يقال إن الرواية اندثرت منذ وقت طويل لكن ظهور مجموعة من الكتاب الشباب الذين يكتبون الرواية بواقع خيرى شلبى جعلت القراء يعودون لقراءة الروايات مرة أخرى وهنا كاتبنا فى هذا الحوار بدأ النشر في سن مبكرة حيث نشرت له أول مجموعة قصصية هي "عفريت شجرة السرو" ثم مجموعة "حذاء السيد المنسى" وكتاب تراجم بعنوان "هؤلاء لم يهبطوا من السماء" وبعد توقف عدة سنوات عاد برواية "الهيش" الشهيرة في طبعتها الأولى عام 2001 ثم رواية "دحل الحمام"وأخيرا مجموعة قصص النوبى تأثرا بيوسف ادريس ويعتبره فارسا لا يشق له الغبار فهو الملهم لجيل كامل ممن يكتبون عن الريف وصاحب مدرسة رائدة بعد ذلك وتأثر بخيرى شلبي وواقعيته السحرية التي قادته إلى الأدب اللاتينى إنه الكاتب والروائى الشاب أشرف العوضى فى هذا الحوار التالى: متى بدأت كتابة الروايات؟ لا شك أن كتابة الرواية تحتاج إلى خبرة حياتية ومهارات ربما لا تتوافر لمبتدئ وأظن أن كتابة القصة القصيرة ربما تكون سابقة على كتابة أي نص روائي فاذا كانت القصة القصيرة تحتاج إلى موهبة فإن الرواية تحتاج إلى تكنيك وحرفية ربما لا تتوافر لمبتدئ وقبل ذلك لابد أن يكون هناك قراءة عميقة لعيون الأدب في كافة المجالات وبعد ذلك قراءة في التاريخ وعلم النفس والاقتصاد والسياسة لأن من وجهة نظري الرواية حياة موازية وكلما كان الكاتب موسوعيا متدفقا له عين بصيرة لاقطة كان النص الروائي عميقا وواقعيا. ولقد بدأت النشر في سن مبكرة حيث نشرت أول مجموعة قصصية وكان عمرى ثلاثة وعشرين عاما وهى عفريت شجرة السرو ثم أعقبتها مجموعة حذاء السيد المنسى وكتاب تراجم دراسة نقدية بعنوان هؤلاء لم يهبطوا من السماء ثم رواية الهيش الشهيرة في طبعتها الأولى عام 2001 ثم توقفت لالتقاط الأنفاس عدة سنوات وعدت برواية دحل الحمام وأخيرا مجموعة قصص النوبى . هل توقفت عند أحد عندما بدأت كتابة الروايات؟ أنا من مدرسة التكوين الجيد لذا فقد حالفني الحظ أن أقرأ في مقتبل حياتي لكبار الكٌتاب سواء كانوا عربا أم غربيين وهذه مرحلة الارتواء الروائى ومن بعدها تأتى مرحلة الانتقاء فلا تقرأ أي شيء بل تقرأ ما تشعر أنه مفيد لتجربتك الإبداعية والإنسانية ففي فترة قرأت الأدب الروسي وبعد ذلك قرأت لنجيب محفوظ ويحيى حقي وعبد الحليم عبد الله وطه حسين وتوفيق الحكيم تلت تلك الفترة قراءة جيل الستينيات الغيطاني وعبد الحكيم قاسم وصنع الله إبراهيم وإبراهيم أصلان ويوسف القعيد ومحمد مستجاب المدهش وغيرهم ولكن التوقف يكون على إنتاج مثل يوسف ادريس الملهم لجيل كامل ممن يكتبون عن الريف واعتبره فارسا لا يشق له غبار وصاحب مدرسة رائدة بعد ذلك تأتى مرحلة هامة في حياتى وهى مرحلة خيرى شلبي وواقعيته السحرية التي قادتنى إلى الأدب اللاتينى الفاتن وأخيرا افتتناتى وانحيازي إلى كتابات الراحل الكبير محمد البساطي التي تشبهني كثيرا. لماذا اخترت الريف فضاء لروايتك وأنت تقيم فى المدينة سواء فى داخل مصر أو خارجها؟ أنا ابن الريف المجاور حيث كانت قريتى تبعد فقط عن المنصورة خمس دقائق فكنت أرى من برج حمام جدتى المدينة بكل أنوارها وبهرجها فى الوقت الذى نعيش فيه مفردات القرية المصرية فى السبعينيات والثمانينيات العمدة والخفر والنيل وماكينة الطحين وطقوس الدفن والموت وحفلات الزار والمولد وعادات الزواج وتلك الدهشة التى تعلوهم حين يذهبون إلى المدينة المتاخمة لهم وتلك السعادة التى تعتلى وجوههم بحصولهم على أشياء تبدو لآخرين بسيطة بل وساذجة فمن يأتى منهم فى ذلك الزمن بحذاء جديد من عند باتا أو علبة حلويات من عند أحمد أمين أو حتى عيش فينو وطعمية ساخنة يظن أن المدينة منحته الشىء الكثير كنت أحب فى ناسنا وأهلنا البساطة والمحبة والبيوت المفتوحة وطبعا تلاشت كل المفردات التى ذكرت. ولكن بقيت القرية التى أعرفها بتلك الدروب القديمة وتلك الوجوه السمراء التى تعانى وهذا أظنه من حسن حظى وهل تصدقين أنى لم أكتب حرفا واحدا فى أى من أعمالى عن الغربة حتى الآن بل لم أحلم إلا عن مصر فأنا رغم البعد المكانى مربوط وملتصق بأيامى فى مصر. ما أحوال الرواية الآن؟ وكيف تقيمها؟ ومدى إقبال الناس على شراء الروايات فى الوقت الحالي؟ الرواية في أفضل أحوالها الآن فهى في رواج رغم وجود التقنيات الحديثة التي تلهى كثيرا عن القراءة ولكن وجود كتاب نجوم أحبهم الشباب وتفاعل معهم جعل الاهتمام بالرواية يزداد وأنا دائما أقول "أن تكسب قارئا جديدا حتى لو إلى نص ردئ فهذا مكسب للقراءة بصفة عامة" لأنه سرعان ما ينتقى ما يقرأ ويسير على الطريق السريع فمن يقرأ لأحمد مراد وعلاء الأسوانى ويوسف زيدان سيقرأ حتما فيما بعد لنجيب محفوظ وخيرى شلبى لأن القراءة درجات ومستويات. وأيضا ظاهرة تقليد الكتب رغم أنها ضارة للمؤلف والناشر فخلقت حالة رواج لانخفاض سعر الكتاب مما شجع دخول قطاعات كبيرة من القراء كانت عازفة بسبب ارتفاع سعر الكتاب إذن أقر أننا نعيش عصر الرواية. كما تحتل الرواية الآن المشهد الأدبى مع تراجع طفيف للفنون الأخرى التى لا تندثر برواج فن على فن ويوما ما كان المسرح فى قمة المشهد ولكن الظرف التاريخى يتغير فالروائى الآن هو ضمير عصره ويوما ما ستزول كل الكتابة الصحفية وبرامج التوك شو وسيبقى الأدب شاهدا على الأحداث وكما أقول دائما لولا المقريزى وبن إياس والمسعودى ما عرفنا شيئا عن دولهم وحكامهم ولا عن التاريخ ولولا شكسبير ونجيب محفوظ وتولستوى وماركيز ما سمعنا صوت الناس ومعاناتهم فأنا مع أدب الإنسان فى أى مكان وأى زمان. كيف نستطيع أن نجعل الناس تهتم بقراءة الروايات والقصص فى عصر الإنترنت؟ كما قلت ربما يكون الإنترنت وسيلة لترويج الكتاب والرواية تحديدا وتعريف مرتادى هذه الشبكة الساحرة بكتاب جدد لم يسمعوا بهم من قبل بل ويتحدثون معهم مباشرة ويناقشونهم فيما قرأوا لهم ومن حسن الطالع أن للكتاب الورقى سحره ورونقه وطقوس القراءة بها متعة في حد ذاتها كذلك صعوبة أن تقرأ رواية طويلة على النت هذه نقطة لصالح الكتاب الذى أظن أنه سيبقى مهما استحدثت من وسائل جديدة لذا أرى أن التشجيع يأتى بمواكبة الروائيين للقضايا المعاصرة والبعد عن الفذلكات الروائية والغرائبية والمتأمل لأكثر الكٌتاب قراءة تجدهم أصحاب المدرسة الواقعية المبسطة السهلة والتي بالتأكيد تحمل من القضايا والرؤى والأطروحات الكثير ولكن في إطار سهل وميسر. عملك كمدير تحرير مجلة الدانة شجعك لدخول عالم الرواية؟ تولى موقع مسئول في مجلة ثقافية حمل ثقيل بلا شك ولكنه أيضا فرصة لكى تتعرف على الواقع الثقافي بصورة جيدة وتقرأ عشرات النصوص من كافة البلدان العربية مما يصقلك أدبيا وعمليا في الدانة كان قبل سنوات إذن هو لم يشجعنى على الكتابة الروائية فأنا أكتب من زمن طويل بل العكس العمل الصحفى يعطل كثيرا من المشروع الروائى لأى كاتب بل من الممكن أن يدمره. من وجهة نظرك ما سبب عدم تفاعل الناس بالروائيين "وعدم شهرتهم "بالرغم من وجود فضائيات وإنترنت؟ الروائيين بطبعهم انطوائيون إلا قلة قليلة تحب الظهور الإعلامى والشو كذلك لابد أن ندرك أننا في مجتمع بصفة عامة لا يقرأ ففي أى مقارنة مع الغرب تجدين أى كاتب متوسط يطبع من روايته ما يزيد على مائة ألف نسخة في حين أن أكبر كاتب هنا لا يتجاوز ألف نسخة في الطبعة الواحدة وما يحكى خلاف ذلك فهو محض تهويل ودعاية معروفة. وإن كان الوضع اختلف بسبب الإنترنت والفضائيات عن ذي قبل وبات الجمهور يعرف أسماء روائيين شباب ويتابع نشاطهم بشكل أكثر من ذي قبل. هل عالم الهيش الذى كتبت عنه واقعى أم خيالى؟ وما الرسالة التى أردت توصيلها للقارئ من خلال روياتك؟ لا يستطيع أى كاتب أن يفصح عن الخيال والواقع في النص حتى هو ذاته ربما لا يدرك الفرق ,المهم أن ما كتبه مستعينا بخبراته الحياتية وخبرات آخرين كحكايات الجدات القديمة ومما قرأ ومما شاهد كل ذلك يؤدى إلى مخزون ينهل منه. والهيش تحديدا هي خليط من كل ذلك من الواقعى الحقيقى ومن المتخيل ومن الحكايات التراثية ومن خيال وإبداع مؤلف النص. هل الكتابة بعد الثورة اختلفت؟ ولماذا لم يظهر مبدعون جدد بعد ثورة 25 يناير؟ أى ثورة في أثنائها أو بعدها بسنوات لن تفرز كتابة مميزة إلا بعد ذلك بعدة سنوات فأفضل ما كتب عن ثورة 1919 في ثلاثية الكبير نجيب محفوظ كتب بعد قيامها ربما بثلاثين سنة حتى يكون المشهد قد اتضح واجتلى أمره تماما أما ما يكتب مواكبة فهو غير ناضج وخفيف ولن يعيش. وعن ظهور المبدعين هناك كثر في الآونة الأخيرة ولكنهم ليسوا نتاج الثورة وإنما هم نتاج طبيعى لاكتمال موهبتهم في ذلك التوقيت مصادفة. هل يوجد لدينا الآن فى الوقت الحالى نقد حقيقى وفعال لخدمة الأدب؟ للأسف النقد الآن يعتمد على الشخصنة بمعنى أنا أعرف فلانا أو صديق لصديق أو من ورائه مصلحة أكتب عنه وأتساءل هنا هل هناك ناقد ينزل إلى المكتبة ويشترى رواية لكاتب لا يعرفه ثم يكتب عنه مقالا محايدا غير مجامل وموضوعى أظن أن ذلك نادر إن وجد. فى ظل الأحداث الجارية والتغيرات كيف تستطيع الرواية المصرية منافسة الغرب والظهور على الساحة الدولية؟ الرواية المصرية كما ذكرت باقية وقوية ومتجددة ومؤثرة بدليل أن جائزة البوكر العربية فاز بها اثنان مصريان هما يوسف زيدان وبهاء طاهر وداخل القائمة القصيرة كل عام أكثر من كاتب مصري مبيعات وشهرة الروائيين المصريين خارج مصر من خلال لقاءاتهم وترجمتهم واضحة وملموسة فالمشكلة في ظهور عدد كبير ممن نشروا أعمالهم وهم غير مكتملى التجربة والخبرة فظهر للناس ضعف المستوى مقارنة بكم رهيب منشور ولكن إذا دققنا سنجد أسماء راسخة عميقة وقادرة على المنافسة العربية وربما العالمية . حدثنا عن عملك القادم وهل ستتناول فيه قضايا ومشكلات اجتماعية تدور في القرية المصرية كالسابق أم أن هناك مفاجأة جديدا؟ تعلمت منذ بدأت الكتابة قبل سنوات أن أكتب عما أعرف وربما تكون لدى الآن خبرة معرفية عن الفترات السابقة فربما أكتب عن الغربة التى أعيش فيها منذ عشرين عاما ولم أكتب حرفا عنها لدرجة أنى لم أحلم يوما أنى هنا في كل أحلامى وأنا فى مصر وتحديدا المنصورة وكأنى أعيش فى الغربة بجسدى فقط ولكن كيانى هناك حيث ولدت وعشت فى دروب المنصورة وقريتى اللصيقة بها وأنا بالفعل لدى عمل روائى ضخم لن أفصح عن مضمونه ولكنه سيكون مختلفا عما سبق وكتبت.