"العلم في كبسولة".. ربما كثيرون من الأجيال الحالية لا يمثل لهم هذا العنوان شيئاً ويبدو مبهماً، لكن المؤكد أنهم سيفاجئون عندما نكشف لهم أنه اسم باب ثابت كان يحرره العالم الكبير الدكتور أحمد زويل ينشر لسنوات في مجلة الشباب خلال فترة التسعينيات يهتم بتبسيط العلوم والمصطلحات الصعبة بأسلوب سهل للفهم حتى لغير المتخصصين في الكيمياء والفيزياء، ومن يعود لأعداد مجلة "الشباب" منذ عام 1987 سيلاحظ عدة تحقيقات وحوارات أشارت فيها المجلة لعالم مصري مشهور عالمياً ويحظي بمكانة كبيرة في جامعات أمريكا أوروبا.. ولكنه للآسف كان – وقتها – مجهولا في بلده.. هذا العالم اسمه أحمد زويل، ونشير هنا لأن السبب في تعريف المجلة لكثير من المصريين بهذا العالم الراحل هو إنه كان يرتبط بعلاقة صداقة قديمة برئيس تحرير المجلة وقتها الراحل الكبير عبد الوهاب مطاوع ، ولذلك كان زويل لسنوات ليس مجرد ضيف علي صفحات "الشباب" .. ولكنه صاحب بيت كما يقولون، ولذلك أيضاً لم يكن غريباً أن يرافق الأستاذ عبد الوهاب مطاوع صديقه زويل خلال رحلته للسويد لاستلام جائزة نوبل عام 1999.. وكان وقتها ضيفاً على الحفل بصفة شخصية رغم محدودية الدعوات، وانفرد الأستاذ عبد الوهاب مطاوع بكواليس وصور تم نشرها على صفحات "الشباب" ، وطوال السنوات التالية وحتى وقت قريب كانت المجلة تنشر بانتظام حوارات عديدة مع الدكتور زويل سواء خلال زياراته للقاهرة أو حتى في أثناء وجوده بأمريكا وسفرياته الكثيرة ..
مجلة " الشباب " لها حكايات لا تنسي مع زويل.. وأقل ما يمكن تقديمه لهذا العالم الجليل ونحن نودعه أن نتوقف مع بعض المحطات التى جمعتهما سوياً .. "الشباب"
أول محطة توقفنا عندها هذا التحقيق المهم الذي أجرته الزميلة عنايات مرجان في ونشر في المجلة عدد يناير 1988 أي قبل فوز زويل بجائزة نوبل ب 11 عاما واللافت هو أن التحقيق تنبأ بفوزه بالجائزة وقتها.. وإلكيم نص هذا التحقيق... إذا كان عالم الرياضيات الألماني الأصل الأمريكي الجنسية البريت آينشتاين قد اكتشف أن الذرة تنقسم و بذلك أحدث ثورة علمية قلبت كل الموازين و الأسس العلمية في ذلك العصر..فقد استطاع العالم المصري الشاب الذي يعيش في الولاياتالمتحدةالأمريكية أن يكتشف بإستخدام اطياف الليزر سرعة الجزيئات و هي تتفاعل مع بعضها البعض مما سيكون له أبعاد كبيرة في عالم الطب و الهندسة الوراثية ,بل و في كل العلوم، و مما سوف يقدم للعلماء فكرة أوضح عن عمر الكون على وجه الدقة.. و الذي تتوقع الدوائر العلمية له أن يكون أول عالم مصري و عربي يفوز بجائزة نوبل في العام القادم.. فصلته كلية العلوم بجامعة الأسكندرية عام 1975 فأصبح أول عالم مصري يرشح لجائزة نوبل. فما هي قصة عالمنا المصري الشاب ..الذي جاء من مدينة دمنهور من الأسكندرية و هو في السابعة عشر من عمره ..ليعيش في حي محرم بك بجانب كليته ..ترافقه والدته بعض الوقت و تتركه في الشقة الصغيرة بين كتبه يخدم نفسه.. متسلحاً بالقيم الدينية والأخلاق السامية.. إن "مجلة الشباب" تقدم قصة الشاب أحمد زويل الذي يبلغ من العمر الآن 41 عاما من خلال أساتذته ..و زملاء الدراسة.. في كلية العلوم قسم الكيمياء بالأسكندرية ..الذي شهد مولد العالم المصري. ففي المعمل المتواضع الذي يضم مجموعة من الأجهزة البدائية البسيطة المتواضعة و الأواني التي تمتلأ بالمواد الكيمائية كان النواة الأولي التي نبت منها هذا العالم الفذ ..الذي تتحدث عن إكتشافاته الوسائط العلمية في الولاياتالمتحدةالأمريكية . في هذا المعمل الصغير رصدت عيناه تحرك المواد و تحللها و تكوينها و سرعة حركتها .. في هذا المكان التقطت أذناه شرح أساتذته و شهد هذا المعمل البسيط أولي تجاربه كطالب في قسم الكيمياء و كمعيد يحضر لرسالة الماجستير ..