حين سُئل الكاتب الراحل خيري شلبي، في أحد حواراته التليفزيونية عن النصائح التي يحب أن يقدمها لكل كاتب شاب قد بدأ للتو أولى خطواته في طريق الكتابة، أجاب ببساطته وبهدوئه المعتادين، بأن أول النصائح وأهمها على الإطلاق هو عدم تعجل النشر بل يجب على الكاتب المبتدئ أن يتأنى، ويفكر جيدا قبل نشر أعماله، لأن كل كلمة يكتبها الكاتب تلازمه وتلازم سيرته وتاريخه الأدبي إلى الأبد. وكانت نصيحته التالية هي «الكد»، حيث طالب شلبي كل كاتب شاب أن يكدح ويكِّد في حياته قدر المستطاع ولم يقصد الكد الثقافي فقط بل على الكاتب الشاب أن يكدح في كل مجالات الحياة، وعليه أن يخدم نفسه طوال الوقت وأن يتعلم باستمرار مهنًا ومهارات جديدة، وأن يقترب من الناس ومن همومهم وأفكارهم ولغتهم وأشغالهم البسيطة، فالكاتب كما يرى شلبي، يجب أن يكون بعيدا كل البعد عن الرفاهية والترف لأن المعاناة والاندماج في التجارب الحقيقية هما ما يساعدان على خلق الإبداع في نفس الكاتب. ومما ذكره أيضا أن الكتابة من الذاكرة أو من على سطوح الأشياء لا تشبه تلك الكتابة التي انبثقت من النفاذ إلى عمق الأشياء والاتحاد بها فالكتابة هي وليدة المعاناة الحقيقية، تلك المعاناة التي يجب أن يفتش عنها الكاتب بنفسه، يفتش عنها بكل الطرق ويحاول أن يدفع نفسه للدخول في التجارب الجديدة بل والقاسية أيضا. فقال شلبي ما المشكلة لو تذهب وتعمل مع أحد العمال أو الحرفيين البسطاء أن تجرب أن تعيش حياتهم لعدة أيام وتقترب منهم ومن عالمهم، فالمعرفة كما يراها شلبي لا تكتسب فقط من النت والصور ووسائل المعرفة الأخرى، بل يجب أن تكتسب من الواقع ذاته وشبه تلك المعرفة السهلة بالطعام الدايت الذي يمنحنا الطعام ولكن من دون الطعم. وانتقد شلبي، في حديثه أيضا ظاهرة «الشللية» تلك الظاهرة التي انتشرت مؤخرا وبكثافة في الأوساط الثقافية حيث يكوّن كل كاتب شلة أو مجموعة من الأصدقاء، في نفس السن غالبا ولهم نفس الميول والثقافات يقوم كل فرد في هذه الشلة بمدح الآخر، ومدح كتابته في الندوات والمقالات وبالتالي يقوم الآخر بمدح الأول كنوع من أنواع المجاملة أو رد الجميل، مما يساعد بالفعل على ضياع ملامح الكاتب وسط كل هذا الزيف وشبّه شلبي هذه الظاهرة ب«الهرش أو الحكة» أي أن يقوم صديقك الذي أصبح خبيرا بصفاتك وبنقاط ضعفك وقوتك بالحك لك على المكان المناسب فتحك له أنت أيضا ليصاب كل منكما أخيرا بالراحة التامة. كذلك نصح شلبي، الكتاب الجدد بمحاولة البعد عن الثرثرة في المقاهي وكثرة حضور الندوات قائلا إن كل عمل قد لا يحتاج في الغالب سوى إلى ندوة واحدة، وقال أيضا إن كثرة حضور الندوات يقتل الإبداع في الكاتب يوما بعد آخر حتى يقضي عليه تماما في النهاية بعد أن يكون قد تحول إلى مجرد كائن ثرثار مليء بالأفكار المتناقضة مع بعضها ومع نفسه. وتطرق شلبي أيضا في حديثه إلى نقطة مهمة وحساسة للغاية هي النقد ومدى خطورته وتأثيره على الكاتب سواء كان هذا النقد بالذم أو بالمدح خصوصا بالنسبة إلى الكاتب الشاب أو المبتدئ فهو يرى أن الذم قد يقتل فيه براعمه التي لم تكن قد تفتحت كلها بعد والمدح ربما يكون بالفعل أكثر ضررا عليه لأنه سيمنحه المزيد من الثقة التي قد تمنعه عن الكد والاجتهاد والتي قد تعميه أيضا عن رؤية بعض الأخطاء أو السلبيات التي لا يخلو