- فى استراحة السائقين عند برج الجزيرة جمعية ب10 جنيهات وغرزة وكوباية شاى - تراجيديا أبو أحمد: سائق التاكسي يلعب ماتش الاعتزال بقرار من القومسيون عندما يتحول ل "كهنة"! - 41 ألف سائق مهددون بالحبس وتقارير تؤكد: التاكسي الأبيض غير مطابق للمواصفات وبه عيوب صناعية جسيمة إذا أردت أن تتعرف على شعب ما فاركب سيارة التاكسي وافتح حديثا حميميا مع السائق، ثم انصت لما يقوله وتجاذب معه أطراف الحوار.. لاشك أنها تجربة مفيدة قد تدفعك لاكتساب خبرات كثيرة غير مسجلة يحتفظ بها هذا "الأسطى" المتنقل الذى لا يتوقف عن التجول يوميا بين طرقات العاصمة وشوارعها .. قد تجمعك به دقائق معدودة قبل أن تصل مشوارك عندما تتوقف فجأة لتدفع فاتورة العداد وسرعان ما تعطى ظهرك له .. لكنك إذا توقفت للحظات وسعيت لتقترب من عالمه فسوف تجد نفسك أمام نوعية خاصة من أصحاب القدرات والأزمات فى ذات الوقت .. فهناك أقساط وشيكات متأخرة .. وهناك مصاريف وضغوط معيشية لا تحتمل.. وهناك دروس خصوصية وبنات على وش زواج .. وفوق كل ده: كتلة هائمة من التوتر والضغط العصبى .. لكن بين تفاصيل هذه الشخصية التائهة – شخصية الأسطى - تجد مواقف وطرائف وحكايات وحواديت مثيرة .. بعد هذه المقدمة الجامعة أهلا بكم فى عالم التاكسي الأبيض الذى لم يعد ينفع فى اليوم الأسود .. تعالوا معا نقرأ قصة الأسطى حمدى ضابط الجيش المتقاعد وأبو السبع بنات، وحكاية عم عاطف ضحية الخصخصة، وحواديت على سامى مع المشاهير فى تاكسي السهرة .. وماذا عن تفاصيل أزمتهم مع البنوك والشيكات والأقساط المتأخرة .. تفضلوا
ألم يتحرك فوق 4 عجلات! عاطف فتحى، عضو رابطة سائقى التاكسي الأبيض ، هو صاحب حكاية مختلفة، هو مشوار من الألم يتحرك أعلى 4 عجلات، كان يعمل رئيس قسم فى شركة الدلتا الصناعية، وهى الشركة التى كانت مملوكة للدولة قبل أن تتعرض للتصفية والسرقة والبيع فى مزاد الخصخصة، تعرض للتنكيل فى الشركة هو والآلاف من العمال فاضطر للخروج فى المعاش المبكر ب98 جنيها مصريا لا غير .. ترك الوظيفة الميرى وتفرغ للتاكسي الأبيض ملاذه الأخيرة فى الدنيا .. يحكى عاطف قائلا: أنا مديون ومتعثر والتاكسي الأبيض خرب بيوتنا.. السيارات بايظة وفيها عيوب صناعة ، أنا استلفت 17 ألف جنيه علشان أجدد الموتور ، وفى النهاية الحال واقف .. أنا عامل جمعية على الرصيف ب10 جنيهات كل يوم حتى أجمع مصاريف صيانة التاكسى، أخرج من بيتى الساعة 8 الصبح ولا أعود قبل الساعة 12 .. ولك أن تتخيل كم المعاناة والأمراض التى نصاب بها .. احنا كتلة أمراض تمشى على الأرض والأغلب من السائقين يعانون من إلتهاب الأعصاب، والضغط والسكر، والسلس البولى بسبب ضغوط الزحام والصداع اليومى المتكرر. الأسطى عاطف يؤكد أنه لا توجد مظلة لحماية سائقى التاكسي فى مصر، وأشار إلى أن الأسطى يلعب ماتش الاعتزال الأخير بقرار من القومسيون الطبى بعد أن يتحول ل "كٌهنة" فلا يتم تجديد رخصته ولا يسمح له بمزاولة المهنة بعد أن تضعف أعصابه ويصاب بمشاكل فى النظر، وأضف إلى ذلك تحاليل المخدرات حيث ندفع 100 جنيه لوزارة الصحة للتحليل مع أنه من المفروض أن يكون التحليل بالمجان لأننا نقدم خدمة عامة للجمهور. أما معاش النقابة فلا يتجاوز 350 جنيها للسائق حامل الدرجة الثالثة. أنا الأسطى! أما السائق محمد السيد ، الذى كان يعمل رئيس أمن بإحدى الشركات الخاصة بمرتب 5 آلاف جنيه، قبل أن يتفرغ للتاكسي فيؤكد أنه يعشق لقب "الأسطى" فهو الشىء الوحيد المتبقى لديه بعد غدر الوظيفة، وعضو برابطة السائقين، ويحتفظ بملف