في المعمل ..مكتب صغير يجلس علية أستاذ علم الكيمياء الدكتور يوسف رياض و في جلسة هادئة تحدث دكتور يوسف أستاذه عن الطالب أحمد زويل ..و رجع بذاكرته بعيداً الي عام 1963 حين التحق بكلية العلوم التي تخرج منها عام 1967 . يقول الدكتور يوسف رياض : هذا الفتي او الشاب الذي لا يتعدي عمره 17 عام لفت نظري منذ الأيام الأولي من التحاقه بالكلية .. و قد كان مجتهد دؤوباً .. لا يتخلف ابداً عن محاضراته للكيمياء .. و يقضي ساعات طويلة في المعمل .. و متفوقاً في كل علومه و لكنه ظهر نبوغه في الكيمياء .. و لقد تذكرت إنه يمتاز بقوة الملاحظة .. و هنا تدخلت هند النحاس لتضيف .. أحمد زويل .. إنه شخصية مرحة ..لا تفوته رحلة جامعية و إن كان يستبقني بدفعتين الا إني كنت أعرفه عن طريق الرحلات ..كما إنه رياضي ..و لكن تزوج زميلتنا ميرفت او الدكتورة ميرفت و قد كانت معيدة بالكلية .. و سافرت معه إلي الولاياتالمتحدة و أنجب منها طفلين . و يستكمل ملفه خدمته قصة العالم الشاب فتقول وثائقه إنه بعد إنتهاء مدة بعثته للولايات المتحدةالأمريكية طلب من كليته ان تمد له البعثة حتي تستكمل زوجته في الدكتوراه و لكن الكلية رفضت و فصلته في عام 1975 . و منذ هذا التاريخ لم يراسل الدكتور احمد زويل الكلية ! و يشارك الدكتور عبد الحميد يوسف رئيس قسم الكهرباء بكلية علوم الأسكندرية في رواية قصته فيقول : كنت معيداً علي احمد زويل .. و قد حصل علي الماجستير من من كلية علوم الأسكندرية .. في علم الأطياف . و عندما سافر إلي الولاياتالمتحدة استطاع ان يجري ابحاثه و يتخصص في دراسة آشعة الليزر باهظة التكاليف لا قبل لنا بها و الإمكانيات غير متوفرة .. و الإكتشافات دائماً وليدة العديد من الخطوات المستمرة هي نتاج مشوار طويل من البحث و تحتاج لاستمرارية في الإطلاع و إجراء التجارب و توافر الأجهزة .. و العمل كفريق متكامل بجانب النبوغ و قوة الملاحظة و هذا ما يتميز به الدكتور احمد زويل منذ بداية دراسته في كلية العلوم قسم الكيمياء ... أيام احمد زويل كان به 7 طلبة كيمياء متخصصة .. نعرفهم بالاسم كنت الاحظ ان احمد زويل يمتاز بالصبر و الجلد و لا يمل الوقوف ساعات طويلة في المعمل بالرغم إنه إجتماعي خلال الحديث كان يقف علي مقربة من رئيس القسم الدكتور عادل فقال للدكتور يوسف رياض الا تذكر يا دكتوريوسف المنافسة التي كانت بيني و بين الدكتور احمد زويل للحصول علي المرتبة الاولي و مع هذا كنا نتبادل المعلومات . ان الدكتور احمد زويل سخي معطاء لي قصة معه .. حدثت منذ مدة قصيرة برغم السنين الطويلة التي مرت و شق فيها كل إنسان طريقه .. قد بعث الي مجموعة من الأبحاث و الكتب و بعض الأجهزة مع صديق لنا سافر إلي الولاياتالمتحدة و قابله هناك . و عرف منه إني في إحتياج لهذة الدراسات لإستكمال بها الأبحاث التي أقوم بها في علم الأطياف و بالرعم من الصلات بيننا قد انقطعت فقد بادر من فوره بإرسال هذة الأبحاث و الدراسات إلي مع زميلي و بغير ان يطلب منه احد ذلك . و يستكمل الحديث الدكتور شريف قنديل رئيس قسم علوم المواد و هو زميل و صديق الدكتور احمد زويل و علي إتصال دائم به .. فيقول : لنا جسور و قناوت مع علمائنا في الخارج و خصوصاً الدكتور احمد زويل فهو لم ينقطع عن مصر .. و قد حضر مؤتمر عام 1983 و إشترك في المؤتمر بعدة أبحاث و هو يرسل لنا كتبه و دراساته و هي موجودة في مكتبة المعهد و بعد العديد من المناقشات و الحديث عن الدكتور احمد زويل من خلال أساتذته و زملائه .. سألت الدكتور شريف قنديل عن مسكن الدكتور