منها أي عمل أدبي. وبالطبع لم يقصد شلبي هنا عدم الالتفات نهائيا للنقد ولكنه كان فقط يقصد الاعتدال في درجة الالتفات فالنقد في النهاية هو مجرد رأي لإنسان آخر قد يصيب وقد يخطئ لذا يجب على الكاتب أن يأخذ منه بالقدر الذي ينفعه ولا يضره سواء كان هذا النقد سلبيا أو أيجابيا. وفي نهاية حديثه نصح شلبي، كل كاتب شاب بأن يبذل قصارى جهده في كتابة كل عمل جديد وأن لا ينبهر بهذا الكاتب الذي لا يمر عليه العام الواحد حتى يكون قد صدر له عملان أدبيان أو أكثر، فكل عمل يحتاج إلى الصبر والتأني والاهتمام أيضا، ويجب أن تعامل كل عمل جديد لك على أنه عملك الأول فلا تقطفه قبيل ميعاده كي تستطيع في النهاية أن تجني زهرة مكتملة وناضجة ذات رائحة خلابة. و"البوابة نيوز" استطلعت آراء الكتاب والروائيين في كيفية كتابة رواية جيدة ونقل خبرات كبار الأدباء والروائيين المتحققين إلى جيل جديد من كتاب الرواية والمقدمين على كتابتها وخوض أغوارها. فؤاد قنديل في البداية قال الروائي فؤاد قنديل: المسألة قبل أن تكون في شكل عده نصائح هناك قواعد وأسس للكتابة لا بد أن يلمّ بها كل مقدم على الكتابة ولكن من حق كل كاتب أن يبتكر أسلوبه لكن بشكل عام أنا أدعو كل الروائيين الجدد إلى أهمية: 1- الاندماج في الحياة والمشاركة في معتركها والتصنت عليها والاقتراب من المناطق الساخنة فيها فلا بد للروائي أن يشحن روحه بنبض الحياة. 2- لا بد أن يضطلع على أهم وأرفع النماذج الروائية العالمية، لأني ألاحظ أن بعض الروائيين لا يقرؤون بدرجة كافية، فيتعين عليهم أن ينفقوا وقتا طويلا للتعرف على النماذج الرفيعة في الأدب الروائي. 3- حب النص والاحتشاد للموضوع فلا بد أن يشغلني موضوع الكتابة ويملأني ويجرني معه إلى كل مكان وفي كل وقت وعندما ألاحظ الشخصيات وأرسمها لا بد أن أحب بعضها أو أحبها جميعا، لأن من لا يحب عمله سواء الموضوع أو الشخصيات لن يستطيع أن يخرج عملا لافتا مثال الزوجة التي يجب أن تحب زوجها حتى تستطيع أن تعد له طعاما شهيا. 4- التعبير بصدق، على الكاتب أن لا يكتب إلا عن صدق شديد واقتناع بما يكتب فبعد حين سوف يكتشف القارئ إذا كان هناك افتعالا أم تكلفا أم لا، فالكاتب لا بد أن يكتب عن الأحداث والشخصيات كأنه يكتب عن ذاته وكأنه عاش هذه التجربة. محمد المنسي قنديل أما الروائي الكبير محمد المنسي قنديل، فيرى أن الرواية تختلف كثيرا عن الشعر والقصة لأنها تحتاج إلى نوع من الخبرة. 1- لا بد أن يزوّد الكاتب نفسه بكم كبير من المعرفة، لأن الرواية فن مركب تتداخل فيه السياسة والاقتصاد والجنس والشره وجميع العوامل الخارجية مع عوامل الضعف البشري كل ذلك يؤلف المزيج الروائي. 2- لا بد أن يتحلّى الكاتب بالصبر لأن الرواية تأخذ من كاتبها وقتا وجهدا. 3- يجب أن يبحث الكاتب عن صوته الخاص به وهذا لا يتحقّق بالمرة الأولى وإنما يأتي بالدأب والتدريب المستمر. 4- الاستمرار على الكتابة اليومية تثقل الكاتب وتكسبه الخبرة فأنا أرى أن الكتابة كراكية النار نحافظ عليها كلما نضع فيها خشبا فتشتعل النار أكثر وأكثر وإذا تركناها تذوب نارها وتخفت فالكتابة عمل شبه يومي حتى تبقى جذوة الرواية مشتعلة دائما. 5- يجب على الكاتب عدم ربط نفسه بأي عادات في أثناء الكتابة كسماع الموسيقى أو أي شيء من هذا القبيل. 