن متكلمش دلوقتي يا بابا؟» وأجده مرحبًا مبتسمًا ولم يفتح معي الموضوع مجددا، فرسالته قد وصلت، في هذا الوقت شعرت كم أنا مُقصر في حق أبويا، الذي رفض إحراجي في نظر نفسي.
أبويا الذي احترم خطابات الاعتذار التي كتبتها له، ولم يقلل من عدم قدرتي على مواجهته بخطأي، تلك الخطابات التي وجدت منها واحدًا داخل محفظته بعد وفاته، واثنين آخرين كتب لي الرد أسفلهم، وأحتفظ بهما الآن لأتأمل عظمة أبويا وأتعجب من حكمته.
أبويا الرجل الكريم، الذي علمني عزة النفس والإيثار ومساعدة الغير، وطالما وجدته متافنيًا في كثير من الاجتماعيات التي لم أجد له أي مكسب من خلفها، سوى رضاه التام عن نفسه.
لن أنسى نظرات أبويا لي عندما أخبرته أني تشاجرت مع أحد أصدقائي، وأبكيته من الضرب، شعرت يومها أني خيبت آماله، ليقولي لي: «وهيجيلك نوم وانت صاحب عيّط بسببك؟ هو أنت مش عارف يعني إيه صاحب يا ابني؟ يا كريم الصحاب دنيا، لو خسرتهم هتبقى خسرت الدنيا».
أبويا الذي كان سريع الغضب وشديد العصبية، ولكنه سرعان ما يراجع نفسه ويشعر أنه بحاجة لتصحيح موقفه، فينادي عليّ للعشاء أو للسؤال عما معي من نقود، لأعلم من داخلي أنه الآن صافيا لي.
أبويا الذي زرع في نفسي تقديس الكبار سنًا وعدم التجاوز بحقهم، واحترام الصغار سنًا وعدم الاستهانة بهم، وطالما حذرني من هدم شخصية أي شخص مهما كان.
أبويا هو الشخص الذي عاش للناس ونسى أن يعيش لنفسه، لم أجده يوما راغبا في السفر أو التسوق أو قضاء إجازة خارج منزلنا، رغم إنه لم يحرمنا جميعًا من تلك الحقوق، وكانت متعته في الأفلام الأجنبي والقراءة.
أبويا عندما صارحني بحلمه في شبابه بأن يصبح أديبًا بارزًا، ولكنه اعترف أنه لم يبذل الجهد الكافي لتحقيق هذا الحلم، حزنت يومها من الدنيا التي حرمت أبويا من هذا الحلم، ولو كنت أعلم لوالدي مشروع كتاب أو ديوان شعري؛ حتمًا كنت بذلت قصارى جهدي لنشره والمساهمة بشكل طفيف لتحقيق حلم من حقق كل أحلامي.
أبويا الذي طالما حثني على الاجتهاد، وكان يحذرني من صعوبة المستقبل في مصر، ويناشدني بإعداد نفسي جيدًا والتسلح بالعلم والقراءة واللغة من أجل مواجهة سوق العمل.
أبويا الذي سهرنا أمام شاشة التلفزيون سويا نشهد أخبار ثورة يناير، وأسمعه يردد بأعلى صوت «أيام مجيدة في تاريخك يا مصر.. الحمد لله إني عشت وشوفت الأيام دي».. أبويا الذي التقيته بالصدفة في إحدى المظاهرات المنددة بنظام مبارك وابتسم لي وسار جانبي وهتفنا سويًا «الشعب يريد إسقاط النظام».
أبويا الذي أيقظني هتافه من النوم يوم التنحي ليعانقني قائلا: «اتنحى الحمد لله.. يارب أيامكم تكون أحلى».
أبويا الذي لم يقهره المرض، لقد كان حمولا وقويا لدرجة تفوق الوصف، ولم ينشغل بنفسه قدر انشغاله بي وبكل من حوله، فبعد إجراؤه جراحة كبيرة بأيام وأثناء زيارتي له في المستشفى أصر على إعطائي وجبته البسيطة التي يقدمها المستشفى، قائلا: «انت قاعد لوحدك خد المعلبات دي كُلها أنا مش عاوز.. معاك فلوس ولا لا ؟».
أبويا الذي تحمل آلام العلاج الكيماوي، ولم يظهر شيئا مما يبطنه، وكان مبتسما أمامي في أغلب الوقت، وعندما اضطر إلى الصلاة جالسًا تجنب الصلاة أمامي خوفا على مشاعري وصورته في نظري.
أبويا الذي أصر –رغم مرضه- على لقاء أصدقائي الذين تبرعوا له بالدم، وتوجيه الشكر لهم بنفسه، ومطالبتي بالسفر معهم وعدم تركهم.
أبويا الذي رفض تقبيلي ليده، وكأنه يريد جبهتي دائمًا مرفوعة، لكن إذا لم أخفضها لأبويا فلمن أخفضها؟
كل الكلمات في تذكر والدي تكون قمة في البُخل، وأنا أتحول إلى شخص خجول لا أستطيع أن أرفع وجهي أمام ذكراه، أنا أقل كثيرًا من هذا الاسم الذي يتبع اسمي، فأبويا بكل الفخر هو السيد طه توفيق البكري.
شكرًا يا أبويا
شكرًا.. لأنك ربيتني.. لو كانت التربية واجبك فأنت أحسنت تأدية الواجب.
شكرًا.. على كل نصيحة صادقة قدمتها لي.
شكرًا.. على كل جرس إنذار ضربته بايدك في طريقي.
شكرًا.. على كل مرة سامحتني فيها ورجعت لي ثقتي في نفسي.
شكرًا.. على احترامك لشخصي ولوجهة نظري.
شكرًا.. على كل ما زرعته جوايا من إيجابيات.
شكرًا.. على نعمة الأصول اللي عرفتهالي.
شكرًا.. على كل جنيه صرفته عليا.
شكرًا.. على تحقيق رفاهياتي قبل احتياجاتي الأساسية.
شكرًا.. على كل مرة عاقبتني بسبب «الكذب» حتى كرهته.
شكرًا.. على كل حوار دار بنا وسمعتني فيه.
شكرًا.. على إنك كنت خير مثال وقدوة.
في النهاية..
أبويا لم يمت.. فالموت لا يليق به.. أبويا ومن هم على شاكلته يجب أن يظلوا أحياء... ولكن أبويا وحشني جدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.