احمد زويل او بمعني اصح عنوان والدته .. ألام العظيمة المكافحة كيف أنجبت هذا العالم . و سهرت علي تربيته و تعليمه بعد ان توفي والده .. فرد الدكتور قنديل .. إني اعرف إنه من دمنهور و قد كان يعيش مع والدته و هو الأبن الوحيد لانه معفي من التجنيد و في أسرار اريد ان أقابل الأم المصرية .. التي تغتزل الحكمة في أعماقها و الحضارة في عروقها .. و في يوم مطير أخذت السيارة من الأسكندرية و علي بعد 60 ك/م من الطريق الزراعي .. وجدت نفسي في مدخل المدينة .. دمنهور .. او محطة الاله هور .. اله العلم .. عند الفراعنة .. و في شارع المحطة الرئيسي بدأت السؤال كنت اريد ان أتعرف علي مشاعر اهل مدينته .. عندما يظهر منها عالم يعيش في القرية و تتحدث عنه الصحف و الإذاعات سألت بائعاًفي كشك صغير علي ناصية الطريق . هل تعرف عنوان عائلة احمد زويل و اذا بالرجل البسيط يرد عليا بفرح أتقصدين العالم الدكتور احمد زويل الذي كتبت عنه الجرائد .. لقد قلت نعم .. هو نفسه فأنا مندوبه الجريدة الذي كتبت عنه أريد أن اتعرف علي عائلته .. فقال بفخر و إعزاز .. ان عائلة زويل في دمنهور فيها الصيدلي و المهندس و الطبيب .. كلهم متعلمون ثم قال إن امامك يافطة علي العمارة المقبلة لطبيب مشهور هو الدكتور مصطفي زويل المستشار الطبي للأذن و الحنجرة بالمستشفي التعليمي بدمنهور ذهبت توا الي العيادة حيث كانت تمتلئ بالمرضي . و التقيته به احسست بشبه كبير بين قريبة الدكتور أحمد زويل .. قال الدكتور مصطفي و علي جهه ابتسامة فخر و اعزاز .. ان لنا ثلاثة علماء في امريكا .بأسم زويل. كلهم يحملون درجة الدكتوراه .. كنت اريد ان اتعرف علي احمد زويل العالم المكتشف .. فقال انه رفيق الدراسة و في نفس سني كنا سويا في المدرسة الابتدائية و الثانوية . ثم ذهبنا إلي الاسكندرية .. التحق هو بكلية العلوم و التحقت انا بكلية الطب وكان عاشقا للكمياء.. وكان متفوقا في دراسته .. و جادا في حياته، و قد استقر في امريكا منذ سنوات ،وحقق نجاحا كبيرا في عمله الأكاديمي هناك ثم فوجئنا بما نشرته الصحف عن اكتشافة العلمي الكبير .. لكني شخصيا لن اندهش لاني توقعت له هذا التفوق و ان يحقق في يوم من الايام انتصارا علميا. اما شجله العلمي في امريكا فيستكمل باقي قصته فبعد حصوله علي الدكتوراه في دراسة الطيف فوجئ بالسلطات الامريكية تعينه باحثا بجامعة بركلي بشمال كليفورنيا لمدة عاميا خلالهما بعض الدراسات المتقدمة و طلبت جامعتان اخريان بتعينه كاستاذ مساعد بهما فاختار العمل في جامعة ماسهشوستش و بعض اريع سنوات اصبح استاذا بالقسم يعمل معه 15 طالب دكتوراه و 40 باحثا و تخصص في ابحاث اشعة الليزر و اصبح مع تلميذ معروفين بابحاثيهم عن الليزر في كل جامعات العالم و الف زويل 4 كتب عن كمياء الليزر و اشعة الطيف و اشترك في تقديم 180 بحثا ، و منذ 5 سنوات بدأت ابحاثه التي قادته الي كشفه العلمي الكبير ، و كانت البداية ان فكر ان يجري بحثه بطريقة عسكرية ، فقد كان زملائه يجرون ابحاثهم عن التحام الجزيئات ببعضها البعض لانتاج مواد جديدة لها خواص جديدة و طاقة جديدة .. و قد حصل 3 علماء منهم علي جائزة نوبل عام 1986 ، اما هو فقد فكر في محاولة إستخدام الليزر لتحطيم و تحريك الجزيء ليلتحم بجزيء ، و كان في إحتياج لكاميرا تعمل بأشعة الليزر حتي تعطية السرعة و الدقة المتناهية التي تمكنه من الإلتقاط اي عين من تحرك الجزيئات لحظة ميلادها او التحامها بغيرها ، فكان ذلك بداية كشفه و سرعة التحام الجزيئات ، و بداية لقصه إنجازه العلمي الكبير الذي تفخر به بلاده التي انجبته و الشاب المصري الذي يمثله. ( نشر هذا التحقيق فى يناير 1988)