الموازنة العامة للدولة ، وهى الموازنة التى تتضمن بندا خاصا بالتاكسي الأبيض، فى الصفحة مائة، تحت عنوان "دعم صندوق تمويل شراء بعض مركبات النقل السريع"، الصادر بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 470 لسنة 2009، .. محمد السيد يقول: أكيد هناك دخل من التاكسي لكن الأعباء كثيرة، ومن هنا بدأنا نتعثر فى دفع الأقساط، وكانت سيارات التاكسي القديمة ملكنا ولم تكن تكلفنا فى الصيانة وقطع الغيار، ومن هنا كنا عايشين.. لكن دلوقتى لسان حالنا يقول " الحس مسنى وأبات مهنى ولا كبابك اللى قتلنى" .. ويكشف السيد عن واحدة من جوانب الفساد فى المشروع قائلا : المفروض أن قيمة القسط حوالى 790 جنيها يضاف إليها 550 جنيها قيمة الإعلان الذى استحوذت عليه شركة خالد العلمى وهو من أصدقاء جمال مبارك، وقد تمت ترسية مناقصة الإعلان عليه هو تحديدا رغم أنه كانت هناك عروض أفضل وأقوى وأكثر سعرا، المشكلة أن هذا الرجل التزم بالدفع لمدة 6 أشهر فقط ثم توقف وكشفت التحقيقات بعد ذلك أنه نصاب ويدير شركة بلا أصول، ومن هنا بدأوا فى تحميل السائقين قيمة ال550 جنيها بما يعنى زيادة القسط ليصبح 1340 جنيها، فتحملت الدولة هذه القيمة على كل سيارة بما يعنى إهدارا للمال العام وهو ما يشار إليه فى الموازنة العامة ب 731 مليون جنيه .. ويشير السيد إلى أن دعم الصندوق لم يصل للسائقين وإنما تم تسليم السائقين للبنوك بحيث يكون التعامل معها بشكل مباشر وبدلا من أن تكون الفائدة 6 % أصبحت 36%، أيضا السيارات القديمة التى قمنا بتسليمها مقابل 5 آلاف جنيه فقط لكل سيارة ودخلت ضمن سعر السيارة الجديدة، فقد تم بيعها ب800 جنيه فقط لمصانع أحمد عز للحديد، فمن تحمل الفارق فى السعر؟ إذن حدث غبن وتدليس. من هنا نحن أمام وقائع فساد واضحة وفشلنا فى توضيح القضية ومللنا من المظاهرات والاحتجاجات لذلك نرفض شكاوينا لرئيس الجمهورية لفتح الملف والتحقيق مع تلاميذ يوسف بطرس غالى فى وزارة المالية.
نلتقى عند برج الجزيرة بالقرب من برج الجزيرة يتجمع سائقو التاكسي يوميا فى موعد تغيير الورديات فى منتصف النهار .. هناك غرزة شاى صغيرة وحصيرة على الرصيف أشبه بالاستراحة، حيث يجلس السائقون لالتقاط الأنفاس .. الكثير منهم يحملون مؤهلات عليا لكن الملفت أنهم يتمتعون بدرجة عالية من الوعى .. التقينا السائق محمد أبو زيد، حيث يقول: عشنا أياما صعبة جدا وقت الثورة لدرجة أننى اضطررت فى إحدى المرات لأخذ البطاقة من أحد الركاب خوفا من أن يحدث لي مكروه، والدولة بدأت ترجع أمنيا فقط لكن سوق الشغل واقف، وإحنا كسواقين بنقطع على بعض فى الطريق، لأن العدد فى الماضى كان قليلا لكن المشروع جعل أصحاب التاكسيات السوداء الذين اعتزلوا المهنة يعودون مرة أخرى، وحملوا التاكسيات من الخربات واستبدلوها بالتاكسي الأبيض، ومن هنا تضاعفت أعداد السائقين وأصبحت مهنة من لا مهنة له، وأنا كلما أتذكر سيارتى القديمة أشعر بالحزن .. كانت عروسة .. مازدا 929 كان ثمنها عند البيع 80 ألف جنيه فسلمتها ب5 آلاف جنيه! واستلمت عربية أشبه بعلبة السجائر. ويضيف أبو زيد أن هناك تعسفا فى دفع الأقساط مما يجعلنى أضطر لاستغلال السائحين، الحكومة تضغط على وأنا أضغط على الزبون، والبنك قال لى إما تدفع المديونية يا إما هانرفع قضية وأقول لنفسى " اتنيل ياللى أبوك مات من الجوع .. طيب هو كان لاقى أكل وما أكلش"! .. أنا آخر حاجة فكرت فيها إنى أذهب لمقر مجلس الوزراء ومجلس الشعب وأولع فى العربية وفى نفسى .. لأن ضغوط الحياة صعبة جدا فأنا مسئول عن أسرة