6- على الكاتب أن يعتبر الكتابة مهنة مثل أي مهنة أخرى يحاول تجويدها بالكتابة المستمرة. 7- الاضطلاع على تجارب الآخرين. حمدي أبو جليل 1- أنا أرى أن أول وأهم نصيحة أستطيع أن أنصح بها الكتاب الجدد القراءة كما كان يقول رحمة الله عليه الأديب الكبير خيري شلبي "إذا أردت أن تكتب عليك أن تقرأ" فكان يشبه الكتابة بطرمبة المياه الموجودة في الأرياف التي تأتي بالمياه من تحت الأرض فهي لا تأتي بالمياه إلا إذا وضعت أنت فيها مياها. 2- يجب على الكاتب التركيز التام في أثناء الكتابة والتفرغ وعدم إشغال الذهن بأي شيء آخر عن الرواية التي هو بصدد كتابتها. 3- وعلى الكاتب أن يكتب نفسه وما يعرفه ولا يتطرق إلى مواضيع يجهلها. عبد الوهاب الأسواني بينما يرى الأديب عبد الوهاب الأسواني أن أهم شيء يستطيع أن ينصح به الشباب المقبلين على كتابة الرواية هو: 1- القراءة المكثفة في علم النفس والفلسفة والاجتماع والعادات والتقاليد. 2- أن يكثر من التجارب ويدخل فيها بمعنى أن أي حادثة يسمع بها لا بد أن يذهب إليها وأن يعيشها بمعنى آخر أن يندمج في مجتمعه ولا ينفصل عنه. 3-التردد على الندوات فالندوات بالنسبة إلى الكاتب كالجامعة بالنسبة إلى الطالب. سيد الوكيل 1- بما أننا أصبحنا في عصر التعدد والتجاور بمعنى أن كل أساليب الكتابة تتجاور في ما بينها لذلك يتعين على المبدع الشاب أن يضع نفسه في إطار اتجاه معين. 2- يجب عليه أن يقرأ للجميع القدماء والمعاصرين والشباب أيضا. 3- المبدع الجديد يجب أن يكون مثقفا موسوعيا يقرأ في النقد والفلسفة وعلم النفس والتاريخ بل وفي العلوم أيضا. 4- على الكاتب أن لا يطمئن إلى تجاربه وفي ذلك يقول طه حسين عميد الأدب العربي "إن الكاتب إذا أطمأن فسد" لأن الاطمئنان إلى تجربة واحدة تجعله يكرر نفسه، فعلى الكاتب الجديد أن يحرص مع كل تجربة جديدة أن يتجاوز ما كتبه وأن يختلف عنه اختلافا كبيرا بمعنى أن تكون له روح تجريبية. سعد القرش أما الروائي سعد القرش فيرى أن القلق فضيلة يجب أن يتسم بها الكتاب الجدد حيث يقول: 1- على الكاتب أن يتمتع بفضيلة القلق بحيث يقرأ الأعمال الكلاسيكية ويغار منها ويتمنى أن يكتب مثلها أو أفضل منها. 2- عدم الاطمئنان أنه أنجز أفضل مما فعله السابقون فهكذا لن يضيف جديدا فيجب أن يكون طموحا وقلقا في ذات الوقت، طموح يثق في قدراته وأنه ليس أقل من الآخرين وقلق بأن يعيد النظر دائما في ما يكتبه بأن ينظر خلفه بغضب ويؤمن بمقولة الشاعر الكبير ناظم حكمت "أن أفضل ما يمكن أن تكتبه لم يكتب بعد". هيدرا جرجس بينما كان ل"هيدرا جرجس" الروائي الشاب رأي آخر يتفق مع غيره أحيانا ويختلف أحيانا أخرى حيث رأى هيدرا: 1- الصبر وعدم استعجال نهاية العمل الروائي لأن الرواية تحتاج إلى نفس طويل وجهد وترتيب لا يجب الاستعجال على إنهائها. 2- الصدق في الكتابة على الروائي أن يكتب ما يعرفه ويلامسه ولا ينتحل أحداثا لم يشعر بها فكتابة الرواية تظهر صدق أو كذب كاتبها والصدق هو الطريق الأمثل لوصول المعنى إلى القارئ. 3- لا بد أن يكون لدى الكاتب مشروع هادف وهمّ شخصي ورسالة يريد توصيلها للقراء يجب أن يضع همه الشخصي علي الورق. 4- القراءة الكثيرة بمعنى أن يكون قارئا أكثر منه كاتبا فيضطلع على الأنماط المختلفة من الكتابة والكتابات العالمية، فلا بد أن يكون قارئا جيدا.