من يرثى أطفال الحجارة من بعده! شاعر المقاومة فى أوراقه الخاصة: سيرتى الذاتية عادية ومن كلماته: كل الذين ماتوا نجوا من الحياة بأعجوبة "سلام على الصاعدين خفافًا على سلم الله".. قالها محمود درويش الذى صعد "خفيفًا" إلى السماء منذ 8 سنوات فى أغسطس 2008، تاركًا رصيدًا أدبيًّا وإنسانيًّا ونضاليًّا ضخمًا، تجاوز به حدود الموت الذى حصل منه على مترين فقط من هذا التراب، فقد ظل درويش فلسطين هو صوت المحنة التى تجسدت فى كلماته وتعبيراته وقصائده لتحكى للأجيال كم عانت أرض السلام .. فماذا تحمل هذه الأيام فى ذكراه؟
مازلت حيا فى مكان ما وأعرف سأصير يوما ما أريد .. وكل الذين ماتوا نجوا من الحياة بأعجوبة .. بهذه الكلمات الموحية وغيرها عبر درويش عن الكثير من المعانى المشحونة بالحياة، فنراه صامدا فى أخريات حياته ليختار الحياة الأخرى الخالدة التى تأملها فى الكثير من قصائده، ويرحل عن عالمنا فى صمت بينما كان يجرى جراحة قلب مفتوح بإحدى مستشفيات الولاياتالمتحدة فى مثل هذه الأيام قبل سبع سنوات.. رحل درويش تاركا خلفه القضية الفلسطينية وحيدة شريدة فى أمس الحاجة لتعبيراته التى كانت أدق من السيف عند الوصف، وأحن على القضية من كلمات الطفل المدلل، لهذا كان حادث استشهاد الرضيع الفلسطينى "على دوابشة" حرقا على يد يهود متطرفين، قد دفع بالكثير من المثقفين للبحث عن "درويش" لرثاء الطفل، ولكن دون جدوى! وكان الشاعر الراحل قد سبق وكتب قصائد عديدة فى رثاء أطفال الحجارة وشهداء فلسطين الصغار.. ويعد محمود درويش أحد أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن. ويعتبرأحد أبرز من ساهم فى تطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه وفي شعره أيضا ارتبط حب الوطن بالحبيبة التى قد يصادفها الشاعر فى حياته، فلا تعرف إلى من يكتب: إلى حبيبته أم إلى فلسطين! على هامش الذكرى أتاحت مؤسسة محمود درويش مجموعة من الوثائق والمخطوطات التى تحكى ملامح من سيرته الذاتية، فنراه يقول :" ما يعني القارئ في سيرتي مكتوب في القصائد. وهناك قول مفاده أن كل قصيدة غنائية هي قصيدة سيرة ذاتية، علماً بأن هناك نظرية تقول: إن القارئ لا يحتاج إلى معرفة سيرة الشاعر كي يفهم شعره ويتواصل معه. ثانياً يجب أن أشعر بأن في سيرتي الذاتية ما يفيد، أو ما يقدم فائدة، ولا أخفيك أن سيرتي الذاتية عادية جداً. ولم أفكر حتى الآن في كتابة سيرتي". ويتحدث درويش عن الكثير من المحطات التى مر بها فى مشوار حياته، ولعل أبرز هذه المحطات هى القاهرة، التى يصفها بالمحطة الثانية بعد الخروج من الوطن فيقول: "الدخول إلى القاهرة كان من أهم الأحداث في حياتي الشخصية.. في القاهرة ترسخ قرار خروجي من فلسطين وعدم عودتي إليها. ولم يكن هذا القرار سهلاً. كنت أصحو من النوم وكأنني غير متأكد من مكان وجودي. أفتح الشباك وعندما أرى النيل أتأكد من أنني في القاهرة.. خامرتني هواجس ووساوس كثيرة، لكنني فتنت بكوني في مدينة عربية، أسماء شوارعها عربية والناس فيها يتكلمون بالعربية. وأكثر من ذلك، وجدت نفسي أسكن النصوص الأدبية التي كنت أقرأها وأعجب بها. فأنا أحد أبناء الثقافة المصرية تقريباً والأدب المصري. التقيت بهؤلاء الكتّاب الذين كنت من قرائهم وكنت أعدّهم من آبائي الروحيين.. التقيت محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ وسواهما، والتقيت كبار الكتاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم. ولم ألتق بأم كلثوم وطه حسين، وكنت أحب اللقاء بهما". وفى أوراقه الخاصة التى كتبها بخط يده، يروى درويش الكثير من التفاصيل والمواقف المدهشة التى مر بها فى حياته، فنراه يقول :" كانت مصادفة أن أكون أنا الحى فى حادث الباص، حيث تأخرت عن رحلتى المدرسية، لأنى نسيت الوجود وأحواله، عندما كنت أقرأ فى الليل قصة حب تقمصت دور المؤلف فيها ودور الحبيب الضحية، فكنت شهيد الهوى فى الرواية.. كان يمكن ألاأكون،كان يمكن ألا يكون أبى قد تزوج أمى مصادفة، أو أكون مثل أختى التى صرخت ثم ماتت ولم تنتبه إلى أنها ولدت ساعة واحدة ولم تعرف الوالدة .. كانت مصادفة أن أكون ذكرا .. ومصادفة أن أرى قمرا شاحبا مثل ليمونة ..". ومن دواوينه الشعرية: عصافير بلا أجنحة، أوراق الزيتون، عاشق من فلسطين، آخر الليل، مطر ناعم في خريف بعيد، يوميات الحزن العادي"قصص" ، يوميات جرح فلسطيني، حبيبتي تنهض من نومها، محاولة رقم 7، أحبك أو لا أحب، مديح الظل العالي، هي أغنية .. هي أغنية، لا تعتذر عما فعلت، عرائس، العصافير تموت في الجليل،هذا صوتهاوهذاانتحارالعاشق، حصار لمدائح البحر،شيءعن الوطن،وداعا أيتها الحرب وداعا أيها السلم "مقالات". مختارات من أشعاره: عن الصمود لو يذكر الزيتون غارسه لصار الزيت دمعا يا حكمة الأجدادِ لو من لحمنا نعطيك درعا لكن سهل الريح لا يعطي عبيد الريح زرعا إنا سنقلع بالرموشِ الشوك والأحزان.. قلعا وإلام نحمل عارنا وصليبنا والكون يسعى.. سنظل في الزيتون خضرته وحول الأرض درعا إنا نحب الورد لكنا نحب القمح أكثرْ ونحب عطر الورد لكن السنابل منه أطهرْ بالصدر المسمر هاتوا السياج من الصدور من الصدور؛ فكيف يكسرْ؟ اقبض على عنق السنابلِ مثلما عانقت خنجرْ الأرض، والفلاح، والإصرار قال لي كيف تقهر هذي الأقاليم الثلاثة كيف تقهر؟