وعندى أبناء يدرسون من مرحلة الابتدائي إلى الجامعة، وفى النهاية مطلوب منى أكون ب16 عين يعنى أشتغل وأسدد أقساط وأصرف على العيال وأخد بالى من الطريق ومن عسكرى المرور ومن الزبون ومن المارة العشوائيين والبلاعات والحفر ومن المطبان والبلطجية ومن سائقى الموتوسيكلات.. ولو تكلمنا يتهموننا بأننا إخوان لذلك لا أمشى إلا وفى جيبى بطاقة الرئيس السيسي! لأننا نعيش فى مجتمع منح نفسه مؤهلات لم يدرسها فبعد تنحى مبارك أصبح عندنا 90 مليون رئيس. تراجيديا أبو أحمد ! وهناك بعض السائقين يلتزمون بدفع الأقساط، لكن فى المقابل يحرمون أنفسهم من كل شيء .. هذه خلاصة تجربة الأسطى أبو أحمد، الذى رفض التصريح باسمه كاملا، لكن قصته تحمل الكثير من التراجيديا والنقاط السوداء، أبو أحمد قال: أنا تعرضت للإصابة بالشلل عندما سلمت سيارتى القديمة، ومع ذلك مضطر أشتغل وأنا رجل كبير فى السن حتى أنفق على أسرتى، وحتى أدفع الأقساط للبنك أحرم نفسى وأسرتى من الفاكهة واللحوم والحاجات الحلوة، أنا نظرى ضعيف ومش لاقى أعمل نظارة، وعندى آلام روماتزمية حادة فى المفاصل. وللأسف لا أحد يحمينا حتى النقابة، فنحن ندفع تأمينات وزمالة وضرائب وخلافة فى حين تكون مكافأة نهاية الخدمة كلام فاضى.
تاكسي السهرة! وفى المقابل هناك عينة من سائقى التاكسي الأبيض لا يعانون أى أزمات، ممن قاموا بشراء السيارة بنظام الكاش .. هؤلاء يعيشون - عيشة الملوك – وذلك على حد تعبير أحد السائقين .. حيث التقينا بالسائق على سامى، بالجزيرة، والذى قال إن الحياة حلوة وأنه دفع ثمن العربية بالكامل، ويعيش يوما بيوم، لكن ما يعانيه هو غياب الأخلاق من المجتمع، و أشار إلى تراجع القيم فى المهنة ودخول الكثير من الدخلاء ممن أساءوا لمهنة التاكسي .. أيضا نوعية الزبائن اختلفت .. ويتذكر السائق الكثير من المواقف التى مر بها حيث يقول: القاهرة بعد الساعة 12 بالليل وفى فترة السهرة الحياة مختلفة، و فى فترة السهرة بالذات قد يصادفنى الكثير من المشاهير .. لأنه من المعروف "أن النجوم بيطلعوا فى الليل " وفى مرة من المرات ركب معى الفنان المرحوم أحمد زكى من منطقة المهندسين وكان يريد أن يذهب إلى وسط البلد.. فدار بينى وبينه حوار وقال لى يا على يا سامى انت تنفع حرامى فى أفلام السينما .. وكان دمه خفيف ! منظومة فشل رجب السواحلى، رئيس النقابة العامة الحرة للنقل البرى، يؤكد أن الكارثة ليست فى تأخر الأقساط والأزمة مع البنوك ولكن نحن أمام منظومة شاملة من الفشل فى قطاع الطرق والنقل، المفروض أن تنظر الدولة بعين العطف للسائقين لأنهم يقدمون خدمة جماهيرية عامة، خاصة وأنهم أصبحوا محاصرين بكمية هائلة من المشكلات والأزمات منها مثلا قطع الغيار المولعة نار يعنى فردة الكاوتش يزيد سعرها على 500 جنيه، والبطارية يصل سعرها للتاكسى الأبيض إلى 900 جنيه مع أنها أقل من هذا السعر، أيضا الحكومة وعدت بعمل بطاقات لدعم البنزين للسائقين لكن كله كلام فى الهواء .. فهناك منظومة طرق غير سليمة وليس هناك سوى طريق واحد فقط مطابق للمعايير الدولية وهو (الغردقة - القاهرة).. ويشير السواحلى إلى ان النقابات العامة الخاصة بالسائقين تعمل الآن على تقويم السلبيات والسلوكيات مثل تنظيم دورات تدريبية للتوعية من مخاطر الترامادول والمخدرات ولمراعاة السلوكيات الحضارية .
هذا وينتظر أصحاب التاكسي الأبيض الحكم فى الدعاوى المنظورة هذا الشهر والتى قد تنصف مطالبهم بعض الشىء الخاصة بإعادة تقييم سعر السيارة وتيسير دفع الأقساط والتحقيق فى المخالفات التى تم رصدها.